هل تعرفون من هم المورسكيون؟
من هم المورسكيون:
- إذا قاموا بالسحور, واستفاقوا ليأكلوا قبل طلوع النهار أوغسلوا أفواههم و رجعوا إلى فراشهم" (7)
هكذا عاشالأندلسيون في حالة خوف و حذر من الوشاة و أخفوا عقيدتهم و التمسوا الخلوات والأماكن المنعزلة لأداء فرائضهم و منها الصيام و كان النصارى إذا حل رمضان يمتحنوهملمعرفة ما إذا كانوا ممسكين و رغم اعتذار الأندلسيين بأعذار مختلفة لتبرير عدمأكلهم فإنهم كانوا يتابعون من طرف محاكم التفتيش. و هذا ما جعل عدد المورسكيينالمدانين في شهر رمضان أكثر من الشهور الأخرى. فهذا الأندلسيفرانسيسكو القرطبي(Francisco Cordoba)" الذي كان يصوم رمضانمن طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر كامل, لم تعرض له دعوات كثيرة من جيرانه مثلتلك التي جاءت خلال شهر رمضان, وقد كان حريصا على احترام الصيام, و أنه إذا دُعيللغداء فإنه كان يرفض بحجة أنه فاقد للشهية, و إذا دُعي أثناء الأكل, فإنه كان يردأنه أكل قبل ذلك في مكان أخر" (8)
و قد سجلتمحاضر محاكم التفتيش الإسبانية أعدادا كبيرة من حالات ضُبط فيها الأندلسيون في حالةصيام (عندما يصبح الصيام جريمة و لا حول و لا قوّة إلا بالله) وتبقى أشهر قضيةعرفتها محاكم التفتيش هي ضد عائلة ابن عامر المسلمة (سليلة المنصور ابن أبي عامرالشهير) ببلنسية سنة 1567م و تبيّن لنا هذه القضية تعظيم المورسكيين لشهر رمضان وإصرارهم على صيامه رغم المنع و الحضر النصراني لأي مظهر إسلامي..و قد ذكر محضرالإتهام بعض شهادات المقرّبين من عائلة ابن عامر كشهادة الخادمة المورسكيةأنخيلا زوجة خايمي أليمانو التي شهدت " أنها – و عمرها ستةعشر عاما – قد أدت شعائر المسلمين, فصامت رمضان, و أنها كانت خادمة للسيد خيرونيموبن عامر في بناغواتيل بعد أن كانت تعمل خادمة في بيت هاشم في سيغوربي, و في بيتالسيد خيرونيمو صامت رمضان معه و مع زوجته و أبنائه, وهم السيد كوسمي و السيد خوانو السيد أيرناندو و السيدة أغرايدا, وقد احتفل كل هؤلاء بعيد المسلمين فارتدوا أفضلالثياب لديهم. و هذا ما حدث بالضبط في بيت هاشم في سيغوربي – و السيد هاشم متزوج منالسيدة أغرايدا ابنة السيد خيرونيمو – فلم يكونوا يأكلون طوال اليوم حتى حلولالليل" (9).
جاءت شهادة بيرنات المعلم – المسؤولفي بناغواتيل عن ذهاب المورسكيين لسماع الوعظ النصراني بالكنائس – لتأكد التزامعائلة ابن عامر بالتعاليم الإسلامية , حيث يذكر محضر الإتهام عن بيرنات أنه" شاهدهميصومون رمضان من أول شهر يوليو" (9).
أماسيبستيان القواغازيمن مواليد أوريا بنهر المنصورة فقد حكمعليه سنة 1574م بمصادرة جميع ممتلكاته و التجديف ست سنوات في سفن الملك و ذلكلتلبسه بممارسة شعائر إسلامية منها :"أنه كان يتوضأ مرات عديدة و صلى على طريقةالمسلمين و صام الصيام الذي يقولون عنه صيام رمضان ممتنعا عن الطعام و الشراب حتىدخول الليل و طلوع النجوم..." و قد اعترفسيبستيانقائلا:" إن مسلمي البربر ممن شاركوا في ثورة غرناطة علموه صيام رمضان, وهويصوم شهرا كاملا..." (10). و " كان الإتهام يوجّهأحيانا إلى المورسكيين جملة على أثر بعض الحملات الفجائية على المحلات المورسكية, فقد حدث مثلا في سنتي 1589م-1590 أن سجلت مائة قضية في قرية "مسلاته"المورسكيةبالقرب من بلنسية و سجلت في قرية "كارليت" مائتان, و اتهمت أربعون أسرة بصومرمضان." (11)
و لتفادي المراقبة النصرانية عملالأندلسيون على احتراف مهن تٌبعدهم عن أعين الوشاة حتى يتمكنوا من أداء شعائرهمالإسلامية في اطمئنان نسبي. و هكذا فقد اشتغلوا بمهنة نقل البضائع حيث كانوا يقضونرمضان في قرى غير قراهم أو في طريقهم إلى مدينة أخرى. و قد شكل لهم هذا فرصة لدعوةالأندلسيين إلى الإسلام و تعليمهم أمور دينهم, فلله ذرهم قد كانوا دعاة في قلبالبلد الكاثوليكي المتعصّب.
"في إحدى الرحلات التي كان يسيرها بدروزامورانو(Pedro Zamorano) اجتهد هذا الأرقوني لإقناع المورسكي الوحيد الذي رفضالصوم – إذ كانت الرحلة في شهر رمضان –بحتمية احترامه لهذه القاعدة الإسلامية" (12)
و لننظر من خلال القضايا أدناه المحفوظة فيأرشيفات محاكم التفتيش إلى هم الدعوة عند الأندلسيين : "في عام 1524م كان أغوستيندي ثيلي Agustin de celei, وهو نسّاج من ديثا, غالبا ما يذهب إلى أراغون لزيارةأقاربه و أصدقائه. و كان ميغيل دي ديثا يذهب إلى مولد سان أندرس دي داروقا San Andres de Daroca و قام ماتيو ألموتثان Mateo Almotazan برحلة من ديسا إلى سرقسطة وعلّمه المورسكيون الأراغونيون كيف يصوم رمضان و متى. " و كان غريغوريو غورغاث Gregorio Gorgaz, العمدة الإعتيادي لديثا, يمتلك بعض خلايا النحل في سيستريكا و كانيذهب إلى هناك كثيرا, قام المورسكيون بهذا الإقليم بتعليمه صيام رمضان و الصلاة والطهارة...و كان لويس إيرناندبيث, أحد ناقلي البضائع, قد تعلّم كل ما يتعلقبالإسلام في أراغون التي كان يمرّ بها في أسفاره, وهناك و بإرادته قطع على نفسهعهدا أن يكون مسلما. و سافر لويس دي أورتوبيا إلى قطالونيا لبيع حمولنه عندما بدأرمضان, و أراد أصدقاؤه الأراغونيون أن يصوم معهم, ولما لم يتمكنوا من إقناعه حملوهإلى قرية بها فقيه مشهور كي يعلمه الصيام و يحوله إلى الاسلام. " (13)
وقد ساعد بعض النصارى القدامى المورسكيين علىأداء شعائرهم الدينية بما فيها الصلاة و الصيام لكن محاكم التفتيش كانت لهمبالمرصاد و حاكمتهم بتهمة حماية المورسكيين و إبقائهم على دينهم الإسلامي. و أذكرهنا حالة النصرانيسانشو دي كاردونا أدميرالالمقيمببلنسية و الذي اتهم في 14 مايو 1568م بحماية المورسكيين و تمكينهم من أداء شعائرهمالإسلامية حيث قام ببناء مسجد لهم. و جاء في محضر الإتهام : " كان أمر تشييد المسجدمعلوما, و كان وفود المورسكيين إليه معلوما, وكانت الفضيحة كبيرة وصلت إلى مسامعأسقف بلنسية, ثم إلى مسامع جلالة الملك فيليبي سيدنا, و بأمر صاحب الجلالة –كمسيحيمخلص – هُدم المسجد, و رغم هدمه فقد استمر قائما كمكان يعيش فيه المورسكيون بدعم منالسيد سانشو. إن رعايا السيد سانشو من المتنصرين (المورسكيون) قد واصلوا أداء شعائرطائفتهم الخاصة بالزفاف و الزواج, و الخاصة بصيام رمضان, و الإحتفال بالأعياد التييحتفل بها المسلمون, وختان الذكور كبارا و صغارا" (14) و الشاهد هنا هو استمرار المورسكيين في صيام رمضان حتى بعد عقود من فرض التنصيرعليهم و محاولة طمس هويتهم الإسلامية.
و قد أبدى أسقف مدينة سيقوربيمارتين دي سالبتراسنة 1587م (حوالي 95 عاما علىسقوط غرناطة) امتعاضه من استمرار المورسكيين في صيام شهر رمضان قائلا : " إنه من المشهور أنهم لميصوموا أي صيام مسيحي, بل يصومون صيام المسلمين, خاصة ما يُسمى برمضان....و لكييخفي المورسكيون ذلك فإنهم يذهبون إلى مزارعهم, ويقضون وقتهم هناك إلى أن يحلالظلام, فيعدون عشاءهم و طعامهم في سرية, و يؤدون بقية شعائرهم كالصلاة و الوضوء, وهي شعائر يأمر بها محمد في القرآن." (15)
و قدامتد الوجود الأندلسي المورسكي حتى القارة الأمريكية رغم منعهم من السفر إلى أمريكاو سجلت دواوين التفتيش بمكسيكو اصطباغ حياة العديد من الأسر بالمظاهر الإسلامية. وكان صيام رمضان أهم هذه المظاهر و هذا ما أكدته دراسة بالمؤتمر الأول للأدبالخميادو-المورسكي بمدينة أفييدو الإسبانية سنة 1972, حيث جاء في هذه الدراسة :"وفي حالات أخرى فقد ضبط المسلمون, على حين غفلة عندما يقيمون الصلاة أو يصومونرمضان"
وختاما لهذا الموضوع الذي بيّن جزءا بسيطا من محنة الأندلسيين في شهررمضان, أسأل الله أن يرحم أولئك الأندلسيين الذين قضوا على يد محاكم التفتيشالإسبانية و أن يسكنهم فسيح جنانه.
و صلى الله و سلّم على محمد و على ألهأجمعين. و الحمد لله ربالعالمين.
تعليق