موفق الدين عبد اللطيف البغدادي.. الطبيب الحكيم
ولد عبد اللطيف البغدادي في بغداد بالعراق عام 1162م وانصرف شأنه شأن طلاب العلم في ذلك العصر ، الى سماع الحديث وحفظ القرآن وإجادة الخط وحفظ الشعر . درس على أيدي عدد من شيوخ بغداد وخرسان ثم إنتقل الى الموصل حيث أكمل دراسته في الرياضيات على يد الكمال بن يونس.
سافر البغدادي الى دمشق، وكان صلاح الدين سيد سورية ومصر آنذاك وأقام بين علمائها طلباً للمزيد من العلم . ثم انتقل الى القدس ومنها الى عكا حيث لقي بهاء الدين شداد قاضي العسكر وعماد الدين الكاتب والقاضي . والراجح أن هذا الاخير أعجب بالبغدادي فزوده برسالة توصية الى وكيله فيمصر إبن سناء الملك الذي احتفل به . وهناك اتصل بياسين السييائي وموسى بن ميمون وابي القاسم الشارعي .
لم تطل اقامة البغدادي في مصر وقفل عائداً الى القدس للقاء صلاح الدين بعد الهدنة مع الفرنجة . وقد وصف مجلس السلطان بقوله : "وأول ليلة حضرته وجدته مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم والسلطان يحسن الاستماع اليهم ويشاركهم النقاش". ورتب صلاح الدين واولاده للبغدادي مئة دينار في الشهر وأرسله الى دمشق حيث أكب على الاشتغال بالعلم وإقراء الناس بالجامع .
لكن البغدادي كان يمل الاستقرار في مكان واحد مدة طويلة فيمم من جديد شطر مصر حيث لازم الشارعي. وكان يُقريء الناس بالازهر صباحاً ومساء ، ويقريء الطب للكثيرين في وسط النهار . وكتب في مصر مؤلفه "الافادة والاعتبار في الامور المشاهدة والحوادث المعاينة" واصفاً أحوال البلاد الصعبة وقتها .
عاد البغدادي من جديد الى القدس ودرّس في الجامع الاقصىثم انتقل الى دمشق حيث اشتهر بصناعة الطب ودرّس في المدرسة العزيزية . وتنقل بعد ذلك بين حلب وأذربيجان وأرزن الروم وبغدادحيث توفى .
جاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة: (( هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد ويعرف بابن اللباد، موصلي الأصل بغدادي المولد، كان مشهوراً بالعلوم، متحلياً بالفضائل، مليح العبارة، كثير التصنيف، وكان متميزاً في النحو واللغة العربية، عارفاً بعلم الكلام والطب، وكان قد اعتنى كثيراً بصناعة الطب لما كان بدمشق واشتهر بعلمها، وكان يتردد إليه جماعة من التلاميذ وغيرهم من الأطباء للقراءة عليه؛ كان والده قد أشغله بسماع الحديث في صباه من جماعة منهم أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي، وأبو زرعة طاهر بن محمد القدسي، وأبو القاسم يحيى بن ثابت الوكيل وغيرهم.
وكان يوسف والد الشيخ موفق الدين مشتغلاً بعلم الحديث بارعاً في علوم القرآن والقراءات، مجيداً في المذهب والخلاف والأصولين، وكان متطرفاً من العلوم العقلية، وكان سليمان عم الشيخ موفق الدين فقيهاً مجيداً، وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلي وقتاً من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة، والذي وجدته من خطه أشياء كثيرة جداً بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخاً متعددة، وكذلك أيضاً كتب كتباً كثيرة من تصانيف القدماء، وكان صديقاً لجدي وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لما كنا بها، وكان أبي وعمي يشتغلان عليه بعلم الأدب، واشتغل عليه عمي أيضاً بكتب أرسطوطاليس، وكان الشيخ موفق الدين كثير العناية بها، والفهم لمعانيها، وأتى إلى دمشق من الديار المصرية، وأقام بها مدة وكثر انتفاع الناس بعلمه، ورأيته لما كان مقيماً بدمشق في آخر مرة أتى إليها، وهو شيخ نحيف الجسم، ربع القامة، حسن الكلام، جيد العبارة؛ وكانت مسطرته أبلغ من لفظه، وكان رحمه اللَّه ربما تجاوز في الكلام لكثرة ما يرى في نفسه، وكان يستنقص الفضلاء الذين في زمانه وكثيراً من المتقدمين، وكان وقوعه كثيراً جداً في علماء العجم ومصنفاتهم، وخصوصاً الشيخ الرئيس بن سينا ونظرائه.
ونقلت من خطه في سيرته التي ألفها ما هذا مثاله قال أني ولدت بدار لجدي في درب الفالوذج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتربيت في حجر الشيخ أبي النجيب لا أرف اللعب واللهو، وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث، وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخراسان والشام ومصر، وقال لي والدي يوما،ً قد سمعتك جميع عوالي بغداد وألحقتك في الرواية بالشيوخ المسان، وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط، وأتحفظ القرآن والفصيح،و والمقامات، وديوان المتنبي ونحو ذلك، ومختصراً في الفقه، ومختصراً في النحو، فلما ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنباري، وكان يومئذ شيخ بغداد، وله بوالدي صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية، فقرأت عليه خطبة الفصيح فهذر كلاماً كثيراً متتابعاً لم أفهم منه شيئاً، لكن التلاميذ حوله يعجبون منه، ثم قال أنا أجفو عن تعليم الصبيان أحمله إلى تلميذي الوجيه الواسطي يقرأ عليه فإذا توسطت حاله قرأ علي، وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء، وكان رجلاً أعمى من أهل الثروة والمروءة، فأخذني بكلتي يديه، وجعل يعلمني من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف، فكنت أحضر حلقته بمسجد الظفرية، ويجعل جميع الشروح لي ويخاطبني بها، وفي آخر الأمر أقرأ درسي وخصني بشرحه.
ثم نخرج من المسجد فيذاكرني في الطريق، فإذا بلغنا منزله أخرج الكتب التي يشتغل بها مع نفسه فاحفظ له وأحفظ معه ثم يذهب إلى الشيخ كمال الدين فيقرأ درسه ويشرح له، وأنا أسمع، وتخرجت إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم، وأصرف أكثر الليل في الحفظ والتكرار، وأقمنا على ذلك برهة، كلما جاء حفظي كثر وجاد، وفهمي قوي، واستنار، وذهني احتد واستقام، وأنا ألازم الشيخ وشيخ الشيخ، وأول ما ابتدأت حفظت اللمع في ثمانية أشهر، وأسمع كل يوم شرح أكثرها مما يقرؤه غيري، وأنقلب إلى بيتي فأطالع شرح الثمانين، وشرح الشريف عمر بن حمزة، وشرح ابن برهان، وكل ما أجد من شروحها، وأشرحها لتلاميذ يختصون بي إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس، ولا ينفذ ما عندي، ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظاً متقناً، أما النصف الأول ففي شهور، وأما تقويم اللسان ففي أربعة عشر يوماً لأنه كان أربعة عشر كراساً، ثم حفظت مشكل القرآن له وغريب القرآن له، وكل ذلك في مدة يسيرة، ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبي علي الفاسي فحفظته في شهور كثيرة.
ولازمت مطالعه شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه وجمعت ما قال الشراح، وأما التكملة فحفظتها في أيام يسيرة كل يوم كراساً، وطالعت الكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على المقتضب للمبرد، وكتاب ابن درستويه، وفي اثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان بدار الذهب، وهي مدرسة معلقة بناها فخر الدولة بن المطلب. قال وللشيخ كمال الدين مائة تصنيف وثلاثون تصنيفاً، أكثرها في النحو وبعضها في الفقه والأصولين وفي التصوف والزهد، وأتيت على أكثر تصانيفه سماعاً وقراءة وحفظاً، وشرع في تصنيفين كبيرين أحدهما في اللغة والآخر في الفقه ولمن يتفق له إتمامهما وحفظت عليه طائفة من كتاب سيبويه وأكببت على المقتضب فأتقنته.
وبعد وفاة الشيخ تجردت لكتاب سيبويه ولشرحه للسيرافي، ثم قرأت على ابن عبيد الكرخي كتباً كثير منها كتاب الأصول لابن السراج، والنسخة في وقف ابن الخشاب برباط المأمونية، وقرأت عليه الفراض والعروض للخطيب التبريزي، وهو من خواص تلاميذ ابن الشجري، وأما ابن الخشاب فسمعت بقراءته معاني الزجاج على الكتابة شهدة بنت الأبري، وسمعت منه الحديث المسلسل وهو "الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وقال أيضاً موفق الدين البغدادي إن من مشايخه الذين انتفع بهم كما زعم ولد أمين الدولة بن التلميذ، وبالغ في وصفه وكثر، وهذا فلكثرة تعصبه للعراقيين، وإلا فولد أمين الدولة لم يكن بهذه المثابة ولا قريباً منها، وقال أنه ورد إلى بغداد رجل مغربي جوال في زي التصوف له أبهة ولسن، مقبول الصورة، عليه مسحة الدين، وهيئة السياحة، ينفعل لصورته من رآه قبل أني أخبره، ويعرف بابن نائلي، يزعم أنه من أولاد المتلثمة، خرج من المغرب لما استولى عليها عبد المؤمن، فلما إستقر ببغداد اجتمع إليه جماعة من
يتبــــــــــــــــــــــــــــــع
ولد عبد اللطيف البغدادي في بغداد بالعراق عام 1162م وانصرف شأنه شأن طلاب العلم في ذلك العصر ، الى سماع الحديث وحفظ القرآن وإجادة الخط وحفظ الشعر . درس على أيدي عدد من شيوخ بغداد وخرسان ثم إنتقل الى الموصل حيث أكمل دراسته في الرياضيات على يد الكمال بن يونس.
سافر البغدادي الى دمشق، وكان صلاح الدين سيد سورية ومصر آنذاك وأقام بين علمائها طلباً للمزيد من العلم . ثم انتقل الى القدس ومنها الى عكا حيث لقي بهاء الدين شداد قاضي العسكر وعماد الدين الكاتب والقاضي . والراجح أن هذا الاخير أعجب بالبغدادي فزوده برسالة توصية الى وكيله فيمصر إبن سناء الملك الذي احتفل به . وهناك اتصل بياسين السييائي وموسى بن ميمون وابي القاسم الشارعي .
لم تطل اقامة البغدادي في مصر وقفل عائداً الى القدس للقاء صلاح الدين بعد الهدنة مع الفرنجة . وقد وصف مجلس السلطان بقوله : "وأول ليلة حضرته وجدته مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم والسلطان يحسن الاستماع اليهم ويشاركهم النقاش". ورتب صلاح الدين واولاده للبغدادي مئة دينار في الشهر وأرسله الى دمشق حيث أكب على الاشتغال بالعلم وإقراء الناس بالجامع .
لكن البغدادي كان يمل الاستقرار في مكان واحد مدة طويلة فيمم من جديد شطر مصر حيث لازم الشارعي. وكان يُقريء الناس بالازهر صباحاً ومساء ، ويقريء الطب للكثيرين في وسط النهار . وكتب في مصر مؤلفه "الافادة والاعتبار في الامور المشاهدة والحوادث المعاينة" واصفاً أحوال البلاد الصعبة وقتها .
عاد البغدادي من جديد الى القدس ودرّس في الجامع الاقصىثم انتقل الى دمشق حيث اشتهر بصناعة الطب ودرّس في المدرسة العزيزية . وتنقل بعد ذلك بين حلب وأذربيجان وأرزن الروم وبغدادحيث توفى .
جاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة: (( هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد ويعرف بابن اللباد، موصلي الأصل بغدادي المولد، كان مشهوراً بالعلوم، متحلياً بالفضائل، مليح العبارة، كثير التصنيف، وكان متميزاً في النحو واللغة العربية، عارفاً بعلم الكلام والطب، وكان قد اعتنى كثيراً بصناعة الطب لما كان بدمشق واشتهر بعلمها، وكان يتردد إليه جماعة من التلاميذ وغيرهم من الأطباء للقراءة عليه؛ كان والده قد أشغله بسماع الحديث في صباه من جماعة منهم أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي، وأبو زرعة طاهر بن محمد القدسي، وأبو القاسم يحيى بن ثابت الوكيل وغيرهم.
وكان يوسف والد الشيخ موفق الدين مشتغلاً بعلم الحديث بارعاً في علوم القرآن والقراءات، مجيداً في المذهب والخلاف والأصولين، وكان متطرفاً من العلوم العقلية، وكان سليمان عم الشيخ موفق الدين فقيهاً مجيداً، وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلي وقتاً من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة، والذي وجدته من خطه أشياء كثيرة جداً بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخاً متعددة، وكذلك أيضاً كتب كتباً كثيرة من تصانيف القدماء، وكان صديقاً لجدي وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لما كنا بها، وكان أبي وعمي يشتغلان عليه بعلم الأدب، واشتغل عليه عمي أيضاً بكتب أرسطوطاليس، وكان الشيخ موفق الدين كثير العناية بها، والفهم لمعانيها، وأتى إلى دمشق من الديار المصرية، وأقام بها مدة وكثر انتفاع الناس بعلمه، ورأيته لما كان مقيماً بدمشق في آخر مرة أتى إليها، وهو شيخ نحيف الجسم، ربع القامة، حسن الكلام، جيد العبارة؛ وكانت مسطرته أبلغ من لفظه، وكان رحمه اللَّه ربما تجاوز في الكلام لكثرة ما يرى في نفسه، وكان يستنقص الفضلاء الذين في زمانه وكثيراً من المتقدمين، وكان وقوعه كثيراً جداً في علماء العجم ومصنفاتهم، وخصوصاً الشيخ الرئيس بن سينا ونظرائه.
ونقلت من خطه في سيرته التي ألفها ما هذا مثاله قال أني ولدت بدار لجدي في درب الفالوذج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتربيت في حجر الشيخ أبي النجيب لا أرف اللعب واللهو، وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث، وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخراسان والشام ومصر، وقال لي والدي يوما،ً قد سمعتك جميع عوالي بغداد وألحقتك في الرواية بالشيوخ المسان، وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط، وأتحفظ القرآن والفصيح،و والمقامات، وديوان المتنبي ونحو ذلك، ومختصراً في الفقه، ومختصراً في النحو، فلما ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنباري، وكان يومئذ شيخ بغداد، وله بوالدي صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية، فقرأت عليه خطبة الفصيح فهذر كلاماً كثيراً متتابعاً لم أفهم منه شيئاً، لكن التلاميذ حوله يعجبون منه، ثم قال أنا أجفو عن تعليم الصبيان أحمله إلى تلميذي الوجيه الواسطي يقرأ عليه فإذا توسطت حاله قرأ علي، وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء، وكان رجلاً أعمى من أهل الثروة والمروءة، فأخذني بكلتي يديه، وجعل يعلمني من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف، فكنت أحضر حلقته بمسجد الظفرية، ويجعل جميع الشروح لي ويخاطبني بها، وفي آخر الأمر أقرأ درسي وخصني بشرحه.
ثم نخرج من المسجد فيذاكرني في الطريق، فإذا بلغنا منزله أخرج الكتب التي يشتغل بها مع نفسه فاحفظ له وأحفظ معه ثم يذهب إلى الشيخ كمال الدين فيقرأ درسه ويشرح له، وأنا أسمع، وتخرجت إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم، وأصرف أكثر الليل في الحفظ والتكرار، وأقمنا على ذلك برهة، كلما جاء حفظي كثر وجاد، وفهمي قوي، واستنار، وذهني احتد واستقام، وأنا ألازم الشيخ وشيخ الشيخ، وأول ما ابتدأت حفظت اللمع في ثمانية أشهر، وأسمع كل يوم شرح أكثرها مما يقرؤه غيري، وأنقلب إلى بيتي فأطالع شرح الثمانين، وشرح الشريف عمر بن حمزة، وشرح ابن برهان، وكل ما أجد من شروحها، وأشرحها لتلاميذ يختصون بي إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس، ولا ينفذ ما عندي، ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظاً متقناً، أما النصف الأول ففي شهور، وأما تقويم اللسان ففي أربعة عشر يوماً لأنه كان أربعة عشر كراساً، ثم حفظت مشكل القرآن له وغريب القرآن له، وكل ذلك في مدة يسيرة، ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبي علي الفاسي فحفظته في شهور كثيرة.
ولازمت مطالعه شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه وجمعت ما قال الشراح، وأما التكملة فحفظتها في أيام يسيرة كل يوم كراساً، وطالعت الكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على المقتضب للمبرد، وكتاب ابن درستويه، وفي اثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان بدار الذهب، وهي مدرسة معلقة بناها فخر الدولة بن المطلب. قال وللشيخ كمال الدين مائة تصنيف وثلاثون تصنيفاً، أكثرها في النحو وبعضها في الفقه والأصولين وفي التصوف والزهد، وأتيت على أكثر تصانيفه سماعاً وقراءة وحفظاً، وشرع في تصنيفين كبيرين أحدهما في اللغة والآخر في الفقه ولمن يتفق له إتمامهما وحفظت عليه طائفة من كتاب سيبويه وأكببت على المقتضب فأتقنته.
وبعد وفاة الشيخ تجردت لكتاب سيبويه ولشرحه للسيرافي، ثم قرأت على ابن عبيد الكرخي كتباً كثير منها كتاب الأصول لابن السراج، والنسخة في وقف ابن الخشاب برباط المأمونية، وقرأت عليه الفراض والعروض للخطيب التبريزي، وهو من خواص تلاميذ ابن الشجري، وأما ابن الخشاب فسمعت بقراءته معاني الزجاج على الكتابة شهدة بنت الأبري، وسمعت منه الحديث المسلسل وهو "الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وقال أيضاً موفق الدين البغدادي إن من مشايخه الذين انتفع بهم كما زعم ولد أمين الدولة بن التلميذ، وبالغ في وصفه وكثر، وهذا فلكثرة تعصبه للعراقيين، وإلا فولد أمين الدولة لم يكن بهذه المثابة ولا قريباً منها، وقال أنه ورد إلى بغداد رجل مغربي جوال في زي التصوف له أبهة ولسن، مقبول الصورة، عليه مسحة الدين، وهيئة السياحة، ينفعل لصورته من رآه قبل أني أخبره، ويعرف بابن نائلي، يزعم أنه من أولاد المتلثمة، خرج من المغرب لما استولى عليها عبد المؤمن، فلما إستقر ببغداد اجتمع إليه جماعة من
يتبــــــــــــــــــــــــــــــع
تعليق