السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبقرية الحضارة الإسلامية
شمـس الدّيـن اللبّـودي.. أفضل أهل زمانه في الطب
كان شمس الدّين بن اللّبودي علاّمةً وفقيهًا. اشتغل في بلاد فارس بالحكمة على نجيب الدّين أسعد الهَمَذاني وقرأ الطّب على رجالٍ من كبار العلماء هناك، خدم الملك الظّاهر غياث الدّين غازي بن الملك الناصر وأقام عنده بحلب في سورية. ثم أتى إلى دمشق حيث درّس الطّب ومارس التّطبيب في البيمارستان الكبير النّوري.
وقال عنه ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء": ((هو الحكيم الإمام العالم الكبير شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي، علامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وفي علم الطب، سافر من الشام إلى بلاد العجم، واشتغل هناك بالحكمة على نجيب الدين أسعد الهمداني، وقرأ صناعة الطب على رجل من أكابر العلماء وأعيانهم في بلاد العجم، كان أخذ الصناعة عن تلميذ لابن سهلان عن السيد الأيلاقي محمد، وكان لشمس الدين بن اللبودي همة عالية وفطرة سليمة وذكاء مفرط، وحرص بالغ فتميز في العلوم وأتقن الحكمة وصناعة الطب، وصار قوياً في المناظرة، جيداً في الجدل، يعد من الأئمة الذين يقتدى بهم، والمشايخ الذين يرجع إليهم، وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها، وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأقام عنده بحلب، وكان يعتمد عليه في صناعة الطب، ولم يزل في خدمته إلي أن توفي الملك الظاهر رحمه اللَّه، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، وبعد وفاته أتى إلى دمشق، وأقام بها يدرس صناعة الطب، ويطب في البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللَّه، وكانت وفاته بدمشق في رابع ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة، وله من العمر إحدى وخمسون سنة، ومن كلام شمس الدين بن اللبودي كل شيء إذا شرع في نقص مع إصراف الهمة إليه تناهى عن قرب.
ولشمس الدين بن اللبودي من الكتب كتاب الرأي المعتبر في القضاء والقدر، شرح كتاب الملخص لابن الخطيب، رسالة في جمع المفاصل، شرح كتاب المسائل لحنين بن إسحاق)).
توفّي في دمشق عام 1224م.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي.. الطبيب الحكيم
ولد عبد اللطيف البغدادي في بغداد بالعراق عام 1162م وانصرف شأنه شأن طلاب العلم في ذلك العصر ، الى سماع الحديث وحفظ القرآن وإجادة الخط وحفظ الشعر . درس على أيدي عدد من شيوخ بغداد وخرسان ثم إنتقل الى الموصل حيث أكمل دراسته في الرياضيات على يد الكمال بن يونس.
سافر البغدادي الى دمشق، وكان صلاح الدين سيد سورية ومصر آنذاك وأقام بين علمائها طلباً للمزيد من العلم . ثم انتقل الى القدس ومنها الى عكا حيث لقي بهاء الدين شداد قاضي العسكر وعماد الدين الكاتب والقاضي . والراجح أن هذا الاخير أعجب بالبغدادي فزوده برسالة توصية الى وكيله فيمصر إبن سناء الملك الذي احتفل به . وهناك اتصل بياسين السييائي وموسى بن ميمون وابي القاسم الشارعي .
لم تطل اقامة البغدادي في مصر وقفل عائداً الى القدس للقاء صلاح الدين بعد الهدنة مع الفرنجة . وقد وصف مجلس السلطان بقوله : "وأول ليلة حضرته وجدته مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم والسلطان يحسن الاستماع اليهم ويشاركهم النقاش". ورتب صلاح الدين واولاده للبغدادي مئة دينار في الشهر وأرسله الى دمشق حيث أكب على الاشتغال بالعلم وإقراء الناس بالجامع .
لكن البغدادي كان يمل الاستقرار في مكان واحد مدة طويلة فيمم من جديد شطر مصر حيث لازم الشارعي. وكان يُقريء الناس بالازهر صباحاً ومساء ، ويقريء الطب للكثيرين في وسط النهار . وكتب في مصر مؤلفه "الافادة والاعتبار في الامور المشاهدة والحوادث المعاينة" واصفاً أحوال البلاد الصعبة وقتها .
عاد البغدادي من جديد الى القدس ودرّس في الجامع الاقصىثم انتقل الى دمشق حيث اشتهر بصناعة الطب ودرّس في المدرسة العزيزية . وتنقل بعد ذلك بين حلب وأذربيجان وأرزن الروم وبغدادحيث توفى .
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
أبو الصلت.. عالم الطب وفصيح اللسان
أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت من بلد دانية من شرق الأندلس، وهو من أكابر الفضلاء، في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم، له التصانيف المشهورة والمآثر المذكورة، قد بلغ في صناعة الطب مبلغاً لم يصل إليه غيره من الأطباء، وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء، وكان أوحد في العلم الرياضي متقناً لعلم الموسيقى وعمله، جيد اللعب بالعود، وكان لطيف النادرة، فصيح اللسان، جيد المعاني، ولشعره رونق.
وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة، ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس، وكان دخول أبي الصلت إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة، ولما كان في الإسكندرية حبس بها.
لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز من الكتب الرسالة المصرية، ذكر فيها ما رآه في ديار مصر من هيئتها وآثارها، ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيره من أهل الأدب؛ وألف هذه الرسالة لأبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية، وهو مختصر قد رتبه أحسن ترتيب، كتاب الانتصار لحنين بن إسحاق علي بن رضوان في تتبعه لمسائل حنين، كتاب حديقة الأدب، كتاب الملح العصرية من شعراء أهل الأندلس والطارئين عليها، ديوان شعره، رسالة في الموسيقى، كتاب في الهندسة رسالة في العمل بالأسطرلاب، كتاب تقويم منطق الذهن.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن سعيد المغربي.. الرحالة سليل العلم
ولد المؤرخ والشاعر والرحالة الاندلسي ابن سعيد بغرناطة في اسرة عريقة الحسب والنسب عام 1214م، كان لأفرادها صلة بالملوك وكان ابوه من أهل الادب والتأليف. فقد عمل هذا الاب على اتمام كتاب "المغرب في حلى المغرب" الذي كان الجد قد بدأه . لكن الوالد مات قبل ان ينجز العمل فتعهده ابن سعيد وأكمله .
عمل ابن سعيد لوزير الموحدين ابن جامع، وكان له ابن عم يعمل للموحدين ايضاً. فوقعت بين القريبين فرقة خشي ابن سعيد عاقبتها فاستأذن في الرحيل الى المشرق بحجة الحج، وصل الى الاسكندرية بمصر سنة 1241 م وكان والده قد سبقه اليها وأقام فيها، ولما كان وصوله متأخراً عن موعد الحج ، ذهب الى القاهرة ولقي فيها أيدمر التركي والبهاء زهير وابن يغمور الذي كان يعمل رئيساً للامور بالديار المصرية.
ترك لنا ابن سعيد وصفاً نفيساً لمصر والفسطاط ، اعطانا فيه صورة حية لما كانت عليه الحالة يومئذ. فوصف شوارع المدينة وابنيتها وأزقتها وتحدث عن نواحٍ من الحياة في الاحياء المخصصة للهو والطرب، اذ قال عنها انه قد يرقص الواحد في وسط السوق وقد يسكر الناس من الحشيش.
جاء مصر في تلك الفترة كمال الدين بن العديم رسولاً من الملك الناصر صاحب حلب فتعرف اليه ابن سعيد. ولما عرف ابن العديم عن قصد ابن سعيد من رحلته وعده بالمساعدة قائلاً: نعينك بما عندنا من الخزائن ونوصلك الى ما ليس عندنا كخزائن الموصل وبغداد وتصنف لنا.
انتقل ابن سعيد الى حلب حيث أكرمه الملك الناصر وعرّفه الى عدد كبير من رجال العلم والقلم الذين كان اكثرهم يعمل في حاشية الملك . ثم تحول الى دمشق ودخل مجلس السلطان المعظم وحضر مجلس خلوته .وذهب بعد ذلك الى الموصل فبغداد فالبصرة وحج وعاد الى المغرب فنزل في اقليبة بتونس واتصل بخدمة ابي عبد الله المستنصر .
عاد ابن سعيد مرة ثانية الى المشرق . وذُكر انه لما دخل الاسكندرية سأل عن الملك الناصر فاخبر بحاله وما جرى له من قتل التتار له . ويروى ان ابن سعيد اطلع على اخبار هجوم هولاكو على حلب وما تركته حملته من آثار التخريب والدمار .
ترك ابن سعيد بعد وفاته 1286م مؤلفات عديدة منها : " عنوان المرقصات والمطربات " في الشعر والادب ، و"الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد " و " المغرب في حلى المغرب " الذي اشترك في تأليفه جده ووالده وهو، و " المشرق في حلى المشرق " واخيراً " المستنجز وعقله المستوفز ".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
يحيى بن إسحاق.. الوزير الطبيب
كان طبيباً ذكياً عالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده، وكان في صدر دولة عبد الرحمن الناصر لدين اللّه، واستوزره وولي الولايات والعمالات، وكان قائد بطليوس زماناً، وكان له من أمير المؤمنين الناصر محل كبير، كان ينزله منزلة الثقة ويتطلع على الكرائم والخدم.
كان يحيى بن اسحاق قد أسلم، وأما أبوه إسحاق فكان نصرانياً، ولد عام 1187م، قال عنه ابن جلجل إنه كان عنده غلام للحاجب موسى أو للوزير عبد الملك قال، قال بعثني إليه مولاي بكتاب، فأنا قاعد عند داره بباب الجوز إذ أقبل رجل بدوي على حمار وهو يصيح، فأقبل حتى وقف بباب الدار، فجعل يتضرع ويقول أدركوني وتكلموا إلى الوزير بخبري، إذ خرج إلى صراخ الرجل ومعه جواب كتابه، فقال للرجل ما بالك يا هذا؟ فقال له أيها الوزير ورم في إحليلي منعني البول منذ أيام كثيرة وأنا في الموت، فقال له اكشف عنه، قال فكشف عنه فإذا هو وارم، فقال لرجل كان أقبل مع العليل اطلب لي حجراً أملس، فطلبه فوجده وأتاه به، فقال ضعه في كفك وضع عليه الإحليل، قال، فقال المخبر لي فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها، ثم اندفع الصديد يجري فما استوفى الرجل جري صديد الورم حتى فتح عينيه ثم بال البول في أثر ذلك، فقال له اذهب فقد برئت من علتك، وأنت رجل عائث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها لحجت في عين الإحليل، فورم لها وقد خرجت في الصديد، فقال له الرجل قد فعلت هذا، وأقر بذلك، وهذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة حسناء.
ألف ابن اسحاق كتاباً في الطب يشتمل على خمسة أسفار ذهب فيها مذهب الروم، وتوفي يحيى في عام 1203م.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن الأثير.. محلل التاريخ وحافظه
ولد علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بعز الدين علي بن الأثير بجزيرة ابن عمر قرب الموصل بالعراق عام 1160م. عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم استكمل دراسته بالموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، وأقامت بها إقامة دائمة.
سمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وتردد على حلقات العلم التي كانت تُعقد في مساجد الموصل ومدارسها. وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرّج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي. رحل إلى الشام وسمع من شيوخها، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.
درس ابن الأثير في رحلاته هذه الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم. غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماماً في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظاً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيراً بأنساب العرب وأيامهم وأحبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة. وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا. فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، مثل الإمام الطبري، الذي جمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي الذي كان حافظا متقنا ومؤرخا عظيما. وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين..
توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل. ثم عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري. وهذه المؤلفات هي:
- الكامل في التاريخ، وهو في التاريخ العام.
- التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وهو في تاريخ الدول. وقصد بالدولة الأتابكية الدولة التي أسسها عماد الدين زنكي في الموصل سنة 521هـ / 1127م وهي الدولة التي عاش في كنفها ابن الأثير.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو في تراجم الصحابة.
- اللباب في تهذيب الأنساب، وهو في الأنساب.
بذلك يكون ابن الأثير قد كتب في أربعة أنواع من الكتابة التاريخية، وسنتعرض لاثنين منهما بإيجاز واختصار.
الكامل في التاريخ
هو تاريخ عام في 12 مجلدًا، عالج فيه تاريخ العالم القديم حتى ظهور الإسلام، وتاريخ العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى عصره. والتزم في كتابه بالمنهج الحولي في تسجيل الأحداث. فهو يسجل أحداث كل سنة على حدة، وأقام توازنًا بين أخبار المشرق والمغرب وما بينهما على مدى سبعة قرون وربع قرن. وهذا ما أعطى كتابه طابع التاريخ العام أكثر أي تاريخ عام لغيره. وفي الوقت نفسه لم يهمل الحوادث المحلية في كل إقليم وأخبار الظواهر الجوية والأرضية من غلاء ورخص وقحط وأوبئة وزلازل.
لم يكن ابن الأثير في كتابه ناقل أخبار أو مسجل أحداث فحسب، وإنما كان محللاً ممتازاً وناقداً بصيراً، حيث حرص على تعليل بعض الظواهر التاريخية ونقد أصحاب مصادره، وناقش كثيراً من أخبارهم. فالكتاب مليء بالنقد السياسي والحربي والأخلاقي والعملي.
تعود أهمية الكتاب إلى أنه استكمل ما توقف عنده تاريخ الطبري في سنة 302هـ وهي السنة التي انتهى بها كتابه. فبعد الطبري لم يظهر كتاب يغطي أخبار حقبة تمتد لأكثر من ثلاثة قرون. كما أن الكتاب تضمن أخبار الحروب الصليبية مجموعة متصلة منذ دخولهم. كما تضمن أخبار الزحف التتري على المشرق الإسلامي منذ بدايته في سنة 616هـ/ 1219م. وقد كتب ابن الأثير تاريخه بأسلوب نثري مرسل لا تكلف فيه، مبتعداً عن الزخارف اللفظية والألفاظ الغريبة، معتنياً بإيراد المادة الخبرية بعبارات موجزة واضحة.
أُسْد الغابة
موضوع هذا الكتاب هو الترجمة لصحابة الرسول الذين حملوا مشعل الدعوة، وساحوا في البلاد، وفتحوا بسلوكهم الدول والممالك قبل أن يفتحوها بالطعن والضرب. وقد رجع ابن الأثير في هذا الكتاب إلى مؤلفات كثيرة، اعتمد منها أربعة كانت عُمُدًا بالنسبة له، هي: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن الأثير، و"معرفة الأصحاب" لابن منده، و"الذيل على معرفة الأصحاب" لابن منده أيضاً.
اشتمل كتاب أسد الغابة على ترجمة 7554 صحابياً وصحابية تقريبا، يتصدره توطئة لتحديد مفهوم الصحابي. والتزم في إيراد أصحابه الترتيب الألفبائي، فيبتدئ ترجمته للصحابي بذكر المصادر التي اعتمد عليها، ثم يشرع في ذكر اسمه ونسبه وهجرته إن كان من المهاجرين، والمشاهد التي شهدها مع الرسول إن وجدت، ويذكر تاريخ وفاته وموضعها إن كان ذلك معلوما. وقد طبع الكتاب أكثر من مرة.
ظل ابن الأثير بعد رحلاته مقيما بالموصل، منصرفا إلى التأليف، عازفاً عن المناصب الحكومية، متمتعاً بثروته جاعلاً من داره ملتقى للطلاب والزائرين حتى توفي. وابن الأثير هذا هو أحد الإخوة الثلاثة الذين عملوا في الفقه والأدب والتاريخ. الآخران هما: مجد الدين المبارك بن محمد (1149-1210م) الذي ألف "النهاية في غريب الحديث والأثر" و"جامع الأصول لأحاديث الرسول". والثاني ضياء الدين نصر الله (1162- 1239م) الذي عمل وزيراً للملك الأفضل بدمشق وكتب "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن الروميّة.. العالم الفقيه
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن أبي الخليل الأموي بالولاء، الاشبيلي، الأندلسي، محدّث، عالم مشهور بشؤون الحديث، ونباتي عشاب، وعقاقيري صيدلي.
ولد في إشبيلية سنة 561 هـ، ودفعته إلى الأسفار رغبته في سماع الحديث، والاتصال بشيوخه، وميله إلى تحري منابت الأعشاب وجمع أنواع النبات. فجال أولاً في أنحاء الأندلس، ثم قدم المشرق، فنزل مصر سنة 613 هـ وأقام فيها مدة. ثم أخذ يجول في بلاد الشام والعراق والحجاز مدة سنتين، أفاد فيهما شيئاً كثيراً من النباتات والأحاديث. وعاد إلى مصر وهو أشهر أبناء عصره من العلمين المذكورين. فأكرمه الملك العادل الأيوبي ورسم له مرتباً، وعرض عليه البقاء في مصر. إلا أنه اختار الرجوع إلى وطنه، فعاد إلى اشبيلية، وظل فيها إلى وفاته في آخر ربيع الثاني من سنة 637 هـ.
ترك ابن الرومية مؤلفات جليلة في النبات والعقاقير، وفي الحديث وعلمه، منها: تفسير الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس، أدوية جالينوس، الرحلة النباتية، المستدركة، تركيب الأدوية. وله تعاليق وشروح وتفاسير كثيرة في الموضوع، وكتاب رتّب فيه أسماء الحشائش على حروف المعجم.
أما في علم الحديث فذكر له ، نظم الدراري في ما تفرد به مسلم على البخاري، مختصر الكامل، توهين طرق حديث الأربعين، وله (فهرست) أفرد فيه روايته بالأندلس عن روايته بالمشرق.
وجاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة عن ابن الرومية: "هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي المعروف بابن الرومية، من أهل إشبيلية ومن أعيان علمائها وأكابر فضلائها، قد أتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها، واختلاف أوصافها، وتباين مواطنها، وله الذكر الشائع والسمعة الحسنة، كثير الخير، موصوف بالديانة، محقق للأمور الطبية، قد شرف نفسه بالفضائل، وسمع من علم الحديث شيئاً كثيراً عن ابن حزم وغيره ووصل سنة ثلاث عشر وستمائة إلى ديار مصر، وأقام بمصر والشام والعراق نحو سنتين، وانتفع الناس به، وأسمع الحديث، وعاين نباتاً كثيراً في هذه البلاد مما لم ينبت بالمغرب، وشاهد أشخاصها في منابتها ونظرها في مواضعها، ولما وصل من المغرب إلى الإسكندرية سمع به السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب رحمه اللَّه، وبلغه فضله وجودة معرفته بالنبات، وكان الملك العادل في ذلك الوقت بالقاهرة فاستدعاه من الإسكندرية، وتلقاه وأكرمه ورسم بأن يقرر له جامكية وجراية، ويكون مقيماً عنده فلم يفعل، وقال إنما أتيت من بلدي لأحج إن شاء اللَّه وأرجع إلى أهلي وبقي مقيماًعنده مدة، وجمع الترياق الكبير وركبه، ثم توجه إلى الحجاز، ولما حج عاد إلى المغرب وأقام بإشبيلية، ولأبي العباس بن الرومية من الكتب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس، مقالة في تركيب الأدوية".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
ابن الجزّار .. طبيب القيروان
غلاف كتاب عن ابن الجزار
هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم أبي خالد القيرواني، المعروف بان الجزار، وهو طبيب مغربي مشهور، ولد بالقيروان وتوفي فيها سنة 369 هجرية، اشتهرت أسرته بالطب.
تخرج ابن الجزار على إسحاق بن سليمان الإسرائيلي، ترجم له صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة، قال صاعد: (كان حافظاً للطب، دارساً للكتب، جامعاً لتأليف الأوائل حسن الفهم لها).
نال ابن الجزار شهرة تجاوزت حدود بلاده، فكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب عليه وذكر له عدة مصنفات أشهرها: (زاد المسافر) الذي إلى اللاتينية قسطنطين الإفريقي، (الاعتماد) في الأدوية المفردة، (البغية) في الأدوية المركبة.
عدّل ابن الجزار القوانين الطبية العامة وضبط أسماء النباتات بثلاث لغات هي العربية, اليونانية والبربرية كما يؤكد على قاعدة مازالت سارية المفعول: " يتداوى كل عليل بأدوية أرضه لأن الطبيعة تفزع إلى أهلها".
يعتبر كتاب " زاد المسافر وقوت الحاضر" لابن الجزار, كتاب ذو قيمة طبية هائلة مالت الكليات والجامعات تستفيد إلى حد الآن من أراءه.
كانت علوم ابن الجزار تعتمد في الشرق العربي ويناقشها الكثير من ممارسي مهنة الطب, وكانت أيضا تنفذ إلى الأندلس، والملاحظ أن تلك الآراء الطبية الجريئة قد اقتحمت أوروبا في القرن العاشر ميلادي وذلك على اثر نقل قسطنطين الإفريقي لكتب ابن الجزار، كما أن نابليون بونابرت كان يحمل معه كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر) وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر.
أما عن إمكانية بعث مدرسة طبية في عصرنا الحالي, فقد تساءل د. حمزة الصدام عن كيفية تنفيذ هذا الحلم بما أن الحديث عن مدرسة يتطلب وجود مدرس وطالب ومدرسة وآليات تعليم وإمكانيات مادية وهي أمور حددها أحمد بن الجزار منذ العهد الأغلبي، كما أضاف أنه لا يمكن الحديث عن طب عربي دون وجود بحث علمي جاد.
من أهم مؤلفات ابن الجزار : كتابه "زاد المسافر" الذي ترجمه إلى اللاتينية قسطنطين الإفريقي، ومن كتبه أيضا : الاعتماد في الأدوية المفردة، البغية في الأدوية المركبة، طب الفقراء والمساكين، في المعدة وأمراضها ومداوتها، زاد المسافر في علاج الأمراض، طب المشايخ.
من مؤلفاته المهمة : كتاب في علاج الأمراض، ويعرف بزاد المسافر مجلدان، كتاب في الأدوية المفردة، ويعرف باعتماد، كتاب في الأدوية المركبة، ويعرف بالبغية، كتاب العدة لطول المدة، وهو أكبر كتاب له في الطب، وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتاباً كبيراً في الطب اسمه قوت المقيم، وكان عشرون مجلداً، كتاب التعريف بصحيح التاريخ، وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه، وقطعة جميلة من أخبارهم، رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها، كتاب طب الفقراء، رسالة في إبدال الأدوية، كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه، رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه، رسالة في النوم واليقظة، مجربات في الطب، مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه، كتاب الخواص، كتاب نصائح الأبرار، كتاب المختبرات، كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه، رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت، رسالة في المقعدة وأوجاعها، كتاب المكلل في الأدب، كتب البلغة في حفظ الصحة، مقالة في الحمامات، كتاب أخبار الدولة، يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب، كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
ابن الهيثم .. مؤسس علم البصريات
الحسن بن الهيثم
من أعظم علماء العرب في البصريات، والرياضيات، والطبيعيات، والطب، والفلسفة، وله إسهامات مهمة فيها، وهو أبو علي الحسن ابن الحسن ابن الهيثم، المسمى عند الغربيين "الهازن Alhazen". ولد بالبصرة ودرس بها. اشتغل بنسخ كتب من سبقوه في الرياضيات والطبيعيات، إلى جانب التأليف في مواضيع مختلفة.
يعترف المؤرخون الغربيون بأهمية ابن الهيثم في تطوير علم البصريات، فأرنولد في كتاب " تراث الإسلام"، قال إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم، أما سارطون فقال : إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند المسلمين في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن أعظم علماء البصريات القليلين المشهورين في كل زمن، وأنه كان أيضاً فلكياً، ورياضياً، وطبيباً. أما دائرة المعارف البريطانية، فقد وصفته بأنه رائد علم البصريات بعد بطليموس.
وابن الهيثم هو أول من قال بأن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه. وأول من شرح تركيب العين ووضح أجزاءها بالرسوم وأعطاها أسماء أخذها عنه الغربيون وترجموها إلى لغاتهم، ما زالت مستعملة حتى الآن. ومن ذلك مثلاً الشبكية Retina، والقرنية (Cornea)، والسائل الزجاجي (Viteous Humour، والسائل المائي( (Aqueous Humour). كما أنه ترك بحوثاً في تكبير العدسات مهدت لاستعمال العدسات في إصلاح عيوب العين.
وتوصل ابن الهيثم إلى أن الرؤية تنشأ من انبعاث الأشعة من الجسم إلى العين التي تخترقها الأشعة، فترسم على الشبكية وينتقل الأثر من الشبكية إلى الدماغ بواسطة عصب الرؤية، فتتكون الصورة المرئية للجسم. وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية لكل من أقليدس وبطليموس، التي كانت تقول بأن الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي. كما بحث في الضوء والألوان والانعكاسات الضوئية على بعض التجارب في قياس الزوايا المحدثة والانعكاسية. ويعدّه بعض الباحثين رائد علم الضوء.
كان ابن الهيثم رياضياً بارعاً، فقد طبق الهندسة والمعادلات والأرقام في حل المسائل الفلكية. كما حل معادلات تكعيبية وأعطى قوانين صحيحة لمساحات الكرة، والهرم، والأسطوانة المائلة، والقطاع الدائر، والقطعة الدائرية.
اهتم ابن الهيثم بالفلك، وكتب فيه عدداً من الكتب وقام بعدد من الأرصاد. ومن أهم إسهاماته في علم الفلك : توصله إلى طريقة جديدة لتحديد ارتفاع القطب، فقد وضع نظرية عن تحركات الكواكب ؛ ولايزال أثر هذه النظرية قائماً حتى الآن، حيث توجد في ضواحي فينا بالنمسا طاولة صنعت بألمانيا سنة 1428 وعليها رسم لحركات كواكب سيارة حسب نظرية ابن الهيثم. واكتشف ابن الهيثم أن كل الأجسام السماوية، بما فيها النجوم الثابتة، لها أشعة خاصة ترسلها، ما عدا القمر الذي يأخذ نوره من الشمس.
ترك ابن الهيثم تراثاً علميا غنياً في مختلف العلوم، ومن أهم ما ألفه : "كتاب المناظر" : يشتمل الكتاب على بحوث في الضوء، وتشريح العين، والرؤية. وقد أحدث الكتاب انقلاباً في علم البصريات، وكان له أثر كبير في معارف الغربيين (روجر بيكون و كيبلر)، وظلوا يعتمدون عليه لعدة قرون، إذ تمت ترجمته إلى اللاتينية مرات عديدة في القرون الوسطى. ويشتمل الكتاب على سبع مقالات، حقق منها عبد الحميد صبرة المقالة الأولى والثالثة ونشرهما في كتاب سنة 1983 بالكويت. كما أن الدكتور رشدي راشد حقق المقالة السابعة في كتابه "علم الهندسة والمناظر في القرن الرابع الهجري"، المطبوع في بيروت سنة 1996. وتوجد مخطوطات كاملة من الكتاب أو لبعض مقالاته، في العديد من المكتبات، خاصة باستانبول بتركيا.
ـ "حل شكوك أقليدس"
ـ "مقالة الشكوك على بطليموس"
ـ "كتاب شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد"
ـ "كتاب الجامع في أصول الحساب"
ـ "كتاب في تحليل المسائل الهندسية".
ويذكر أن ابن الهيثم صنَّف ثمانين كتاباً ورسالة في الفلك شرح فيها سير الكواكب، والقمر، والأجرام السماوية، وأبعادها.
وقد كان لترجمة بعض كتب ابن الهيثم إلى اللاتينية، تأثير كبير على علماء الغرب من أمثال كبلر، وفرنسيس بيكون. ويؤكد مصطفى نظيف أن ابن الهيثم سبق"فرنسيس بيكون" في وضع المنهج التجريبي القائم على المشاهدة والتجربة والاستقراء. كما يقول عباس محمود العقاد في كتابه "أثر العرب في الحضارة الأوربية" إن ترجمة كتب ابن الهيثم كان عليها معول الأوربيين اللاحقين جميعاً في البصريات.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
يتبـــــــــــــــع
عبقرية الحضارة الإسلامية
شمـس الدّيـن اللبّـودي.. أفضل أهل زمانه في الطب
كان شمس الدّين بن اللّبودي علاّمةً وفقيهًا. اشتغل في بلاد فارس بالحكمة على نجيب الدّين أسعد الهَمَذاني وقرأ الطّب على رجالٍ من كبار العلماء هناك، خدم الملك الظّاهر غياث الدّين غازي بن الملك الناصر وأقام عنده بحلب في سورية. ثم أتى إلى دمشق حيث درّس الطّب ومارس التّطبيب في البيمارستان الكبير النّوري.
وقال عنه ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء": ((هو الحكيم الإمام العالم الكبير شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي، علامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وفي علم الطب، سافر من الشام إلى بلاد العجم، واشتغل هناك بالحكمة على نجيب الدين أسعد الهمداني، وقرأ صناعة الطب على رجل من أكابر العلماء وأعيانهم في بلاد العجم، كان أخذ الصناعة عن تلميذ لابن سهلان عن السيد الأيلاقي محمد، وكان لشمس الدين بن اللبودي همة عالية وفطرة سليمة وذكاء مفرط، وحرص بالغ فتميز في العلوم وأتقن الحكمة وصناعة الطب، وصار قوياً في المناظرة، جيداً في الجدل، يعد من الأئمة الذين يقتدى بهم، والمشايخ الذين يرجع إليهم، وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها، وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأقام عنده بحلب، وكان يعتمد عليه في صناعة الطب، ولم يزل في خدمته إلي أن توفي الملك الظاهر رحمه اللَّه، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، وبعد وفاته أتى إلى دمشق، وأقام بها يدرس صناعة الطب، ويطب في البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللَّه، وكانت وفاته بدمشق في رابع ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة، وله من العمر إحدى وخمسون سنة، ومن كلام شمس الدين بن اللبودي كل شيء إذا شرع في نقص مع إصراف الهمة إليه تناهى عن قرب.
ولشمس الدين بن اللبودي من الكتب كتاب الرأي المعتبر في القضاء والقدر، شرح كتاب الملخص لابن الخطيب، رسالة في جمع المفاصل، شرح كتاب المسائل لحنين بن إسحاق)).
توفّي في دمشق عام 1224م.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي.. الطبيب الحكيم
ولد عبد اللطيف البغدادي في بغداد بالعراق عام 1162م وانصرف شأنه شأن طلاب العلم في ذلك العصر ، الى سماع الحديث وحفظ القرآن وإجادة الخط وحفظ الشعر . درس على أيدي عدد من شيوخ بغداد وخرسان ثم إنتقل الى الموصل حيث أكمل دراسته في الرياضيات على يد الكمال بن يونس.
سافر البغدادي الى دمشق، وكان صلاح الدين سيد سورية ومصر آنذاك وأقام بين علمائها طلباً للمزيد من العلم . ثم انتقل الى القدس ومنها الى عكا حيث لقي بهاء الدين شداد قاضي العسكر وعماد الدين الكاتب والقاضي . والراجح أن هذا الاخير أعجب بالبغدادي فزوده برسالة توصية الى وكيله فيمصر إبن سناء الملك الذي احتفل به . وهناك اتصل بياسين السييائي وموسى بن ميمون وابي القاسم الشارعي .
لم تطل اقامة البغدادي في مصر وقفل عائداً الى القدس للقاء صلاح الدين بعد الهدنة مع الفرنجة . وقد وصف مجلس السلطان بقوله : "وأول ليلة حضرته وجدته مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم والسلطان يحسن الاستماع اليهم ويشاركهم النقاش". ورتب صلاح الدين واولاده للبغدادي مئة دينار في الشهر وأرسله الى دمشق حيث أكب على الاشتغال بالعلم وإقراء الناس بالجامع .
لكن البغدادي كان يمل الاستقرار في مكان واحد مدة طويلة فيمم من جديد شطر مصر حيث لازم الشارعي. وكان يُقريء الناس بالازهر صباحاً ومساء ، ويقريء الطب للكثيرين في وسط النهار . وكتب في مصر مؤلفه "الافادة والاعتبار في الامور المشاهدة والحوادث المعاينة" واصفاً أحوال البلاد الصعبة وقتها .
عاد البغدادي من جديد الى القدس ودرّس في الجامع الاقصىثم انتقل الى دمشق حيث اشتهر بصناعة الطب ودرّس في المدرسة العزيزية . وتنقل بعد ذلك بين حلب وأذربيجان وأرزن الروم وبغدادحيث توفى .
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
أبو الصلت.. عالم الطب وفصيح اللسان
أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت من بلد دانية من شرق الأندلس، وهو من أكابر الفضلاء، في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم، له التصانيف المشهورة والمآثر المذكورة، قد بلغ في صناعة الطب مبلغاً لم يصل إليه غيره من الأطباء، وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء، وكان أوحد في العلم الرياضي متقناً لعلم الموسيقى وعمله، جيد اللعب بالعود، وكان لطيف النادرة، فصيح اللسان، جيد المعاني، ولشعره رونق.
وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة، ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس، وكان دخول أبي الصلت إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة، ولما كان في الإسكندرية حبس بها.
لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز من الكتب الرسالة المصرية، ذكر فيها ما رآه في ديار مصر من هيئتها وآثارها، ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيره من أهل الأدب؛ وألف هذه الرسالة لأبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية، وهو مختصر قد رتبه أحسن ترتيب، كتاب الانتصار لحنين بن إسحاق علي بن رضوان في تتبعه لمسائل حنين، كتاب حديقة الأدب، كتاب الملح العصرية من شعراء أهل الأندلس والطارئين عليها، ديوان شعره، رسالة في الموسيقى، كتاب في الهندسة رسالة في العمل بالأسطرلاب، كتاب تقويم منطق الذهن.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن سعيد المغربي.. الرحالة سليل العلم
ولد المؤرخ والشاعر والرحالة الاندلسي ابن سعيد بغرناطة في اسرة عريقة الحسب والنسب عام 1214م، كان لأفرادها صلة بالملوك وكان ابوه من أهل الادب والتأليف. فقد عمل هذا الاب على اتمام كتاب "المغرب في حلى المغرب" الذي كان الجد قد بدأه . لكن الوالد مات قبل ان ينجز العمل فتعهده ابن سعيد وأكمله .
عمل ابن سعيد لوزير الموحدين ابن جامع، وكان له ابن عم يعمل للموحدين ايضاً. فوقعت بين القريبين فرقة خشي ابن سعيد عاقبتها فاستأذن في الرحيل الى المشرق بحجة الحج، وصل الى الاسكندرية بمصر سنة 1241 م وكان والده قد سبقه اليها وأقام فيها، ولما كان وصوله متأخراً عن موعد الحج ، ذهب الى القاهرة ولقي فيها أيدمر التركي والبهاء زهير وابن يغمور الذي كان يعمل رئيساً للامور بالديار المصرية.
ترك لنا ابن سعيد وصفاً نفيساً لمصر والفسطاط ، اعطانا فيه صورة حية لما كانت عليه الحالة يومئذ. فوصف شوارع المدينة وابنيتها وأزقتها وتحدث عن نواحٍ من الحياة في الاحياء المخصصة للهو والطرب، اذ قال عنها انه قد يرقص الواحد في وسط السوق وقد يسكر الناس من الحشيش.
جاء مصر في تلك الفترة كمال الدين بن العديم رسولاً من الملك الناصر صاحب حلب فتعرف اليه ابن سعيد. ولما عرف ابن العديم عن قصد ابن سعيد من رحلته وعده بالمساعدة قائلاً: نعينك بما عندنا من الخزائن ونوصلك الى ما ليس عندنا كخزائن الموصل وبغداد وتصنف لنا.
انتقل ابن سعيد الى حلب حيث أكرمه الملك الناصر وعرّفه الى عدد كبير من رجال العلم والقلم الذين كان اكثرهم يعمل في حاشية الملك . ثم تحول الى دمشق ودخل مجلس السلطان المعظم وحضر مجلس خلوته .وذهب بعد ذلك الى الموصل فبغداد فالبصرة وحج وعاد الى المغرب فنزل في اقليبة بتونس واتصل بخدمة ابي عبد الله المستنصر .
عاد ابن سعيد مرة ثانية الى المشرق . وذُكر انه لما دخل الاسكندرية سأل عن الملك الناصر فاخبر بحاله وما جرى له من قتل التتار له . ويروى ان ابن سعيد اطلع على اخبار هجوم هولاكو على حلب وما تركته حملته من آثار التخريب والدمار .
ترك ابن سعيد بعد وفاته 1286م مؤلفات عديدة منها : " عنوان المرقصات والمطربات " في الشعر والادب ، و"الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد " و " المغرب في حلى المغرب " الذي اشترك في تأليفه جده ووالده وهو، و " المشرق في حلى المشرق " واخيراً " المستنجز وعقله المستوفز ".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
يحيى بن إسحاق.. الوزير الطبيب
كان طبيباً ذكياً عالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده، وكان في صدر دولة عبد الرحمن الناصر لدين اللّه، واستوزره وولي الولايات والعمالات، وكان قائد بطليوس زماناً، وكان له من أمير المؤمنين الناصر محل كبير، كان ينزله منزلة الثقة ويتطلع على الكرائم والخدم.
كان يحيى بن اسحاق قد أسلم، وأما أبوه إسحاق فكان نصرانياً، ولد عام 1187م، قال عنه ابن جلجل إنه كان عنده غلام للحاجب موسى أو للوزير عبد الملك قال، قال بعثني إليه مولاي بكتاب، فأنا قاعد عند داره بباب الجوز إذ أقبل رجل بدوي على حمار وهو يصيح، فأقبل حتى وقف بباب الدار، فجعل يتضرع ويقول أدركوني وتكلموا إلى الوزير بخبري، إذ خرج إلى صراخ الرجل ومعه جواب كتابه، فقال للرجل ما بالك يا هذا؟ فقال له أيها الوزير ورم في إحليلي منعني البول منذ أيام كثيرة وأنا في الموت، فقال له اكشف عنه، قال فكشف عنه فإذا هو وارم، فقال لرجل كان أقبل مع العليل اطلب لي حجراً أملس، فطلبه فوجده وأتاه به، فقال ضعه في كفك وضع عليه الإحليل، قال، فقال المخبر لي فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها، ثم اندفع الصديد يجري فما استوفى الرجل جري صديد الورم حتى فتح عينيه ثم بال البول في أثر ذلك، فقال له اذهب فقد برئت من علتك، وأنت رجل عائث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها لحجت في عين الإحليل، فورم لها وقد خرجت في الصديد، فقال له الرجل قد فعلت هذا، وأقر بذلك، وهذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة حسناء.
ألف ابن اسحاق كتاباً في الطب يشتمل على خمسة أسفار ذهب فيها مذهب الروم، وتوفي يحيى في عام 1203م.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن الأثير.. محلل التاريخ وحافظه
ولد علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بعز الدين علي بن الأثير بجزيرة ابن عمر قرب الموصل بالعراق عام 1160م. عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم استكمل دراسته بالموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، وأقامت بها إقامة دائمة.
سمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وتردد على حلقات العلم التي كانت تُعقد في مساجد الموصل ومدارسها. وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرّج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي. رحل إلى الشام وسمع من شيوخها، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.
درس ابن الأثير في رحلاته هذه الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم. غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماماً في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظاً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيراً بأنساب العرب وأيامهم وأحبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة. وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا. فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، مثل الإمام الطبري، الذي جمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي الذي كان حافظا متقنا ومؤرخا عظيما. وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين..
توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل. ثم عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري. وهذه المؤلفات هي:
- الكامل في التاريخ، وهو في التاريخ العام.
- التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وهو في تاريخ الدول. وقصد بالدولة الأتابكية الدولة التي أسسها عماد الدين زنكي في الموصل سنة 521هـ / 1127م وهي الدولة التي عاش في كنفها ابن الأثير.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو في تراجم الصحابة.
- اللباب في تهذيب الأنساب، وهو في الأنساب.
بذلك يكون ابن الأثير قد كتب في أربعة أنواع من الكتابة التاريخية، وسنتعرض لاثنين منهما بإيجاز واختصار.
الكامل في التاريخ
هو تاريخ عام في 12 مجلدًا، عالج فيه تاريخ العالم القديم حتى ظهور الإسلام، وتاريخ العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى عصره. والتزم في كتابه بالمنهج الحولي في تسجيل الأحداث. فهو يسجل أحداث كل سنة على حدة، وأقام توازنًا بين أخبار المشرق والمغرب وما بينهما على مدى سبعة قرون وربع قرن. وهذا ما أعطى كتابه طابع التاريخ العام أكثر أي تاريخ عام لغيره. وفي الوقت نفسه لم يهمل الحوادث المحلية في كل إقليم وأخبار الظواهر الجوية والأرضية من غلاء ورخص وقحط وأوبئة وزلازل.
لم يكن ابن الأثير في كتابه ناقل أخبار أو مسجل أحداث فحسب، وإنما كان محللاً ممتازاً وناقداً بصيراً، حيث حرص على تعليل بعض الظواهر التاريخية ونقد أصحاب مصادره، وناقش كثيراً من أخبارهم. فالكتاب مليء بالنقد السياسي والحربي والأخلاقي والعملي.
تعود أهمية الكتاب إلى أنه استكمل ما توقف عنده تاريخ الطبري في سنة 302هـ وهي السنة التي انتهى بها كتابه. فبعد الطبري لم يظهر كتاب يغطي أخبار حقبة تمتد لأكثر من ثلاثة قرون. كما أن الكتاب تضمن أخبار الحروب الصليبية مجموعة متصلة منذ دخولهم. كما تضمن أخبار الزحف التتري على المشرق الإسلامي منذ بدايته في سنة 616هـ/ 1219م. وقد كتب ابن الأثير تاريخه بأسلوب نثري مرسل لا تكلف فيه، مبتعداً عن الزخارف اللفظية والألفاظ الغريبة، معتنياً بإيراد المادة الخبرية بعبارات موجزة واضحة.
أُسْد الغابة
موضوع هذا الكتاب هو الترجمة لصحابة الرسول الذين حملوا مشعل الدعوة، وساحوا في البلاد، وفتحوا بسلوكهم الدول والممالك قبل أن يفتحوها بالطعن والضرب. وقد رجع ابن الأثير في هذا الكتاب إلى مؤلفات كثيرة، اعتمد منها أربعة كانت عُمُدًا بالنسبة له، هي: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن الأثير، و"معرفة الأصحاب" لابن منده، و"الذيل على معرفة الأصحاب" لابن منده أيضاً.
اشتمل كتاب أسد الغابة على ترجمة 7554 صحابياً وصحابية تقريبا، يتصدره توطئة لتحديد مفهوم الصحابي. والتزم في إيراد أصحابه الترتيب الألفبائي، فيبتدئ ترجمته للصحابي بذكر المصادر التي اعتمد عليها، ثم يشرع في ذكر اسمه ونسبه وهجرته إن كان من المهاجرين، والمشاهد التي شهدها مع الرسول إن وجدت، ويذكر تاريخ وفاته وموضعها إن كان ذلك معلوما. وقد طبع الكتاب أكثر من مرة.
ظل ابن الأثير بعد رحلاته مقيما بالموصل، منصرفا إلى التأليف، عازفاً عن المناصب الحكومية، متمتعاً بثروته جاعلاً من داره ملتقى للطلاب والزائرين حتى توفي. وابن الأثير هذا هو أحد الإخوة الثلاثة الذين عملوا في الفقه والأدب والتاريخ. الآخران هما: مجد الدين المبارك بن محمد (1149-1210م) الذي ألف "النهاية في غريب الحديث والأثر" و"جامع الأصول لأحاديث الرسول". والثاني ضياء الدين نصر الله (1162- 1239م) الذي عمل وزيراً للملك الأفضل بدمشق وكتب "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ابن الروميّة.. العالم الفقيه
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن أبي الخليل الأموي بالولاء، الاشبيلي، الأندلسي، محدّث، عالم مشهور بشؤون الحديث، ونباتي عشاب، وعقاقيري صيدلي.
ولد في إشبيلية سنة 561 هـ، ودفعته إلى الأسفار رغبته في سماع الحديث، والاتصال بشيوخه، وميله إلى تحري منابت الأعشاب وجمع أنواع النبات. فجال أولاً في أنحاء الأندلس، ثم قدم المشرق، فنزل مصر سنة 613 هـ وأقام فيها مدة. ثم أخذ يجول في بلاد الشام والعراق والحجاز مدة سنتين، أفاد فيهما شيئاً كثيراً من النباتات والأحاديث. وعاد إلى مصر وهو أشهر أبناء عصره من العلمين المذكورين. فأكرمه الملك العادل الأيوبي ورسم له مرتباً، وعرض عليه البقاء في مصر. إلا أنه اختار الرجوع إلى وطنه، فعاد إلى اشبيلية، وظل فيها إلى وفاته في آخر ربيع الثاني من سنة 637 هـ.
ترك ابن الرومية مؤلفات جليلة في النبات والعقاقير، وفي الحديث وعلمه، منها: تفسير الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس، أدوية جالينوس، الرحلة النباتية، المستدركة، تركيب الأدوية. وله تعاليق وشروح وتفاسير كثيرة في الموضوع، وكتاب رتّب فيه أسماء الحشائش على حروف المعجم.
أما في علم الحديث فذكر له ، نظم الدراري في ما تفرد به مسلم على البخاري، مختصر الكامل، توهين طرق حديث الأربعين، وله (فهرست) أفرد فيه روايته بالأندلس عن روايته بالمشرق.
وجاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة عن ابن الرومية: "هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي المعروف بابن الرومية، من أهل إشبيلية ومن أعيان علمائها وأكابر فضلائها، قد أتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها، واختلاف أوصافها، وتباين مواطنها، وله الذكر الشائع والسمعة الحسنة، كثير الخير، موصوف بالديانة، محقق للأمور الطبية، قد شرف نفسه بالفضائل، وسمع من علم الحديث شيئاً كثيراً عن ابن حزم وغيره ووصل سنة ثلاث عشر وستمائة إلى ديار مصر، وأقام بمصر والشام والعراق نحو سنتين، وانتفع الناس به، وأسمع الحديث، وعاين نباتاً كثيراً في هذه البلاد مما لم ينبت بالمغرب، وشاهد أشخاصها في منابتها ونظرها في مواضعها، ولما وصل من المغرب إلى الإسكندرية سمع به السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب رحمه اللَّه، وبلغه فضله وجودة معرفته بالنبات، وكان الملك العادل في ذلك الوقت بالقاهرة فاستدعاه من الإسكندرية، وتلقاه وأكرمه ورسم بأن يقرر له جامكية وجراية، ويكون مقيماً عنده فلم يفعل، وقال إنما أتيت من بلدي لأحج إن شاء اللَّه وأرجع إلى أهلي وبقي مقيماًعنده مدة، وجمع الترياق الكبير وركبه، ثم توجه إلى الحجاز، ولما حج عاد إلى المغرب وأقام بإشبيلية، ولأبي العباس بن الرومية من الكتب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس، مقالة في تركيب الأدوية".
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
ابن الجزّار .. طبيب القيروان
غلاف كتاب عن ابن الجزار
هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم أبي خالد القيرواني، المعروف بان الجزار، وهو طبيب مغربي مشهور، ولد بالقيروان وتوفي فيها سنة 369 هجرية، اشتهرت أسرته بالطب.
تخرج ابن الجزار على إسحاق بن سليمان الإسرائيلي، ترجم له صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة، قال صاعد: (كان حافظاً للطب، دارساً للكتب، جامعاً لتأليف الأوائل حسن الفهم لها).
إسهاماته العلمية
نال ابن الجزار شهرة تجاوزت حدود بلاده، فكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب عليه وذكر له عدة مصنفات أشهرها: (زاد المسافر) الذي إلى اللاتينية قسطنطين الإفريقي، (الاعتماد) في الأدوية المفردة، (البغية) في الأدوية المركبة.
عدّل ابن الجزار القوانين الطبية العامة وضبط أسماء النباتات بثلاث لغات هي العربية, اليونانية والبربرية كما يؤكد على قاعدة مازالت سارية المفعول: " يتداوى كل عليل بأدوية أرضه لأن الطبيعة تفزع إلى أهلها".
يعتبر كتاب " زاد المسافر وقوت الحاضر" لابن الجزار, كتاب ذو قيمة طبية هائلة مالت الكليات والجامعات تستفيد إلى حد الآن من أراءه.
كانت علوم ابن الجزار تعتمد في الشرق العربي ويناقشها الكثير من ممارسي مهنة الطب, وكانت أيضا تنفذ إلى الأندلس، والملاحظ أن تلك الآراء الطبية الجريئة قد اقتحمت أوروبا في القرن العاشر ميلادي وذلك على اثر نقل قسطنطين الإفريقي لكتب ابن الجزار، كما أن نابليون بونابرت كان يحمل معه كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر) وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر.
أما عن إمكانية بعث مدرسة طبية في عصرنا الحالي, فقد تساءل د. حمزة الصدام عن كيفية تنفيذ هذا الحلم بما أن الحديث عن مدرسة يتطلب وجود مدرس وطالب ومدرسة وآليات تعليم وإمكانيات مادية وهي أمور حددها أحمد بن الجزار منذ العهد الأغلبي، كما أضاف أنه لا يمكن الحديث عن طب عربي دون وجود بحث علمي جاد.
مؤلفاته
من أهم مؤلفات ابن الجزار : كتابه "زاد المسافر" الذي ترجمه إلى اللاتينية قسطنطين الإفريقي، ومن كتبه أيضا : الاعتماد في الأدوية المفردة، البغية في الأدوية المركبة، طب الفقراء والمساكين، في المعدة وأمراضها ومداوتها، زاد المسافر في علاج الأمراض، طب المشايخ.
من مؤلفاته المهمة : كتاب في علاج الأمراض، ويعرف بزاد المسافر مجلدان، كتاب في الأدوية المفردة، ويعرف باعتماد، كتاب في الأدوية المركبة، ويعرف بالبغية، كتاب العدة لطول المدة، وهو أكبر كتاب له في الطب، وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتاباً كبيراً في الطب اسمه قوت المقيم، وكان عشرون مجلداً، كتاب التعريف بصحيح التاريخ، وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه، وقطعة جميلة من أخبارهم، رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها، كتاب طب الفقراء، رسالة في إبدال الأدوية، كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه، رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه، رسالة في النوم واليقظة، مجربات في الطب، مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه، كتاب الخواص، كتاب نصائح الأبرار، كتاب المختبرات، كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه، رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت، رسالة في المقعدة وأوجاعها، كتاب المكلل في الأدب، كتب البلغة في حفظ الصحة، مقالة في الحمامات، كتاب أخبار الدولة، يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب، كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
ابن الهيثم .. مؤسس علم البصريات
الحسن بن الهيثم
من أعظم علماء العرب في البصريات، والرياضيات، والطبيعيات، والطب، والفلسفة، وله إسهامات مهمة فيها، وهو أبو علي الحسن ابن الحسن ابن الهيثم، المسمى عند الغربيين "الهازن Alhazen". ولد بالبصرة ودرس بها. اشتغل بنسخ كتب من سبقوه في الرياضيات والطبيعيات، إلى جانب التأليف في مواضيع مختلفة.
إسهاماته في البصريات
يعترف المؤرخون الغربيون بأهمية ابن الهيثم في تطوير علم البصريات، فأرنولد في كتاب " تراث الإسلام"، قال إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم، أما سارطون فقال : إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند المسلمين في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن أعظم علماء البصريات القليلين المشهورين في كل زمن، وأنه كان أيضاً فلكياً، ورياضياً، وطبيباً. أما دائرة المعارف البريطانية، فقد وصفته بأنه رائد علم البصريات بعد بطليموس.
وابن الهيثم هو أول من قال بأن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه. وأول من شرح تركيب العين ووضح أجزاءها بالرسوم وأعطاها أسماء أخذها عنه الغربيون وترجموها إلى لغاتهم، ما زالت مستعملة حتى الآن. ومن ذلك مثلاً الشبكية Retina، والقرنية (Cornea)، والسائل الزجاجي (Viteous Humour، والسائل المائي( (Aqueous Humour). كما أنه ترك بحوثاً في تكبير العدسات مهدت لاستعمال العدسات في إصلاح عيوب العين.
وتوصل ابن الهيثم إلى أن الرؤية تنشأ من انبعاث الأشعة من الجسم إلى العين التي تخترقها الأشعة، فترسم على الشبكية وينتقل الأثر من الشبكية إلى الدماغ بواسطة عصب الرؤية، فتتكون الصورة المرئية للجسم. وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية لكل من أقليدس وبطليموس، التي كانت تقول بأن الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي. كما بحث في الضوء والألوان والانعكاسات الضوئية على بعض التجارب في قياس الزوايا المحدثة والانعكاسية. ويعدّه بعض الباحثين رائد علم الضوء.
إسهاماته في الرياضيات
كان ابن الهيثم رياضياً بارعاً، فقد طبق الهندسة والمعادلات والأرقام في حل المسائل الفلكية. كما حل معادلات تكعيبية وأعطى قوانين صحيحة لمساحات الكرة، والهرم، والأسطوانة المائلة، والقطاع الدائر، والقطعة الدائرية.
إسهاماته في الفلك
اهتم ابن الهيثم بالفلك، وكتب فيه عدداً من الكتب وقام بعدد من الأرصاد. ومن أهم إسهاماته في علم الفلك : توصله إلى طريقة جديدة لتحديد ارتفاع القطب، فقد وضع نظرية عن تحركات الكواكب ؛ ولايزال أثر هذه النظرية قائماً حتى الآن، حيث توجد في ضواحي فينا بالنمسا طاولة صنعت بألمانيا سنة 1428 وعليها رسم لحركات كواكب سيارة حسب نظرية ابن الهيثم. واكتشف ابن الهيثم أن كل الأجسام السماوية، بما فيها النجوم الثابتة، لها أشعة خاصة ترسلها، ما عدا القمر الذي يأخذ نوره من الشمس.
مؤلفاته
ترك ابن الهيثم تراثاً علميا غنياً في مختلف العلوم، ومن أهم ما ألفه : "كتاب المناظر" : يشتمل الكتاب على بحوث في الضوء، وتشريح العين، والرؤية. وقد أحدث الكتاب انقلاباً في علم البصريات، وكان له أثر كبير في معارف الغربيين (روجر بيكون و كيبلر)، وظلوا يعتمدون عليه لعدة قرون، إذ تمت ترجمته إلى اللاتينية مرات عديدة في القرون الوسطى. ويشتمل الكتاب على سبع مقالات، حقق منها عبد الحميد صبرة المقالة الأولى والثالثة ونشرهما في كتاب سنة 1983 بالكويت. كما أن الدكتور رشدي راشد حقق المقالة السابعة في كتابه "علم الهندسة والمناظر في القرن الرابع الهجري"، المطبوع في بيروت سنة 1996. وتوجد مخطوطات كاملة من الكتاب أو لبعض مقالاته، في العديد من المكتبات، خاصة باستانبول بتركيا.
ـ "حل شكوك أقليدس"
ـ "مقالة الشكوك على بطليموس"
ـ "كتاب شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد"
ـ "كتاب الجامع في أصول الحساب"
ـ "كتاب في تحليل المسائل الهندسية".
ويذكر أن ابن الهيثم صنَّف ثمانين كتاباً ورسالة في الفلك شرح فيها سير الكواكب، والقمر، والأجرام السماوية، وأبعادها.
وقد كان لترجمة بعض كتب ابن الهيثم إلى اللاتينية، تأثير كبير على علماء الغرب من أمثال كبلر، وفرنسيس بيكون. ويؤكد مصطفى نظيف أن ابن الهيثم سبق"فرنسيس بيكون" في وضع المنهج التجريبي القائم على المشاهدة والتجربة والاستقراء. كما يقول عباس محمود العقاد في كتابه "أثر العرب في الحضارة الأوربية" إن ترجمة كتب ابن الهيثم كان عليها معول الأوربيين اللاحقين جميعاً في البصريات.
المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
يتبـــــــــــــــع
تعليق