نظرات في التاريخ القديم عصر اكتشاف المعادن واستخدامها
يقصد بعصر اكتشاف المعادن العصر الذي يلي العصر المسمى بالعصر الحجري الحديث ، وقد اكتشف فيه الإنسان القديم المعادن ، وبدأ يستعملها في قضاء حوائجه ، ويصنع منها الأدوات المختلفة ، ويبدأ هذا العصر حسب تقدير بعض الأثريين بعد العام 4000 قبل الميلاد، وينتهي عند القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد .
وقد ملك مصر فيه نارمر الذي استطاع أن يخضع أقاليمها تحت ملكه ، فسُمي موحد القطرين الشمالي والجنوبي لذلك ، وليس لأنه أول من دعا إلى التوحيد كما زعم البعض .
ويسمي علماء الآثار تلك الفترة ( فترة عصر المعادن ) بفترة الحضارة المصرية الأولى ؛ لأن المصريين بدءوا فيه في بناء نواة المدنية ، فكانت مدن طيبة وممفيس وبوتو وهيراكونوبليس وأليفاتانين وبوباستيس وتانيس ، وأبيدوس وسايس وأكسويس وهليوبوليس ..
وتعرف فيه الإنسان على المعادن وطرق صهرها ، مثل النحاس والبرونز ، وظهرت الأدوات المنزلية المختلفة ، مثل الأزاميل والخناجر والحراب ، ولكنها كانت قليلة في البداية ثم ازداد استعمال النحاس ، وازدادت أهميته في الفترات التالية ، وظهر في هذا العصر أيضا الذهب والفضة ، فصُنع منهما الحلي بأنواعها المختلفة ، وكانت منطقة المعادى تعد في هذا العصر مركزاً تُصب فيه موارد النحاس من شبة جزيرة سيناء ..
وفى هذا العصر أيضا تطورت صناعة نسيج الأقمشة والأخشاب والأواني الفخارية، وبنيت المساكن من اللّبن بدلاً من الطين والبوص، وفرشت بالحصير المصنوع من نبات البردي، وصنعت الوسائد كذلك.
لكن أهم ما ميز هذا العصر هو صناعة الآنية الحجرية المصقولة ، وقد راجت هذه الصناعة في منطقة البداري ، إذ عُثر بها على أدوات تعود لذلك العصر ، وكذلك أصناف المرمر ، كما صنعت آنية من الجرانيت والديوريت والنيس ، وهى جميعا أحجار صلبة تحتاج إلى مجهود كبير في صنعها ، وإلى دقة ومهارة في إعدادها ؛ مما يدل على أن المصريين قد وصلوا وقتها إلى درجة عالية من المهارة والذوق الفني .
هذا وقد كان المصريون في ذلك الوقت يعيشون على زراعة الشعير والقمح في أطراف الوادي ؛ مما يؤكد على أن مصر كانت من أولى الدول في زراعة الحبوب التي ـ للأسف ـ تعتمد على غيرها الآن في جلب الكثير منها ..
كما اشتغلوا بتربية الماعز والأغنام والماشية والخنازير واصطياد الحيوانات البرية والبحرية ، وعملوا بزرع أشجار الثمار أيضا .
هذا وقد قسمت حضارات هذا العصر على أساس تقسيم الفخار الذي ورد عنه إلى :
1- حضارة العمرة ( بلدة جنوب شرق العرابة المدفونة , مركز البلينا بمحافظة سوهاج ) وتسمي كذلك بالحضارة القديمة لعصر ما قبل الأسرات.
2- حضارة جرزة ، وتسمى كذلك بالحضارة الوسطي لعصر ما قبل الأسرات ، وتمتاز هذه بتقدم كبير في الزراعة وزيادة في الرقعة الزراعية ، ويُرجع البعض ذلك إلى حدوث ارتفاع في منسوب مياه النيل ، وذلك ساعد بدوره على انكماش مساحة المستنقعات ؛ مما كان له أكبر الأثر في زيادة إنتاج الغذاء ، وفى قيام فئات جديدة من الناس تمارس الصناعة والتجارة ، وظهور نوع من تقسيم العمل لم يكن معروفا من قبل ، وتدل الآثار على وجود تميز في المساكن والمقابر من حيث الحجم والمحتويات .
3 ـ حضارة " نقادة " نسبة لبلدة نقادة إحدى مدن محافظة قنا ، وقد مرت هذه الحضارة بثلاث مراحل ، واشتهرت بفخارها الذي لعب دورا بارزا في تاريخ حضارات ما قبل التاريخ في مصر .
وقد عرف أهل نقادة أنواعا كثيرة من الفخار، منها الفخار ذو الحافة السوداء، والفخار ذو الزخارف البيضاء المتقاطعة ، والفخار ذو الزخارف الحمراء .
وقد دلت الآثار على أن أهل نقادة كانوا يصورون على الأسطح الخارجية والداخلية لفخارهم الحيوانات الكائنة في بيئتهم ، ومناظر لراقصين وراقصات ، وأخرى للصيد البري والنهري، وسجلوا الكثير من العناصر الزخرفية والهندسية والنباتية .
وخطا أيضا سكان نقادة خطوات طيبة في مجال صناعة التماثيل من الصلصال والفخار، كما شكلوا صلاياتهم على هيئة الحيوانات، ونحتوا من العاج تماثيل للرجال والنساء .
وقد عثر في جبانة نقادة على بعض الدبابيس وأدوات أخرى صغيرة مصنوعة من النحاس .
أما عن مساكنهم فقد كانت بسيطة تشيد من أغصان الأشجار التي تكسى بالطين ، وأما المقابر فكانت عبارة عن حفرة بيضاوية قليلة العمق .
أما نقادة الثانية فتميزت حضارتها بـأنها أوسع انتشارا من الحضارة السابقة ، وبأنها خطت خطوات واسعة في الصناعات الحجرية والمعدنية، وتوسعت في استخدام النحاس في صناعة الأدوات ، وبتقدم صناعة الفخار ، هذا الفخار الذي اشتهر بكثرة زخرفته إضافة إلى أن رسومه صورت بدقة الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة وقتها كحرف الصيد والزراعة .. ، كما صورت المراكب التي كانت تستخدم لديهم بشكل دقيق نسبيا على سطوح فخارهم .
كما راجت فيها صناعة الصلايات التي كانت تستخدم لصحن الكحل ، وكذلك أدوات الزينة والحلي المصنوعة من العاج .
وتطورت المساكن فيها قياسا بمساكن أهل نقادة الأولى، وكانت مستطيلة وتبنى من الطوب اللبن ، أما عن المقابر فقد بدت هي الأخرى أكثر تطورا عن ذي قبل ، حيث جرى تحديد جوانب الحفرة وتقويتها بتكسيتها بالطمي أو بالبوص والحصير ..
هذا وقد وجدت ملامح هذه الحضارة إلى جانب نقادة نفسها، في مواقع أخرى في الشمال ( في طرخان جرزة وأبوصير الملق )، وفي الجنوب ( في بلاد النوبة) .
4- حضارة سمانية ، وتسمى كذلك بالحضارة الحديثة لعصر ما قبل الأسرات.
5 ـ حضارة البدارى ، وتنسب هذه الحضارة إلى قرية البدارى الواقعة في محافظة أسيوط ، وهي تنتمي للعصر النحاسي، وهو العصر الذي بدأ فيه الإنسان استخدام النحاس في صنع أدواته، فنجد بالنسبة للبداريين أنهم استخدموا الفأس النحاسية إلى جانب الفأس الحجرية التي استخدمها أهل الحضارات السابقة ... كما صنعوا بعض المثاقب والدبابيس وحبات الخرز من النحاس .
كما تميزت بصناعة الفخار ، حتى إنه يمكن اعتبار فخار البدارى من أرقى أنواع الفخار في مصر القديمة .. إذ تميزت جدرانه بالرقة، وبتزيينها ببعض النقوش والزخارف ، بالاهتمام بأدوات الزينة كالعقود والأساور والخواتم وأمشاط العاج ، وظهور الفن التشكيلي الذي يتمثل في مجموعة من التماثيل المصنوعة من الطين والفخار والعاج ، كما بدأ فيها الإنسان المصري الاهتمام بتشييد المساكن الجميلة واستخدام الأسرّة الخشبية والوسائد.
كما تميز هذا العصر أيضا ببدء التحكم في فيضانات النيل ، ووضع المصريون فيه التقويم الذي يرجح أنه تم عام 4240 ق.م نتيجة لملاحظة الفيضان عاماً بعد عام ، وقسموا السنة إلى ثلاثة فصول : فصل الفيضان : وفصل الزراعة ، وفصل الحصاد ..
وبدأ الإنسان المصري القديم يعتمد اعتمادا كليا على زراعة القمح والشعير في مصدر رزقه وعيشه ، ولاسيما في وقت انخفاض منسوب النيل .
وساعد العمل في الزراعة في هذا العصر على الاستقرار وتكوين المجتمعات المحلية ، وهذه كانت خطوة نحو تكوين مجتمعات أكبر ، وبدأت تظهر على الوجود فكرة المملكات بعد أن اتحدت تلك المجتمعات الصغيرة ، ثم ظهر بمصر من تلك الممالك مملكتان ، إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال ، ثم استغل نارمر سطوته في إخضاع المملكتين معا تحت حكمه .
وبرواج المحاصيل الزراعية وقيام المجتمعات بدأت تظهر فكرة التجارة لتلبي حاجات الناس ومتطلباتهم ، وكانت في البداية قاصرة على التبادل التجاري بين المجتمعات الداخلية الصغيرة من خلال الدكاكين الصغيرة ، ثم بدأت تتسع لتشمل التبادل بين المجتمعات داخل مصر وخارجها بعد ظهور الممالك ، وخاصة البلاد التي كانت تشابه مصر في عراقة الحضارة والعمران مثل العراق والشام ..
وهذا التبادل التجاري ساعد على تبادل الخبرات ، فاستفاد المصريون من بعض حرف البلاد التي رحلوا إليها للتجارة ، وكذلك استفاد أهل البلاد الأخرى من حرف وخبرات المصريين ، ومن هنا كان التشابه بين الحضارات القديمة وفنونها ..
فمع احتكاك الشعبين المصري والعراقي عرفت الكتابة ، والتي ربما ساعد على ابتكارها حاجة التجار إلى تسجيل طلباتهم ومعاملاتهم المادية والتجارية ، والتي كانت في البداية كتابة صورية ، أي تستخدم الصور بدلا من الكلمات والحروف .
ومع التطور التجاري والزراعي بدأ المصريون يعرفون نظام التقويم ، ويظهر أن أول تقويم عندهم قد نشأ في الدلتا ، وكان ذلك في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد ، أي قبل قيام الأسرة الأولى بألف عام ، وهذا يدل على نضج الفكر الإنساني في مصر في هذا الزمن المبكر ، ودقة الملاحظة ، والمشاهدة المنتظمة ، فقد لاحظ الإنسان المصري ظاهرة الفيضان المتكررة سنوياً بانتظام واقترانها بظهور نجم الشعرى اليمانية عند الأفق مع شروق الشمس في نفس اليوم الذي تصل فيه مياه الفيضان إلى رأس الدلتا عند هليوبوليس .
وبذلك يمر عام عندما يتكرر نفس الحدث ، فاخترعوا التقويم المكون من 365 يوماً ، وقد قسموا السنة إلى 12 شهرا ، والشهر إلى ثلاثين يوماً ، تضاف إليها خمسة أيام من الأعياد كل عام ، وقد بقى هذا النظام قائماً إلى أن أدخل عليه الرومان بعض التعديلات التي تصحح ربع اليوم الزائد في كل سنة ..
كما ظهرت آلات الحرب والقتال بكثرة آخر عصر ما قبل الأسرات بسبب ظهور الصراعات بين زعماء العشائر المحلية ، والتي ما لبثت أن خضعت جميعا تحت قطر واحد كما ذُكر من قبل .
أما عن حضارة المعادى فترتبط بموقع المعادى ، حيث عثر هناك على بقايا محلة عمرانية كبيرة تتكون من أكواخ ذات شكل بيضاوي مفتوح من الجهة الجنوبية الغربية ، يحيط بها قوائم خشبية من جذوع الأشجار ، رصت حولها أغصان الأشجار الدقيقة ، والتي كست القوائم من الخارج بطبقة من الطين ، ولسنا نعرف على وجه الدقة ما إذا كانت تلك المساكن مسقوفة أو غير مسقوفة رغم أن الغرض الرئيسي من تشييدها هو حماية أهلها من الرياح الشمالية الباردة شتاء.
ويكاد يكون نظام المساكن واحدا ، حيث يوجد الموقد دائما قرب المدخل ، وبجواره قدر كبير لحفظ الماء ، وقدور أخرى لخزين الغلال ، وأنواع الطعام ، وقد حفرت لتلك القدور حفراً عميقة في التربة الرملية ، وإلى جانب ذلك فقد استخدمت بعض المخازن التي كانت عبارة عن حفر عميقة رأسية الجوانب توضع بها بعض الآنية الفخارية الصغيرة ، وقد ظل ذلك النظام بالقرى المصرية متبعا حتى عقود قليلة ثم بدأ ينقرض مع طغيان أساليب الحياة الحديثة على سائر سكان القرى .
وللآنية الفخارية بالمعادى ميزات خاصة تجعلها من أجمل الأنواع المعروفة في مصر ما قبل التاريخ ، بعضها حمراء اللون ذات شكل مستطيل وقاعدة خفيفة ، وبعضها سوداء اللون ذات شكل كروي لها قاعدة ملساء ، وكلها مصنوعة باليد ، بما في ذلك القدور الكبيرة علي الرغم من حجمها الضخم .
كما عرف سكان المعادى صناعة النسيج ، حيث عُثر على قطعة صغيرة من خرقه بالية محترقة على عمق كبير تعود لذلك العصر.
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
يقصد بعصر اكتشاف المعادن العصر الذي يلي العصر المسمى بالعصر الحجري الحديث ، وقد اكتشف فيه الإنسان القديم المعادن ، وبدأ يستعملها في قضاء حوائجه ، ويصنع منها الأدوات المختلفة ، ويبدأ هذا العصر حسب تقدير بعض الأثريين بعد العام 4000 قبل الميلاد، وينتهي عند القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد .
وقد ملك مصر فيه نارمر الذي استطاع أن يخضع أقاليمها تحت ملكه ، فسُمي موحد القطرين الشمالي والجنوبي لذلك ، وليس لأنه أول من دعا إلى التوحيد كما زعم البعض .
ويسمي علماء الآثار تلك الفترة ( فترة عصر المعادن ) بفترة الحضارة المصرية الأولى ؛ لأن المصريين بدءوا فيه في بناء نواة المدنية ، فكانت مدن طيبة وممفيس وبوتو وهيراكونوبليس وأليفاتانين وبوباستيس وتانيس ، وأبيدوس وسايس وأكسويس وهليوبوليس ..
وتعرف فيه الإنسان على المعادن وطرق صهرها ، مثل النحاس والبرونز ، وظهرت الأدوات المنزلية المختلفة ، مثل الأزاميل والخناجر والحراب ، ولكنها كانت قليلة في البداية ثم ازداد استعمال النحاس ، وازدادت أهميته في الفترات التالية ، وظهر في هذا العصر أيضا الذهب والفضة ، فصُنع منهما الحلي بأنواعها المختلفة ، وكانت منطقة المعادى تعد في هذا العصر مركزاً تُصب فيه موارد النحاس من شبة جزيرة سيناء ..
وفى هذا العصر أيضا تطورت صناعة نسيج الأقمشة والأخشاب والأواني الفخارية، وبنيت المساكن من اللّبن بدلاً من الطين والبوص، وفرشت بالحصير المصنوع من نبات البردي، وصنعت الوسائد كذلك.
لكن أهم ما ميز هذا العصر هو صناعة الآنية الحجرية المصقولة ، وقد راجت هذه الصناعة في منطقة البداري ، إذ عُثر بها على أدوات تعود لذلك العصر ، وكذلك أصناف المرمر ، كما صنعت آنية من الجرانيت والديوريت والنيس ، وهى جميعا أحجار صلبة تحتاج إلى مجهود كبير في صنعها ، وإلى دقة ومهارة في إعدادها ؛ مما يدل على أن المصريين قد وصلوا وقتها إلى درجة عالية من المهارة والذوق الفني .
هذا وقد كان المصريون في ذلك الوقت يعيشون على زراعة الشعير والقمح في أطراف الوادي ؛ مما يؤكد على أن مصر كانت من أولى الدول في زراعة الحبوب التي ـ للأسف ـ تعتمد على غيرها الآن في جلب الكثير منها ..
كما اشتغلوا بتربية الماعز والأغنام والماشية والخنازير واصطياد الحيوانات البرية والبحرية ، وعملوا بزرع أشجار الثمار أيضا .
هذا وقد قسمت حضارات هذا العصر على أساس تقسيم الفخار الذي ورد عنه إلى :
1- حضارة العمرة ( بلدة جنوب شرق العرابة المدفونة , مركز البلينا بمحافظة سوهاج ) وتسمي كذلك بالحضارة القديمة لعصر ما قبل الأسرات.
2- حضارة جرزة ، وتسمى كذلك بالحضارة الوسطي لعصر ما قبل الأسرات ، وتمتاز هذه بتقدم كبير في الزراعة وزيادة في الرقعة الزراعية ، ويُرجع البعض ذلك إلى حدوث ارتفاع في منسوب مياه النيل ، وذلك ساعد بدوره على انكماش مساحة المستنقعات ؛ مما كان له أكبر الأثر في زيادة إنتاج الغذاء ، وفى قيام فئات جديدة من الناس تمارس الصناعة والتجارة ، وظهور نوع من تقسيم العمل لم يكن معروفا من قبل ، وتدل الآثار على وجود تميز في المساكن والمقابر من حيث الحجم والمحتويات .
3 ـ حضارة " نقادة " نسبة لبلدة نقادة إحدى مدن محافظة قنا ، وقد مرت هذه الحضارة بثلاث مراحل ، واشتهرت بفخارها الذي لعب دورا بارزا في تاريخ حضارات ما قبل التاريخ في مصر .
وقد عرف أهل نقادة أنواعا كثيرة من الفخار، منها الفخار ذو الحافة السوداء، والفخار ذو الزخارف البيضاء المتقاطعة ، والفخار ذو الزخارف الحمراء .
وقد دلت الآثار على أن أهل نقادة كانوا يصورون على الأسطح الخارجية والداخلية لفخارهم الحيوانات الكائنة في بيئتهم ، ومناظر لراقصين وراقصات ، وأخرى للصيد البري والنهري، وسجلوا الكثير من العناصر الزخرفية والهندسية والنباتية .
وخطا أيضا سكان نقادة خطوات طيبة في مجال صناعة التماثيل من الصلصال والفخار، كما شكلوا صلاياتهم على هيئة الحيوانات، ونحتوا من العاج تماثيل للرجال والنساء .
وقد عثر في جبانة نقادة على بعض الدبابيس وأدوات أخرى صغيرة مصنوعة من النحاس .
أما عن مساكنهم فقد كانت بسيطة تشيد من أغصان الأشجار التي تكسى بالطين ، وأما المقابر فكانت عبارة عن حفرة بيضاوية قليلة العمق .
أما نقادة الثانية فتميزت حضارتها بـأنها أوسع انتشارا من الحضارة السابقة ، وبأنها خطت خطوات واسعة في الصناعات الحجرية والمعدنية، وتوسعت في استخدام النحاس في صناعة الأدوات ، وبتقدم صناعة الفخار ، هذا الفخار الذي اشتهر بكثرة زخرفته إضافة إلى أن رسومه صورت بدقة الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة وقتها كحرف الصيد والزراعة .. ، كما صورت المراكب التي كانت تستخدم لديهم بشكل دقيق نسبيا على سطوح فخارهم .
كما راجت فيها صناعة الصلايات التي كانت تستخدم لصحن الكحل ، وكذلك أدوات الزينة والحلي المصنوعة من العاج .
وتطورت المساكن فيها قياسا بمساكن أهل نقادة الأولى، وكانت مستطيلة وتبنى من الطوب اللبن ، أما عن المقابر فقد بدت هي الأخرى أكثر تطورا عن ذي قبل ، حيث جرى تحديد جوانب الحفرة وتقويتها بتكسيتها بالطمي أو بالبوص والحصير ..
هذا وقد وجدت ملامح هذه الحضارة إلى جانب نقادة نفسها، في مواقع أخرى في الشمال ( في طرخان جرزة وأبوصير الملق )، وفي الجنوب ( في بلاد النوبة) .
4- حضارة سمانية ، وتسمى كذلك بالحضارة الحديثة لعصر ما قبل الأسرات.
5 ـ حضارة البدارى ، وتنسب هذه الحضارة إلى قرية البدارى الواقعة في محافظة أسيوط ، وهي تنتمي للعصر النحاسي، وهو العصر الذي بدأ فيه الإنسان استخدام النحاس في صنع أدواته، فنجد بالنسبة للبداريين أنهم استخدموا الفأس النحاسية إلى جانب الفأس الحجرية التي استخدمها أهل الحضارات السابقة ... كما صنعوا بعض المثاقب والدبابيس وحبات الخرز من النحاس .
كما تميزت بصناعة الفخار ، حتى إنه يمكن اعتبار فخار البدارى من أرقى أنواع الفخار في مصر القديمة .. إذ تميزت جدرانه بالرقة، وبتزيينها ببعض النقوش والزخارف ، بالاهتمام بأدوات الزينة كالعقود والأساور والخواتم وأمشاط العاج ، وظهور الفن التشكيلي الذي يتمثل في مجموعة من التماثيل المصنوعة من الطين والفخار والعاج ، كما بدأ فيها الإنسان المصري الاهتمام بتشييد المساكن الجميلة واستخدام الأسرّة الخشبية والوسائد.
كما تميز هذا العصر أيضا ببدء التحكم في فيضانات النيل ، ووضع المصريون فيه التقويم الذي يرجح أنه تم عام 4240 ق.م نتيجة لملاحظة الفيضان عاماً بعد عام ، وقسموا السنة إلى ثلاثة فصول : فصل الفيضان : وفصل الزراعة ، وفصل الحصاد ..
وبدأ الإنسان المصري القديم يعتمد اعتمادا كليا على زراعة القمح والشعير في مصدر رزقه وعيشه ، ولاسيما في وقت انخفاض منسوب النيل .
وساعد العمل في الزراعة في هذا العصر على الاستقرار وتكوين المجتمعات المحلية ، وهذه كانت خطوة نحو تكوين مجتمعات أكبر ، وبدأت تظهر على الوجود فكرة المملكات بعد أن اتحدت تلك المجتمعات الصغيرة ، ثم ظهر بمصر من تلك الممالك مملكتان ، إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال ، ثم استغل نارمر سطوته في إخضاع المملكتين معا تحت حكمه .
وبرواج المحاصيل الزراعية وقيام المجتمعات بدأت تظهر فكرة التجارة لتلبي حاجات الناس ومتطلباتهم ، وكانت في البداية قاصرة على التبادل التجاري بين المجتمعات الداخلية الصغيرة من خلال الدكاكين الصغيرة ، ثم بدأت تتسع لتشمل التبادل بين المجتمعات داخل مصر وخارجها بعد ظهور الممالك ، وخاصة البلاد التي كانت تشابه مصر في عراقة الحضارة والعمران مثل العراق والشام ..
وهذا التبادل التجاري ساعد على تبادل الخبرات ، فاستفاد المصريون من بعض حرف البلاد التي رحلوا إليها للتجارة ، وكذلك استفاد أهل البلاد الأخرى من حرف وخبرات المصريين ، ومن هنا كان التشابه بين الحضارات القديمة وفنونها ..
فمع احتكاك الشعبين المصري والعراقي عرفت الكتابة ، والتي ربما ساعد على ابتكارها حاجة التجار إلى تسجيل طلباتهم ومعاملاتهم المادية والتجارية ، والتي كانت في البداية كتابة صورية ، أي تستخدم الصور بدلا من الكلمات والحروف .
ومع التطور التجاري والزراعي بدأ المصريون يعرفون نظام التقويم ، ويظهر أن أول تقويم عندهم قد نشأ في الدلتا ، وكان ذلك في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد ، أي قبل قيام الأسرة الأولى بألف عام ، وهذا يدل على نضج الفكر الإنساني في مصر في هذا الزمن المبكر ، ودقة الملاحظة ، والمشاهدة المنتظمة ، فقد لاحظ الإنسان المصري ظاهرة الفيضان المتكررة سنوياً بانتظام واقترانها بظهور نجم الشعرى اليمانية عند الأفق مع شروق الشمس في نفس اليوم الذي تصل فيه مياه الفيضان إلى رأس الدلتا عند هليوبوليس .
وبذلك يمر عام عندما يتكرر نفس الحدث ، فاخترعوا التقويم المكون من 365 يوماً ، وقد قسموا السنة إلى 12 شهرا ، والشهر إلى ثلاثين يوماً ، تضاف إليها خمسة أيام من الأعياد كل عام ، وقد بقى هذا النظام قائماً إلى أن أدخل عليه الرومان بعض التعديلات التي تصحح ربع اليوم الزائد في كل سنة ..
كما ظهرت آلات الحرب والقتال بكثرة آخر عصر ما قبل الأسرات بسبب ظهور الصراعات بين زعماء العشائر المحلية ، والتي ما لبثت أن خضعت جميعا تحت قطر واحد كما ذُكر من قبل .
أما عن حضارة المعادى فترتبط بموقع المعادى ، حيث عثر هناك على بقايا محلة عمرانية كبيرة تتكون من أكواخ ذات شكل بيضاوي مفتوح من الجهة الجنوبية الغربية ، يحيط بها قوائم خشبية من جذوع الأشجار ، رصت حولها أغصان الأشجار الدقيقة ، والتي كست القوائم من الخارج بطبقة من الطين ، ولسنا نعرف على وجه الدقة ما إذا كانت تلك المساكن مسقوفة أو غير مسقوفة رغم أن الغرض الرئيسي من تشييدها هو حماية أهلها من الرياح الشمالية الباردة شتاء.
ويكاد يكون نظام المساكن واحدا ، حيث يوجد الموقد دائما قرب المدخل ، وبجواره قدر كبير لحفظ الماء ، وقدور أخرى لخزين الغلال ، وأنواع الطعام ، وقد حفرت لتلك القدور حفراً عميقة في التربة الرملية ، وإلى جانب ذلك فقد استخدمت بعض المخازن التي كانت عبارة عن حفر عميقة رأسية الجوانب توضع بها بعض الآنية الفخارية الصغيرة ، وقد ظل ذلك النظام بالقرى المصرية متبعا حتى عقود قليلة ثم بدأ ينقرض مع طغيان أساليب الحياة الحديثة على سائر سكان القرى .
وللآنية الفخارية بالمعادى ميزات خاصة تجعلها من أجمل الأنواع المعروفة في مصر ما قبل التاريخ ، بعضها حمراء اللون ذات شكل مستطيل وقاعدة خفيفة ، وبعضها سوداء اللون ذات شكل كروي لها قاعدة ملساء ، وكلها مصنوعة باليد ، بما في ذلك القدور الكبيرة علي الرغم من حجمها الضخم .
كما عرف سكان المعادى صناعة النسيج ، حيث عُثر على قطعة صغيرة من خرقه بالية محترقة على عمق كبير تعود لذلك العصر.
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق