العراق تحت حكم الامبراطورية العثمانية
العراق العثماني ( 1532 – 1918 )
فتح العراق في القرن السادس عشر
الحكم المطلق المحلي في القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر حكم المماليك
سقوط المماليك ونشوء الاطماع البريطانية
ولاية مدحت باشا ( 1869 – 1872 )
الاصلاحات العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر
نهاية الحكم العثماني
العراق العثماني ( 1532 – 1918 )
عندما انفرطت الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى ورسمت حدود القرن العشرين للعراق، فقد كانت تلك الحدود لا تمت بصلة لحدود ولايات العراق العثماني. ولم يكن اسم العراق مرتبطاباي من تلك الولايات. فالعراق العثماني كان بشكل عام هو المنطقة العربية من العراق في العهد السابق، ولكن دون حدود واضحة. فجبال زاغروس التي كانت تفصل بين العراق العربي عن العراق الفارسي، تمتد الان لتشكل الحدود الايرانية العثمانية، ولكن تلك الحدود زحفت حسب مصائرالحروب. اما في الجنوب والغرب فقد تلاشت حدود العراق في رمال الصحراء مع كل من سوريا والصحراء العربية.
لم يكن ضم العراق العربي ضمن الامبراطورية العثمانية قد فصله عن العراق الفارسي فحسب ولكنه قربه من الاراضي العثمانية في سوريا وبلاد الاناضول، مع تامين روابط خاصة تربط ولاية ديار بكر الى ولايات العراق.
ولاغراض ادارية، قسم العراق العثماني الى ثلاثة ولايات مركزية هي الموصل، وبغداد والبصرة، مع ولاية شهرزور الكائنة شرق دجلة والولاية الجنوبية الحسا على الساحل الغربي للخليج الفارسي. ان هذه المقاطعات عكست بصورة عامة فقط التقسيمات الجغرافية، واللغوية والدينية التي قسم بموجبها العراق العثماني.
معظم سكان الموصل وشهرزور في الشمال والشمال الشرقي كانوا من الاكراد او من قوميات اخرى غير عربية. كانت المراعي او الحقول المزروعة تستفيد من كميات الامطار الغزيرة وذوبان ثلوج الشتاء من منطقة الجبال الشاسعة. ولقد شكل نهرا دجلة والفرات الجاريان وسط السهل الجنوبي حزاما غير منتظم من اراض مروية تحدها الصحراء ويتداخل معها الاهوار حول راس الخليج.
اغلبية سكان السهل والصحراء والاهوار هم من الناطقين بالعربية، القليل من الناطقين بالتركية يتواجدون خارج بغداد وكركوك وبعض المدن الاخرى. لقد اخذت قرون من الصراعات السياسية والغزوات والحروب وعدم الاستقرار مأخذها من الشعب العراقي، وخاصة في المراكز الحضرية. ان تدمير واهمال نظم الري قد حدد الزراعة المستقرة على مناطق محددة، اكثر تلك المناطق تركيزا هي مابين النهرين شمال بغداد وحول البصرة في الجنوب. حوالي نصف السكان من العرب والكرد كانوا من البدو الرحل او شبه البدو. كانت التنظيمات الاجتماعية والولاءات الشخصية خارج المدن هي قبلية اساسا، حيث ان الكثير من الفلاحين المستقريين قد استعادوا روابطهم القبلية. وبغداد الواقعة قرب المركز الجغرافي، تعكس ذاتيا الانقسام بين الشيعة جنوبا والسنة شمالا. عكس الاناضول او سوريا، فان المجتمعات غير المسلمة في العراق كانت متواضعة الحجم، ولكن كان هناك عنصر يهودي فعال ماليا وتجاريا في بغداد، والمسيحيون السريان كانوا دائمي الوجود في الموصل.
ان هذه المنطقة قد تم استيعابها تدريجيا من قبل السلاطين العثمانيين سليم الاول وسليمان الاول في القرن السادس عشر، كانت هذه المنطقة الواقعة على حدود الامبراطورية الشرقية ساحة معركة في الصراعات المتكررة بين العثمانين السنة وحكام ايران الشيعة وكانت ايضا منطقة اضطرابات قبلية بين العرب والاكراد. كما لم تكن ابدا متكاملة كليا ضمن الامبراطورية او تدار مباشرة من قبل العثمانيين كما هي الحال في النصف الغربي من الهلال الخصيب. على كل حال فلو اخذنا الدمار والتجزئة التي حلت بالمنطقة في القرون السابقة فان التوسع السريع للنفوذ السياسي والاقتصادي العثماني ليشمل العراق كانت له فوائد محددة.
تحت مراقبة حكومة سليمان الاول تم الاعتراف بالادارة المحلية، وتوسعت التجارة، وتحسنت الظروف المعيشية والاقتصادية، وشهدت بعض المدن وخاصة بغداد بعض التوسع وظهورابنية جديدة. حاول العثمانيون في البداية حكم الولايات العراقية مباشرة، ولكن في القرنين السابع عشر والثامن عشر اضطرت حكومة اسطنبول الضعيفة لمنح حكم ذاتي مركزي للولاة، وخرجت بعض المناطق عن السيطرة العثمانية لفترات طويلة. ان هذا النهج كان قد انعكس في القرن التاسع عشر حيث الادارة المركزية واعادة التنظيم، التي قامت بها الدولة العثمانية كجزء من اصلاح شامل وبرنامج تحديث كان قد شمل العراق. ان اعادة تأكيد الحكم المباشر من قبل حكومة السلطان لم يوقف التغلغل البريطاني المتزايد والاطماع الاوربية الاخرى في العراق.
فتح العراق في القرن السادس عشر والنظام المفروض من قبل سليمان الاول
ان فتح العراق وسوريا ومصر والحجاز في القرن السادس عشر كان قد وضع اكثر المدن الاسلامية قدسية، واهم طرق الحج ومراكز الخلافة القديمة تحت الحكم العثماني، مما دعم الدولة وجعلها تعلن امتلاكها القيادة العليا على العالم الاسلامي.
لقد مثل الحكم العثماني في العراق انتصارا للسنة. بالرغم من استمرار امتلاك الشيعة في جنوب العراق الشئ الكثير من النفوذ المحلي والاعتبار، حتى انهم كانوا يميلون الى شيعة ايران ويستاؤن من الارتباط بالادارة العثمانية السنية المهيمنة. ان السيطرة على طرق التجارة التي تمر من خلال البحر الاحمر والى اعالي نهري دجلة والفرات الى الاناضول وسوريا والبحر المتوسط كان عنصرا مهما في جهود السلطان لتامين التجارة بين الشرق والغرب ان تستمر بالتدفق ضمن اراضيه بالرغم من الطريق البحري الجديد الذي فتح حديثا حول افريقيا.
ولكن ربما ماهواكثر اهمية ان العراق كان يمثل منطقة امتصاص للصدمة، ودرعا يحمي الامبراطورية العثمانية، الاناضول وسوريا ضد الانتهاكات الايرانية او القبائل العربية والكردية المتحاربة. ان فرض سليمان للحكم المباشر على العراق شملت بعض الوسائل العثمانية التقليدية مثل تعيين الحكام والقضاة وتركيز الانكشارية في مراكز المقاطعات، والامر بإجراء المسوحات التفصيلية للاملاك والاراضي. اما الاراضي المملوكة للجيش، فقد كانت قليلة ماعدا في بعض المناطق في الشمال. وعلى الرغم من ان باشا بغداد كان قد منح مرتبة متفوقة كحاكم لاكثر المدن اهمية في العراق العثماني ( كما كان حاكم دمشق في سوريا)، وهذا لم يساعد اطلاقا على وحدة الولايات الخمسة.
الحكم المطلق المحلي في القرن السابع عشر
ان ضعف السلطة المركزية للحكومة العثمانية في القرن السابع عشر شجع على ظهور الحكم المطلق المحلي في الولايات العراقية كما في مناطق اخرى من الامبراطورية. قامت دولة قبلية في الحسا حيث حكم بنو خالد كحكام من نهاية القرن السادس عشر الى 1663 ؛ و في 1612 قام افراسياب وهو عسكري من اصل غير معروف بشراء حاكمية البصرة حيث بقت تحت حكم عائلته لغاية 1668 . بموافقة وحتى مساعدة هؤلاء الحكام ، استطاع التجار الانجليز والهولنديين والبرتغاليين والذين كانوا نشطين في التجارة في البحر الاحمر من الحصول على موطئ قدم في البصرة.
قام بكر صو باشي وهو ضابط وقائد زمرة من الانكشاريين في بغداد بالثورة في بداية القرن السابع عشر وتفاوض مع الشاه الصفوي عباس الاول من اجل تقوية مركزه. وفي الصراع من اجل السلطة، استطاع العثمانيون من استعادة السيطرة على الموصل وشهرزور، ولكن وسط العراق بضمنها بغداد فقد كانت تحت الاحتلال الصفوي من 1623 الى ان طرد السلطان مراد الايرانيين مرة اخرى في 1638 . في حين ادى احتلال الصفويين لبغداد تدمير بعض جوامع السنة ومبان اخرى وقتل واستعباد بضعة الاف من البشر، معظمهم من السنة، فقد الكثير من سكان بقية المدن من الشيعة حياتهم بعودة العثمانيين الى بغداد.
ان معاهدة قصر شيرين ( وتسمى ايضا معاهدة زوهاب) لسنة 1639 انهت حربا استمرت ل 150 عاما بين العثمانيين والصفوين وحددت حدودا بين الامبراطوريتين بقيت عمليا دونما تغيير الى العهد الحديث. لقد حفظت السيادة العثمانية في بغداد ولكن كان الاستقرار قلقا في وسط العراق دائما من اضطرابات قطعات بعض المعسكرات ومن مشاكل القبائل العربية والكردية فيما بينها. وكذلك الحال في الجنوب، فبالرغم من ان الحكم الذاتي كان قد انتهى في دولة افراسياب في 1668 ، الا ان السلطة العثمانية سرعان ما هددت من قبل قبائل صحراء المنتفك واهوار الاهواز القوية. ولقد استغل الايرانيون حالة الاضطراب هذه للتسلل الى جنوب العراق. ولم يتمكن السلاطين من ارسال قطعات الى العراق لاستعادة البصرة الا بعد ما انهزمت الدولة العثمانية في حرب اوربا وابرام معاهدة كارلوفتز في 1699 .
ان التطورات التي حصلت في العراق في اواسط ونهاية القرن السابع عشر عكست حالة عدم الاستقرار في اسطنبول. ان الحكم الفعال والمؤثر لمراد الرابع تبعه عديم الكفاءة السلطان ابراهيم الاول ( 1640 – 48 ) والذي كان يعرف ب "دلَي ابراهيم" اي "ابراهيم المجنون"، والذي مالبث ان استبعد وشنق وخلفه ابنه ذو السنوات الستة محمد الرابع ( 1648 – 87 ). كان للازمات الدائمة في العاصمة تاثيرها الذي ادى الى عدم الاستقرار في كل مكان من الامبراطورية، وعدم تطبيق اصلاحات مراد الرابع وجلب الفوضى السياسية والاقتصادية.
القرن الثامن عشر حكم المماليك
شهدت بدايات القرن الثامن عشر تغيرات مهمة في كل من اسطنبول وبغداد. وتميز حكم السلطان احمد الثالث باستقرار سياسي نسبي في العاصمة ومن خلال اصلاحات مكثفة – بعضها يحمل طابعا اوربيا—طبقت خلال فترة " الزنبق" ( لاله ديفري، 1718 – 30 ) قام بها الوزير الاعظم ابراهيم باشا.
وكان الوالي العثماني في بغداد حسن باشا ( 1704 – 24 )، وهو من اصل جورجي والمرسل من اسطنبول، وابنه احمد باشا ( 1724 – 47 ) قد اسس حرسا ملكيا من المماليك الجورجيين ( العبيد) والذين من خلالهم مارسوا السلطة واداروا المقاطعة.
كان المماليك او بالتركية "كوليمن" ومعضمهم من العبيد المسيحيين من اصل قفقاسي والذين اعتنقوا الاسلام فيما بعد، كانوا قد تدربوا في مدارس خاصة، ومن ثم حولوا الى الجيش وواجبات ادارية. لقد حصن حسن باشا نفسه تجاه الحكومة العثمانية وذلك بفرض السيطرة على القبائل العنيدة وتحويل الاموال باستمرار الى خزينة اسطنبول، ولعب احمد باشا دورا دقيقا في الدفاع عن العراق ضد تهديد ايراني آخر. لقد وسع هؤلاء الباشوات سلطتهم لتمتد الى ابعد من ولاية بغداد لتشمل ماردين واورفا والكثير من شهرزور الكردية، وبذا سيطروا على طرق التجارة الشمالية وامنوا مصادر اضافية للموارد المالية. وسيطروا ايضا على البصرة وطرق التجارة المؤدية الى الخليج ، والجزيرة العربية والهند. واستعادت الموصل مكانتها كولاية مستقلة من 1726 لغاية 1834 حيث كان يحكمها افراد عائلة الجليلي القوية. في الوقت الذي كانت لعائلة الجليلي بعلاقتها المتميزة مع السلطان صفة اقطاعية، وكانوا يساهمون باستمرار بالحملات العثمانية خارج حدود مقاطعتهم، لم يكن لباشوات بغداد هذه الميزة. بقيت القوة العسكرية في العراق تحت امرتهم، يحرسون ضد الاضطرابات القبلية والتهديدات القادمة من ايران.
شهد انهيار القوة الصفوية في 1722 استيلاء الافغانيين على السلطة في ايران اولا ومن ثم نادر شاه ( 1736 – 47) مما ادى الى عودة الاعمال العدائية في العراق العثماني. ففي 1733 قبل وقبل حصوله على لقب شاه، قام نادر باجتياح بغداد. ثم فشل في احتلال الموصل في 1742 وتوصل الى معاهدة في 1746 والتي اقرت معاهدة قصر شيرين. ان المساعدات التي وفرها باشوات بغداد والموصل في مواجهة التهديد الايراني زاد من قيمتهما في عين حكومة السلطان مما حسن من وضعهما في ولايتيهما.
عند وفاة احمد باشا في 1747 بعيد وفاة نادر شاه قام مماليكه بتاسيس جحفل قوي من النخبة يضم حوالي 2000 رجل. بعد فشل الدولة العثمانية من منع هؤلاء المماليك من السيطرة على السلطة ، اضطروا بعدئذ قبول حكمهم. ففي 1750 قام سليمان ابو ليلى صهر احمد باشا وحاكم البصرة حاليا دخل بغداد وتم الاعتراف به اول باشا من المماليك في العراق.
يعتبر التاريخ السياس العراقي للنصف الثاني من القرن الثامن عشر هة تاريخ الحكم الذاتي للمماليك الجورجيين. فلقد جاء هذا النظام بعد قمع لثورات، والسيطرة على السلطة من قبل الانكشارية واستتباب الوضع وحلول مستوى معين من الرفاه في المنطقة. اضافة الى انهم قاوموا تهديد قبائل المنتفك في الجنوب وجعلوا من البصرة مدينة مستقلة عن بغداد. ولقد اتخذوا من الافراسياب في القرن الماضي نموذجا لهم، وتوجهوا للتجارة مع اوربا وذلك بالسماح لشركة الهند الشرقية بتاسيس وكالة لها في البصرة في 1763 .
ان فشلهم في خلق نظام وراثي في الحكم وتشكيل عدة وحدات من حرس المماليك المتنافسة فيما بينها ادى الى الانشقاق الحزبي وعدم الاستقرار، الذي كان من مصلحة حاكم ايران الجديد.
قام كريم خان زاده بانهاء حالة الفوضى التي سادت بعد اغتيال نادرشاه وحكم من 1765 معضم اراضي ايران من شيراز. وكما كان حكم المماليك في العراق فقد كان يهتم بالعوائد الاقتصادية من تنمية التجارة الاوربية في منطقة الخليج. احتل اخوه صادق خان البصرة في 1776 بعد ان اخمد مقاومة عنيدة يقودها حاكمها من المماليك سليمان آغا، وبق فيها حتى وفاة اخيه كريم خان في 1779 . عاد سليمان بعد ذلك من شيراز حيث كان اسيرا، وفي 1780 اعطي الحكم على ولاية بغداد والبصرة وشهرزور من قبل السطان عبدالحميد الاول والمعروف ب "بيوك" او "سليمان باشا العظيم"، تعتبر فترة حكمه(1780 – 1802 ) بانها أوج حكم المماليك في العراق. لقد استقدم اعدادا كبيرة من المماليك لتقوية حرسه الخاص، وقطع النزاعات بين قوات الحرس المتنافسة، وانهى الانكشارية كقوة مستقلة محلية، ونمى التجارة والزراعة. وكانت محاولاته للسيطرة على القبائل البدوية العربية اقل نجاحا، اضافة الى ان غزوات الوهابيين من الجزيرة العربية على الحسا فى حافة الصحراء والتي تفاقمت لتطول الاضرحة الشيعية في كربلاء في 1801 قد اضافت في الصعوبات التي يواجهها.
سقوط المماليك ونشوء الاطماع البريطانية
لقد تفاقم النفوذ البريطاني في العراق في 1798 حين سمح سليمان باشا سمح بتعيين ممثل بريطاني دائم في بغداد. ان تزايد التغلغل الأوربي هذا واحياء الحكم العثماني المباشر متزامنا مع الاصلاحات العسكرية والادارية وغيرها هي من ميزات القرن التاسع عشر البارزة في تاريخ العراق. ان اخر حاكم مملوك في العراق داوود باشا (1816 – 31 ) اتجه بصورة متزايدة نحو اوربا من اجل السلاح والخبراء لتدريب قواته العسكرية وعمل جاهدا من اجل تحسين المواصلات وترويج التجارة ففي هذا المجال فقد شابه نظيره في مصر محمد علي باشا. في الوقت الذي اقترب فيه محمد علي باشا اكثر الى فرنسا كانت بريطانيا تقوي باستمرار موقعها في الخليج والعراق.
ان سقوط داوود باشا يعزى جزئيا الى الى تصميم السلطان مراد الثاني ( 1808 – 39) لتقليص حكم المقاطعات والابقاء على السلطة المركزية لحكومته في كل انحاء الدولة. ان مما ادى الى ازالة داود باشا كان معارضوه في العراق من المماليك ، اضافة الى الفيضانات التي دمرت بغداد في 1831 والطاعون الذي اصاب سكانها في نفس السنة. كان المماليك راغبين دائما بمقاسمة السلطة الى حد ما مع مجموعات من الاشراف المحليين – شيوخ العشائر في الريف وجماعات تسكن المدن ممن لهم علاقات مع المعسكرات والبيروقراطين والتجار او نخبة رجال الدين. ولا تشمل فئة رجال الدين العلماء فحسب بل رؤوس المتصوفين والعوائل الاشراف والقيمين على المراقد والاضرحة العظيمة – من السنة والشيعة. كما لم يكن باشوات المماليك في بغداد يتمتعون باستقلالية عن حكومة السلطان كما يبدو في بعض الاحيان. لم يكن داود هو الاول الذي يخلع بالقوة. لقد كان الباشوات عادة يقدمون مساهمات مالية ومن خلال ممثليهم في العاصمة فهم يقدمون الهدايا الى الموظفين الكبار في القصر والباب العالي حيث يمكن ان يساعدوا في تنصيبهم.
ان وصول والي عثماني جديد الى بغداد في 1831 اشر نهاية عهد المماليك وبداية عهد جديد في العراق. وفرض الحكم المباشر تدريجيا على المنطقة. ولقد قدم الجليليون في الموصل في 1834 وعائلة بابان في السليمانية اثر اخضاع العثمانيين للمنطقة الكردية في 1850 ، وفي خمسينيات القرن التاسع عشر تم بتر القوى الدينية المستقلة من النخبة الشيعية في كربلاء والنجف. ومن اجل فرض سيطرة على مناطق القبائل استمر العثمانيون في الاعتماد على الطرق التقليدية في التدخل في قيادة القبائل واقامة تحالفات وتاليب مجموعة قبائل ضد اخرى واحيانا استخدام القوة العسكرية. في حين بقيت القبائل العربية والكردية تشكلان مشكلة فان الاصلاح الذي وضعه العثمانيون قد اثر في البنية العشائرية في العراق وخفف من حدة المشكلة الى حد ما.
يتبـــــع
العراق العثماني ( 1532 – 1918 )
فتح العراق في القرن السادس عشر
الحكم المطلق المحلي في القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر حكم المماليك
سقوط المماليك ونشوء الاطماع البريطانية
ولاية مدحت باشا ( 1869 – 1872 )
الاصلاحات العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر
نهاية الحكم العثماني
العراق العثماني ( 1532 – 1918 )
عندما انفرطت الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى ورسمت حدود القرن العشرين للعراق، فقد كانت تلك الحدود لا تمت بصلة لحدود ولايات العراق العثماني. ولم يكن اسم العراق مرتبطاباي من تلك الولايات. فالعراق العثماني كان بشكل عام هو المنطقة العربية من العراق في العهد السابق، ولكن دون حدود واضحة. فجبال زاغروس التي كانت تفصل بين العراق العربي عن العراق الفارسي، تمتد الان لتشكل الحدود الايرانية العثمانية، ولكن تلك الحدود زحفت حسب مصائرالحروب. اما في الجنوب والغرب فقد تلاشت حدود العراق في رمال الصحراء مع كل من سوريا والصحراء العربية.
لم يكن ضم العراق العربي ضمن الامبراطورية العثمانية قد فصله عن العراق الفارسي فحسب ولكنه قربه من الاراضي العثمانية في سوريا وبلاد الاناضول، مع تامين روابط خاصة تربط ولاية ديار بكر الى ولايات العراق.
ولاغراض ادارية، قسم العراق العثماني الى ثلاثة ولايات مركزية هي الموصل، وبغداد والبصرة، مع ولاية شهرزور الكائنة شرق دجلة والولاية الجنوبية الحسا على الساحل الغربي للخليج الفارسي. ان هذه المقاطعات عكست بصورة عامة فقط التقسيمات الجغرافية، واللغوية والدينية التي قسم بموجبها العراق العثماني.
معظم سكان الموصل وشهرزور في الشمال والشمال الشرقي كانوا من الاكراد او من قوميات اخرى غير عربية. كانت المراعي او الحقول المزروعة تستفيد من كميات الامطار الغزيرة وذوبان ثلوج الشتاء من منطقة الجبال الشاسعة. ولقد شكل نهرا دجلة والفرات الجاريان وسط السهل الجنوبي حزاما غير منتظم من اراض مروية تحدها الصحراء ويتداخل معها الاهوار حول راس الخليج.
اغلبية سكان السهل والصحراء والاهوار هم من الناطقين بالعربية، القليل من الناطقين بالتركية يتواجدون خارج بغداد وكركوك وبعض المدن الاخرى. لقد اخذت قرون من الصراعات السياسية والغزوات والحروب وعدم الاستقرار مأخذها من الشعب العراقي، وخاصة في المراكز الحضرية. ان تدمير واهمال نظم الري قد حدد الزراعة المستقرة على مناطق محددة، اكثر تلك المناطق تركيزا هي مابين النهرين شمال بغداد وحول البصرة في الجنوب. حوالي نصف السكان من العرب والكرد كانوا من البدو الرحل او شبه البدو. كانت التنظيمات الاجتماعية والولاءات الشخصية خارج المدن هي قبلية اساسا، حيث ان الكثير من الفلاحين المستقريين قد استعادوا روابطهم القبلية. وبغداد الواقعة قرب المركز الجغرافي، تعكس ذاتيا الانقسام بين الشيعة جنوبا والسنة شمالا. عكس الاناضول او سوريا، فان المجتمعات غير المسلمة في العراق كانت متواضعة الحجم، ولكن كان هناك عنصر يهودي فعال ماليا وتجاريا في بغداد، والمسيحيون السريان كانوا دائمي الوجود في الموصل.
ان هذه المنطقة قد تم استيعابها تدريجيا من قبل السلاطين العثمانيين سليم الاول وسليمان الاول في القرن السادس عشر، كانت هذه المنطقة الواقعة على حدود الامبراطورية الشرقية ساحة معركة في الصراعات المتكررة بين العثمانين السنة وحكام ايران الشيعة وكانت ايضا منطقة اضطرابات قبلية بين العرب والاكراد. كما لم تكن ابدا متكاملة كليا ضمن الامبراطورية او تدار مباشرة من قبل العثمانيين كما هي الحال في النصف الغربي من الهلال الخصيب. على كل حال فلو اخذنا الدمار والتجزئة التي حلت بالمنطقة في القرون السابقة فان التوسع السريع للنفوذ السياسي والاقتصادي العثماني ليشمل العراق كانت له فوائد محددة.
تحت مراقبة حكومة سليمان الاول تم الاعتراف بالادارة المحلية، وتوسعت التجارة، وتحسنت الظروف المعيشية والاقتصادية، وشهدت بعض المدن وخاصة بغداد بعض التوسع وظهورابنية جديدة. حاول العثمانيون في البداية حكم الولايات العراقية مباشرة، ولكن في القرنين السابع عشر والثامن عشر اضطرت حكومة اسطنبول الضعيفة لمنح حكم ذاتي مركزي للولاة، وخرجت بعض المناطق عن السيطرة العثمانية لفترات طويلة. ان هذا النهج كان قد انعكس في القرن التاسع عشر حيث الادارة المركزية واعادة التنظيم، التي قامت بها الدولة العثمانية كجزء من اصلاح شامل وبرنامج تحديث كان قد شمل العراق. ان اعادة تأكيد الحكم المباشر من قبل حكومة السلطان لم يوقف التغلغل البريطاني المتزايد والاطماع الاوربية الاخرى في العراق.
فتح العراق في القرن السادس عشر والنظام المفروض من قبل سليمان الاول
ان فتح العراق وسوريا ومصر والحجاز في القرن السادس عشر كان قد وضع اكثر المدن الاسلامية قدسية، واهم طرق الحج ومراكز الخلافة القديمة تحت الحكم العثماني، مما دعم الدولة وجعلها تعلن امتلاكها القيادة العليا على العالم الاسلامي.
لقد مثل الحكم العثماني في العراق انتصارا للسنة. بالرغم من استمرار امتلاك الشيعة في جنوب العراق الشئ الكثير من النفوذ المحلي والاعتبار، حتى انهم كانوا يميلون الى شيعة ايران ويستاؤن من الارتباط بالادارة العثمانية السنية المهيمنة. ان السيطرة على طرق التجارة التي تمر من خلال البحر الاحمر والى اعالي نهري دجلة والفرات الى الاناضول وسوريا والبحر المتوسط كان عنصرا مهما في جهود السلطان لتامين التجارة بين الشرق والغرب ان تستمر بالتدفق ضمن اراضيه بالرغم من الطريق البحري الجديد الذي فتح حديثا حول افريقيا.
ولكن ربما ماهواكثر اهمية ان العراق كان يمثل منطقة امتصاص للصدمة، ودرعا يحمي الامبراطورية العثمانية، الاناضول وسوريا ضد الانتهاكات الايرانية او القبائل العربية والكردية المتحاربة. ان فرض سليمان للحكم المباشر على العراق شملت بعض الوسائل العثمانية التقليدية مثل تعيين الحكام والقضاة وتركيز الانكشارية في مراكز المقاطعات، والامر بإجراء المسوحات التفصيلية للاملاك والاراضي. اما الاراضي المملوكة للجيش، فقد كانت قليلة ماعدا في بعض المناطق في الشمال. وعلى الرغم من ان باشا بغداد كان قد منح مرتبة متفوقة كحاكم لاكثر المدن اهمية في العراق العثماني ( كما كان حاكم دمشق في سوريا)، وهذا لم يساعد اطلاقا على وحدة الولايات الخمسة.
الحكم المطلق المحلي في القرن السابع عشر
ان ضعف السلطة المركزية للحكومة العثمانية في القرن السابع عشر شجع على ظهور الحكم المطلق المحلي في الولايات العراقية كما في مناطق اخرى من الامبراطورية. قامت دولة قبلية في الحسا حيث حكم بنو خالد كحكام من نهاية القرن السادس عشر الى 1663 ؛ و في 1612 قام افراسياب وهو عسكري من اصل غير معروف بشراء حاكمية البصرة حيث بقت تحت حكم عائلته لغاية 1668 . بموافقة وحتى مساعدة هؤلاء الحكام ، استطاع التجار الانجليز والهولنديين والبرتغاليين والذين كانوا نشطين في التجارة في البحر الاحمر من الحصول على موطئ قدم في البصرة.
قام بكر صو باشي وهو ضابط وقائد زمرة من الانكشاريين في بغداد بالثورة في بداية القرن السابع عشر وتفاوض مع الشاه الصفوي عباس الاول من اجل تقوية مركزه. وفي الصراع من اجل السلطة، استطاع العثمانيون من استعادة السيطرة على الموصل وشهرزور، ولكن وسط العراق بضمنها بغداد فقد كانت تحت الاحتلال الصفوي من 1623 الى ان طرد السلطان مراد الايرانيين مرة اخرى في 1638 . في حين ادى احتلال الصفويين لبغداد تدمير بعض جوامع السنة ومبان اخرى وقتل واستعباد بضعة الاف من البشر، معظمهم من السنة، فقد الكثير من سكان بقية المدن من الشيعة حياتهم بعودة العثمانيين الى بغداد.
ان معاهدة قصر شيرين ( وتسمى ايضا معاهدة زوهاب) لسنة 1639 انهت حربا استمرت ل 150 عاما بين العثمانيين والصفوين وحددت حدودا بين الامبراطوريتين بقيت عمليا دونما تغيير الى العهد الحديث. لقد حفظت السيادة العثمانية في بغداد ولكن كان الاستقرار قلقا في وسط العراق دائما من اضطرابات قطعات بعض المعسكرات ومن مشاكل القبائل العربية والكردية فيما بينها. وكذلك الحال في الجنوب، فبالرغم من ان الحكم الذاتي كان قد انتهى في دولة افراسياب في 1668 ، الا ان السلطة العثمانية سرعان ما هددت من قبل قبائل صحراء المنتفك واهوار الاهواز القوية. ولقد استغل الايرانيون حالة الاضطراب هذه للتسلل الى جنوب العراق. ولم يتمكن السلاطين من ارسال قطعات الى العراق لاستعادة البصرة الا بعد ما انهزمت الدولة العثمانية في حرب اوربا وابرام معاهدة كارلوفتز في 1699 .
ان التطورات التي حصلت في العراق في اواسط ونهاية القرن السابع عشر عكست حالة عدم الاستقرار في اسطنبول. ان الحكم الفعال والمؤثر لمراد الرابع تبعه عديم الكفاءة السلطان ابراهيم الاول ( 1640 – 48 ) والذي كان يعرف ب "دلَي ابراهيم" اي "ابراهيم المجنون"، والذي مالبث ان استبعد وشنق وخلفه ابنه ذو السنوات الستة محمد الرابع ( 1648 – 87 ). كان للازمات الدائمة في العاصمة تاثيرها الذي ادى الى عدم الاستقرار في كل مكان من الامبراطورية، وعدم تطبيق اصلاحات مراد الرابع وجلب الفوضى السياسية والاقتصادية.
القرن الثامن عشر حكم المماليك
شهدت بدايات القرن الثامن عشر تغيرات مهمة في كل من اسطنبول وبغداد. وتميز حكم السلطان احمد الثالث باستقرار سياسي نسبي في العاصمة ومن خلال اصلاحات مكثفة – بعضها يحمل طابعا اوربيا—طبقت خلال فترة " الزنبق" ( لاله ديفري، 1718 – 30 ) قام بها الوزير الاعظم ابراهيم باشا.
وكان الوالي العثماني في بغداد حسن باشا ( 1704 – 24 )، وهو من اصل جورجي والمرسل من اسطنبول، وابنه احمد باشا ( 1724 – 47 ) قد اسس حرسا ملكيا من المماليك الجورجيين ( العبيد) والذين من خلالهم مارسوا السلطة واداروا المقاطعة.
كان المماليك او بالتركية "كوليمن" ومعضمهم من العبيد المسيحيين من اصل قفقاسي والذين اعتنقوا الاسلام فيما بعد، كانوا قد تدربوا في مدارس خاصة، ومن ثم حولوا الى الجيش وواجبات ادارية. لقد حصن حسن باشا نفسه تجاه الحكومة العثمانية وذلك بفرض السيطرة على القبائل العنيدة وتحويل الاموال باستمرار الى خزينة اسطنبول، ولعب احمد باشا دورا دقيقا في الدفاع عن العراق ضد تهديد ايراني آخر. لقد وسع هؤلاء الباشوات سلطتهم لتمتد الى ابعد من ولاية بغداد لتشمل ماردين واورفا والكثير من شهرزور الكردية، وبذا سيطروا على طرق التجارة الشمالية وامنوا مصادر اضافية للموارد المالية. وسيطروا ايضا على البصرة وطرق التجارة المؤدية الى الخليج ، والجزيرة العربية والهند. واستعادت الموصل مكانتها كولاية مستقلة من 1726 لغاية 1834 حيث كان يحكمها افراد عائلة الجليلي القوية. في الوقت الذي كانت لعائلة الجليلي بعلاقتها المتميزة مع السلطان صفة اقطاعية، وكانوا يساهمون باستمرار بالحملات العثمانية خارج حدود مقاطعتهم، لم يكن لباشوات بغداد هذه الميزة. بقيت القوة العسكرية في العراق تحت امرتهم، يحرسون ضد الاضطرابات القبلية والتهديدات القادمة من ايران.
شهد انهيار القوة الصفوية في 1722 استيلاء الافغانيين على السلطة في ايران اولا ومن ثم نادر شاه ( 1736 – 47) مما ادى الى عودة الاعمال العدائية في العراق العثماني. ففي 1733 قبل وقبل حصوله على لقب شاه، قام نادر باجتياح بغداد. ثم فشل في احتلال الموصل في 1742 وتوصل الى معاهدة في 1746 والتي اقرت معاهدة قصر شيرين. ان المساعدات التي وفرها باشوات بغداد والموصل في مواجهة التهديد الايراني زاد من قيمتهما في عين حكومة السلطان مما حسن من وضعهما في ولايتيهما.
عند وفاة احمد باشا في 1747 بعيد وفاة نادر شاه قام مماليكه بتاسيس جحفل قوي من النخبة يضم حوالي 2000 رجل. بعد فشل الدولة العثمانية من منع هؤلاء المماليك من السيطرة على السلطة ، اضطروا بعدئذ قبول حكمهم. ففي 1750 قام سليمان ابو ليلى صهر احمد باشا وحاكم البصرة حاليا دخل بغداد وتم الاعتراف به اول باشا من المماليك في العراق.
يعتبر التاريخ السياس العراقي للنصف الثاني من القرن الثامن عشر هة تاريخ الحكم الذاتي للمماليك الجورجيين. فلقد جاء هذا النظام بعد قمع لثورات، والسيطرة على السلطة من قبل الانكشارية واستتباب الوضع وحلول مستوى معين من الرفاه في المنطقة. اضافة الى انهم قاوموا تهديد قبائل المنتفك في الجنوب وجعلوا من البصرة مدينة مستقلة عن بغداد. ولقد اتخذوا من الافراسياب في القرن الماضي نموذجا لهم، وتوجهوا للتجارة مع اوربا وذلك بالسماح لشركة الهند الشرقية بتاسيس وكالة لها في البصرة في 1763 .
ان فشلهم في خلق نظام وراثي في الحكم وتشكيل عدة وحدات من حرس المماليك المتنافسة فيما بينها ادى الى الانشقاق الحزبي وعدم الاستقرار، الذي كان من مصلحة حاكم ايران الجديد.
قام كريم خان زاده بانهاء حالة الفوضى التي سادت بعد اغتيال نادرشاه وحكم من 1765 معضم اراضي ايران من شيراز. وكما كان حكم المماليك في العراق فقد كان يهتم بالعوائد الاقتصادية من تنمية التجارة الاوربية في منطقة الخليج. احتل اخوه صادق خان البصرة في 1776 بعد ان اخمد مقاومة عنيدة يقودها حاكمها من المماليك سليمان آغا، وبق فيها حتى وفاة اخيه كريم خان في 1779 . عاد سليمان بعد ذلك من شيراز حيث كان اسيرا، وفي 1780 اعطي الحكم على ولاية بغداد والبصرة وشهرزور من قبل السطان عبدالحميد الاول والمعروف ب "بيوك" او "سليمان باشا العظيم"، تعتبر فترة حكمه(1780 – 1802 ) بانها أوج حكم المماليك في العراق. لقد استقدم اعدادا كبيرة من المماليك لتقوية حرسه الخاص، وقطع النزاعات بين قوات الحرس المتنافسة، وانهى الانكشارية كقوة مستقلة محلية، ونمى التجارة والزراعة. وكانت محاولاته للسيطرة على القبائل البدوية العربية اقل نجاحا، اضافة الى ان غزوات الوهابيين من الجزيرة العربية على الحسا فى حافة الصحراء والتي تفاقمت لتطول الاضرحة الشيعية في كربلاء في 1801 قد اضافت في الصعوبات التي يواجهها.
سقوط المماليك ونشوء الاطماع البريطانية
لقد تفاقم النفوذ البريطاني في العراق في 1798 حين سمح سليمان باشا سمح بتعيين ممثل بريطاني دائم في بغداد. ان تزايد التغلغل الأوربي هذا واحياء الحكم العثماني المباشر متزامنا مع الاصلاحات العسكرية والادارية وغيرها هي من ميزات القرن التاسع عشر البارزة في تاريخ العراق. ان اخر حاكم مملوك في العراق داوود باشا (1816 – 31 ) اتجه بصورة متزايدة نحو اوربا من اجل السلاح والخبراء لتدريب قواته العسكرية وعمل جاهدا من اجل تحسين المواصلات وترويج التجارة ففي هذا المجال فقد شابه نظيره في مصر محمد علي باشا. في الوقت الذي اقترب فيه محمد علي باشا اكثر الى فرنسا كانت بريطانيا تقوي باستمرار موقعها في الخليج والعراق.
ان سقوط داوود باشا يعزى جزئيا الى الى تصميم السلطان مراد الثاني ( 1808 – 39) لتقليص حكم المقاطعات والابقاء على السلطة المركزية لحكومته في كل انحاء الدولة. ان مما ادى الى ازالة داود باشا كان معارضوه في العراق من المماليك ، اضافة الى الفيضانات التي دمرت بغداد في 1831 والطاعون الذي اصاب سكانها في نفس السنة. كان المماليك راغبين دائما بمقاسمة السلطة الى حد ما مع مجموعات من الاشراف المحليين – شيوخ العشائر في الريف وجماعات تسكن المدن ممن لهم علاقات مع المعسكرات والبيروقراطين والتجار او نخبة رجال الدين. ولا تشمل فئة رجال الدين العلماء فحسب بل رؤوس المتصوفين والعوائل الاشراف والقيمين على المراقد والاضرحة العظيمة – من السنة والشيعة. كما لم يكن باشوات المماليك في بغداد يتمتعون باستقلالية عن حكومة السلطان كما يبدو في بعض الاحيان. لم يكن داود هو الاول الذي يخلع بالقوة. لقد كان الباشوات عادة يقدمون مساهمات مالية ومن خلال ممثليهم في العاصمة فهم يقدمون الهدايا الى الموظفين الكبار في القصر والباب العالي حيث يمكن ان يساعدوا في تنصيبهم.
ان وصول والي عثماني جديد الى بغداد في 1831 اشر نهاية عهد المماليك وبداية عهد جديد في العراق. وفرض الحكم المباشر تدريجيا على المنطقة. ولقد قدم الجليليون في الموصل في 1834 وعائلة بابان في السليمانية اثر اخضاع العثمانيين للمنطقة الكردية في 1850 ، وفي خمسينيات القرن التاسع عشر تم بتر القوى الدينية المستقلة من النخبة الشيعية في كربلاء والنجف. ومن اجل فرض سيطرة على مناطق القبائل استمر العثمانيون في الاعتماد على الطرق التقليدية في التدخل في قيادة القبائل واقامة تحالفات وتاليب مجموعة قبائل ضد اخرى واحيانا استخدام القوة العسكرية. في حين بقيت القبائل العربية والكردية تشكلان مشكلة فان الاصلاح الذي وضعه العثمانيون قد اثر في البنية العشائرية في العراق وخفف من حدة المشكلة الى حد ما.
يتبـــــع
تعليق