العثمانيون في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري
الخليفة سليم الثالث (1203- 1222هـ)
وهو ابن الخليفة مصطفى الثالث، تسلم الخلافة في وقت عصيب, فقد استطاعت روسيا أن تحتل إقليم الأفلاق والبغدان وبساربيا, وساعدها على هذا النجاح مساندة النمسا لها واحتلالها لبلاد الصرب ودخولها بلغراد.
ولكن جاءت عناية القدر, عندما ظهرت الثورة الفرنسية وانشغل الإمبراطور النمساوي بها, وخاف أن تمتد إلى بلاده, فعقد صلحًا مع العثمانيين عام 1205هـ أعاد إليها بلاد الصرب وبلغراد, ولكن روسيا لم تتوقف في حربها ضد الدولة العثمانية واستطاعت أن تحتل المزيد من الأراضي, وكانت إذا دخلت بلادًا للمسلمين ارتكبت الفظائع وتجردت معهم من الإنسانية.
معاهدة ياسي 1206هـ:
توسطت إنجلترا وهولندا وبروسيا بين العثمانيين والروس وعقدت معاهدة ياسي التي بمقتضاها:
1- تعود الأفلاق والبغدان للدولة العثمانية.
2- تعترف الدولة العثمانية بسيادة روسيا على القرم وبسارابيا ومدينة أوزي وجزء من بلاد الشركس.
الشئون الداخلية:
بعد المعاهدات التي أبرمت مع روسيا والنمسا حاول الخليفة إصلاح الشئون الداخلية للدولة, وجاء بفكرة الجنود النظامية ليتخلص من الإنكشارية الذين أصبحوا منبعًا للفتن والهزائم, وحاول تقليد أوربا بعد ما رأى التقدم الذي وصلت إليه, فجعل إنشاء السفن على الطريقة الفرنسية, واستعان بالسويد في وضع المدافع, وترجم المراجع العلمية في الرياضيات والفن العسكري.
وأثار إنشاء الجنود النظامية جنود الانكشارية, وخاصة بعد فصل الخليفة الأسطول والمدفعية عن الانكشارية, فثار الإنكشارية ومعهم الجنود غير النظاميين وأجبروا الخليفة إلغاء النظام العسكري الجديد, ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا الخليفة عام 1222هـ.
الحملة الفرنسية على مصر وتوتر العلاقات:
ومما يذكر في عهد الخليفة سليم الثالث الحملة الفرنسية على مصر عام 1213هـ، التي استطاع فيها نابليون دخول مصر, فتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء, وعرضت روسيا مساعدة العثمانيين في الحرب مع فرنسا, وكذلك أبدت إنجلترا استعدادها لذلك, وفي ذلك الوقت كان نابليون يواصل توغله في الأراضي العثمانية, فدخل بلاد الشام ولكنه فشل في دخول عكا لاستبسال واليها أحمد باشا الجزار ومساعدة الأسطول الإنجليزي له, ثم استطاع الأسطول الإنجليزي تدمير الأسطول الفرنسي في الإسكندرية عام 1213هـ، واندلعت الثورة في أنحاء مصر, وكان للجامع الأزهر كبير الأثر في ذلك, وكان من أهم نتائج الثورة قتل كليبر خليفة نابليون في مصر عام 1215هـ.
وأصبحت فرنسا في مستنقع تفقد فيه الكثير من جنودها, حتى نزلت القوات العثمانية والإنجليزية في مصر, وواصلت تقدمها إلى القاهرة, فاضطرت فرنسا للانسحاب من مصر عام 1216هـ بعد إبرام اتفاقية العريش، وعادت العلاقات لسابقها مع فرنسا وتجددت الامتيازات.
ثم عادت روسيا للعداء مع الدولة العثمانية, وخاصة بعد أن عزلت الدولة أميري الأفلاق والبغدان المؤيدين من قبل روسيا, تدعمها إنجلترا وهددا الدولة بدخول إستانبول, إن لم تعط إقليمي الأفلاق والبغدان لروسيا, وتعطى لإنجلترا أسطولها وقلاع الدردنيل, وكادت الدولة أن تخضع لهذه الشروط لأنها لا تملك القوة التي تستطيع المقاومة, إلا أن العناية الإلهية قد تمثلت في اختلاف المصالح بين الدول, فجاء السفير الفرنسي للخليفة وعرض عليه عون فرنسا, فوافق الخليفة وتوجه الأسطول الفرنسي إلى مدخل مضيق الدردنيل مطوقًا الأسطول الإنجليزي في بحر مرمرة، فاضطرت إنجلترا للانسحاب فورًا خوفًا من تدمير أسطولها وحاولت تعويض فرارها في الحملة التي شنتها على مصر بقيادة فريزر عام 1222هـ، ولكن شعب رشيد الباسل قد لقنها درسًا لن تنساه، فانسحبت تجر أذيال الخيبة وراءها.
وكان محمد علي أحد الجنود الذين جاءوا ضمن الجيش العثماني لإخراج الفرنسيين من مصر, فما لبث أن جذب إليه المماليك والعلماء والأهالي, حتى نصب واليًا على مصر عام 1220هـ، فما إن استتب له الأمر حتى تخلص من المماليك في مذبحة القلعة عام 1226هـ، وأثار الفتن بين العلماء لينفرد بالحكم وحده.
وفي عهد الخليفة سليم الثالث تكونت جمهورية مستقلة في بلاد اليونان تحت ضغط دول أوربا، وبرغم أن هذه الجمهورية تكون تحت حماية الدولة العثمانية إلا أن الوضع الذي أصبحت عليه سيمهد لها الطريق إلى الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، كما سنرى في الصفحات المقبلة.
الخليفة مصطفى الرابع (1222- 1223هـ)
وهو ابن السلطان عبد الحميد الأول.
وفي ذلك الوقت لم ترد روسيا التخلي عن الأفلاق والبغدان, وفي نفس الوقت كانت روسيا في حرب مع فرنسا, وانتصرت فرنسا في الحرب ففرضت فرنسا رأيها على العثمانيين بأن يخلى الروس ولايتي الأفلاق والبغدان, على ألا تدخلها الجيوش العثمانية فوافق العثمانيون ولكن روسيا لم تترك الولايتين.
في البداية انصاع الخليفة لأوامر الانكشارية بعدما عزلوا عمه وعين قائدهم قباقجي أوغلي حاكمًا لقلاع البوسفور, ثم ما لبث أن اختلف الإنكشارية, وقتل قبابجي أوغلي وطلب القائد الجديد للإنكشارية إعادة الخليفة سليم الثالث, ولكن سليم وافته المنية فقتل الخليفة مصطفى القائد الجديد, فاجتمع عليه الإنكشارية وعزلوه وولوا أخاه محمود الثاني عام 1221هـ.
الخليفة محمود الثاني (1223- 1255هـ)
امتلأ عهد محمود الثاني بأحداث مهمة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
الحركة الوهابية:
نتيجة للضعف الشديد الذي دب في أوصال الدولة العثمانية ظهر فيها اتجاهان:
الاتجاه الأول.. والذي أرجع ما وصلت إليه الدولة العثمانية من ضعف إلى الابتعاد عن الإسلام, الذي ما كان للمسلمين أن تقوم لهم قائمة في الأرض إلا بالتمسك به.
الاتجاه الثاني.. يقوم على ضرورة تقليد أوربا تقليدًا أعمى,؛ لكي نصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.
الاتجاه الأول: تمثل في الحركة الوهابية التي قامت في أنحاء الجزيرة العربية, واجتذبت إليها الكثير من أهلها.
والاتجاه الثاني: كان متمثلا في محمد علي, الذي أخذ في إرسال البعثات إلى أوربا لتأتي بكل ما تجده في أوربا, حتى لو كان لا يتفق مع الدين, ولذلك نجد الأوربيين قد أثنوا دائمًا عند الكتابة عن محمد علي, واعتبروا أن النهضة في مصر قد بدأت منذ عهده.
ولما زاد أتباع الحركة الوهابية, أوحى الأوربيون وغيرهم من أعداء الوهابيين إلى الدولة العثمانية بأنها حركة انفصالية خارجة على سلطة الدولة، وكانت الجيوش العثمانية في ذلك الوقت في حروب مع أوربا, فتركت مهمة القضاء على الحركة لمحمد علي, الذي استطاع أن يجهز جيشًا قويًّا يحمي به نفوذه ويخوض به المعارك, فأسرع ببناء أسطول لنقل القوات إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر, ونزلت القوات التابعة لمحمد علي بإمرة ابنه طوسون, واستطاعت أن تسيطر على المدينة المنورة, ولكنه حوصر في الطائف فجاءه أبوه بنفسه, فاحتل مكة المكرمة ثم واصل طوسون زحفه في الجزيرة العربية, فأرسل إليه عبد الله بن سعود أمير الدولة السعودية الراعية للحركة الوهابية, وطلب الصلح فتم, ولكن طوسون اضطر للعودة إلى مصر بعدما سمع بتمرد جند والده, وما إن هدأت الأوضاع في مصر حتى بعث محمد علي حملة جديدة بقيادة ابنه إبراهيم, واستطاع الوصول إلى الدرعية قاعدة السعوديين، فاستسلمت وعقد الصلح في عام 1233هـ، وبذلك قضى على الحركة الوهابية، وسافر عبد الله بن سعود إلى إستانبول, بعد أن أمّنه الخليفة ولكن ما لبث أن قتل بمجرد وصوله.
الأوضاع في أوربا:
مع استمرار الحروب مع روسيا وإشعال فتن الاستقلال عن الدولة في ولاية الصرب, ومع تقدم الروس في الأراضي العثمانية, تجددت الخلافات بين فرنسا وروسيا, فمالت روسيا للصلح مع الدولة العثمانية,؛ لكي تتفرغ لقتال الفرنسيين فعقدت معاهدة بخارست التي تنص على سيادة الدولة العثمانية على الأفلاق والبغدان والصرب, وسيادة روسيا على بساربيا, واستطاعت روسيا أن تنتصر في حروبها مع فرنسا، مما اعتبره نابليون خيانة من العثمانيين.
ثورة الصرب:
وفي بلاد الصرب اشتد غيظ السكان من معاهدة بخارست التي تبقيهم تحت الحكم العثماني, فاندلعت الثورة فأخضعهم العثمانيون وفر زعماؤها إلى النمسا ما عدا تيودروفتش الذي أبدى طاعته للدولة، وهو في الحقيقة يعمل على زرع بذور الانفصال عنها في السكان, حتى إذا قويت شوكته أعلن التمرد عام 1230هـ فاصطدمت معه الجيوش العثمانية, حتى أبدى الطاعة مرة أخرى للخليفة على ألا تتدخل الدولة في شئون الصرب الداخلية، وأن تكون السيطرة للعثمانيين في الصرب على القلاع فقط فوافقت الدولة.
ثورة اليونان:
كنتيجة طبيعية لعدم تدخل الدولة العثمانية في عقيدة أو حضارة أو لغة الأمصار المفتوحة؛ افتقدت هذه الأمصار الارتباط مع الدولة العثمانية, وخاصة غير المسلمين, وكان من ضمن هذه الأمصار اليونان التي سافر العديد من أبنائها إلى أوربا, ليعودوا مشحونين بالنزعات الانفصالية عن العثمانيين, وأسسوا جمعيات سرية في النمسا وروسيا لدعم الانفصال عن العثمانيين, وما إن أعدوا العدة حتى أعلنوا التمرد على العثمانيين, فتوجه إليهم خورشيد باشا فهزم أمامهم وانتحر بعد الهزيمة.
فلم يجد الخليفة لإخماد الثورة في اليونان غير محمد علي الذي أتم فتح السودان, فأمر الأسطول المصري أن يتحرك بإمرة ابنه إبراهيم متوجها إلى اليونان للقضاء على الثورة, حتى يضمها هى الأخرى إلى مناطق نفوذه, واستطاعت الجيوش المصرية أن تحقق انتصارات كاسحة في اليونان, برغم الإمدادات التي كانت تنهال عليها من أوربا بأسرها, وتمكن من دخول أثينا عام241هـ فسارعت كل من روسيا وإنجلترا بالتدخل, وضغطت على العثمانيين لعقد معاهدة آق كرمان عام 1242هـ، وكان من أغرب ما تتسم به أنها لم تذكر شيئًا عن اليونان، بالرغم من أن التدخل كان بسبب الثورة في اليونان, ومن أهم بنودها حرية الملاحة لكافة السفن في البحر الأسود, وأحقية روسيا في المرور في مضائق البوسفور والدردنيل بدون تفتيش, إضافةً إلى أحقيتها في انتخاب أمير الأفلاق والبغدان, ولا يحق للعثمانيين عزل أي منهما إلا بموافقة روسيا, وأن تصير إمارة الصرب مستقلة ذاتيًّا, ويحتفظ العثمانيون فيها بثلاث قلاع فقط منهم بلغراد.
مؤتمر لندن:
واصلت أوربا استفزازها للعثمانيين لجرهم إلى الحرب, ففي عام 1242هـ طلبت إنجلترا من العثمانيين أن تكون الدول النصرانية هي الوسيط بين العثمانيين والولايات العثمانية ذات الأغلبية النصرانية, فرفضت الدولة, فجعلت أوربا هذا الرفض ذريعة للحرب, واتفقت روسيا وإنجلترا وفرنسا على حرب العثمانيين, إذا لم يعطوا اليونان الاستقلال التام, وأعطوا مهلة للخليفة شهر لسحب قواته من اليونان, فلم يمتثل لهم الخليفة فتوجهت أساطيل روسيا وإنجلترا وفرنسا إلى اليونان, وأمرت إبراهيم باشا بالانسحاب من اليونان، فضرب بكلامهم عرض الحائط, فدمر الحلف الأوربي الأسطول العثماني والمصري في اليونان، واستشهد ما يزيد على 30 ألف مصري في مقاومة الحلف الصليبي، ثم اضطر إبراهيم باشا إلى الانسحاب بمن بقي معه من الجنود، وعقد التحالف الصليبي مؤتمر لندن الذي دعيت إليه الدولة العثمانية, فرفضت الحضور فأعلن التحالف استقلال اليونان عن الدولة العثمانية, فرفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات المؤتمر.
معاهدة أدرنه:
أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين, وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق, وعينت عليهم حاكمًا من قبلها, واستطاعت دخول مدينة وارنا (فارنا) البلغارية بعد خيانة أحد القادة العثمانيين, وهو يوسف باشا, الذي سلم المدينة لهم واستطاعت روسيا أيضًا أن تدخل شرقي الأناضول, ثم كانت الفاجعة باحتلالها مدينة أدرنه, وغدت قاب قوسين أو أدنى من إستانبول فأسرعت إنجلترا وفرنسا بوقف تقدم روسيا, وذلك ليس من أجل العثمانيين ولكن لأن وصول روسيا إلى إستانبول يهدد مصالح فرنسا وإنجلترا، فعقدت معاهدة أدرنه والتي من نصوصها:
1- عودة الأفلاق والبغدان ومقاطعة دوبروجة وقارص وأرضروم إلى العثمانيين.
2- عدم تفتيش سفن روسيا المارة في المضائق العثمانية.
3- أن تتمتع روسيا بنفس الامتيازات التي تتمتع بها الدول الأخرى.
4- أن يدفع العثمانيون غرامة حربية كبيرة لروسيا كتعويض لمصاريف الحرب.
5- استقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.
وتأمل -أخي المسلم- البند الرابع كي تلاحظ أن دول أوربا لا تريد ترك الفرصة للعثمانيين أن يعيدوا بناء أنفسهم, ولا تنظيم جيوشهم وأن تزيد عليهم الخناق؛ حتى يكونوا فريسة سهلة في القضاء عليها.
احتلال الجزائر:
اختلقت فرنسا الذرائع التافهة لغزو الجزائر عام 1245هـ, واستطاعت أن تحتلها برغم استبسال المقاومة بقيادة عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام عام 1263هـ.
إلغاء الإنكشارية:
أصبح الإنكشارية -كما ذكرنا لفترة من الزمن- هم المسيطرون الفعليون على البلاد, يعزلون خليفة ويقتلون آخر, ويعينون ثالثًا, فعزم الخليفة محمود الثاني على القضاء عليهم, وخاصة بعدما سُرَّ بالنظام العسكري الحديث, والذي تمثل في جيش محمد علي, فاجتمع في بيت المفتي ودعا إلى الاجتماع مع كبار الدولة وكبار الإنكشارية وقرر إلغاء نظام الإنكشارية, فوافق الجميع إلا الإنكشارية, وحاولوا التمرد وتجمعوا في أحد ميادين إستانبول, فحصدتهم المدفعية العثمانية حصدًا في عام 1240هـ، وأعلن النظام الجديد للجند, والذي قلد فيه الأوربيين ودرب الجيش مدربون أوربيون, واتجه بالبلاد إلى تقليد أوربا حتى إنه تزيا بزيهم، واستبدل بالعمامة الطربوش.
زيادة أطماع محمد علي:
بعد أن ضم محمد علي الحجاز وجزيرة كريت إلى أملاكه لم يقتنع بكل هذا, بل بدأ زحفه على بلاد الشام عام 1247 بقيادة ابنه إبراهيم باشا, واستطاع أن يزيح جميع العقبات في طريقه, سواء من الولاة أم من الجيش العثماني, خاصة وأن الأسطول المصري يسير بجانبه, ويمده بما يحتاج, وامتد زحفه إلى الأناضول, فهزم القائد العثماني رشيد باشا وأخذه أسيرًا وأصبح قاب قوسين أو أدنى من إستانبول.
معاهدة كوتاهية 1248هـ:
وبرغم تشجيع أوربا لمحمد علي في بداية الأمر, إلا أنها خشيت أن يستعيد المسلمون قوتهم وأن يصبح محمد علي قوة تهددهم, فعرضت روسيا مساندتها للعثمانيين، وأرسلت 15 ألف جندي لإستانبول بحجة حمايتها, فخشيت إنجلترا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي.
وبالفعل عقدت معاهدة كوتاهية عام 1248هـ، والتي نصت على:
1- انسحاب محمد علي من الأناضول إلى ما بعد جبال طوروس.
2- تكون مصر لمحمد علي مدة حياته.
3- يعين إبراهيم بن محمد علي واليًا على أضنة وهو الإقليم المتاخم للأناضول.
4- يعين محمد علي واليًا من قبله على ولايات الشام الأربع (عكا, وطرابلس, ودمشق, وحلب)، وعلى جزيرة كريت.
لم يقتنع محمد علي بمعاهدة كوتاهية, ولكنه أراد أن تكون مصر والشام وجزيرة العرب له ولأولاده من بعده، وراسل أوربا في ذلك, فتشاورت معه الدولة العثمانية, فاتفق الطرفان على أن تكون مصر وجزيرة العرب له وراثية، أما الشام فتكون له مدة حياته فقط. ولكن نشب الخلاف بين الجانبين في احتلال جبال طوروس, المانع الطبيعي بين الشام والأناضول, فسار الجيش العثماني بقيادة حافظ باشا وقد استعان العثمانيون بالقائد الألماني المشهور فون مولتكه, فالتقى بإبراهيم باشا في موقعة نزيب وكان النصر حليف إبراهيم باشا، ففر الجيش العثماني تاركًا عتاده وراءه.
وتوفي الخليفة محمود الثاني عام 1255هـ.
معاهدة خونكار اسكله سي:
أبرمت معاهدة بين الدولة العثمانية وروسيا تتعهد فيها روسيا بالدفاع عن الدولة العثمانية، وبالتالي أصبح لروسيا نفوذ كبير في الدولة.
وهو ابن الخليفة مصطفى الثالث، تسلم الخلافة في وقت عصيب, فقد استطاعت روسيا أن تحتل إقليم الأفلاق والبغدان وبساربيا, وساعدها على هذا النجاح مساندة النمسا لها واحتلالها لبلاد الصرب ودخولها بلغراد.
ولكن جاءت عناية القدر, عندما ظهرت الثورة الفرنسية وانشغل الإمبراطور النمساوي بها, وخاف أن تمتد إلى بلاده, فعقد صلحًا مع العثمانيين عام 1205هـ أعاد إليها بلاد الصرب وبلغراد, ولكن روسيا لم تتوقف في حربها ضد الدولة العثمانية واستطاعت أن تحتل المزيد من الأراضي, وكانت إذا دخلت بلادًا للمسلمين ارتكبت الفظائع وتجردت معهم من الإنسانية.
معاهدة ياسي 1206هـ:
توسطت إنجلترا وهولندا وبروسيا بين العثمانيين والروس وعقدت معاهدة ياسي التي بمقتضاها:
1- تعود الأفلاق والبغدان للدولة العثمانية.
2- تعترف الدولة العثمانية بسيادة روسيا على القرم وبسارابيا ومدينة أوزي وجزء من بلاد الشركس.
الشئون الداخلية:
بعد المعاهدات التي أبرمت مع روسيا والنمسا حاول الخليفة إصلاح الشئون الداخلية للدولة, وجاء بفكرة الجنود النظامية ليتخلص من الإنكشارية الذين أصبحوا منبعًا للفتن والهزائم, وحاول تقليد أوربا بعد ما رأى التقدم الذي وصلت إليه, فجعل إنشاء السفن على الطريقة الفرنسية, واستعان بالسويد في وضع المدافع, وترجم المراجع العلمية في الرياضيات والفن العسكري.
وأثار إنشاء الجنود النظامية جنود الانكشارية, وخاصة بعد فصل الخليفة الأسطول والمدفعية عن الانكشارية, فثار الإنكشارية ومعهم الجنود غير النظاميين وأجبروا الخليفة إلغاء النظام العسكري الجديد, ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا الخليفة عام 1222هـ.
الحملة الفرنسية على مصر وتوتر العلاقات:
ومما يذكر في عهد الخليفة سليم الثالث الحملة الفرنسية على مصر عام 1213هـ، التي استطاع فيها نابليون دخول مصر, فتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء, وعرضت روسيا مساعدة العثمانيين في الحرب مع فرنسا, وكذلك أبدت إنجلترا استعدادها لذلك, وفي ذلك الوقت كان نابليون يواصل توغله في الأراضي العثمانية, فدخل بلاد الشام ولكنه فشل في دخول عكا لاستبسال واليها أحمد باشا الجزار ومساعدة الأسطول الإنجليزي له, ثم استطاع الأسطول الإنجليزي تدمير الأسطول الفرنسي في الإسكندرية عام 1213هـ، واندلعت الثورة في أنحاء مصر, وكان للجامع الأزهر كبير الأثر في ذلك, وكان من أهم نتائج الثورة قتل كليبر خليفة نابليون في مصر عام 1215هـ.
وأصبحت فرنسا في مستنقع تفقد فيه الكثير من جنودها, حتى نزلت القوات العثمانية والإنجليزية في مصر, وواصلت تقدمها إلى القاهرة, فاضطرت فرنسا للانسحاب من مصر عام 1216هـ بعد إبرام اتفاقية العريش، وعادت العلاقات لسابقها مع فرنسا وتجددت الامتيازات.
ثم عادت روسيا للعداء مع الدولة العثمانية, وخاصة بعد أن عزلت الدولة أميري الأفلاق والبغدان المؤيدين من قبل روسيا, تدعمها إنجلترا وهددا الدولة بدخول إستانبول, إن لم تعط إقليمي الأفلاق والبغدان لروسيا, وتعطى لإنجلترا أسطولها وقلاع الدردنيل, وكادت الدولة أن تخضع لهذه الشروط لأنها لا تملك القوة التي تستطيع المقاومة, إلا أن العناية الإلهية قد تمثلت في اختلاف المصالح بين الدول, فجاء السفير الفرنسي للخليفة وعرض عليه عون فرنسا, فوافق الخليفة وتوجه الأسطول الفرنسي إلى مدخل مضيق الدردنيل مطوقًا الأسطول الإنجليزي في بحر مرمرة، فاضطرت إنجلترا للانسحاب فورًا خوفًا من تدمير أسطولها وحاولت تعويض فرارها في الحملة التي شنتها على مصر بقيادة فريزر عام 1222هـ، ولكن شعب رشيد الباسل قد لقنها درسًا لن تنساه، فانسحبت تجر أذيال الخيبة وراءها.
وكان محمد علي أحد الجنود الذين جاءوا ضمن الجيش العثماني لإخراج الفرنسيين من مصر, فما لبث أن جذب إليه المماليك والعلماء والأهالي, حتى نصب واليًا على مصر عام 1220هـ، فما إن استتب له الأمر حتى تخلص من المماليك في مذبحة القلعة عام 1226هـ، وأثار الفتن بين العلماء لينفرد بالحكم وحده.
وفي عهد الخليفة سليم الثالث تكونت جمهورية مستقلة في بلاد اليونان تحت ضغط دول أوربا، وبرغم أن هذه الجمهورية تكون تحت حماية الدولة العثمانية إلا أن الوضع الذي أصبحت عليه سيمهد لها الطريق إلى الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، كما سنرى في الصفحات المقبلة.
الخليفة مصطفى الرابع (1222- 1223هـ)
وهو ابن السلطان عبد الحميد الأول.
وفي ذلك الوقت لم ترد روسيا التخلي عن الأفلاق والبغدان, وفي نفس الوقت كانت روسيا في حرب مع فرنسا, وانتصرت فرنسا في الحرب ففرضت فرنسا رأيها على العثمانيين بأن يخلى الروس ولايتي الأفلاق والبغدان, على ألا تدخلها الجيوش العثمانية فوافق العثمانيون ولكن روسيا لم تترك الولايتين.
في البداية انصاع الخليفة لأوامر الانكشارية بعدما عزلوا عمه وعين قائدهم قباقجي أوغلي حاكمًا لقلاع البوسفور, ثم ما لبث أن اختلف الإنكشارية, وقتل قبابجي أوغلي وطلب القائد الجديد للإنكشارية إعادة الخليفة سليم الثالث, ولكن سليم وافته المنية فقتل الخليفة مصطفى القائد الجديد, فاجتمع عليه الإنكشارية وعزلوه وولوا أخاه محمود الثاني عام 1221هـ.
الخليفة محمود الثاني (1223- 1255هـ)
امتلأ عهد محمود الثاني بأحداث مهمة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
الحركة الوهابية:
نتيجة للضعف الشديد الذي دب في أوصال الدولة العثمانية ظهر فيها اتجاهان:
الاتجاه الأول.. والذي أرجع ما وصلت إليه الدولة العثمانية من ضعف إلى الابتعاد عن الإسلام, الذي ما كان للمسلمين أن تقوم لهم قائمة في الأرض إلا بالتمسك به.
الاتجاه الثاني.. يقوم على ضرورة تقليد أوربا تقليدًا أعمى,؛ لكي نصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.
الاتجاه الأول: تمثل في الحركة الوهابية التي قامت في أنحاء الجزيرة العربية, واجتذبت إليها الكثير من أهلها.
والاتجاه الثاني: كان متمثلا في محمد علي, الذي أخذ في إرسال البعثات إلى أوربا لتأتي بكل ما تجده في أوربا, حتى لو كان لا يتفق مع الدين, ولذلك نجد الأوربيين قد أثنوا دائمًا عند الكتابة عن محمد علي, واعتبروا أن النهضة في مصر قد بدأت منذ عهده.
ولما زاد أتباع الحركة الوهابية, أوحى الأوربيون وغيرهم من أعداء الوهابيين إلى الدولة العثمانية بأنها حركة انفصالية خارجة على سلطة الدولة، وكانت الجيوش العثمانية في ذلك الوقت في حروب مع أوربا, فتركت مهمة القضاء على الحركة لمحمد علي, الذي استطاع أن يجهز جيشًا قويًّا يحمي به نفوذه ويخوض به المعارك, فأسرع ببناء أسطول لنقل القوات إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر, ونزلت القوات التابعة لمحمد علي بإمرة ابنه طوسون, واستطاعت أن تسيطر على المدينة المنورة, ولكنه حوصر في الطائف فجاءه أبوه بنفسه, فاحتل مكة المكرمة ثم واصل طوسون زحفه في الجزيرة العربية, فأرسل إليه عبد الله بن سعود أمير الدولة السعودية الراعية للحركة الوهابية, وطلب الصلح فتم, ولكن طوسون اضطر للعودة إلى مصر بعدما سمع بتمرد جند والده, وما إن هدأت الأوضاع في مصر حتى بعث محمد علي حملة جديدة بقيادة ابنه إبراهيم, واستطاع الوصول إلى الدرعية قاعدة السعوديين، فاستسلمت وعقد الصلح في عام 1233هـ، وبذلك قضى على الحركة الوهابية، وسافر عبد الله بن سعود إلى إستانبول, بعد أن أمّنه الخليفة ولكن ما لبث أن قتل بمجرد وصوله.
الأوضاع في أوربا:
مع استمرار الحروب مع روسيا وإشعال فتن الاستقلال عن الدولة في ولاية الصرب, ومع تقدم الروس في الأراضي العثمانية, تجددت الخلافات بين فرنسا وروسيا, فمالت روسيا للصلح مع الدولة العثمانية,؛ لكي تتفرغ لقتال الفرنسيين فعقدت معاهدة بخارست التي تنص على سيادة الدولة العثمانية على الأفلاق والبغدان والصرب, وسيادة روسيا على بساربيا, واستطاعت روسيا أن تنتصر في حروبها مع فرنسا، مما اعتبره نابليون خيانة من العثمانيين.
ثورة الصرب:
وفي بلاد الصرب اشتد غيظ السكان من معاهدة بخارست التي تبقيهم تحت الحكم العثماني, فاندلعت الثورة فأخضعهم العثمانيون وفر زعماؤها إلى النمسا ما عدا تيودروفتش الذي أبدى طاعته للدولة، وهو في الحقيقة يعمل على زرع بذور الانفصال عنها في السكان, حتى إذا قويت شوكته أعلن التمرد عام 1230هـ فاصطدمت معه الجيوش العثمانية, حتى أبدى الطاعة مرة أخرى للخليفة على ألا تتدخل الدولة في شئون الصرب الداخلية، وأن تكون السيطرة للعثمانيين في الصرب على القلاع فقط فوافقت الدولة.
ثورة اليونان:
كنتيجة طبيعية لعدم تدخل الدولة العثمانية في عقيدة أو حضارة أو لغة الأمصار المفتوحة؛ افتقدت هذه الأمصار الارتباط مع الدولة العثمانية, وخاصة غير المسلمين, وكان من ضمن هذه الأمصار اليونان التي سافر العديد من أبنائها إلى أوربا, ليعودوا مشحونين بالنزعات الانفصالية عن العثمانيين, وأسسوا جمعيات سرية في النمسا وروسيا لدعم الانفصال عن العثمانيين, وما إن أعدوا العدة حتى أعلنوا التمرد على العثمانيين, فتوجه إليهم خورشيد باشا فهزم أمامهم وانتحر بعد الهزيمة.
فلم يجد الخليفة لإخماد الثورة في اليونان غير محمد علي الذي أتم فتح السودان, فأمر الأسطول المصري أن يتحرك بإمرة ابنه إبراهيم متوجها إلى اليونان للقضاء على الثورة, حتى يضمها هى الأخرى إلى مناطق نفوذه, واستطاعت الجيوش المصرية أن تحقق انتصارات كاسحة في اليونان, برغم الإمدادات التي كانت تنهال عليها من أوربا بأسرها, وتمكن من دخول أثينا عام241هـ فسارعت كل من روسيا وإنجلترا بالتدخل, وضغطت على العثمانيين لعقد معاهدة آق كرمان عام 1242هـ، وكان من أغرب ما تتسم به أنها لم تذكر شيئًا عن اليونان، بالرغم من أن التدخل كان بسبب الثورة في اليونان, ومن أهم بنودها حرية الملاحة لكافة السفن في البحر الأسود, وأحقية روسيا في المرور في مضائق البوسفور والدردنيل بدون تفتيش, إضافةً إلى أحقيتها في انتخاب أمير الأفلاق والبغدان, ولا يحق للعثمانيين عزل أي منهما إلا بموافقة روسيا, وأن تصير إمارة الصرب مستقلة ذاتيًّا, ويحتفظ العثمانيون فيها بثلاث قلاع فقط منهم بلغراد.
مؤتمر لندن:
واصلت أوربا استفزازها للعثمانيين لجرهم إلى الحرب, ففي عام 1242هـ طلبت إنجلترا من العثمانيين أن تكون الدول النصرانية هي الوسيط بين العثمانيين والولايات العثمانية ذات الأغلبية النصرانية, فرفضت الدولة, فجعلت أوربا هذا الرفض ذريعة للحرب, واتفقت روسيا وإنجلترا وفرنسا على حرب العثمانيين, إذا لم يعطوا اليونان الاستقلال التام, وأعطوا مهلة للخليفة شهر لسحب قواته من اليونان, فلم يمتثل لهم الخليفة فتوجهت أساطيل روسيا وإنجلترا وفرنسا إلى اليونان, وأمرت إبراهيم باشا بالانسحاب من اليونان، فضرب بكلامهم عرض الحائط, فدمر الحلف الأوربي الأسطول العثماني والمصري في اليونان، واستشهد ما يزيد على 30 ألف مصري في مقاومة الحلف الصليبي، ثم اضطر إبراهيم باشا إلى الانسحاب بمن بقي معه من الجنود، وعقد التحالف الصليبي مؤتمر لندن الذي دعيت إليه الدولة العثمانية, فرفضت الحضور فأعلن التحالف استقلال اليونان عن الدولة العثمانية, فرفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات المؤتمر.
معاهدة أدرنه:
أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين, وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق, وعينت عليهم حاكمًا من قبلها, واستطاعت دخول مدينة وارنا (فارنا) البلغارية بعد خيانة أحد القادة العثمانيين, وهو يوسف باشا, الذي سلم المدينة لهم واستطاعت روسيا أيضًا أن تدخل شرقي الأناضول, ثم كانت الفاجعة باحتلالها مدينة أدرنه, وغدت قاب قوسين أو أدنى من إستانبول فأسرعت إنجلترا وفرنسا بوقف تقدم روسيا, وذلك ليس من أجل العثمانيين ولكن لأن وصول روسيا إلى إستانبول يهدد مصالح فرنسا وإنجلترا، فعقدت معاهدة أدرنه والتي من نصوصها:
1- عودة الأفلاق والبغدان ومقاطعة دوبروجة وقارص وأرضروم إلى العثمانيين.
2- عدم تفتيش سفن روسيا المارة في المضائق العثمانية.
3- أن تتمتع روسيا بنفس الامتيازات التي تتمتع بها الدول الأخرى.
4- أن يدفع العثمانيون غرامة حربية كبيرة لروسيا كتعويض لمصاريف الحرب.
5- استقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.
وتأمل -أخي المسلم- البند الرابع كي تلاحظ أن دول أوربا لا تريد ترك الفرصة للعثمانيين أن يعيدوا بناء أنفسهم, ولا تنظيم جيوشهم وأن تزيد عليهم الخناق؛ حتى يكونوا فريسة سهلة في القضاء عليها.
احتلال الجزائر:
اختلقت فرنسا الذرائع التافهة لغزو الجزائر عام 1245هـ, واستطاعت أن تحتلها برغم استبسال المقاومة بقيادة عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام عام 1263هـ.
إلغاء الإنكشارية:
أصبح الإنكشارية -كما ذكرنا لفترة من الزمن- هم المسيطرون الفعليون على البلاد, يعزلون خليفة ويقتلون آخر, ويعينون ثالثًا, فعزم الخليفة محمود الثاني على القضاء عليهم, وخاصة بعدما سُرَّ بالنظام العسكري الحديث, والذي تمثل في جيش محمد علي, فاجتمع في بيت المفتي ودعا إلى الاجتماع مع كبار الدولة وكبار الإنكشارية وقرر إلغاء نظام الإنكشارية, فوافق الجميع إلا الإنكشارية, وحاولوا التمرد وتجمعوا في أحد ميادين إستانبول, فحصدتهم المدفعية العثمانية حصدًا في عام 1240هـ، وأعلن النظام الجديد للجند, والذي قلد فيه الأوربيين ودرب الجيش مدربون أوربيون, واتجه بالبلاد إلى تقليد أوربا حتى إنه تزيا بزيهم، واستبدل بالعمامة الطربوش.
زيادة أطماع محمد علي:
بعد أن ضم محمد علي الحجاز وجزيرة كريت إلى أملاكه لم يقتنع بكل هذا, بل بدأ زحفه على بلاد الشام عام 1247 بقيادة ابنه إبراهيم باشا, واستطاع أن يزيح جميع العقبات في طريقه, سواء من الولاة أم من الجيش العثماني, خاصة وأن الأسطول المصري يسير بجانبه, ويمده بما يحتاج, وامتد زحفه إلى الأناضول, فهزم القائد العثماني رشيد باشا وأخذه أسيرًا وأصبح قاب قوسين أو أدنى من إستانبول.
معاهدة كوتاهية 1248هـ:
وبرغم تشجيع أوربا لمحمد علي في بداية الأمر, إلا أنها خشيت أن يستعيد المسلمون قوتهم وأن يصبح محمد علي قوة تهددهم, فعرضت روسيا مساندتها للعثمانيين، وأرسلت 15 ألف جندي لإستانبول بحجة حمايتها, فخشيت إنجلترا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي.
وبالفعل عقدت معاهدة كوتاهية عام 1248هـ، والتي نصت على:
1- انسحاب محمد علي من الأناضول إلى ما بعد جبال طوروس.
2- تكون مصر لمحمد علي مدة حياته.
3- يعين إبراهيم بن محمد علي واليًا على أضنة وهو الإقليم المتاخم للأناضول.
4- يعين محمد علي واليًا من قبله على ولايات الشام الأربع (عكا, وطرابلس, ودمشق, وحلب)، وعلى جزيرة كريت.
لم يقتنع محمد علي بمعاهدة كوتاهية, ولكنه أراد أن تكون مصر والشام وجزيرة العرب له ولأولاده من بعده، وراسل أوربا في ذلك, فتشاورت معه الدولة العثمانية, فاتفق الطرفان على أن تكون مصر وجزيرة العرب له وراثية، أما الشام فتكون له مدة حياته فقط. ولكن نشب الخلاف بين الجانبين في احتلال جبال طوروس, المانع الطبيعي بين الشام والأناضول, فسار الجيش العثماني بقيادة حافظ باشا وقد استعان العثمانيون بالقائد الألماني المشهور فون مولتكه, فالتقى بإبراهيم باشا في موقعة نزيب وكان النصر حليف إبراهيم باشا، ففر الجيش العثماني تاركًا عتاده وراءه.
وتوفي الخليفة محمود الثاني عام 1255هـ.
معاهدة خونكار اسكله سي:
أبرمت معاهدة بين الدولة العثمانية وروسيا تتعهد فيها روسيا بالدفاع عن الدولة العثمانية، وبالتالي أصبح لروسيا نفوذ كبير في الدولة.
تعليق