ما هي دولة الخلافة الإسلامية؟
هي دولة يرأسها خليفة يطبق الشرع، وهي كيان سياسي تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، ولحمل دعوته رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد. وهي الطريقة الوحيدة التي وضعها الإسلام لتطبيق أنظمته وأحكامه العامة في الحياة والمجتمع، وهي قِوام وجود الإسلام في الحياة، وبدونها يَغيض الإسلام كمبدأ ونظام للحياة من الوجود، ويبقى مجرد طقوس روحية، وصفاتٍ خُلقية. لذلك فهي دائمية، وليست مؤقتة.
والدولة الإسلامية إنما تقوم على العقيدة الإسلامية، فهي أساسها، ولا يجوز شرعاً أن تنفك عنها بحال من الأحوال. فالرسول صلى الله عليه وسلم حين أقام السلطان في المدينة، وتولى الحكم فيها أقامه على العقيدة الإسلامية من أول يوم، ولم تكن آيات التشريع قد نزلت بَعدُ، فجَعَلَ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أساس حياة المسلمين، وأساس العلاقات بين الناس، وأساس دفع التظالم، وفصل التخاصم. أي أساس الحياة كلها، وأساس الحكم والسلطان. ثم إنه لم يكتفِ بذلك، بل شرع الجهاد، وفرضه على المسلمين لحمل هذه العقيدة للناس. روى البخاري ومسلم واللفظ له عن عبد الله بن عمـر قال: قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : «أمـرت أن أقاتـل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
ثم إنه جعل المحافظة على استمرار وجود العقيدة أساساً للدولة فرضاً على المسلمين، وأمر بحمل السيف والقتال إذا ظهر الكفر الـبَواح، أي إذا لم تكن العقيدة الإسلامية أساس الحكم والسلطان. فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الحكام الظلمة أننابذهم بالسيف؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة». وجعل في بيعته، أن لا ينازع المسلمون أولي الأمر إلا أن يروا كفراً بواحاً. روى مسلم عن عوف بن مالك عن شِرار الأئمة: «... قيل يا رسول الله: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة...». روى البخاري عن عبادة بن الصامت في البيعة: «وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بَواحاً عندكم من الله فيه برهان» ووقع عند الطبراني: «كفراً صُراحاً». فهذا كله يدل على أن أساس الدولة هو العقيدة الإسلامية، إذ إن الرسول أقام السلطان على أساسها، وأمر بحمل السيف في سبيل إبقائها أساساً للسلطان، وأمر بالجهاد من أجلها.
ولهذا لا يجوز أن يكون لدى الدولة الإسلامية أي فكر أو مفهوم أو حكم أو مقياس غير منبثق عن العقيدة الإسلامية، إذ لا يكفي أن يُجعل أساس الدولة اسماً هو العقيدة الإسلامية، بل لا بد من أن يكون وجود هذا الأساس ممثلاً في كل شيء يتعلق بوجودها، وفي كل أمر دق أو جَلّ من أمورها كافة. فلا يجوز أن يكون لدى الدولة أي مفهوم عن الحياة أو الحكم إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية، ولا تسمح بمفهوم غير منبثق عنها، فلا يسمح بمفهوم (الديمقراطية) أن يُتبنى في الدولة، لأنه غير منبثق عن العقيدة الإسلامية، فضلاً عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها، ولا يجوز أن يكون لمفهوم القومية أي اعتبار، لأنه غير منبثق عن العقيدة الإسلامية، فضلاً عن أن المفاهيم المنبثقة عنها جاءت تذمه، وتنهى عنه، وتُبيّن خطره. ولا يصح أن يكون لمفهوم الوطنية أي وجود، لأنه غير منبثق عن هذه العقيدة، فضلاً عن أنه يخالف ما انبثق عنها من مفاهيم. وكذلك لا يوجد في أجهزة الدولة الإسلامية وزارات بالمفهوم (الديمقراطي)، ولا في حكمها أي مفهوم (إمبراطوري) أو ملكي أو جمهوري لأنها ليست منبثقة عن عقيدة الإسلام، وهي تخالف المفاهيم المنبثقة عنها. وأيضاً يُمنع منعاً باتاً أن تجري محاسبتها على أساس غير أساس العقيدة الإسلامية، لا من أفراد، ولا من حركات، ولا من تكتلات. ويمنع قيام حركات أو تكتلات أو أحزاب على أساس غير أساس العقيدة الإسلامية. فإن كون العقيدة الإسلامية أساس الدولة يحتم هذا كله، ويوجبه على الحاكم، وعلى الرعية التي تحكمها الدولة.
ووجوب كون العقيدة الإسلامية أساس الدولة الإسلامية يقتضي أن يكون دستورها وسائر قوانينها مأخوذةً من كتاب الله وسنة رسوله. وقد أمر الله السلطان والحاكم أن يحكم بما أنزل الله على رسوله، وجعل من يحكم بغير ما أنزل الله كافراً إن اعتقد به، أو اعتقد بعدم صلاحية ما أنزل الله على رسوله، وجعله عاصياً وفاسقاً وظالماً إن حكم به ولم يعتقده. وأَمْرُ الله السلطان والحاكم بالحكم بما أنزل الله ثابت في القرآن والسنّة. قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، وقال: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}، وقد حصر تشريع الدولة بما أنزل الله، وحذّر من الحكم بغير ما أنزل الله، أي الحكم بأحكام الكفر، قال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رَدّ».
فهذا كله يدل على أن تشريعات الدولة كلها من دستور وقوانين محصـورة بما انبثق عن العقيدة الإسـلامية من أحكام شـرعية، أي بمـا أنزله الله على رسـوله من أحكام في الكـتاب والسـنة، وفيما أرشـدا إليـه من قياس وإجماع صحابة.
ثم إنه لما جاء خطاب الشارع متعلقاً بأفعال العباد، وملزماً الناس بالتقيّد به في جميع أعمالهم، كان تنظيم هذه الأعمال آتياً من الله سبحانه، وجاءت الشريعة الإسلامية متعلقة بجميع أفعال الناس، وجميع علاقاتهم، سواء أكانت هذه العلاقات مع الله أم مع أنفسهم أم مع غيرهم. ولهذا لا محلّ في الإسلام لسن قوانين للدولة من قبل الناس لتنظيم علاقاتهم، فهم مُقيدون بالأحكام الشرعية. قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقال: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تُضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رخصة لكم ليس بنسيان فلا تبحثوا عنها»، وروى مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ». فالله سبحانه وتعالى هو الذي شرع الأحكام، وليس السلطان، وهو الذي أجبر الناس، وأجبر السلطان على اتباعها في علاقاتهم وأعمالهم، وحصرهم بها، ومنعهم من اتباع غيرها.
ولهذا لا محلّ للبشر في دولة الإسلام في وضع أحكام لتنظيم علاقات الناس، ولا في تشريع دستور أو قوانين، ولا مكان للسلطان في إجبار الناس أو تخييرهم على اتباع قواعد وأحكام من وضع البشر في تنظيم علاقاتهم.
منقول