الكتابة البربريّة: اللوبيّة ـ التّيفيناغ ما حقيقتها؟
واستجابة للدعوة الكريمة من بيت الحكمة ببغداد للمشاركة في ندوتها حول "الصلات المشتركة بين أبجديات الوطن العربي القديمة". عدت إلى هذا الموضوع ثانية، لأعمقه، وأضيف إليه ما أمكن جمعه من المعلومات الجديدة، مع التوسّع في الجداول وتنظيمها.
وما أريد أن أؤكد عليه، في هذا الصدد، ضرورة الانتباه إلى ما تقوم به النزعة البربرية من تهويش في موضوع "الكتابة البربرية"، وفي كلمة "أمازيغ". فقد تسلّطت عليهما، ووظفتهما توظيفا مغرضا معاديا للانتماء العربي للمنطقة. وهي هنا لا تخلف المدرسة التاريخية الاستعمارية في مواصلة الأطروحات القديمة، وفي تزييف الحقائق وتحريفها، وهو ما سنرى طرفاً منه في أثناء هذه الدراسة، بل إن المرامي التلفيقية لهذه النزعة المتمزّغة المروّج لها على الصعيد السياسي والثقافي والشعبي، هي التي أملت التطرّق إلى موضوع "الكتابة البربرية"، لمعرفة نشأتها، وحقيقة ظهورها، على ضوء ما توصّل إليه البحث وتوفّر من المعلومات. فالمعروف في تاريخ الكتابة عموما أن أول كتابة ظهرت في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، هي الكتابة الفينيقية، ومنها أخذت الكتابتان: اليونانية واللاتينية. واستعمل البربر في تاريخهم القديم هذه الكتابات الثلاث، إلاّ أنهم لم يقتصروا عليها، فقد استعملوا كتابة أخرى نسميها اليوم: الكتابة البربرية. وقع التعرّف عليها من قبل الأجانب، من فرنسيين وغيرهم، في القرن التاسع عشر، وهي متكوّنة من خطّين هما: الخطّ اللوبي وخطّ التيفيناغ.
الخطّ اللوبي([2](
وما إنْ اكتشف هذا الخطّ، حتى انصبّ اهتمام الباحثين عليه. فجمعوا المئات من نقائشه، وحفظوا صورها في مدوّنات([3]) مهمّة، أذكر منها على سبيل المثال مدوّنة الباحث "ج. ب. شبو J.B.Chabot" المعنونة بـ "مجموعة نقوش ليبية Recueil des inscriptions libyques". بلغ ما جمعه فيها من صور النقائش 1125 صورة.
ومن ضمن النقائش المكتشفة، نقائش مزدوجة الكتابة، منها ما هو باللغة البونية واللوبية. ومنها ما هو باللغة اللاتينية واللوبية. وبالاعتماد على النقوش اللوبية ـ البونية تمّ ضبط أبجدية الخطّ اللوبي المتكوّنة من 22 حرفاً كما في الجدول التالي:
الأبجدية اللوبية موضّحة بالحروف العربيّة
تعليق