::: أسباب سقوط الخلافة العثمانية في تركيا :::
لمدة خمسة قرون ظلت الخلافة العثماني تؤدي الدور الأول والوحيد في حماية المسلمين والعرب ، والغريب أن هذه القرون الممتدة من القرن الخامس عشر حتى مشارف القرن العشرين لم تحظ من المؤرخين باهتمام كاف ، بل إنها ووجهت بتفسيرات غريبة عنصرية أو جدلية مادية أو شعوبية متطرفة . ولم يحدثنا هؤلاء المتطرفون عن حالة العرب مثلا لو لم تكن هناك دولة عثمانية . أو لم يكن من المحتم أن تقع الدولة الإسلامية ـ والعربية ـ تحت براثن الغزو الصليبي قبل وقوعها المعروف بهذه القرون ؟ !!
لقد كان الأوروبيون قد سيطروا على البحر الأبيض المتوسط ، وقد نجحوا في إخفاء صوت الشرق ، وبدأ النهضة تنطلق من أوروبا .. من مصانعها ، ومن تطور وسائل التقنية بها ، وتقدم الفكر الاجتماعي والسياسي .
ولم يكن بقدرة العروبة النائمة، والتي لم تستطع إلى الآن أن تستيقظ اليقظة المرجوة ـ أن تقف في وجه هذا الزحف . وعلى الرغم من تخلف العثمانيين في بعض النواحي ـ كما هو معلوم ـ فقد كانت قوتهم العسكرية تدوي في أوروبا ، وكانت هذه القوة بالنسبة للأوربيين هي القوة التي لا تغلب ولا تهزم ، حتى إن أوروبا لم تجتمع على مسألة إلا على اجتماعها على المسألة الشرقية أو مسألة التهام الرجل المريض ( الخلافة العثمانية ) . وبالطبع فإن العثمانيين لم يستطيعوا ـ شأنهم شأن العالم الذي كان قد بدأ يدخل في طور عملية انقلاب داخلية جديدة ـ تمهيدا لميلاد جديد ـ لم يستطع العثمانيون ـ بدورهم ـ أن يواجهوا هذه الثورة العلمية الزاحفة .
وكما هي عادة المتخلف حضاريا ، والمتقدم عنصريا وعشائريا .. ذهب العرب .. وذهب غيرهم . إلى رمي الخلافة العثمانية ـ حاميتهم ـ بأنها المسئولة عن تخلفهم الذريع . وعندما ماتت هذه الخلافة موتها الحضاري قبل موتها التاريخي سرعان ما سقط هؤلاء في وهدة الغزو الصليبي ولم تنفعهم عنصريتهم القومية ، ومع ذلك لا يزالون يكيلون للخلافة العثمانية الطعنات .
لقد كانت الدولة العثمانية قوية بلا شك طيلة القرون التي حكمت فيها وإلي بداية اضمحلالها ، فلما بدأت سنوات الاضمحلال تحولت أسباب قوتها إلى أسباب ضعف . وهذا هو الشأن في قوانين الحضارة .. إن عوامل القوة تتحول برتابتها وعدم تجديدها لنفسها إلى عالة على حركة التطور ، ولقد أصبحت الإنكشارية ، وأصبحت وسائل الحرب التقليدية عالة على حركة التقدم العثماني ، وانقلبت العسكرية العثمانية التي قدمت ما قدمت للحضارة الإسلامية إلى عبء تنوء به الدولة .
وفي ظل قرون القوة التي عاشتها الدولة تمتعت بأنظمة ممتازة من حكومة مركزية ، إلى مجلس وزراء يرأسه الصدر الأعظم، إلى ديوان سلطاني مكون من الوزراء وكبار الموظفين ، على القضاء الذي يرأسه شيخ الإسلام ، على نواب عن الجيش . أما في الولايات فكان يتولى أمر كل ولاية والي ( الباشا ) الذي يعين من قبل الخليفة ، ويعاونه في أعمال إدارة الولاية ( الديوان ) . أما القضاء فكان يتولاه قاضي القضاة ( قاضي العسكري ) . وقد قسمت الولايات إداريا إلى سناجق ، عين على كل منها حاكم سمي بالسنجق، مهمته الإشراف على شئون الأقاليم والحفاظ على الأمن ، وجمع الضرائب ، وفي كل ولاية كان يوجد حاكم عسكري وحامية عسكرية تساعد الباشا على حفظ النظام والأمن ...
كانت هذه هي خلاصة تنظيمات الدولة ، وكانت هذه التنظيمات وسائل قوة ، فلما انقلبت دفة الحضارة ، وظهر أن حركة التاريخ لم تكن في صف الدولة العثمانية تحولت هذه التنظيمات من أدوات قوة إلى أدوات ضعف .. وقد ساعد هذا الضعف على تحقيق أغراضه في تعجيز الدولة عن حماية الأراضي الخاضعة لها عدة عوامل :
أولا : ضعف بعض السلاطين وانغماسهم في الترف
ثانيا : فساد أجهزة الدولة وانتشار الرشوة .
ثالثا : تدخل رجال الحاشية في شئون الحكم .
رابعا : وثمة عوامل أخرى كثيرة عملت عملها في إفساد الحياة السياسية والعقائدية والفكرية .. وجرت على الخلافة الويلات .
خامسا : ومما لا شك فيه أن " الأعداء " الصليبين ، والأعداء اليهود ـ كجماعات الدونما والماسونية ـ لا شك أن هؤلاء جميعا كانوا عوامل إضعاف للخلافة العثمانية .
وكان أكبر عوامل نجاح اليهود والصليبيين في ضرب الخلافة العثمانية الإسلامية .. هو بعثهم لما يسمى بالنزعات العنصرية . القومية ، الطورانية للترك ، والقومية الكردية ، والبربرية وعشرات القوميات المعروفة الأخرى .
وجروا هؤلاء جميعا إلى ترك الخلافة العثمانية في محنتها ، بل جروا إلى ضرب الخلافة والتجمع ضدها تحت قيادات قومية عميلة للجمعيات اليهودية ، وقد نجح بعض أفراد هذه القيادات نجاحا كبيرا في تبوؤ مناصب كبرى ، وبالتالي في ضرب العثمانيين والإسلام في الصميم .
الصراع العنصري كان سببا في انهيار آخر خلافة إسلامية :
تعتبر قصة سقوط الدولة العثمانية من القصص الغامضة التي لا زالت تحتاج إلى الدرس العميق والتمحيص الموضوعي .. ونحاول إجمال أبرز عناصر هذه القصة في هذه السطور ..... في خلال القرن الثامن عشر كانت أوروبا تكتل أحقادها للانقضاض على الخلافة العثمانية واقتسام أملاك " الرجل المريض " تركيا ـ وأطلقت على هذه النزعة اسم " المسألة الشرقية " باعتبار تركيا العقبة " الشرقية " الوحيدة التي تشكل خطرا على الصليبية الدولية . وحماية حقيقية لبلاد الإسلام المتناثرة .
ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى كانت القوى الصليبية الكبرى في ذلك الوقت " بريطانيا وفرنسا والروسيا " تحاول الوصول إلى صيغة ملائمة للانقضاض واقتسام الغنائم . لا سيما وقد اكتشفوا ضعف الجانب التركي في معركة " سان جوتار " وعلى أبواب " فيينا " عموما .. عندما ظهر تخلف العسكرية العثمانية .
وفي سنة 1798 م كان صبي الثورة الفرنسية التي وقف اليهود وراء مبادئها " نابليون بونابرت " يزحف على مصر ليلقنها بمدافعه وخيوله وتحويله الأزهر الشريف إلى إسطبل لخيوله ، وتدميره القرى والمدن على امتداد الطريق بين القاهرة والإسكندرية .. يلقنها بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل الهمجية الأوروبية كالخمور والتحلل الخلقي وإغراء الخادمات المصريات .. يلقن مصر والعالم الإسلامي أو دروس القومية ، والمدنية والمبادئ الثلاثة الماسونية المزيفة التي رفعتها الثورة الفرنسية !!
ولم يكد يمضي على ذلك الحادث أكثر من ست سنوات حتى كانت بريطانيا تحاول غزو العالم العربي مستهلة وجودها فيه بغزو مصر سنة 1807 فيما يسمى بحملة فريزر " .. وبين هذه السنوات ، وبالتحديد في سنة 1803 نجح عميل فرنسي في أن يصل إلى الحكم ، ويعلن أكبر محاولة للانفصال عن الدولة العثمانية .. وكان هذا العميل الفرنسي " محمد علي باشا " صدى باهتا رديئا للغزو النابليوني لمصر .. وكما أهان نابليون بونابرت الأزهر ـ بدل إيقاظه لو كان قائد ثورة ، كذلك أهان محمد علي ـ الأزهر وعلماءه ـ وعلى الرغم من أن محمد علي كان مجرد " عبد " مملوك لا ينتمي إلى الدم العربي ، إلا أنه رفع راية القومية باعتبارها السلاح البراق الذي يمكن به ضرب الوحدة الإسلامية والشعور بالمصير الإسلامي الواحد .. ثم يتبع ذلك وضع العرب على انفراد ـ كما حدث فعلا ـ ، ولعل بعث " محمد علي " غير العربي للفتنة القومية لضرب الخلافة العثمانية ـ لمصلحة فرنسا ـ أكبر دليل على حقيقة جذور هذه اللعبة التي اخترعها تطور الفكر الأوروبي في عصر النهضة ، لكي يقضي على الشعوب ذات الوحدة الأيديولوجية كي تنفرد أوروبا بالتقدم وحدها ، بينما تضيع الدول والأيديولوجيات الأخرى في زحمة الانشقاقات القومية والجنسية ، وهذا ما حدث !!
وبعد أن كانت دولة الخلافة المسكينة تقف على تخوم القرن التاسع عشر تحاول أن تفيق من سكرة لقائها المفاجئ لمنتجات الحضارة الصناعية ، وتحاول أن تبحث عن حل حضاري مضاد .. وجدت دولة الخلافة نفسها متخمة بالمشاكل العنصرية التي أثارها عملاء الغرب .. هؤلاء العملاء الذين أنهكوا قواها ، وحاولوا أن يفرضوا عليها الدواء الأوروبي لعلاج أمراضها دون تبصر بحقيقة أمراضها . وبحقيقة اختلاف بنائها المادي والمعنوي ، ودون وعي بالعلاج الحضاري الناجع!
وامتدادا للخروج الشاذ الذي أعلنه المملوك الآبق " محمد علي " ظهرت محاولات أخرى للخروج وقام بها " بشير الشهابي " في لبنان ، وحركات في المغرب العربي ، بل وحركات داخل تركيا نفسها ترفع القومية الطورانية .
هذا فضلا عن حركات الخروج التي سبقت حركة " محمد علي " تحت تأثير دوافع انفصالية مختلفة ، كحركة علي بك الكبير سنة 1773م في مصر ، وحركة الشيخ ضاهر العمر سنة 1775م في فلسطين ، وفخر الدين المعنى في لبنان قبل سنة 1635م .... وهكذا .. كانت الدولة العثمانية تعاني من الداخل أشد المعاناة ، وتواجه من الخارج بتحديات صليبية غربية .. ففقدت على الطريق ـ بالتالي ـ أملاكها في أوروبا " هنغاريا ، وبلغراد ، وألبانيا ، واليونان ، ورومانيا وصربية ، وبلغاريا " .
وأكبر الظن أن بعض أتباع " لورانس " في ذلك الوقت قد فرحوا لسقوط هذه البلاد من يد الإمبراطورية الإسلامية الكبرى .
فهذا هو الهدف الحقيقي الذي ساقهم إليه أسيادهم من الصليبيين والماسون ! ..
يتبـــع
لقد كان الأوروبيون قد سيطروا على البحر الأبيض المتوسط ، وقد نجحوا في إخفاء صوت الشرق ، وبدأ النهضة تنطلق من أوروبا .. من مصانعها ، ومن تطور وسائل التقنية بها ، وتقدم الفكر الاجتماعي والسياسي .
ولم يكن بقدرة العروبة النائمة، والتي لم تستطع إلى الآن أن تستيقظ اليقظة المرجوة ـ أن تقف في وجه هذا الزحف . وعلى الرغم من تخلف العثمانيين في بعض النواحي ـ كما هو معلوم ـ فقد كانت قوتهم العسكرية تدوي في أوروبا ، وكانت هذه القوة بالنسبة للأوربيين هي القوة التي لا تغلب ولا تهزم ، حتى إن أوروبا لم تجتمع على مسألة إلا على اجتماعها على المسألة الشرقية أو مسألة التهام الرجل المريض ( الخلافة العثمانية ) . وبالطبع فإن العثمانيين لم يستطيعوا ـ شأنهم شأن العالم الذي كان قد بدأ يدخل في طور عملية انقلاب داخلية جديدة ـ تمهيدا لميلاد جديد ـ لم يستطع العثمانيون ـ بدورهم ـ أن يواجهوا هذه الثورة العلمية الزاحفة .
وكما هي عادة المتخلف حضاريا ، والمتقدم عنصريا وعشائريا .. ذهب العرب .. وذهب غيرهم . إلى رمي الخلافة العثمانية ـ حاميتهم ـ بأنها المسئولة عن تخلفهم الذريع . وعندما ماتت هذه الخلافة موتها الحضاري قبل موتها التاريخي سرعان ما سقط هؤلاء في وهدة الغزو الصليبي ولم تنفعهم عنصريتهم القومية ، ومع ذلك لا يزالون يكيلون للخلافة العثمانية الطعنات .
لقد كانت الدولة العثمانية قوية بلا شك طيلة القرون التي حكمت فيها وإلي بداية اضمحلالها ، فلما بدأت سنوات الاضمحلال تحولت أسباب قوتها إلى أسباب ضعف . وهذا هو الشأن في قوانين الحضارة .. إن عوامل القوة تتحول برتابتها وعدم تجديدها لنفسها إلى عالة على حركة التطور ، ولقد أصبحت الإنكشارية ، وأصبحت وسائل الحرب التقليدية عالة على حركة التقدم العثماني ، وانقلبت العسكرية العثمانية التي قدمت ما قدمت للحضارة الإسلامية إلى عبء تنوء به الدولة .
وفي ظل قرون القوة التي عاشتها الدولة تمتعت بأنظمة ممتازة من حكومة مركزية ، إلى مجلس وزراء يرأسه الصدر الأعظم، إلى ديوان سلطاني مكون من الوزراء وكبار الموظفين ، على القضاء الذي يرأسه شيخ الإسلام ، على نواب عن الجيش . أما في الولايات فكان يتولى أمر كل ولاية والي ( الباشا ) الذي يعين من قبل الخليفة ، ويعاونه في أعمال إدارة الولاية ( الديوان ) . أما القضاء فكان يتولاه قاضي القضاة ( قاضي العسكري ) . وقد قسمت الولايات إداريا إلى سناجق ، عين على كل منها حاكم سمي بالسنجق، مهمته الإشراف على شئون الأقاليم والحفاظ على الأمن ، وجمع الضرائب ، وفي كل ولاية كان يوجد حاكم عسكري وحامية عسكرية تساعد الباشا على حفظ النظام والأمن ...
كانت هذه هي خلاصة تنظيمات الدولة ، وكانت هذه التنظيمات وسائل قوة ، فلما انقلبت دفة الحضارة ، وظهر أن حركة التاريخ لم تكن في صف الدولة العثمانية تحولت هذه التنظيمات من أدوات قوة إلى أدوات ضعف .. وقد ساعد هذا الضعف على تحقيق أغراضه في تعجيز الدولة عن حماية الأراضي الخاضعة لها عدة عوامل :
أولا : ضعف بعض السلاطين وانغماسهم في الترف
ثانيا : فساد أجهزة الدولة وانتشار الرشوة .
ثالثا : تدخل رجال الحاشية في شئون الحكم .
رابعا : وثمة عوامل أخرى كثيرة عملت عملها في إفساد الحياة السياسية والعقائدية والفكرية .. وجرت على الخلافة الويلات .
خامسا : ومما لا شك فيه أن " الأعداء " الصليبين ، والأعداء اليهود ـ كجماعات الدونما والماسونية ـ لا شك أن هؤلاء جميعا كانوا عوامل إضعاف للخلافة العثمانية .
وكان أكبر عوامل نجاح اليهود والصليبيين في ضرب الخلافة العثمانية الإسلامية .. هو بعثهم لما يسمى بالنزعات العنصرية . القومية ، الطورانية للترك ، والقومية الكردية ، والبربرية وعشرات القوميات المعروفة الأخرى .
وجروا هؤلاء جميعا إلى ترك الخلافة العثمانية في محنتها ، بل جروا إلى ضرب الخلافة والتجمع ضدها تحت قيادات قومية عميلة للجمعيات اليهودية ، وقد نجح بعض أفراد هذه القيادات نجاحا كبيرا في تبوؤ مناصب كبرى ، وبالتالي في ضرب العثمانيين والإسلام في الصميم .
الصراع العنصري كان سببا في انهيار آخر خلافة إسلامية :
تعتبر قصة سقوط الدولة العثمانية من القصص الغامضة التي لا زالت تحتاج إلى الدرس العميق والتمحيص الموضوعي .. ونحاول إجمال أبرز عناصر هذه القصة في هذه السطور ..... في خلال القرن الثامن عشر كانت أوروبا تكتل أحقادها للانقضاض على الخلافة العثمانية واقتسام أملاك " الرجل المريض " تركيا ـ وأطلقت على هذه النزعة اسم " المسألة الشرقية " باعتبار تركيا العقبة " الشرقية " الوحيدة التي تشكل خطرا على الصليبية الدولية . وحماية حقيقية لبلاد الإسلام المتناثرة .
ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى كانت القوى الصليبية الكبرى في ذلك الوقت " بريطانيا وفرنسا والروسيا " تحاول الوصول إلى صيغة ملائمة للانقضاض واقتسام الغنائم . لا سيما وقد اكتشفوا ضعف الجانب التركي في معركة " سان جوتار " وعلى أبواب " فيينا " عموما .. عندما ظهر تخلف العسكرية العثمانية .
وفي سنة 1798 م كان صبي الثورة الفرنسية التي وقف اليهود وراء مبادئها " نابليون بونابرت " يزحف على مصر ليلقنها بمدافعه وخيوله وتحويله الأزهر الشريف إلى إسطبل لخيوله ، وتدميره القرى والمدن على امتداد الطريق بين القاهرة والإسكندرية .. يلقنها بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل الهمجية الأوروبية كالخمور والتحلل الخلقي وإغراء الخادمات المصريات .. يلقن مصر والعالم الإسلامي أو دروس القومية ، والمدنية والمبادئ الثلاثة الماسونية المزيفة التي رفعتها الثورة الفرنسية !!
ولم يكد يمضي على ذلك الحادث أكثر من ست سنوات حتى كانت بريطانيا تحاول غزو العالم العربي مستهلة وجودها فيه بغزو مصر سنة 1807 فيما يسمى بحملة فريزر " .. وبين هذه السنوات ، وبالتحديد في سنة 1803 نجح عميل فرنسي في أن يصل إلى الحكم ، ويعلن أكبر محاولة للانفصال عن الدولة العثمانية .. وكان هذا العميل الفرنسي " محمد علي باشا " صدى باهتا رديئا للغزو النابليوني لمصر .. وكما أهان نابليون بونابرت الأزهر ـ بدل إيقاظه لو كان قائد ثورة ، كذلك أهان محمد علي ـ الأزهر وعلماءه ـ وعلى الرغم من أن محمد علي كان مجرد " عبد " مملوك لا ينتمي إلى الدم العربي ، إلا أنه رفع راية القومية باعتبارها السلاح البراق الذي يمكن به ضرب الوحدة الإسلامية والشعور بالمصير الإسلامي الواحد .. ثم يتبع ذلك وضع العرب على انفراد ـ كما حدث فعلا ـ ، ولعل بعث " محمد علي " غير العربي للفتنة القومية لضرب الخلافة العثمانية ـ لمصلحة فرنسا ـ أكبر دليل على حقيقة جذور هذه اللعبة التي اخترعها تطور الفكر الأوروبي في عصر النهضة ، لكي يقضي على الشعوب ذات الوحدة الأيديولوجية كي تنفرد أوروبا بالتقدم وحدها ، بينما تضيع الدول والأيديولوجيات الأخرى في زحمة الانشقاقات القومية والجنسية ، وهذا ما حدث !!
وبعد أن كانت دولة الخلافة المسكينة تقف على تخوم القرن التاسع عشر تحاول أن تفيق من سكرة لقائها المفاجئ لمنتجات الحضارة الصناعية ، وتحاول أن تبحث عن حل حضاري مضاد .. وجدت دولة الخلافة نفسها متخمة بالمشاكل العنصرية التي أثارها عملاء الغرب .. هؤلاء العملاء الذين أنهكوا قواها ، وحاولوا أن يفرضوا عليها الدواء الأوروبي لعلاج أمراضها دون تبصر بحقيقة أمراضها . وبحقيقة اختلاف بنائها المادي والمعنوي ، ودون وعي بالعلاج الحضاري الناجع!
وامتدادا للخروج الشاذ الذي أعلنه المملوك الآبق " محمد علي " ظهرت محاولات أخرى للخروج وقام بها " بشير الشهابي " في لبنان ، وحركات في المغرب العربي ، بل وحركات داخل تركيا نفسها ترفع القومية الطورانية .
هذا فضلا عن حركات الخروج التي سبقت حركة " محمد علي " تحت تأثير دوافع انفصالية مختلفة ، كحركة علي بك الكبير سنة 1773م في مصر ، وحركة الشيخ ضاهر العمر سنة 1775م في فلسطين ، وفخر الدين المعنى في لبنان قبل سنة 1635م .... وهكذا .. كانت الدولة العثمانية تعاني من الداخل أشد المعاناة ، وتواجه من الخارج بتحديات صليبية غربية .. ففقدت على الطريق ـ بالتالي ـ أملاكها في أوروبا " هنغاريا ، وبلغراد ، وألبانيا ، واليونان ، ورومانيا وصربية ، وبلغاريا " .
وأكبر الظن أن بعض أتباع " لورانس " في ذلك الوقت قد فرحوا لسقوط هذه البلاد من يد الإمبراطورية الإسلامية الكبرى .
فهذا هو الهدف الحقيقي الذي ساقهم إليه أسيادهم من الصليبيين والماسون ! ..
يتبـــع
تعليق