علماء الأندلس في بطليوس
بطليوس حاضرة العلم والأدب
كانت بَطَلْيُوس في ظلِّ بني الأفطس حاضرة من حواضر العلم والأدب والفقه في فترة ملوك الطوائف، وكان يتسابق إليها العلماء والشعراء؛ ينهلون من عطايا ملوكها، وخاصة المظفر والمتوكل، وقد اعتنى بنو الأفطس عناية فائقة بالأدب والشعر خاصة، ولعلَّ أشهر شعرائهم الوزير الشاعر الأديب ابن عبدون، الذي يُعَدُّ من أشهر وزراء الطوائف وشعرائهم، وهو عظيم مُلْكِ بني الأفطس ونظيم سلكهم، وقد رثا دولتهم بكلمات اشتملت على كل مَلِك قُتل، وأشارت إلى مَنْ غُدر منهم وخُتِلَ، تُكبرها المسامع ويعتبر بها السامع[1]،كما أنه قد نبغ في بلاط بَطَلْيُوس العديد من الفقهاء والعلماء الأجلاَّء، الذين قالوا الحقَّ وجهروا به، وسَعَوْا في درأ الصدع والفتنة والصلح بين ملوك الطوائف، ويأتي على رأسهم أبو الوليد الباجي، والعالم الفقيه ابن عبد البر المالكي القرطبي الأصل، وغيرهم كثير، هذا فضلاً عن أن المظفر بن الأفطس كان من كبار أدباء عصره، ويكفي أنه صاحب كتاب المظفر الذي عدَّه ابن حزم مفخرة من مفاخر الأندلس، كما كان ابنه المتوكل بن الأفطس أديبًا شاعرًا عالمًا، وكانت مدينة بَطَلْيُوس في مُدَّته دار أدب وشعر، ونحوٍ وعلمٍ[2].
أبو الوليد الباجي (403-474 هـ=1012-1081م)
هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، الأندلسي الباجِيُّ، أصله من بَطَلْيُوس ومولده في بَاجَة، ارتحل في طلب العلم والفقه بين الحجاز وبغداد ودمشق والموصل وأصبهان، فأخذ علم الحديث والفقه والكلام، ثم عاد إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حَصَّله مع الفقر والتقنُّع باليسير، ثم ولي القضاء، حدَّث عنه ابن عبد البر وابن حزم والحميدي والطرطوشي وابنه أبو القاسم بن سليمان، وقد أجمع العلماء على أنه أحد أئمة المسلمين في المشرق والمغرب، وكان أبو الوليد الباجي من المقرَّبين إلى المتوكل بن الأفطس ينصحه ويُذَكِّره، كما أنه كان من العلماء العاملين، الذين يحملون هموم دعوتهم ودينهم، وكانت تشغله دائمًا أحوال الأندلس والتفرُّق والتنازع بين ملوك الطوائف واستقوائهم بالنصارى، وكان ألفونسو السادس قد شدَّد غاراته على أراضي المسلمين، وأثقل أمراءهم بالجزية، بل إنه لم يقنع بها، فلما رأى الباجي ذلك أعدَّ عُدَّته من الإيمان، وشحذ همَّته لقول الحقِّ لهؤلاء الأمراء، وأجهد –رحمه الله- نفسه في دعوة ملوك الطوائف إلى الاتحاد ونبذ الفُرقة والتشاحن، ولكن لم يُصْغْ أحد إلى دعوته، وحَسْبُه أنه قد أعذر إلى ربه، ومات –رحمه الله- ولم يَرَ حُلْمَه في اجتماع كلمة المسلمين.
صنَّف أبو الوليد الباجي كتبًا كثيرة؛ منها: كتاب (المنتقى)، و(إحكام الفصول في أحكام الأصول)، و(التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح).. وغير ذلك[3].
ابن عبد البر (368-463 هـ=978-1071م)
أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، الإمام العلامة، حافظ المغرب، ولد بقُرْطُبَة وبها تعلَّم على يد كبار رجالها وفقهائها، قال عنه الإمام أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث. وقال عنه أيضًا: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
فارق ابن عبد البر قرطبة وجال في غرب الأندلس مدةً، ثم تحوَّل إلى شرق الأندلس، وله رحلات كثيرة فيها، وقد استقرَّ به الأمر في بَطَلْيُوس غرب الأندلس؛ فتولَّى قضاء لَشْبُونَة وشَنْتَرِين للمظفر بن الأفطس، ثم رحل إلى شاطبة وبها تُوُفِّيَ.
من تصانيفه: (الدرر في اختصار المغازي والسير)، و(العقل والعقلاء)، و(الاستيعاب)، و(بهجة المجالس وأنس المجالس)، و(التمهيد) [4].
[1] الفتح بن خاقان: قلائد العقيان 37-40، وابن دحية الكلبي: المطرب من أشعار أهل المغرب ص27-33، وعبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب 129-140، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص186، 189، والإحاطة في أخبار غَرْنَاطَة 4/47-51.
[2] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/96، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص185.
[3] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/98، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/408، 409، والصفدي: الوافي بالوفيات 15/229، 230.
[4] الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/153-156.
كانت بَطَلْيُوس في ظلِّ بني الأفطس حاضرة من حواضر العلم والأدب والفقه في فترة ملوك الطوائف، وكان يتسابق إليها العلماء والشعراء؛ ينهلون من عطايا ملوكها، وخاصة المظفر والمتوكل، وقد اعتنى بنو الأفطس عناية فائقة بالأدب والشعر خاصة، ولعلَّ أشهر شعرائهم الوزير الشاعر الأديب ابن عبدون، الذي يُعَدُّ من أشهر وزراء الطوائف وشعرائهم، وهو عظيم مُلْكِ بني الأفطس ونظيم سلكهم، وقد رثا دولتهم بكلمات اشتملت على كل مَلِك قُتل، وأشارت إلى مَنْ غُدر منهم وخُتِلَ، تُكبرها المسامع ويعتبر بها السامع[1]،كما أنه قد نبغ في بلاط بَطَلْيُوس العديد من الفقهاء والعلماء الأجلاَّء، الذين قالوا الحقَّ وجهروا به، وسَعَوْا في درأ الصدع والفتنة والصلح بين ملوك الطوائف، ويأتي على رأسهم أبو الوليد الباجي، والعالم الفقيه ابن عبد البر المالكي القرطبي الأصل، وغيرهم كثير، هذا فضلاً عن أن المظفر بن الأفطس كان من كبار أدباء عصره، ويكفي أنه صاحب كتاب المظفر الذي عدَّه ابن حزم مفخرة من مفاخر الأندلس، كما كان ابنه المتوكل بن الأفطس أديبًا شاعرًا عالمًا، وكانت مدينة بَطَلْيُوس في مُدَّته دار أدب وشعر، ونحوٍ وعلمٍ[2].
أبو الوليد الباجي (403-474 هـ=1012-1081م)
هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، الأندلسي الباجِيُّ، أصله من بَطَلْيُوس ومولده في بَاجَة، ارتحل في طلب العلم والفقه بين الحجاز وبغداد ودمشق والموصل وأصبهان، فأخذ علم الحديث والفقه والكلام، ثم عاد إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حَصَّله مع الفقر والتقنُّع باليسير، ثم ولي القضاء، حدَّث عنه ابن عبد البر وابن حزم والحميدي والطرطوشي وابنه أبو القاسم بن سليمان، وقد أجمع العلماء على أنه أحد أئمة المسلمين في المشرق والمغرب، وكان أبو الوليد الباجي من المقرَّبين إلى المتوكل بن الأفطس ينصحه ويُذَكِّره، كما أنه كان من العلماء العاملين، الذين يحملون هموم دعوتهم ودينهم، وكانت تشغله دائمًا أحوال الأندلس والتفرُّق والتنازع بين ملوك الطوائف واستقوائهم بالنصارى، وكان ألفونسو السادس قد شدَّد غاراته على أراضي المسلمين، وأثقل أمراءهم بالجزية، بل إنه لم يقنع بها، فلما رأى الباجي ذلك أعدَّ عُدَّته من الإيمان، وشحذ همَّته لقول الحقِّ لهؤلاء الأمراء، وأجهد –رحمه الله- نفسه في دعوة ملوك الطوائف إلى الاتحاد ونبذ الفُرقة والتشاحن، ولكن لم يُصْغْ أحد إلى دعوته، وحَسْبُه أنه قد أعذر إلى ربه، ومات –رحمه الله- ولم يَرَ حُلْمَه في اجتماع كلمة المسلمين.
صنَّف أبو الوليد الباجي كتبًا كثيرة؛ منها: كتاب (المنتقى)، و(إحكام الفصول في أحكام الأصول)، و(التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح).. وغير ذلك[3].
ابن عبد البر (368-463 هـ=978-1071م)
أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، الإمام العلامة، حافظ المغرب، ولد بقُرْطُبَة وبها تعلَّم على يد كبار رجالها وفقهائها، قال عنه الإمام أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث. وقال عنه أيضًا: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
فارق ابن عبد البر قرطبة وجال في غرب الأندلس مدةً، ثم تحوَّل إلى شرق الأندلس، وله رحلات كثيرة فيها، وقد استقرَّ به الأمر في بَطَلْيُوس غرب الأندلس؛ فتولَّى قضاء لَشْبُونَة وشَنْتَرِين للمظفر بن الأفطس، ثم رحل إلى شاطبة وبها تُوُفِّيَ.
من تصانيفه: (الدرر في اختصار المغازي والسير)، و(العقل والعقلاء)، و(الاستيعاب)، و(بهجة المجالس وأنس المجالس)، و(التمهيد) [4].
[1] الفتح بن خاقان: قلائد العقيان 37-40، وابن دحية الكلبي: المطرب من أشعار أهل المغرب ص27-33، وعبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب 129-140، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص186، 189، والإحاطة في أخبار غَرْنَاطَة 4/47-51.
[2] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/96، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص185.
[3] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/98، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/408، 409، والصفدي: الوافي بالوفيات 15/229، 230.
[4] الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/153-156.
تعليق