خلق الكبار
نماذج موضيئة في الزمن الصعب
الحوار الاخير بين الاستاذ خيرت الشاطر والعادلى
بعد قضائه أكثر من أربع سنوات من السنوات السبع التي حُكم بها عليه النظام البائد، وقبل مغادرة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، سجن طره، استقبله مأمور السجن في مكتبه ليهنِّئه ويودِّعه، وقال له: أعرف أنكم ظُلمتم كثيرًا، وأنا على استعداد لتلبية أية خدمة تطلبونها في أي وقت.
لمعت في رأس الشاطر فكرة، فقال للمأمور: أريد منك خدمةً شخصيةً صغيرةً، وعلى الرغم من دهشته لأنه لم يتعوَّدْ منهم على الطلبات الشخصية، فإنه أجابه على الفور: تحت أمرك. قال الشاطر: أريد زيارة حبيب العادلي.
ردَّ المأمور: ألا تعتقد أن هذا الأمر خارج عن صلاحياتي؟! أجابه الشاطر: يمكنك أن ترسل للعادلي في زنزانته من يستأذنه.
قبل المأمور الفكرة، واستدعى أحد ضباطه، وطلب منه أن يذهب للعادلي، وكانت المفاجأة أن هذا الضابط عاد على الفور يحمل الموافقة التي أدهشت الجميع.
فُتحت الزنزانة، وسُمح للشاطر بالدخول على العادلي، ودار بينهما الحوار التالي:
الشاطر: السلام عليكم.
العادلي (يحدق في الشاطر): رغم كل هذه السنوات لم تتغير ملامحك كثيرًا، فقط ازداد الشيب في شعرك، كنت أنظر إليك من خلال كاميرات لاظوغلي أثناء تحقيقات أمن الدولة معك، (يضحك بأسى) وبعد هذه الزيارة لن أراك إلا من خلال التليفزيون المصري، أنت تذكِّرني بيوسف الصديق.
الشاطر: أنا جئت..
العادلي: (مقاطعًا) أعرف أنك تريد أن تشمت بي، ولهذا السبب سمحت لك بزيارتي.
الشاطر: أولاً: الشماتة ليست من أخلاقنا، فهذه ليست أول مرة يدخل معنا السجن من قام بسجننا، ولعلك تذكر صلاح نصر ورفاقه الذين لم نشمت فيهم، ثانيًا: لماذا سمحت لي بالزيارة وأنت تظن أنني سأشمت بك؟!
العادلي: لأن ما حدث لي كان بسببكم.
الشاطر: نحن؟!
العادلي: لقد كنت أقوى وزير داخلية في العالم كله قديمًا وحديثًا، أكثر من مليون ونصف المليون رجل شرطة ينتظرون إشارة من أصبعي في أية لحظة، لم يكن يُعيَّن خفير أو مدير أو وزير، معيد أو عميد، إلا بإذن كتابي صريح من رجالي.. الرئيس لا يثق إلا في تقاريري حتى لو كانت ملفَّقةً، وما مَدْحُه لنا قبل الأحداث الأخيرة بيومين فقط إلا دليل على ذلك، ثم يحدث لي ما حدث، أنا على يقين أنها لم تكن قوة عادية أبدًا أبدًا.
الشاطر: ماذا تقصد؟!
العادلي: إنها السهام التي لا تخطئ.. إنها دعواتكم التي لم أستطع منعها أو التصدي لها، ولهذا سمحت لك برؤيتي على هذه الحال، لتشمت بي لعل هذا يرضيك ويجعلك تكف عن الدعاء عليّ.
الشاطر: ولماذا تظن أن دعائي هو الذي سبب لك هذا؟!
العادلي (يضحك بأسى): ألا تعرف التهمة التي أدخلتني هنا؟! إنها نفس التهمة التي لفقتها لك وأدخلتك بها هذا السجن: غسيل الأموال، على الرغم من أن هناك تهمًا أفظع يُحقق معي فيها كقتل المتظاهرين، لكنني لم أدخل في البداية إلى هنا إلا بتهمة غسيل الأموال، هل تريد دليلاً أكثر من هذا؟
الشاطر: هذه حكمة الله تعالى التي يجب أن نتعلم منها.
العادلي: لكنني لم أتعلم، لم أتعلم مما حدث للوزراء من قبلي: النبوي إسماعيل، زكي بدر، عبد الحليم موسى، وصولاً إلى هامان.
الشاطر: ما عليك الآن إلا التوبة.
العادلي: أظن أن توبتي غير مقبولة، فهي كالتوبة التي أعلنها فرعون حين أدركه الغرق.
الشاطر: أكثر من الاستغفار، فرحمة الله واسعة.
العادلي: أحس كأن الملائكة تضع طينًا في فمي، فأعجز عن النطق بكلمات الاستغفار.
الشاطر: من داوم قرع الباب فُتح له.
العادلي: أعطني مصحفك، لعلي أفهمه كما فهمتموه أنتم.
الشاطر (يخرجه من جيبه ويعطيه له): تفضل، لكنك لم تعرف حتى الآن لماذا جئتُ إليك.
العادلي: لماذا؟!
الشاطر: جئت لأخبرك أنني سامحتك، وليت الأمر بيدي، كنتُ طلبت من الشعب المصري كله أن يسامحك.
بعد قضائه أكثر من أربع سنوات من السنوات السبع التي حُكم بها عليه النظام البائد، وقبل مغادرة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، سجن طره، استقبله مأمور السجن في مكتبه ليهنِّئه ويودِّعه، وقال له: أعرف أنكم ظُلمتم كثيرًا، وأنا على استعداد لتلبية أية خدمة تطلبونها في أي وقت.
لمعت في رأس الشاطر فكرة، فقال للمأمور: أريد منك خدمةً شخصيةً صغيرةً، وعلى الرغم من دهشته لأنه لم يتعوَّدْ منهم على الطلبات الشخصية، فإنه أجابه على الفور: تحت أمرك. قال الشاطر: أريد زيارة حبيب العادلي.
ردَّ المأمور: ألا تعتقد أن هذا الأمر خارج عن صلاحياتي؟! أجابه الشاطر: يمكنك أن ترسل للعادلي في زنزانته من يستأذنه.
قبل المأمور الفكرة، واستدعى أحد ضباطه، وطلب منه أن يذهب للعادلي، وكانت المفاجأة أن هذا الضابط عاد على الفور يحمل الموافقة التي أدهشت الجميع.
فُتحت الزنزانة، وسُمح للشاطر بالدخول على العادلي، ودار بينهما الحوار التالي:
الشاطر: السلام عليكم.
العادلي (يحدق في الشاطر): رغم كل هذه السنوات لم تتغير ملامحك كثيرًا، فقط ازداد الشيب في شعرك، كنت أنظر إليك من خلال كاميرات لاظوغلي أثناء تحقيقات أمن الدولة معك، (يضحك بأسى) وبعد هذه الزيارة لن أراك إلا من خلال التليفزيون المصري، أنت تذكِّرني بيوسف الصديق.
الشاطر: أنا جئت..
العادلي: (مقاطعًا) أعرف أنك تريد أن تشمت بي، ولهذا السبب سمحت لك بزيارتي.
الشاطر: أولاً: الشماتة ليست من أخلاقنا، فهذه ليست أول مرة يدخل معنا السجن من قام بسجننا، ولعلك تذكر صلاح نصر ورفاقه الذين لم نشمت فيهم، ثانيًا: لماذا سمحت لي بالزيارة وأنت تظن أنني سأشمت بك؟!
العادلي: لأن ما حدث لي كان بسببكم.
الشاطر: نحن؟!
العادلي: لقد كنت أقوى وزير داخلية في العالم كله قديمًا وحديثًا، أكثر من مليون ونصف المليون رجل شرطة ينتظرون إشارة من أصبعي في أية لحظة، لم يكن يُعيَّن خفير أو مدير أو وزير، معيد أو عميد، إلا بإذن كتابي صريح من رجالي.. الرئيس لا يثق إلا في تقاريري حتى لو كانت ملفَّقةً، وما مَدْحُه لنا قبل الأحداث الأخيرة بيومين فقط إلا دليل على ذلك، ثم يحدث لي ما حدث، أنا على يقين أنها لم تكن قوة عادية أبدًا أبدًا.
الشاطر: ماذا تقصد؟!
العادلي: إنها السهام التي لا تخطئ.. إنها دعواتكم التي لم أستطع منعها أو التصدي لها، ولهذا سمحت لك برؤيتي على هذه الحال، لتشمت بي لعل هذا يرضيك ويجعلك تكف عن الدعاء عليّ.
الشاطر: ولماذا تظن أن دعائي هو الذي سبب لك هذا؟!
العادلي (يضحك بأسى): ألا تعرف التهمة التي أدخلتني هنا؟! إنها نفس التهمة التي لفقتها لك وأدخلتك بها هذا السجن: غسيل الأموال، على الرغم من أن هناك تهمًا أفظع يُحقق معي فيها كقتل المتظاهرين، لكنني لم أدخل في البداية إلى هنا إلا بتهمة غسيل الأموال، هل تريد دليلاً أكثر من هذا؟
الشاطر: هذه حكمة الله تعالى التي يجب أن نتعلم منها.
العادلي: لكنني لم أتعلم، لم أتعلم مما حدث للوزراء من قبلي: النبوي إسماعيل، زكي بدر، عبد الحليم موسى، وصولاً إلى هامان.
الشاطر: ما عليك الآن إلا التوبة.
العادلي: أظن أن توبتي غير مقبولة، فهي كالتوبة التي أعلنها فرعون حين أدركه الغرق.
الشاطر: أكثر من الاستغفار، فرحمة الله واسعة.
العادلي: أحس كأن الملائكة تضع طينًا في فمي، فأعجز عن النطق بكلمات الاستغفار.
الشاطر: من داوم قرع الباب فُتح له.
العادلي: أعطني مصحفك، لعلي أفهمه كما فهمتموه أنتم.
الشاطر (يخرجه من جيبه ويعطيه له): تفضل، لكنك لم تعرف حتى الآن لماذا جئتُ إليك.
العادلي: لماذا؟!
الشاطر: جئت لأخبرك أنني سامحتك، وليت الأمر بيدي، كنتُ طلبت من الشعب المصري كله أن يسامحك.
العادلي: بعد 12 سنة قضيتها في السجون، تأتي وتقول لي هذا الكلام.. الوداع يا أنبل الناس.. الوداع..
(يمد العادلي يده مصافحًا ثم يحتضن الشاطر، فيغلبهما البكاء، العادلي يبكي ندمًا، والشاطر يبكي تأثرًا).
خلق الكبار