حنين بن اسحق (813-873م) . وكان أبوه سريانيا من العباديين في الحيرة ، وكان يشتغل بالصيدلة فلما نشأ حنين أحب العلم . ودرس الطب في مدرسة جنديسابور ، وحضر مجالي يوحنا بن ماسويه في بغداد ، غير أن يوحنا أنكر عليه تعلم الطب لأنه من أهل الحيرة ((ولأن هؤلاء الجنديسابوريين كانوا يعتقدون أنهم أهل هذا العلم ، ولا يخرجونه عنهم وعن أولادهم ، ويرى ماكس مايرهوف أن حنينا كره كره من استاذه ما جبل عليه من غطرسة وكبرياء ، وصمم على تعلم اللغة اليونانية لأنه رأى فيها خير مساعد له على ارواء غلته من الثقافة الطبية ، وقد اندفع بقوة في هذا الاتجاه .
فقصد البصرة وكانت في ذلك العهد أكبر معهد لعلوم اللغة العربية وملتقى أقطابها .
وهناك لزم الخليل بن أحمد حتى برع في اللسان العربي وبذلك أصبح حنين يجيد أربعا هي الفارسية واليونانية والعربية والسريانية التي هي لغته الأصلية . وقد أعانه ذلك على أن ينقل الكتب السريانية واليونانية الى العربية.
وحوالي سنة 211ه اتصل حنين بجبريل بن يختشوع طبيب المأمون فامتدح ذكاءه ، قال يوسف الطبيب : دخلت يوما على جبرييل بن يخيشوع فوجدت عنده حنينا، وقد ترجم له بعض التشريح وجبرييل يخاطبه بالتبجيل ويسميه الرهبان . فأعظمت ما رأيت ، وتبين ذلك جبرييل مني، فقال لي لا تستكثر هذا مني في أمر هذا الفتى ، لئن مد له في العمر ليفضحن سرجيس ، وسرجيس هذا هو الرأس اكبير والذي نقل أغلب علوم اليونانيين الى السريانية.
بقول المؤرخ السرياني الكبير ابن العبري: ولم يزل أمره(حنين) يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تظهر في النقل والتفاسير حتى صار ينبوعا للعلم ، ومعدنا للفضائل . واتصل خبره بالخليفة المتوكل فأمر باحضاره ، واختاره للترجمة وائتمنه عليها . وجعل له كتابا نحارير عالمين بالترجمة كانوا يترجمون ويتصفح ما ترجموا.
ولقد ذكر ماكس مايرهوف أن حنينا ترجم الى السريانية من كتب جالينوس خمسة وتسعين كتابا ، وترجم الى العربية منها تسعة وثلاثين.
كذلك ذكر أنه كان يؤلف الكتب الطبية والفلسفية والفلكية بالسريانية أو يترجمها اليها لعلماء النصارى وأطبائهم ، بينما كان يؤلف الكتب العربية ويترجمها اليها لعلماء المسلمين.
ويذكر جميع مؤرخي ذلك العصر ،أن حنينا كان يترجم الى اللغة السريانية ، ثم ينقل ابنه اسحق ما يترجمه الى اللغة العربية.
ويقررأولبرى أن بعض ترجمات حنين قد نقحها فيما بعد كتاب متأخرون.
ولقد استطاع حنين بقضل تضلعه في اليونانية اضافة الى لغته الأم السريانية ، استطاع أن يوضح معاني كتب (جالينوس) ، ويلخصها أحسن تلخيص ، ويكشف ما استغلق منها ، ويقدم لها.
فمن ذلك ما فعله في كتاب (الفصد) اذ (نقله من اليونانية الى العربية ، وهذبه، وزاد فيه مقدمة فيما يجب على الطبيب اعتماده في الصنعة والعلاج ، وتلاه بكلام جالينوس في الفصد.
ولم ينحصر مجال حنين في ترجمة الكتب الطبية فقد قيل أنه عرب كتاب (اقليدس) ، وكتاب (بطليموس) المجطي- أكبر كتبه الفلكية ، وأصلحها ونقحها.
كذلك عرب حنين عددا كبيرا من كتب ابقراط وارسطو ، كما (جعل المنهج الكامل في مدرسة طب الاسكندرية في متناول أيدي الطلاب العرب ، واشتمل على مجموعة مختارة من كتب جالين ، فأفاد الأمة العربية افادة جزيلة ، اذ لولا ذلك التعريب الذي قام به حنين وغيره من المترجمين السريان، لما انتفع أحد بتلك الكتب لعدم المعرفة بلسان اليونان .
ولم يشأ حنين أن يقف عند حدود النقل والتعريب ، فقد أحس قدرته على التأليف في هذه الموضوعات التي طالما اشتغل بالترجمة فيها ، وقد أورد القفطي قائمة كاملة لمؤلفاته ، وقد كانت باللغتين السريانية والعربية ، وكانت كتبه الطبية صورة متماثلة مع الكتب الطبية اليونانية والتي استنفذ في ترجمتها أهم قسط من نشاطه في حباته العلمية .
وقد ذكر ماكس مايرهوف : أهم كتبه (تفسير كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس) وقد ترجم الى اللغة اللاتينية ، (والمسائل في الطب) وهو مقدمة للطب العام على هيئة أسئلة وأجوبة ، ثم كتاب ، العشر مقالات في العين ، وكتاب (المسائل في العين).
ويرى أولبري، أن الفضل في حنين يجب أن ينسب الى جنديسابور بالرغم من أن معلوماته الأوسع والأدق انما جاءته عن طريق بلاد الاغريق لأن هذه الأسفار والدراسات لم يدفعه اليها الا ما تعلمه في جنديسابور على يد ملافنة السريان وكبار علمائهم.
تعليق