محاكم التفتيش .. شهادة الكولونيل الفرنسي ليموتسكي
شهادة الكولونيل ليموتسكي
كتب الكولونيل ليموتسكي أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: «كنت سنة 1809م ملحقًا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة، وكان الإمبراطور نابليون أصدر مرسومًا سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية، غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والاضطرابات السياسية التي سادت وقتئذٍ.
وصمم الرهبان الجزويت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقامًا من القرار الصادر، وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين؛ حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.
وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعًا يقل المرور فيه من شوارع مدريد؛ إذ باثنين مسلحين قد هجما عليَّ؛ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعًا شديدًا، ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة، وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح، وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام، فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب، وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش، فأسرعتُ إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد، وقصصت عليه النبأ وقال: لا شك بأن مَنْ يُقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار، لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم، والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع، وهاجم دير الديوان، واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة..».
حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عَنْوة، ثم يتابع قائلاً: «أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعًا وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراسٍ هزازة، وسجاجيد فارسية، وصور ومكاتب كبيرة، وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع، وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف، فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة، التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع، يوقد أمام صور الرهبان، ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد.
وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئًا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهمًا باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت، وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت «دي ليل» استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنتهِ حتى الآن؟! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئًا مريبًا؛ فماذا تريد يا لفتنانت؟! قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف؛ فإن قلبي يحدثني بأن السرَّ تحتها.
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط «دي ليل» من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا. فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة، بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.
أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
محاكم التفتيش .. أهوال تشيب لها الولدان
وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعتُ إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعي يده على كتفي متلطفًا، وقال لي: يابني؛ لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له: يا هذا؛ إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك؟!
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية، التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيتُ فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.
رأينا غرفًا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفًا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدًّا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبُّوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعًا عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيًّا حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحًا، وهم يُقَبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهدًا يُبكي الصخور.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تمامًا، يُوضع فيه رأس الذي يُريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال؛ حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذَّب على حاله تلك حتى يموت.
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تُثَبَّت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره، فإذا أغلق مُزِّق جسم المعذب المسكين، وقطعه إربًا إربًا.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشدُّ ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ؛ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك، يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب، فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقًّا، وسحقها سحقًا، وأمسكوا كاتم سرِّه وزفوه إلى السيدة الجميلة[1] وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شرَّ ممزق، ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك، ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهبًا ثم أخذ ينهب ما بالدير[2].
كتب الكولونيل ليموتسكي أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: «كنت سنة 1809م ملحقًا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة، وكان الإمبراطور نابليون أصدر مرسومًا سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية، غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والاضطرابات السياسية التي سادت وقتئذٍ.
وصمم الرهبان الجزويت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقامًا من القرار الصادر، وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين؛ حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.
وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعًا يقل المرور فيه من شوارع مدريد؛ إذ باثنين مسلحين قد هجما عليَّ؛ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعًا شديدًا، ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة، وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح، وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام، فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب، وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش، فأسرعتُ إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد، وقصصت عليه النبأ وقال: لا شك بأن مَنْ يُقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار، لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم، والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع، وهاجم دير الديوان، واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة..».
حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عَنْوة، ثم يتابع قائلاً: «أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعًا وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراسٍ هزازة، وسجاجيد فارسية، وصور ومكاتب كبيرة، وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع، وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف، فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة، التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع، يوقد أمام صور الرهبان، ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد.
وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئًا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهمًا باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت، وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت «دي ليل» استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنتهِ حتى الآن؟! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئًا مريبًا؛ فماذا تريد يا لفتنانت؟! قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف؛ فإن قلبي يحدثني بأن السرَّ تحتها.
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط «دي ليل» من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا. فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة، بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.
أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
محاكم التفتيش .. أهوال تشيب لها الولدان
وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعتُ إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعي يده على كتفي متلطفًا، وقال لي: يابني؛ لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له: يا هذا؛ إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك؟!
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية، التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيتُ فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.
رأينا غرفًا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفًا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدًّا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبُّوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعًا عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيًّا حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحًا، وهم يُقَبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهدًا يُبكي الصخور.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تمامًا، يُوضع فيه رأس الذي يُريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال؛ حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذَّب على حاله تلك حتى يموت.
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تُثَبَّت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره، فإذا أغلق مُزِّق جسم المعذب المسكين، وقطعه إربًا إربًا.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشدُّ ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ؛ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك، يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب، فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقًّا، وسحقها سحقًا، وأمسكوا كاتم سرِّه وزفوه إلى السيدة الجميلة[1] وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شرَّ ممزق، ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك، ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهبًا ثم أخذ ينهب ما بالدير[2].
[1] السيدة الجميلة هي آلة التعذيب التي بها السكاكين.
[2] علي مظهر: محاكم التفتيش، ص132- 139.
[2] علي مظهر: محاكم التفتيش، ص132- 139.
تعليق