طبيعة ومظاهر الأرباب والمعبودات
نظراً لكثرة وتنوع المعبودات التى قدسها المصرى القديم، واختلاف طبيعة هذه المعبودات واحداً عن الآخر، علاوة على نظرة المصرى نفسها للكون حوله والبيئة المحيطة، وما انعكس من هذا التأمل والتدبر العميق؛ لذلك كان أن تصوَّر المصرى معبوداً خاصاً لكل ظاهرة من الظواهر، واختلف مسمى هذا المعبود أحياناً بين منطقة وأخرى. وفى أحيان أخرى تسيَّد معبودٌ بعينه تصوُّرَ المصرىِّ فى كافة أرجاء الدولة.
مجموعة من التمائم الذهبية لبعض المعبودات المصرية. المتحف المصرى
كما كان لطبيعة تكوين المجتمع المصرى القديم دور أيضاً فى تصنيف هذه المعبودات، فهناك معبودات ارتبطت بنطاق محلى محدود، وأخرى تسيدت سائر البلاد. إلا أن الفكر الدينى وتصوُّر المصرى لحياةٍٍ أخرى بعد البعث، فضلاً عن تخوف المصرى من بعض الظواهر أو حبه لأخرى، وإيمانه بالسحر - كل ذلك أدى إلى ظهور تنوع وتشعب للمعبودات المصرية.
ومن بين هذه التصنيفات التى سنتعرض لها: (المعبودات الكونية، والمعبودات الرسمية، والمعبودات المحلية، وآلهة الموتى والجبانة، وآلهة العالم الآخر). بل أن الأجدر بالتدقيق فى هذا الأمر هو أن هذه المعبودات لم تخضع لتصنيف واحد وواضح، إذ أنه كثيراً ما نجد لمعبود واحد أكثر من طبيعة وأكثر من دور، وأدى ذلك إلى إمكانية اشتراك معبود واحد فى أكثر من تصنيف من هذه التصنيفات.
الأشكال الرئيسية الأربعة لكتابة اسم المعبـود أو الإلـه فى الكتابة الهيروغليفية، وهى بترتيب الترقيم:
رسم لمعبود جالس بهيئة آدمية؛ والصقر واقفاً على حامل؛ والسارية التى كانت تتقدم المعبد؛ والنجمة الخماسية.
فقد صُنفت بعض الآلهة والمعبودات كآلهة كونية، والبعض الآخر صنف على أنه معبودات محلية؛ ويرجع ذلك فى الأغلب إلى طبيعة هؤلاء الأرباب وأدوارهم، وما تمتعتوا به من نصيبٍ رفع شأن بعضها عالياً، أو حصر شهرة ومكانة معبودات أخرى فى منطقة بعينها دون غيرها، وذلك كأن يُدمج معبودٌ ما فى مذهب دينى معين، أو يُربط بعلاقة مع الملكية أو عاصمة الحكم، أو أن تسهم صفة من صفاته فى رفعة شأنه بشكل أو بآخر، وذلك كما هو فى حالة "حور" (حورس) كربٍّ كونى سماوى فى صورة الصقر، وكابنٍ للمعبود "أوزير" (أوزيريس)، وكوريثٍ للعرش وإلهٍ رسمى للدولة، أو كمعبود محلى لبعض المقاطعات والمدن.
ومثل ذلك نجده فى حالة المعبود "رع" (رب الشمس) الذى أُدمج فى نظرية "عين شمس" كربٍّ خالق، وارتباطه بالشمس ودورتها كإلهٍ كونى. وكذلك نجد كلاً من "آمون"، و"مين"، و"حتحور"، و"نوت"، وغيرها من الأرباب التى لعبت دوراً محورياً فى عقيدة المصرى القديم، حيث انطلقت من عبادتها المحلية الضيقة لرعاية الملك، وصولاً إلى العالمية أو الكونية.
غير أن الفيصل الرئيس فى هذا التصنيف هو ارتباط هذه المعبودات بظواهر وطبيعة كونية، كالشمس, والقمر، والنجوم، والسماء، والهواء، والأجرام, أو انحصار ربوبيتها وعبادتها فى نطاق إقليمى ضيق، كارتباط تقديسها وعبادتها بإقليم، أو مدينة، أو قرية, فلا تكاد عبادة مثل هذه المعبودات تتعدى حدودها المحلية هذه.
وأحياناً ما تكون هذه المعبودات المحلية صوراً محلية مصغرة لمعبود أكبر، ولعل أكثر المعبودات التى عُبدت فى صور وأشكال محلية الربة "حتحور"، والمعبود "حور" (حورس)، وذلك بخلاف كونهما من المعبودات الرسمية.
ويمكن قياس ذلك على الكثير من الأرباب المصريين، وهو ما دفعنى لمحاولة وضع تصور عام يحدد معالم هذه الطبيعة الإلهية التى يمكن أن نصنف تحتها كافة المعبودات المصرية، استشهاداً ببعض الأمثلة فى كل تصنيف، وتوضيحاً لطبيعة وخصائص كل منها، وذلك قبل الخوض فى دراسة قوائم الأرباب المصرية.
تعليق