Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php73/sess_0ca7ccc5c2ef70b0dc16ab4818b1d5d517ec6fd3de78f68d, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 Warning: session_start(): Failed to read session data: files (path: /var/cpanel/php/sessions/ea-php73) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 بـلاد الشام - شبكة ومنتديات قدماء

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بـلاد الشام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    فحمل المسلمون على المشركين واختلط الجيش بالجيش وصبرت الروم لقتال العرب فبينما هم في القتال أشرفت جيوش المسلمين مع شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر المسلمون إلى إخوانهم في القتال حملوا على القوم حملة صادقة وحكمت سيوفهم في قمم الروم.تال حملوا على القوم حملة صادقة وحكمت سيوفهم في قمم الروم.



    قال الواقدي: لقد بلغني أن الثمانية آلاف المذكورة من الروم لم ينج منهم أحد لأن العرب التقطوهم بسبق الخيل وبعد الشام من تبوك، ثم إن المسلمين أخذوا أموال وخيامهم، ثم سلموا على شرحبيل ومن معه وجمعوا المال والغنائم. فقالوا: نبعث الجميع إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فرضوا بذلك وبعثوا الجميع إلا العدة والسلاح، وبعثوا مع الغنائم والأموال شداد بن أوس رضي الله عنه في خمسمائة فارس،

    ولما وصل بالمال إلى المدينة المنورة وعاين المسلمون أموال المشركين رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير، والصلاة على البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم، وسمع الصديق بقدوم شداد بن أوس رضي الله عنه ومن معه من المسلمين ففرح بذلك فرحا شديدا، ثم أقبلوا إلى الصديق وأعلموه بالفتح بعد أن سلموا عليه فسجد لله عز وجل،


    ثم كتب كتابا إلى أهل مكة يستدعيهم إلى الجهاد مضمونه: بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى أهل مكة وسائر المؤمنين فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:


    أما بعد: فإني قد استنفرت المسلمين إلى الجهاد وفتح بلاد الشام، وقد كتبت إليكم وإلى المسلمين أن تسرعوا إلى ما أمركم به ربكم تبارك الله وتعالى: إذ يقول الله عز وجل " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " التوبة: 41،
    وهذه الآية فيكم وأنتم أحق بها وأهلها، وأول من صدق وقام بحكمها من ينصر دين الله فالله ناصره، ومن بخل استغنى الله عنه والله غني حميد، فسارعوا إلى جنة عالية قطوفها دانية أعدها الله للمهاجرين والأنصار، فمن اتبع سبيلهم كتب من الأولياء الأخيار، وحسبنا الله ونعم الوكيل.



    قال: وختم الكتاب ودفعه إلى عبد الله بن حذافة، فأخذه وسار حتى وصل مكة وصرخ في أهلها، فاجتمعوا إليه فدفع إليهم الكتاب فقرأوه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوه قال سهل بن عمرو والحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل، وقالوا: أجبنا داعي الله وصدقنا قول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فأما عكرمة فإنه قال: إلى متى نبسط لأنفسنا وقد سبقنا القوم إلى المواطن، وقد فاز من فاز بالصدق، وإن كنا تأخرنا عن السبق فاللحاق السباق فلعلنا نكتب في الحال.. ثم خرج عكرمة بن أبي جهل في بني مخزوم وخرج الحارث بن هشام معهم وتلاحق أهل مكة خمسمائة رجل، وكتب أبو بكر للطائف فخرجوا في أربعمائة رجل.




    قال الواقدي: خرج بهم سعيد بن خالد بن سعيد بن العاص وكان غلاما نجيبا، وذلك أن سعيد بن خالد أتى إلى الصديق رضي الله عنه. فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أردت أن تعقد لأبي خالد راية ويكون قائدا من قواد جيشك، فتكلم فيه المتكلمون فعزلته حين رجع من بعثتك، وقد حبس نفسه في سبيل الله عز وجل ولم أزل مجيبا دعوتك في بعثتك، فهل لك أن تقدمني على هذا الجيش، فوالله لا يراني الله وانيا أبدا ولا عاجزا عن الحرب، قال: وكان سعيد بن خالد غلاما نجيبا أنجب من أبيه وأفرس، فعقد له أبو بكر راية ودفعها إليه وأمره على ألفين من العرب.


    قال: فلما سمع عمر بن الخطاب كلام سعيد بن خالد وأنه خير من أن يكون أميرا كره له ذلك وأقبل على الصديق رضي الله عنه. وقال: يا خليفة رسول الله عقدت هذه الراية لسعيد بن خالد على من هو خير منه، ولقد سمعته يقول عندما عقدتها على رغم الأعادي والله لتعلم أنه ما يريد بالقول غيري، والله ما تكلمت في أبيه.



    قال الواقدي: فثقل ذلك على أبي بكر وكره أن لا يعقد له، وكره أيضا أن يخالف عمر لمحبته له ونصحه ومنزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم ووثب قائما، ودخل على عائشة رضي الله عنها وأخبرها بخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما كان من كلامه. فقالت عائشة: قد علمت أن عمر ينصر الدين ويريد النصر لرب العالمين، وما في قلب عمر بغض للمسلمين.


    قال: فقبل قول عائشة رضي الله عنها، ثم دعا بأزد الدوسي وقال له: امض إلى سعيد بن خالد وقل له: رد علينا رايتك. قال: فردها، وقال: والله لأقتلن تحت راية أبي بكر حيث كان، فإني قد حبست نفسي في سبيل الله.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #17
      قال الواقدي: ولقد بلغني أن الصديق حال تفكره فيمن يقدم طليعة الجيش. قال: فتقدم إليه سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وهشام بن الحارث، وقالوا: اشهدوا أننا قد حبسنا أنفسنا في سبيل الله فلا نرجع عن القتال أبدا. فقال أبو بكر: اللهم بلغهم أفضل ما يؤملون. ثم إن أبا بكر دعا عمرو بن العاص. فسلم إليه الراية وقال: قد وليتك على هذا الجيش، يعني أهل مكة والطائف وهوازن وبني كلاب فانصرف إلى أرض فلسطين، وكاتب أبا عبيدة وأنجده إذا أرادك ولا تقطع أمرا إلا بمشورته: امض بارك الله فيك وفيهم. قال: فأقبل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال له: يا أبا حفص أنت تعلم شدتي على العدو وصبري على الحرب، فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أميرا على أبي عبيدة، وقد رأيت منزلتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أرجو أن يفتح الله على يدي البلاد ويهلك الأعداء. قال عمر رضي الله عنه: ما كنت بالذي أكذبك وما كنت بالذي أكلمه في ذلك، فإنه ليس على أبي عبيدة أمير، ولأبي عبيدة عندنا أفضل منزلة منك، وأقدم سابقة منك والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: " أبو عبيدة أمين الأمة " قال عمرو: ما ينقص من منزلته إذا كنت واليا عليه. قال عمر بن الخطاب: ويلك يا عمرو إنك ما تطلب بقولك هذا إلا الرياسة والشرف فاتق الله ولا تطلب إلا شرف الآخرة ووجه الله تعالى، فقال عمرو بن العاص: إن الأمر كما ذكرت. ثم أمر الناس بالمسير تحت رايته فساروا، وتقدم أهل مكة وتبعهم بنو كلاب وطيئ وهوازن وثقيف وتخلف المهاجرون والأنصار ليسيروا مع أبي عبيدة بن الجراح.
      وصية الصديق لعمرو بن العاص
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #18
        وتقدم عمرو بن العاص وسار. قال أبو الدرداء: كنت مع عمرو بن العاص في جيشه، فسمعت أبا بكر يقول وهو يوصيه: اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في صلواتك فإنه يراك في عملك، وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة وأقدم حرمة فكن من عمال الآخرة، وأرد بعملك وجه الله وكن والدا لمن معك وارفق بهم في السير فإن فيهم أهل ضعف، والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وإذا سرت بجيشك فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل، بل اسلك طريق إيليا حتى تنتهي إلى أرض فلسطين، وابعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة، فإن كان ظافرا بعدوه فكن أنت لقتال من في فلسطين، وإن كان يريد عسكرا فأنفذ إليه جيشا في أثر جيش، وقدم سهل بن وعمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وسعيد بن خالد، وإياك أن تكون وانيا عما ندبتك إليه، وإياك والوهن أن تقول: جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به، وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم. واعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بحر، فأكرمهم واعرف حقهم ولا تتطاول عليهم بسلطانك ولا تداخلك نجدة الشيطان فتقول: إنما ولأني أبو بكر لأني خيرهم، وإياك وخداع النفس وكن كأحدهم، وشاورهم فيما تريد من أمرك، والصلاة ثم الصلاة، أذن بها إذا دخل وقتها ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر، ثم ابرز وصل بمن رغب في الصلاة معك فذلك أفضل له، ومن صلاها وحده أجزأته صلاته واحذر من عدوك وأمر أصحابك بالحرس ولتكن أنت بعد ذلك مطلعا عليهم وأطل الجلوس بالليل على أصحابك وأقم بينهم واجلس معهم ولا تكشف أستار الناس، واتق الله إذا لاقيت العدو، وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب فاجعل كل قبيلة على حميتها، وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق وتعاهد عسكرك في سيرك وقدم قبلك طلائعك فيكونوا أمامك، وخلف على الناس من ترضاه، وإذا رأيت عدوك فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرا، والزم أصحابك قراءة القرآن وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها فإن ذلك يورث العداوة بينهم، وأعرض عن زهرة المني حتى تلتقي بمن مضى من سلفك وكن من الأئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " الأنبياء: 73، قال: فكان أبو بكر رضي الله عنه يوصي عمرو بن العاص وأبو عبيدة حاضر، ثم قال: سيروا على بركة الله تعالى وقاتلوا أعداء الله وأوصيكم بتقوى الله فإن الله ناصر من ينصره. قال: فسلم المسلمون عليه وودعوا وساروا في تسعة آلاف مع من ذكرنا يريدون أخذ فلسطين، فلما كان بعدهم بيوم واحد عقد العقود والرايات إلى أبي عبيدة بن الجراح وأمره بأن يقصد بمن معه أرض الجابية، وقال: يا أمين الأمة قد سمعت ما وصيت به عمرو بن العاص وودعه المسلمون، فلما عاد أبو بكر والمسلمون دعا بخالد بن الوليد وعقد له راية، وكانت له راية النبي صلى الله عليه وسلم وأمره على لخم وجذام وضم له جيش الزحف وكانوا شجعانا ما منهم إلا من شهد الوقائع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا أبا سليمان قد وليتك على هذا الجيش فاقصد به أرض العراق وفارس وأرجو الله أن ينصركم. ثم إنه ودعه وسار خالد بمن معه يطلب العراق.
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #19
          قال: حدثني ربيعة بن قيس.

          قال: كنت في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق مع عمرو بن العاص إلى فلسطين وإيليا. وكان صاحب رايته سعيد بن خالد.


          قال: وبعث أبو بكر مع كل جيش أميرا وهو يدعو لهم بالنصر وأخذه القلق على المسلمين حتى عرف ذلك في وجهه.


          فقال له عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما هذا الغم الذي نزل بك.

          فقال: اغتممت على جيوش المسلمين وأرجو الله أن ينصرهم على عدوهم.


          فقال عثمان: والله ما خرج جيش سررت به إلا هذا الجيش الذي سار إلى الشام، وهذا الذي أوصى الله نبيه به، وليس في قوله خلف. وإنا سنظهر على الروم وفارس ولكن ما ندري متى يكون أفي هذا البعث أو غيره ولكن أحسن الظن بالله.


          قال: وبات الصديق فرأى في منامه كأن عمرو بن العاص في وجهه طرمة هو وأصحابه ثم قصد عمرو أرضا خضرة سهلة وفرجة فحمل على فرسه، ثم أتبعه أصحابه، فإذا هم في أرض واسعة فنزلوا واستراحوا قال: وانتبه أبو بكر من منامه فرحا بما رأى.


          فقال عثمان: يدل على فتح إلا أنه يوشك أن يلقى عمرو في قتال المشركين مشقة عظيمة ثم يخلص منها.


          قال الواقدي: كانت الساقطة تنزل المدينة في الجاهلية والإسلام يقدمون بالبر والشعير والزيت والتين والقماش، وما يكون في الشام، فقدم بعض الساقطة إلى المدينة، وأبو بكر ينفذ الجيوش وسمعوا كلام أبي بكر لعمرو بن العاص، وهو يقول: عليك بفلسطين وإيليا.


          قال: فساروا بالخبر إلى الملك هرقل. فلما سمع ذلك جمع أرباب دولته وبطارقته وأعلمهم بالحديث الذي جرى وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت حذرتكم منه قديما وإن أصحاب هذا النبي لا بد أن تملك ما تحت سريري هذا وقد قرب الوعد، وإن خليفة محمد قد أنفذ لكم الجيوش وكأنكم بهم وقد أتوكم وقصدوا نحوكم فحذروا أنفسكم وقاتلوا عن دينكم، وعن حريمكم فإن تهاونتهم ملكت العرب بلادكم وأموالكم.


          قال: فبكى القوم، فقال لهم: دعوا عنكم البكاء،

          ثم قال له وزيره: أيها الملك قد اشتهينا أن تدعو بعض من قدم بهذا الخبر عليك فأمر هرقل بعض حجابه أن يأتي برجل من المتنصرة ممن قدم عليه بالأخبار فأتى برجل منهم،

          فقال له الملك: كم عهدك؟

          قال: منذ خمسة وعشرين يوما.


          قال: فمن المتولي عليهم؟


          قال له: رجل يقال له أبو بكر الصديق وجه جيوشه إلى بلدك، قال: هل رأيت أبا بكر؟ قال: نعم وإنه أخذ مني شملة بأربعة دراهم وجعلها على كتفه وهو كواحد منهم، وهو يمشي في ثوبين ويطوف بالأسواق ويدور على الناس يأخذ الحق من القوي للضعيف.



          قال هرقل: صفه لي.

          قال: هو رجل آدم اللون خفيف العارضين.


          فقال هرقل: وحق ديني هو صاحب أحمد الذي كنا نجد في كتبنا أنه يقوم بالأمر من بعده، ونجد في كتبنا أيضا أن بعد هذا الرجل رجلا آخر طويلا كالأسد الوثاب يكون على يديه الدمدمة والجلاء.



          قال: فشهق المتنصر من قول هرقل.


          وقال: إن هذا الذي وصفته لي رأيته معه لا يفارقه.


          قال هرقل: هذا الأمر والله قد صح وقد دعوت الروم إلى الرشد والصلاح، فأبوا أن يطيعوني، وأن ملكي سوف ينهدم، ثم عقد صليبا من الجوهر، وأعطاه قائد جيوشه روبيس.

          وقال له: قد وليتك على الجيوش فسيروا لمنع العرب من فلسطين فإنها بلد خصب كثيرة الخير وهي عزنا وجاهنا وتاجنا، فتسلم روبيس الصليب وسار من يومه إلى أجنادين واتبعه جيش الروم.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #20
            عمرو بن العاص في فلسطين


            قال الواقدي:

            لقد بلغني أن عمرو بن العاص توجه إلى إيليا، حتى وصل إلى أرض فلسطين هو ومن معه قال: فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في أمرهم

            فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر، وكان من خيار المسلمين، وكان كثيرا ما يتوجه إلى بلاد الشام، وداس أرضهم وعرف مساكنها ومسالكها.


            فلما أشرف على المؤمنين داروا به وأوقفوه بين يدي عمرو بن العاص.

            فقال عمرو بن العاص: ما الذي وراءك يا ابن عامر. قال: ورائي المتنصرة وجنودهم مثل النمل.

            فقال له عمرو: يا هذا لقد ملأت قلوب المسلمين رعبا وإنا نستعين بالله عليهم. فقال له: فكم جزرت القوم؟

            فقال: أيها الأمير إني قد علوت على شرف من الجبال عال، فرأيت من الصلبان والرماح والأعلام ما قد ملأ الأجم، وهو أعظم جبل بأرض فلسطين وهم زيادة عن مائة ألف فارس، وهذا ما عندي من الخبر.

            قال: فلما سمع عمرو ذلك قال:

            لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم أقبل على من حضر من كبار المسلمين.

            وقال: أيها الناس أنا وإياكم في هذا الأمر بالسواء فاستعينوا بالله على الأعداء، وقاتلوا عن دينكم وشرعكم فمن قتل كان شهيدا، ومن عاش كان سعيدا، فماذا أنتم قائلون.


            قال: فتكلم كل رجل بما حضر عنده من الرأي.

            فقالت طائفة منهم: أيها الأمير ارجع بنا إلى البرية حتى نكون في بطن البيداء فإنهم لا يقدرون على فراق القرى والحصون.


            فإذا جاءهم الخبر إننا توسطنا البرية يتفرق جمعهم وبعد ذلك نعطف عليهم وهم على غفلة فنهزمهم إن شاء الله تعالى.


            فقال سهل بن عمرو: إن هذه مشورة رجل عاجز.


            فقال رجل من المهاجرين: لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل، وقد وعدكم الله النصر وما وعد الصابرين إلا خيرا، وقد قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " التوبة: 123،


            قال سهل بن عمرو: أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة ولا رعدت سيفي عنهم، فمن شاء فلينهض، ومن شاء فليرجع، ومن نكص على عقبيه فأنا وراءه بالمرصاد،


            قال: فلما سمع المسلمون أن وافقه على ذلك عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قالوا أحسنت يا أبا الفاروق، قال: ثم إن عمرو بن العاص عقد راية وأعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير فسار عبد الله، وجعل يجد السير بقية يومه إلى الصباح، وإذا بغبرة القوم قد لاحت.


            فقال عبد الله بن عمر: هذه غبرة عسكر وأظنها طليعة القوم، ثم وقف ووقف أمامه أصحابه.


            فقال قوم من البادية: اتركنا نرى ما هذه الغبرة.


            فقال: لا تتفرقوا من بعضكم حتى نرى ما هي.

            فوقف الناس، وإذا بالغبرة قد قربت وانكشفت عن عشرة آلاف من الروم وقد بعث معهم روييس بطريقا من أصحابه، وكانوا قد ساروا يكشفون خبر المسلمين.


            فلما نظرهم عبد الله بن عمر قال لأصحابه: لا تمهلوهم لأنهم لا بد لها منكم، والله ينصركم عليهم. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف،


            قال: فأعلن القوم بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. فلما جهروا بها أجابهم الشجر والمدر والدواب والحجر، وكان أول من حمل عكرمة بن أبي جهل وتبعه سهل بن عمرو والضحاك أيضا بالجملة وصاح في رجاله وحمل المهاجرون، والأنصار معهم والتقى الجمعان، وعمل السيف في الفريقين.


            قال عبد الله بن عمر: وبينما أنا في الوقعة إذ نظرت من القوم بطريقا عظيم الخلقة وهو كالحائر البليد، وهو يركض يمينا وشمالا، فقلت: إن يكن لهذا الجيش عين فهذا عين الجيش وصاحب الطلائع وهو مرعوب من الحرب.


            فلما حملت عليه ومددت قناتي إليه، نفر فرسه من الرمح فقربت منه وأوهمته أني أريد الانهزام، ثم عطفت عليه وطعنته، فوالله لقد خيل لي أني ضربت بسيفي حجرا، وسمعت طنين السيف حتى حسبت أن سيفي انفصل، وإذا هو صريع ثم عطفت عليه وأخذت لامته.


            فلما رأى المشركون صاحبهم مجندلا داخلهم الفزع والهلع وصدمهم المسلمون في الضرب والقتال فلله در الضحاك والحارث بن هشام، لقد قاتلا قتالا شديدا ما عليه من مزيد، فما كان غير قليل حتى انهزم الكفار من بين أيديهم هاربين.


            قال: فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال.


            وقال بعضهم لبعض: ما فعل الله بعبد الله بن عمر، قال قائل منهم: الله خبير بحسن زهده وعبادته. وقال آخرون: لقد أصبنا بابن عمر فما كان يساوي هذا الفتح شعرة من رأسه.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #21
              قال عبد الله بن عمر: وأنا مع ذلك أسمع كلامهم خلف الراية. فأعلنت بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، وهززت الراية.

              فلما نظر المسلمون الراية سارعوا إلي وقالوا: أين كنت.

              فقلت: اشتغلت بقتال صاحبهم فقالوا: أفلح والله وجهك فهذا والله فتح قد رزقنا الله إياه ببركتك.


              قال عبد الله: وبوجوهكم، ثم حازوا الأموال والغنائم والخيل وستمائة أسير وقتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص وحدثوه بما جرى ففرح وحمد الله تعالى، ثم دعا بالأسرى واستنطق منهم بالعربية فما كان فيهم غير ثلاثة نفر من أنباط الشام فسألهم عن خبرهم وخبر أصحابهم فقالوا: يا معشر العرب إن هذا روبيس قد أقبل في مائة ألف فارس، وقد أمره الملك أن لا يدع أحدا من العرب يصل إيليا.. وإنه بعث بهذا البطريق طليعة، وقد قتل وكأنكم به.



              فقال عمرو: إن الله يقتله كما قتل صاحبكم، ثم عرض عليهم الإسلام، فما أحد منهم أسلم. فقال عمرو للمسلمين: كأنكم بصاحبهم، وقد أتى يأخذ ثأرهم وهؤلاء تركهم علينا بلاء، ثم أمر بضرب أعناقهم وصاح بالمسلمين استعدوا فإني أظن أن القوم سائرون، فإن أتوا إلينا فهم في شدة وقوة وسنلقي منهم تعبا في القتال وإن سرنا إليهم نرجو من الله النصر والظفر بهم كما ظفرنا بغيرهم وما عودنا الله إلا خيرا.



              قال أبو الدرداء: وبتنا مكاننا. فلما جاء الله بالصباح رحلنا فما بعدنا غير قليل حتى أشرقت علينا عشرة صلبان تحت كل صليب عشرة آلاف فارس. فلما أشرف الجيش على الجيش أقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك وفي الميسرة سعيدا، وأقام على الساقة أبا الدرداء وثبت عمرو في القلب ومعه أهل مكة، وأمر الناس يقرأون القرآن.


              وقال لهم: اصبروا على قضاء الله وارغبوا في ثواب الله وجنته، ثم إنه جعل يصفهم ويعبيهم تعبية الحرب ونظر روبيس بطريق الروم إلى عسكر المسلمين، وقد صفهم عمرو بن العاص لا يخرج سنان عن سنان ولا عنان عن عنان ولا ركاب عن ركاب، وهم كأنهم بنيان مرصوص، وهم يقرأون القرآن.


              والنور يلمع من نواصي خيولهم فشم منهم رائحة النصر وتبين عن نفسه الجزع، وعلم أن كل من معه كذلك فوقف ينظر ما يكون من المسلمين وانكسرت حميته.


              قال: وكان أول من برز من جيش المسلمين سعيد بن خالد رضي الله عنه، وهو أخو عمرو بن العاص من أمه. فلما برز نادى برفيع صوته: ابرزوا يا أهل الشرك، ثم حمل على الميمنة فألجأها إلى الميسرة، وحمل على الميسرة فألجأها إلى الميمنة وقتل رجالا وجندل أبطالا، ثم اقتحم فيهم فشوشهم وزعزع جيشهم.


              قال: فاجتمعوا عليه فقتلوه رحمة الله عليه. قال: فحزن المسلمون على قتله حزنا عظيما وأكثرهم عمرو بن العاص.


              وقال: واسعيداه، لقد اشترى نفسه من الله عز وجل. ثم قال: يا فتيان من يحمل معي هذه الحملة حتى ننظر ما يكون من أمرها وأنظر حال سعيد.


              قال: فأسرع بالإجابة ذو الكلاع الحميري وعكرمة بن أبي جهل والضحاك والحارث بن هشام، ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.


              قال عبد الله: وكنا سبعين رجلا، وحملنا حتى دنونا من القوم وهم لا يفكرون من حملتنا لأنهم جبال من حديد.

              .....................
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #22
                قال الواقدي رحمه الله عليه:


                فلما رأى المسلمون ثبات الروم صاح بعضنا لبعض: ابعجوا دوابهم فما هلاكهم غير ذلك قال: فبعجنا دوابهم بالأسنة فتنكسوا فبعد انتكاسهم تفرق بعضهم عن بعض وحملوا علينا وحملنا عليهم، وكنا فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وكان شعارنا يوم فلسطين: لا إله إلا الله محمد رسول الله يا رب انصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم



                قال أبو الدرداء: فلقد شغلني الحرب عن مناشدة الأشعار، ولقد كان أحدنا لا يدري أهو يضرب أخاه أو عدوه من كثرة القتام قال: فثبت المسلمون مع قلتهم وفوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وما كان أحد من المسلمين يضرب إلا وظهره ناطق بالدعاء يقول: اللهم انصرنا على من يتخذ معك شريكا.



                قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: فلم يزل الحرب بيننا إلى وقت الزوال وهبت الرياح والناس في القتام إذ نظرت إلى السماء وقد انفرج فيها فرج وخرجت عنها خيول شهب تحمل رايات خضرا أسنتها تلمع وعناد ينادي بالنصر ابشروا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أتاكم الله بالنصر.




                قال: فما كان غير قليل إذ نظرت إلى الروم منهزمين، والمسلمون في أعقابهم لأن خيل العرب أسبق من خيل الروم.


                قال ابن عمر: فقتلنا في هذه الواقعة قريبا من خمسة عشر ألف فارس وأكثر ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر وقلبه متعلق بالمسلمين لإسراعهم وراء العدو، وقال عمرو بن غياث: فنظرت إلى عمرو بن العاص والراية في يده، وقد أوفى القناة على عاتقه وهو يعركها بيده ويقول: من يرد الناس علي رد الله عليه ضالته إذ نظرت العرب قد عطفت راجعة كعطفة الأم على ولدها فاستقبلهم عمرو، وهو يقول: هنيئا لهذه الوجوه التي تعبت في رضا الله تعالى أما كان لكم كفاية في أن خولكم الله حتى اتبعتم العدو،


                فقالوا: ما أردنا الغنيمة، بل القتال والجهاد،

                قال: ولما رجع المسلمون لم يكن لهم همة إلا افتقاد بعضهم بعضا ففقد من المسلمون مائة وثلاثون رجلا ختم الله لهم بالسعادة منهم سيف بن عبادة ونوفل بن دارم والأهب بن شداد والباقي من اليمن ووادي المدينة.


                قال: فاغتم عمرو لفقدهم،

                ثم راجع نفسه وقال: قد نزل بهم خير، وأنت يا عمرو تأبى ذلك. ثم ندب الناس إلى الصلاة كما أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصلى ما فاته كل صلاة بأذان وإقامة، قال ابن عمر: ما صلى خلفه إلا قليل، بل صلى الناس في رحالهم من تعبهم ولم يجمعوا من الغنائم إلا القليل وبات الناس، فلما أصبح عمرو أذن وصلى بهم وأمر الناس بجمع الغنائم وأن يخرجوا إخوانهم المؤمنين من الروم فجعلوا يلتقطونهم.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #23
                  قال: فأخرجوا مائة وثلاثين رجلا ووجدوا سعيد بن خالد، فلما نظر عمرو إلى ما نزل به بكى،


                  وقال: رحمك الله فقد نصحت لدين الله وأديت النصيحة ثم جعله في جملة المسلمين وصلى عليهم وأمر بدفنهم، وذلك قبل أن يخمس شيئا من الغنائم ثم بعد ذلك جمعها إليه.


                  وكتب إلى أبي عبيدة كتابا يقول فيه:


                  كتاب عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة

                  بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة، أما بعد:


                  فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإني قد وصلت إلى أرض فلسطين ولقينا عساكر الروم مع بطريق يقال له روبيس في مائة ألف فارس فمن الله بالنصر وقتل من الروم خمسة عشر ألف فارس وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلا فإن احتجت إلي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.


                  ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي وأمره أن يسير إلى أبي عبيدة.


                  قال: فأسرع أبو عامر بالكتاب فوجد أبا عبيدة وهو نازل بأرض الشام وجاهر بالدخول إليها غير أنه أمره كما أمره أبو بكر.


                  قال: فلما وصل أبو عامر قال له أبو عبيدة: ما وراءك.


                  قال: خير هذا كتاب من عمرو بن العاص يخبرك بما فتح الله على يديه، ثم سلم إليه الكتاب، فلما قرأه خر ساجدا فرحا بنصر الله ثم قال: والله قتل من المسلمين رجال أخيار منهم سعيد بن خالد.


                  قال أبو عامر: فكان خالد والده جالسا، فلما سمع بأن ولده قد قتل قال: وا ابناه وجعل يبكيه حتى بكى المسلمون لبكائه، ثم إن خالدا أسرع إلى فرسه فركبها وعزم إلى أرض فلسطين لينظر إلى قبر ولده.


                  فقال أبو عبيدة: كيف تسير وتدعنا.


                  فقال: إنما أنظر قبر ولدي وأرجو الله أن يلحقني به،


                  قال: وكتب أبو عبيدة كتابا لعمرو بن العاص يقول فيه:


                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر أمرك أن تكون معنا فسر إلينا، وإن كان أمرك بالثبات في موضعك فاثبت والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

                  وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص فدفع له الكتاب وهو يبكي فوثب عمرو وصافح خالدا ورفع منزلته وعزاه في ولده سعيد وعزاه المسلمون.


                  فقال خالد: يا أيها الناس هل أروى سعيد رمحه وسيفه في الكفار؟ قالوا: نعم. فلقد قاتل وما قصر، ولقد جاهد في الدين ونصر.


                  فقال: أروني قبره،


                  قال: فأروه إياه فأقام على القبر وقال: يا ولدي رزقني الله الصبر عليك وألحقني بك وإنا لله وإنا إليه راجعون، والله إن مكنني الله لآخذن بثأرك يا ولدي عند الله احتسبتك،


                  ثم قال لعمرو بن العاص: إني أريد أن أسري بسرية في طلب القوم فلعل أن أجد فيهم فرصة أو غنيمة وأكون قد أخذت بثأر ولدي، فقال عمرو: إن الحرب أمامك يا ابن الأم.



                  فإذا رأيت الروم فلا تبق عليهم.


                  فقال خالد: والله لأسيرن إليهم، ثم أخذ خالد أهبته للمسير وعزم أن يسير وحده فركب معه ثلاثمائة فارس من فتيان حمير فساروا يومهم ذلك أجمع وأرادوا النزول في الأودية ليعلفوا دوابهم ويسيروا ليلتهم إذ نظر خالد بن سعيد إلى أشباح على ذروة جبل هناك عال منيع.



                  فقال لأصحابه: إني أرى أشباحا على ذروة هذا الجبل ونحن في هذا الوادي،



                  ثم قال: كونوا في أماكنكم ثم نزل عن فرسه وتقلد سيفه والتحف بإزاره وقال: اعلموا أن القوم ما علموا بنا ولو نظروا إلينا ما ثبتوا في أماكنهم فمن منكم يبذل نفسه ويصنع كما أصنع


                  قالوا: كلنا لك


                  قال: فطافوا في الجبل حتى أشرفوا على القوم وهم في أماكنهم فعند ذلك قال: خذوهم بارك الله فيكم فأسرع إليهم المسلمون فقتلوا منهم ثلاثين وأسروا أربعة فسألهم خالد بن سعيد عن حالهم فإذا هم من أنباط الشام


                  فقالوا: نحن من أهل هذا البقيع والجامعة وكفار القرية وقد عظم علينا دخول العرب إلى بلادنا وقد فزعنا منهم فزعا عظيما، وقد هرب أكثرنا إلى الحصون والقلاع، وقد اعتصمنا نحن بهذا الجبل، لأنه ليس في الرستاق أحصن منه فعلونا عليه وأنتم كبستمونا.


                  قال خالد: فما بلغكم عن جيش الروم. قالوا: بأجنادين وهذا البطريق أقبل إلينا ليأخذ الميرة والعلوفة، وقد جمعوا له الدواب والبغال والحمير تحمل الميرة وهم مع ذلك خائفون أن تلحقهم خيل العرب،


                  وهذا خبر قومنا ولا شك أنهم رحلوا من يومهم،


                  قال: فلما سمع خالد بن سعيد مقالتهم،


                  قال: غنيمة للمسلمين ورب الكعبة،


                  ثم قال: اللهم انصرنا عليهم.

                  ثم سأل على أي طريق سار القوم قالوا: على هذه الطريق التي أنتم عليها لأنها أوسع الطرق كلها، وأما الميرة فإنها مجموعة من حول البلاد،



                  فلما سمع خالد كلامهم قال لهم: أسلموا فقالوا له: ما نعرف إلا دين الصليب، ونحن فلاحون قال: فهم خالد بقتلهم. فقال رجل من أصحابه: دعهم يدلونا على الطريق إلى ميرة القوم
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #24
                    فأجابوهم إلى ذلك وساروا وهم يدلونهم إلى تل عظيم.


                    قال: فتوافق القوم وهم يحملون دوابهم حول التل ومعهم ستمائة لابس من القوم،


                    فلما نظر خالد إلى ذلك قال لأصحابه: أعلموا أن الله تعالى قد وعدكم بالنصر على عدوكم وفرض عليكم الجهاد وهذا جيش العدو أمامكم فارغبوا في ثواب الله تعالى واسمعوا ما قال الله عز وجل: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " الصف: 4، وها أنا أحمل فاحملوا ولا يخرج أحد عن صاحبه.


                    ثم إن خالدا حمل وحمل أصحابه قال: فلما رأونا استقبلونا وانهزم من كان مع الدواب من الفلاحين وصبرت الخيل لقتالنا ساعة من النهار قال: فبينما ذو الكلاع الحميري يشجع أصحابه ويقول: يا أهل حمير أبواب الجنة فتحت والحور العين قد تزخرفت وإذا بصاحب القوم قد لقيه خاد فعرفه بلامته وحسن زيه.



                    قال: فاستقبله وصرخ فيه فأرعبه ثم قال: يا لثأر ولدي سعيد وطعنه طعنة صادقة فجندله صريعا كأنه برج من حديد وما بقي أحد إلا قتل من الروم.


                    قال: فلما رأى الروم ذلك ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وقتل منهم ثلاثمائة وعشرون فارسا وولى الباقون منهزمين وتركوا الأثقال والبغال والميرة وأخذ المسلمون الجميع بعون الله تعالى.


                    قال: وأطلق سراح الفلاحين وعاد خالد ومن معه بالغنائم والميرة إلى عمرو بن العاص ففرح بسلامتهم وشكر فعلهم وكتب كتابا إلى أبي بكر الصديق، وذكر له ما جرى مع الروم وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي رضي الله عنه وأخذه وقدم به المدينة وأعطاه أبا بكر الصديق رضي الله عنه.



                    فلما قرأه على المسلين فرحوا وضجوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، ثم إن أبا بكر استخبر عن أبي عبيدة.



                    فقال له عامر: إنه قد أشرف على أوائل الشام ولم يجسر على الدخول إليها وإنه سمع أن جيوش الملك قد اجتمعت من حول أجنادين وهم أمم لا تحصى وقد خاف على المسلمين أن يتوسط بهم عدوهم.


                    م إلى ذلك وساروا وهم يدلونهم إلى تل عظيم. قال: فتوافق القوم وهم يحملون دوابهم حول التل ومعهم ستمائة لابس من القوم، فلما نظر خالد إلى ذلك قال لأصحابه: أعلموا أن الله تعالى قد وعدكم بالنصر على عدوكم وفرض عليكم الجهاد وهذا جيش العدو أمامكم فارغبوا في ثواب الله تعالى واسمعوا ما قال الله عز وجل: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " الصف: 4، وها أنا أحمل فاحملوا ولا يخرج أحد عن صاحبه.


                    ثم إن خالدا حمل وحمل أصحابه قال: فلما رأونا استقبلونا وانهزم من كان مع الدواب من الفلاحين وصبرت الخيل لقتالنا ساعة من النهار قال: فبينما ذو الكلاع الحميري يشجع أصحابه ويقول: يا أهل حمير أبواب الجنة فتحت والحور العين قد تزخرفت وإذا بصاحب القوم قد لقيه خاد فعرفه بلامته وحسن زيه.


                    قال: فاستقبله وصرخ فيه فأرعبه ثم قال: يا لثأر ولدي سعيد وطعنه طعنة صادقة فجندله صريعا كأنه برج من حديد وما بقي أحد إلا قتل من الروم.


                    قال: فلما رأى الروم ذلك ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وقتل منهم ثلاثمائة وعشرون فارسا وولى الباقون منهزمين وتركوا الأثقال والبغال والميرة وأخذ المسلمون الجميع بعون الله تعالى.


                    قال: وأطلق سراح الفلاحين وعاد خالد ومن معه بالغنائم والميرة إلى عمرو بن العاص ففرح بسلامتهم وشكر فعلهم وكتب كتابا إلى أبي بكر الصديق، وذكر له ما جرى مع الروم وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي رضي الله عنه وأخذه وقدم به المدينة وأعطاه أبا بكر الصديق رضي الله عنه.


                    فلما قرأه على المسلين فرحوا وضجوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، ثم إن أبا بكر استخبر عن أبي عبيدة.



                    فقال له عامر: إنه قد أشرف على أوائل الشام ولم يجسر على الدخول إليها وإنه سمع أن جيوش الملك قد اجتمعت من حول أجنادين وهم أمم لا تحصى وقد خاف على المسلمين أن يتوسط بهم عدوهم.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #25
                      ما اعظم بلادنا العربية ونحن لا نعلم

                      سبحان الله

                      شكرا لك اخوي ابو فيصل دائمن متميز في موضيعك
                      [CENTER][B][SIZE=4][B][FONT=arial black][COLOR=#333333]۞۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞
                      ۞ *•.¸.•* بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ •¸ .*• ۞
                      ۞ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۞ اللَّهُ الصَّمَدُ ۞ لَمْ * • ۞
                      ۞ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۞ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ * • ۞
                      ۞ *•.¸.•**• *•.¸.•* *• ۞
                      ۞۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞[/COLOR][/FONT][/B][/SIZE][/B]

                      [/CENTER]

                      [CENTER][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=red]حجاجي :
                      [/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=blue][COLOR=red]أصل الكلمة:[/COLOR] هو القفيز اتخذه الحجاج ابن يوسف على صاع عمر بن الخطاب وهو مكيال إسلامي يستعمل في الوزن والكيل اثاء العصور الإسلامية.[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5]

                      [/SIZE][/FONT] [FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=red]الحجاجي يساوي صاعاً حسب رأي أهل العراق وصاع وثلاث اخماس الصاع حسب رأي أهل الحجاز.[/COLOR][/SIZE][/FONT]
                      [/CENTER]

                      تعليق


                      • #26
                        خالد بن الوليد في الشام


                        الموسوعة الشاملة - فتوح الشام
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #27
                          فلما سمع أبو بكر ذلك علم أن أبا عبيدة لين العريكة لا يصلح لقتال الروم وعول أن يكتب إلى خالد بن الوليد ليوليه على جيوش المسلمين وقتال الروم قال: واستشار المسلمين في ذلك فقالوا: الرأي ما تراه،


                          وكتب كتابا يقول فيه:


                          بسم الله الرحمن الرحيم،

                          من عبد الله عتيق بن أبي قحافة إلى خالد بن الوليد سلام عليك:

                          أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإني قد وليتك على جيوش المسلمين وأمرتك بقتال الروم وأن تسارع إلى مرضاة الله عز وجل وقتال أعداء الله، وكن ممن يجاهد في الله حق جهاده ثم كتب " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " الصف: 10، الآية

                          وقد جعلتك الأمير على أبي عبيدة ومن معه.


                          وبعث الكتاب مع نجم بن مقدم الكناني فركب على مطيته وتوجه إلى العراق فرأى خالدا رضي الله عنه قد أشرف على فتح القادسية فدفع إليه الكتاب فلما قرأه قال: السمع والطاعة لله ولخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتحل ليلا وأخذ طريقة عن اليمين وكتب كتابا إلى أبي عبيدة يخبره بعزله وبسيره إلى الشام، وقد ولاني أبو بكر على جيوش المسلمين فلا تبرح من مكانك حتى أقدم عليك والسلام.


                          وبعث الكتاب مع عامر بن الطفيل رضي الله عنه، وكان أحد أبطال المسلمين فأخذه وتوجه يطلب الشام.



                          وأما خالد فلما وصل إلى أرض السماوة قال: أيها الناس إن هذه الأرض لا تدخلونها إلا بالماء الكثير لأنها قليلة الماء ونحن في جيش عظيم والماء معكم قليل فكيف يكون الأمر؟

                          فقال له رافع بن عميرة الطائي رضي الله عنه: أيها الأمير إني أشير عليك بما تصنع، فقال: يا رافع أرشدك الله بما نصنع ووفقك الله مولانا جل وعلا للخير، قال: فأخذ رافع ثلاثين جملا وعطشها سبعة أيام ثم أوردها الماء فلما رويت حزم أفواهها،


                          ثم ركبوا المطايا وجنبوا الخيول وساروا فكانوا كلما نزلوا منزلا اخذوا عشرة من الإبل يشقون بطونها ويأخذون ما يجدون من الماء في بطونها فيجعلونه في حياض الادم، فإذا برد سقوه للخيل وأكلوا اللحم ولم يزالوا كذلك حتى تمت الإبل وفرغ الماء وقطعوا مرحلتين بلا ماء وأشرف خالد ومن معه على الهلاك.


                          فقال خالد لرافع بن عميرة: يا رافع قد أشرفنا على الهلاك والتلف أتعرف لنا ماء ننزل فيه.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #28
                            قال الواقدي:


                            وكان رافع رمدت عيناه.


                            فقال: أيها الأمير أتاني رمد كما ترى، ولكن إذا أشرفتم على أرض سهلة فأعلموني.


                            قال: فلما أشرفوا عليها أعلموا رافعا بذلك.


                            قال: فرفع طرف عمامته عن عينيه، وسار على راحلته يضرب يمينا وشمالا والناس من ورائه إلى أن أقبل على شجرة من الأراك فكبر وكبر المسلمون،


                            ثم قال:احفروا هنا.


                            قال: فحفرت العرب وإذ الماء قد طلع كالبحر، فنزل الناس عليه وشكروا الله تعالى وأثنوا عليه وعلى رافع خيرا، ثم وردوا الماء وسقوا خيلهم وإبلهم، ثم جذوا في طلب من انقطع من المسلمين ومعهم القرب بالماء.


                            قال: فسقوهم فارتجعت قوتهم.


                            ثم لحقوا بالجيش وأراحوا أنفسهم، ثم في ثاني يوم جدوا في المسير إلى أن بقي بينهم وبين أركة مرحلة واحدة، فبينما هم كذلك إذ أشرفوا على حلة عامرة وأغنام وإبل قد سدت الفضاء والمستوي، فأسرع المسلمون إلى الحلة وإذا براع يشرب الخمر وإلى جانبه رجل من العرب مشدود.



                            قال: فتبينه المسلمون وإذا هو عامر بن الطفيل الذي أرسله خالد. قال: فأقبل خالد بن الوليد مسرعا حتى وقف عليه، فلما رآه تبسم وقال: يا ابن الطفيل كيف كان سبب أسرك.



                            قال عامر: أيها الأمير إني أشرفت على هؤلاء القوم في هذه الحلة وقد أصابني الحر والعطش فملت إلى هذا الوادي ليسقيني من اللبن فوجدته يشرب خمرا. فقلت له: يا عدو الله أتشرب الخمر وهي محرمة.



                            فقال لي: يا مولاي إنها ليست بخمر وإنما هي ماء زلال، فأنزل كي تراه واستنشق ما في الجفنة فإن كان خمرا فافعل ما بدا لك، فلما سمعت كلامه أنخت المطية ونزلت عن كورها وجلست على ركبتي في الجفنة وإذا أنا بالعبد قد طلبني بعصا كانت إلى جانبه وضربني على رأسي فشجني شجة موضحة، فانقلبت على جانبي فأسرع العبد إلي وشدني كتافا وأوثقني رباط وقال لي: أظنك من أصحاب محمد بن عبد الله ولست أدعك من بين يدي أو يقدم سيدي من عند الملك.



                            فقلت له: ومن سيدك من العرب؟ فقال: القداح بن وائلة وإني عند هذا العبد كلما شرب الخمر أحضرني كما ترى وألقى علي فضلة من كأسه.


                            قال: فلما سمع خالد بن الوليد كلام عامر بن الطفيل اشتد به الغضب ومال على العبد وضرب ضربة هائلة فجندله صريعا ونهب المسلمون المال والأغنام والإبل وقلعوا الحلة بما فيها وأطلق عامرا وقال له: أين رسالتي يا عامر؟ فقال: يا مولاي هي في طرف عمامتي لم يعلم بها العبد. فقال خالد: انطلق بها يا عامر على بركة الله تعالى.



                            قال: فركب عامر وسار يطلب الشام وارتحل خالد من موضعه ذلك فنزل بأركة وهي رأس الأمانة لمن يخرج من العراق،

                            وكانت الروم تمسك بها القوافل وكان عليها بطريق من قبل الملك فأغار خالد عليها وأخذ ما كان فيها وتحصن أهلها بحصنها


                            وكان يسكن فيها حكيم من حكماء الروم وقد طالع الكتب القديمة والملاحم، فلما رأى المسلمين وجيشهم انتقع لونه وقال: اقترب الوقت وحق ديني. فقال أهل أركة: وكيف ذلك. قال: إن عندي ملحمة فيها ذكر هؤلاء القوم، وإن أول راية تشرف من خيلهم هي الراية المنصورة وقد دنا هلاك الروم، فانظروا إن كانت رايتهم سوداء وأميرهم عريض اللحية طويل ضخم بعيد ما بين المنكبين واسع الهيكل في وجهه أثر جدري لهو صاحب جيشهم في الشام وعلى يديه يكون الفتح.


                            ......................
                            التعديل الأخير تم بواسطة ابو فيصل الحربي; الساعة 2011-08-15, 03:37 AM.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #29
                              قال: فنظر القوم وإذا الراية على رأس خالد وهي كما قال حكيمهم.


                              قال: واجتمعوا على بطريقهم وقالوا له: أنت تعلم أن الحكيم سمعان لا ينطق إلا بالحق والحكمة وقد قال كذا وكذا.


                              والذي وصفه لنا رأيناه عيانا ونرى من الرأي أن نعقد بيننا وبين العرب صلحا ونأمن على حريمنا وأنفسنا.


                              فلما سمع ذلك بطريقهم قال: أخروني إلى غد لأرى من الرأي.


                              قال: فانصرفوا من عنده وبات البطريق يحدث نفسه ويدبر أمره وكان عارفا عاقلا خبيرا بالأمور، وقال: إن أنا خالفتهم خفت أن يسلموني للعرب، وقد تحقق أن روبيس سار بجيش عظيم فهزمهم العرب ولم يزل يراود نفسه إلى أن أصبح الصباح فدعا قومه.


                              وقال: على ماذا عولتم؟ قالوا: عولنا على أننا نقيم الصلح بيننا وبين العرب.



                              فقال البطريق: أنا واحد منكم مهما فعلتم لا أخالفكم.


                              قال: فخرج مشايخ أركة إلى خالد وكلموه في الصلح، فأجابهم إلى الصلح وألان الكلام لهم وتلقاهم بالرحب والسعة ليسمع بذلك أهل السخنة ويبلغ الخبر لأهل قدمة، وكان الوالي عليهم بطريق اسمه كوكب، فجمع رعيته وقال لهم: بلغني عن هؤلاء العرب أنهم فتحوا أركة والسخنة وأن قومنا يتحدثون بعدلهم وحسن سيرتهم وأنهم لا يطلبون الفساد وهذا حصن مانع لا سبيل لأحد علينا، ولكن نخاف على نخلنا وزرعنا، وما يضرنا أن نصالح العرب، فإن كان قومنا هم الغالبين فسخنا صلحهم، وإن كان العرب ظافرين كنا آمنين.


                              قال: ففرح قومه بذلك وهيئوا العلوفة والضيافة حتى خرج خالد. رضي الله عنه من أركة ونزل عليهم فخرجوا إليه بالخدمة وصالحهم على ثلثمائة أوقية من الذهب وكتب لهم كتابا بالصلح، ثم ارتحل عنها إلى حوران وبلغ عامر بن الطفيل كتاب خالد إلى أبي عبيدة، فلما قرأه تبسم وقال: السمع والطاعة لله تعالى ولخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعلم المسلمين بعزله وولاية خالد بن الوليد، وكان أبو عبيدة وجه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بصرى في أربعة آلاف فارس.



                              قال: فسار على فنائها، وكان على بصرى بطريق عظيم الشأن والقدر عند الملك وعند الروم اسمه روماس، وكان قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية، وكان يجتمع إليه الروم من أقصى بلادها ينظرون إلى عظيم خلقته ويسمعون ألفاظ حكمته، وكانت آهلة بالخلق عامرة بالناس، وكان فيها ألف فارس، وكان العرب يقصدونها ببضائعهم وتجارتهم من أقصى اليمين وبلاد الحجاز، فإذا كان في أيام الموسم ينصب لبطريقهم كرسي ليجلس عليه ويجتمع الناس إليه، ويستفيدون من علمه وحكمته، فبينما هم قد اجتمعوا إليه وقعت الضجة بقدوم شرحبيل بن حسنة وعسكره فبادر إلى جواده فركبه وصاح في قومه فأجابوه وقال: لا تتحدثوا حتى نسمع كلام القوم وما عندهم، ثم سار حتى قرب من شرحبيل بن حسنة وجيشه، ونادى: معشر المسلمين أنا روماس وإني أريد صاحبكم.



                              قال: فخرج إليه شرحبيل، فلما قرب منه قال البطريق: من أنتم.


                              قال شرحبيل: من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي القرشي الهاشمي المنعوت في التوراة والإنجيل فقال روماس: ما فعل الله به.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #30
                                فقال شرحبيل: قبضه الله إليه.


                                فقال البطريق: فمن ولي الأمر بعده.


                                قال: عتيق بن أبي قحافة بن بكر بن تيم بن مرة.


                                فقال روماس: وحق ديني لقد أعلم بأنكم على الحق ولا بد لكم أن تملكوا الشام والعراق وأنا أشفق عليكم إذ أنتم في جمع يسير ونحن في جمع كثير، ولكن ارجعوا إلى بلادكم فإنا لا نتعرض لكم.


                                واعلم يا أخا العرب أن بكر هو صاحبي ورفيقي ولو كان حاضرا ما قاتلني.


                                فقال شرحبيل: لو كنت ولده أو ابن عمه لما عفا عنه إلا أن يكون من أهل ملته، وليس له من الأمر شيء لأنه مكلف، وقد أمره الله أن يجاهدكم ولسنا نبرح عنكم إلا بإحدى ثلاث: إما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية، أو السيف.



                                فقال روماس: وحق ما أعتقده من ديني: لو كان الأمر إلي أقاتلكم لأني أعلم أنكم على حق، وهؤلاء طواغية الروم وقوم مجتمعون، وإني أريد أن أرجع إليهم وأنظر ما عندهم.


                                فقال شرحبيل: ارجع إليهم فلا بد لكم بما ذكرت.


                                قال: فعاد روماس إلى قومه وجمعهم، وقال: يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية الذي كنتم تعتقدونه في كتبكم من الخروج من بلادكم ودياركم ونهب أموالكم قد قرب وهذا وقته وزمانه ولستم بأعظم جيشا من روبيس سار إلى شرذمة من العرب بأرض فلسطين.

                                فقتل وقتل من معه وانهزم الباقون، ولقد بلغني أن رجلا منهم قد خرج أرض السماوة صوب العراق اسمه خالد بن الوليد وقد فتح أركة والسخنة وتدمر وحوران، وهو عن قريب يحضر إليكم، والصواب أن تؤدوا الجزية عن يد إلى هؤلاء العرب وينصرفون عنكم.


                                قال: فلما سمع قومه ذلك غضبوا وشوشوا وهموا بقتله.


                                فقال روماس: يا قوم إنما أردت أن أختبركم، وأرى حمية دينكم والآن دونكم والقوم وأنا أولكم.


                                قال: فرجعت الروم إلى عددها وعديدها وتظاهروا بالدروع البيض وقادوا الجنائب وتهيئوا للحملة.


                                فلما رأى شرحبيل بن حسنة ذلك وعظ أصحابه. وقال: اعلموا رحمكم الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الجنة تحت ظلال السيوف " وأحب ما قرب إلى الله قطرة دم في سبيل الله أو دمعة جرت في جوف الليل من خشية الله؟. قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران: 102، ثم حمل وحمل المسلمون على جيش بصرى.


                                قال عبد الله بن عدي: واجتمع علينا العدو وطمعوا فينا، وحملوا علينا في اثني عشر ألف فارس من الروم، ونحن فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وصبرنا لهم صبر الكرام، ولم يزل القتال بيننا وبينهم إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك، وقد طمع العدو فينا، فرأيت شرحبيل بن حسنة قد رفع يده إلى السماء وهو يقول: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصرنا على القوم الكافرين.


                                قال: فوالله ما استتم شرحبيل كلامه ودعاءه حتى جاء النصر من عند الله العزيز الحكيم، وذلك أن القوم داروا بنا فرأينا غبرة قد أشرفت علينا من صوب حوران. فلما قربت لنا رأينا تحتها سوابق الخيل، فلاحت لنا الأعلام الإسلامية والرايات المحمدية، وقد سبق إلينا فارسان: أحدهما ينادي ويزعق: يا شرحبيل يا ابن حسنة أبشر بالنصر لدين الله، أنا الفارس الصنديد والبطل المجيد، أنا خالد بن الوليد، والآخر يزعق ويقول: أنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأشرفت العساكر من كل جانب.
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X