الأساطيل العربية الإسلامية في البحر الأبيض المتوسط المعروف بالبحر الشامي والعربي
الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله
عضو أكاديمية المملكة المغربية والمجامع العربية والهندية
البحر الأبيض عرف أوائل القرن الخامس الميلادي عصر هدوء طوال مائة عام تحت إشراف الجرمان الذين دشنوا ألفية العصور الوسطى ( عام 378 م) بإزاء البيزنطيين في الامبراطورية الشرقية والوندال غربي المتوسط غير أن خلفاء ( جنسيريك أو جيسيريك) ( Geiseric ou Genseric) المتوفى عام ( 477 م ) وهو أول ملك وندالي في إفريقيا - انهزموا أمام ثورة البرابرة الأشاوش الذين انحدروا من الجبال فزحزحوا المغيرين إلى مدن ساحلية بجانب " أفريكا" الرومانية القديمة.
وكان البحر المتوسط منذ ذلك مركز التجارة العالمية احتكرته بيزنطة طوال القرن الخامس وقبله وكانت التوابل والحرائر هي مادة هذه التجارة مع إيران والهند والصين والدينار الذهبي هو عملة التبادل خاصة في القرنين الثاني والثالث غير أن الإمبراطورية الشرقية لم تهتم - رغم سيطرتها الاقتصادية - بقوتها البحرية نظرا لاعتمادها خاصة على طرقها وحصونها البرية يؤكد ذلك سهولة انقضاض الوندال أواخر القرن الخامس انطلاقا من الشمال الإفريقي على جزر البليار وسردينية وكورسيكا بل نهبهم لروما عام ( 455 م ) واندحار حملتين بحريتين رومانيتين غير أن هزيمة الرومان الشرقيين حدتهم إلى التفكير في إنشاء قوة بحرية تبلورت عام ( 508 م) في أسطول عدته مائة سفينة مسلحة وخمسة ألاف بحار وكان هذا الأسطول قوة عارضة ما لبث نفس الأمبراطور وهو ( أنسطاسيوس) أن جدد، عام ( 516 م ) بقطع قارة عزرت بمواد متفجرة أشبه بما عرف بعد ذلك بالنار الإغريقية.
واحتفظ البيزنطيون بأسطولهم الدائم الحركة عصر ( جستنيان الأول) المتوفى عام ( 565 م ) فكان له طوال القرن السابع قواد ودور صناعة في الإسكندرية والقسطنطينية وقرطاج وعكا وسرقوسة والبليار وحتى سبتة وكانت في طليعة القطع البحرية السفن الحربية السريعة الخفيفة المجذافية المعروفة ب ( Dromono) .
وظل الأسطول البيزنطي يجول ويصول في البحر الأبيض المتوسط دون منازع إلى الفتح الإسلامي حيث تعززت السيادة البحرية بمحاولات دعم اقتصادية استهدفت ولو جزئيا استئصال سيطرة فارس الاقتصادية بقطع أرباحها من تجارة التوابل والحرير وذلك باستجلاب دودة القز التي انتشرت بفضلها صناعة الحرائر وأقشمة الديباح علاوة على مختلف فنون العمارة وفي الفسيفساء في عديد من الجزر والموانئ والحواضر فكانت القسططينية خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين أعظم مدينة في الشرق بلغت حضارتها الأوج وسكانها المليون نسمة (1) وغزت تجارتها حواضر العالم تليها قوة مدينة الإسكندرية التي كانت أعظم مدن البحر الأبيض المتوسط وربما اخترقت مضيق جبل طارق لتصدير القصدير إلى بريطانيا.
تعليق