النار الفارسية
مؤلف هذا الكتاب هو المؤرخ والباحث الانجليزي توم هولانه، وهو هنا يقدم صورة تاريخية معمقة عن الامبراطورية الفارسية وكيف حاولت التوسع غرباً عن طريق شن الحرب على اليونان، اي أسبارطة وأثينا أساساً، وقد جرت تلك الحرب قبل 2500 سنة: أي عام 500 قبل الميلاد. والواقع ان الامبراطورية الفارسية كانت تعتبر اسبارطة وأثينا وغيرهما من الجزر اليونانية بمثابة دول مارقة كما نقول الآن، أو بمثابة دول إرهابية ينبغي القضاء عليها.
ثم يردف المؤلف قائلاً بما معناه:ولم تكن القوة العظمى آنذاك أميركا لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد أو سمع الناس باسمها أصلاً، وانما كانت بلاد فارس المحكومة من قبل الأكاسرة والملوك، فقد استطاعوا تأسيس أول امبراطورية في التاريخ، وكانت غنية برجالها وذهبها وطموحاتها العظمى.
وكانت اسبارطة وأثينا آنذاك دولتين صغيرتين فقيرتين تقعان في مناطق الجبال الوعرة، ومع ذلك فقد استطاعت دحر الجيوش الفارسية والانتصار على أكبر امبراطورية عظمى في ذلك الزمان!
ثم يقدم المؤلف لمحة تاريخية عامة عن كل من الامبراطورية الفارسية والمدن اليونانية على التوالي، وهو يقول بما معناه: من أشهر ملوك الفرس في ذلك الزمان سايروس وداريوس.
وقد استطاعوا ان يضموا الى امبراطوريتهم حضارات شاسعة واسعة: كالحضارة البابلية »أي منطقة وادي الرافدين أو ما ندعوه بالعراق حالياًَ« وكسوريا، ومصر وآسيا الصغرى »تركيا حالياً«، وبعض المدن والجزر الاغريقية، بل وحتى بعض أجزاء من الهند! كانت أول امبراطورية في التاريخ وأعظم امبراطورية بعدئذ لحقتها الامبراطورية الرومانية وحلت محلها.
ويقال بأن الفاتح الأكبر الاسكندر المقدوني كان معجباً جداً بهذين الملكين سايروس وداريوس اللذين أسسا الامبراطورية الفارسية، وعندما فتح بلاد فارس طلب من السكان المحليين ان يقودوه الى قبرهما لكي يخشع لحظة أمامهما.
وهذا ختم داريوس
[ثم طلب من المرافقين ان يترجموا له ما هو مكتوب على قبر داريوس فقالوا له: مكتوب عليه ما يلي: »لقد كنت صديقاً مخلصاً لأصدقائي«. وقد أصبحت أفضل فارس في العالم، وكنت أفضل نبال أو رامي سهام في ساح الوغى، وكنت ملك الصيادين، لقد عرفت كل شيء وأقتدرت على كل شيء وهذا دليل على أنه كان امبراطوراً حليماً شجاعاً وحكيماً.
ولم يكن طاغية بشكل أعمى لأنه كان يحترم اصدقاءه، أي الشعوب الأخرى الخاضعة لحكمه كالبابليين، والسوريين، والمصريين، الخ. ولكنه كان مخشياً مطاعاً أيضاً.
وأما مدينة اسبارطة فقد كانت إحدى القوى الكبرى في العصور القديمة على الرغم من صغر دولتها ومساحتها، لقد كانت قوة عسكرية لا يستهان بها طيلة قرنين من الزمان، أي بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد.
وكانت مشهورة بتدريسها العسكري الصارم لضباطها وجنودها، وهنا يكمن سر نجاحها في الحروب، فقد كانت تربي الطفل منذ سن السابعة على مبادىء التدريب العسكري وتتدرج به في المراحل حتى تصل به الى سن الرجولة، وكانت تفصل الطفل عن عائلته لكي ترسله الى أحد معسكرات التدريب الخاصة بالتمارين العسكرية.
وكانت تركز على الرياضة والتربية الجسدية اتباعاً للمبدأ القائل بأن العقل السليم في الجسم السليم، وكان الجنود يتعرضون لامتحانات قاسية لمعرفة مدى صلابتهم، وأشهر هذه الامتحانات هي تركهم في الجبال الوعرة وحيدين لكي يدبروا أمر أنفسهم بأنفسهم وهم مسلحون بسكين فقط، وكانوا يضطرون للسرقة من أجل الأكل أو البقاء على قيد الحياة، وكانوا أحياناً يصارعون الوحوش.
ومن ينجح في هذا الامتحان يصبح جندياً شجاعاً ويرفع الى أعلى المراتب في الجيش الاسبارطي، وعندئذ يصبح قادراً على مواجهة ألد الأعداء وأكثرهم شراسة.
أما النظام السياسي السائد في اسبارطة فكان: الأوليغارشية، صحيح ان جميع المواطنين كانوا يستطيعون المشاركة في مداولات المجلس التمثيلي للشعب، ولكن السلطة كانت في الواقع في يد أقلية قليلة منهم، هي فئة الأغنياء.
وأما دين اسبارطة فكان هو نفسه دين بقية اليونانيين بمعنى أنهم كانوا يعبدون نفس الآلهة المذكورة في أساطير اليونان وكبتهم وكان المجتمع الاسبارطي مكوناً من أربع فئات أو طبقات اجتماعية: أولها وأعلاها طبقة المواطنين: أي الذين يتمتعون بكل حقوق المواطنية تأتي بعدهم مباشرة طبقة النساء اللواتي كن يلعبن دوراً كبيراً في تربية الأطفال أثناء غياب الرجال.
ثم تجيء بعدئذ طبقة الفلاحين الذين يعيشون في الأرياف القريبة وكانوا يعتبرون أحراراً ولكن بدون أن يحصلوا على مرتبة المواطنية بشكل كامل نقول ذلك على الرغم من أنهم كانوا يجندونهم في الجيش إذا ما لزم الأمر.
ثم تأتي أخيراً وفي أسفل السلم الهرمي طبقة العبيد وهم أناس غير أحرار بالطبع وتكمن مهمتهم في فلاحة الأرض وزراعتها وتقديم المحاصيل للمواطنين أو للرجال الأحرار الذين لا يمكن ان ينزلوا إلى مستوى الاشتغال في الأرض كفلاحين.
ثم يتحدث المؤلف عن علاقة اسبارطة بأثينا ويقول: على مدار التاريخ تحاربت اسبارطة وأثينا لقد دخلتا في حروب أهلية وأخوية أدت إلى تدميرهما وتمزيقهما وهذا ما حصل أثناء الحرب البيلوبونية الشهيرة التي استمرت أكثر من ربع قرن (431 قبل الميلاد ـــ 404 قبل الميلاد) وفي الجزء الأول من هذه الحرب انتصرت أثينا ولكن اسبارطة هزمتها في نهاية المطاف بعد أن حاصرتها وأذلتها.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ولكن كان يحصل أحياناً أن تتحالف هاتان الدولتان مع بعضهما البعض لدرء الخطر الخارجي. وهذا ما حصل عندما تحالفتا في الحرب الميدية ضد الإمبراطورية الفارسية بل ونشبت حربان عندئذ لا حرب واحدة.
وفي أثناء الحرب الثانية حصلت حادثة شهيرة فقد ضحى ثلاثمئة جندي سبارطي بأنفسهم من أجل تأخير تقدم القوات الفارسية وإتاحة الفرصة للقوات اليونانية لكي تنسحب بكل أمان ولولا ذلك لدمرت عن بكرة أبيها وقد ذهبت هذه الحادثة مثلاً أو قل ضربت مثلاً على شجاعة الاسبارطيين أو بسالتهم في ساح الوغى.
وفي أثناء تلك المعركة لم يترك الفرس للجنود الاسبارطيين أي فرصة للخروج من المأزق وقد وصف المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت هذه الواقعة بالقول: لقد كانت رماح الفرس أو سهامهم تتطاير في الهواء إلى درجة أنها حجبت الشمس!! وهي صورة شعرية رائعة لا تقل أهمية عن تصوير المتنبي لمعارك سيف الدولة الحمداني.
وأما أثينا فقد شكلت أكبر حضارة فلسفية وديمقراطية في العصور القديمة ففيها ظهر أرسطو وأفلاطون وأرسطو وكبار الكتاب والشعراء من أمثال هوميروس وسوفوكلوس، إلخ.
ولكن الحروب البيلوبونية التي خاضتها ضد اسبارطة دمرتها وأدت إلى احتضار الديمقراطية فيها وعودة النظام الديكتاتوري بدءاً من عام 404 قبل الميلاد وهكذا انهارت حضارتها التي كانت قد تألقت لفترة طويلة قبل ذلك.
ثم يعود المؤلف إلى كيفية تشكل الإمبراطورية الفارسية ويقول بما معناه: في بداية القرن السابع قبل الميلاد كانت القبائل الفارسية المستقرة في منطقة فارس مشكلة على هيئة دولة صغيرة تحت حكم الملك اخيمينيس.
ثم كبرت هذه الدولة في منتصف القرن السادس قبل الميلاد على يد الملك كسرى الثاني الذي كان من أعظم الملوك وهو الذي أسس الإمبراطورية الفارسية التي شهدت أكبر توسع لها في عهد خلفه داريوس العظيم.
وعندئذ راحت الإمبراطورية الفارسية تمتد من حدود ليبيا إلى حدود الهند والسند ومن حدود تركيا إلى جنوب مصر والسودان. وهكذا تشكلت إمبراطورية تضم للمرة الأولى في التاريخ كل منطقة الشرق الأدنى والشرق الأوسط وأصبحت واقعة تحت حكم رجل واحد هو: ملك الفرس أو الشاهنشاه: أي ملك الملوك.
وكان هذا الملك مبجلاً من قبل رعيته وكأنه يشبه الآلهة القديمة وقد أحيط شخصه بهالة من التعظيم قل نظيرها في التاريخ ولكنه مع ذلك ترك للشعوب التابعة له حرية حكم أنفسها بأنفسها بشرط أن تظل تابعة له وقد ظلت لها أديانها الخاصة وعاداتها وتقاليدها.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ويمكن القول بأن انحطاط الإمبراطورية الفارسية يمكن تفسيره بنفس الأسباب التي أدت إلى انحطاط كل الإمبراطوريات: أي ضعف الحكومة المركزية تمرد الشعوب المفتوحة والتابعة كاليونانيين والمصريين، ثم بالأخص هزيمة الإمبراطورية أمام اسبارطة وأثينا أثناء الحروب الميدية.
فلم يكن من السهل على امبراطورية كبرى أن تهزم أمام دول صغرى بالقياس لها. هكذا تضافرت عدة عوامل وأدت إلى انهيار الامبراطورية الفارسية.
ولكن ذلك لم يحصل فوراً أو بين عشية وضحاها والواقع أنه عندما ظهر الإسلام كانت هناك إمبراطوريتان تحكمان العالم: الإمبراطورية الفارسية، والإمبراطورية البيزنطية، ومعلوم ان العرب كانوا تابعين إما لهذه وإما لتلك.
فاللخميون في الحيرة كانوا تابعين للفرس والغساسنة في الشام كانوا تابعين للبيزنطيين ولكن الإسلام استطاع توحيد العرب وتشكيل قوة كبرى في ظرف سنوات معدودات ثم راح يفتح البلدان ويتوسع على حساب كلتا الإمبراطوريتين حتى قضى عليهما كليهما في نهاية المطاف وجعلهما نسياً منسياً. وهنا تكمن عظمة الإسلام.
مهما يكن من أمر فإن من يريد أن يفهم الصراعات التي جرت قبل الإسلام في تلك المنطقة الكبيرة من العالم فإن عليه ان يقرأ هذا الكتاب والواقع أن الفرس لم يستطيعوا فيما بعد تشكيل إمبراطورية ضخمة بمثل هذا الحجم حتى اليوم ولهذا السبب فإن أمجادهم وراءهم بشكل من الأشكال ولكنهم لا يزالون يحنون إليها.
ثم حل محلهم الأتراك لاحقاً وشكلوا إمبراطورية واسعة تحت هيمنة العثمانيين وهكذا نلاحظ أن العرب والفرس والأتراك هم أصحاب إمبراطوريات وأن التنافس بينهم كان موجوداً منذ قديم الأزمان ولا يزال.
الكتاب: النار الفارسية
الإمبراطورية الفارسية العالمية
والمعركة من أجل السيطرة على الغرب
مؤلف هذا الكتاب هو المؤرخ والباحث الانجليزي توم هولانه، وهو هنا يقدم صورة تاريخية معمقة عن الامبراطورية الفارسية وكيف حاولت التوسع غرباً عن طريق شن الحرب على اليونان، اي أسبارطة وأثينا أساساً، وقد جرت تلك الحرب قبل 2500 سنة: أي عام 500 قبل الميلاد. والواقع ان الامبراطورية الفارسية كانت تعتبر اسبارطة وأثينا وغيرهما من الجزر اليونانية بمثابة دول مارقة كما نقول الآن، أو بمثابة دول إرهابية ينبغي القضاء عليها.
ثم يردف المؤلف قائلاً بما معناه:ولم تكن القوة العظمى آنذاك أميركا لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد أو سمع الناس باسمها أصلاً، وانما كانت بلاد فارس المحكومة من قبل الأكاسرة والملوك، فقد استطاعوا تأسيس أول امبراطورية في التاريخ، وكانت غنية برجالها وذهبها وطموحاتها العظمى.
وكانت اسبارطة وأثينا آنذاك دولتين صغيرتين فقيرتين تقعان في مناطق الجبال الوعرة، ومع ذلك فقد استطاعت دحر الجيوش الفارسية والانتصار على أكبر امبراطورية عظمى في ذلك الزمان!
ثم يقدم المؤلف لمحة تاريخية عامة عن كل من الامبراطورية الفارسية والمدن اليونانية على التوالي، وهو يقول بما معناه: من أشهر ملوك الفرس في ذلك الزمان سايروس وداريوس.
وقد استطاعوا ان يضموا الى امبراطوريتهم حضارات شاسعة واسعة: كالحضارة البابلية »أي منطقة وادي الرافدين أو ما ندعوه بالعراق حالياًَ« وكسوريا، ومصر وآسيا الصغرى »تركيا حالياً«، وبعض المدن والجزر الاغريقية، بل وحتى بعض أجزاء من الهند! كانت أول امبراطورية في التاريخ وأعظم امبراطورية بعدئذ لحقتها الامبراطورية الرومانية وحلت محلها.
ويقال بأن الفاتح الأكبر الاسكندر المقدوني كان معجباً جداً بهذين الملكين سايروس وداريوس اللذين أسسا الامبراطورية الفارسية، وعندما فتح بلاد فارس طلب من السكان المحليين ان يقودوه الى قبرهما لكي يخشع لحظة أمامهما.
وهذا ختم داريوس
[ثم طلب من المرافقين ان يترجموا له ما هو مكتوب على قبر داريوس فقالوا له: مكتوب عليه ما يلي: »لقد كنت صديقاً مخلصاً لأصدقائي«. وقد أصبحت أفضل فارس في العالم، وكنت أفضل نبال أو رامي سهام في ساح الوغى، وكنت ملك الصيادين، لقد عرفت كل شيء وأقتدرت على كل شيء وهذا دليل على أنه كان امبراطوراً حليماً شجاعاً وحكيماً.
ولم يكن طاغية بشكل أعمى لأنه كان يحترم اصدقاءه، أي الشعوب الأخرى الخاضعة لحكمه كالبابليين، والسوريين، والمصريين، الخ. ولكنه كان مخشياً مطاعاً أيضاً.
وأما مدينة اسبارطة فقد كانت إحدى القوى الكبرى في العصور القديمة على الرغم من صغر دولتها ومساحتها، لقد كانت قوة عسكرية لا يستهان بها طيلة قرنين من الزمان، أي بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد.
وكانت مشهورة بتدريسها العسكري الصارم لضباطها وجنودها، وهنا يكمن سر نجاحها في الحروب، فقد كانت تربي الطفل منذ سن السابعة على مبادىء التدريب العسكري وتتدرج به في المراحل حتى تصل به الى سن الرجولة، وكانت تفصل الطفل عن عائلته لكي ترسله الى أحد معسكرات التدريب الخاصة بالتمارين العسكرية.
وكانت تركز على الرياضة والتربية الجسدية اتباعاً للمبدأ القائل بأن العقل السليم في الجسم السليم، وكان الجنود يتعرضون لامتحانات قاسية لمعرفة مدى صلابتهم، وأشهر هذه الامتحانات هي تركهم في الجبال الوعرة وحيدين لكي يدبروا أمر أنفسهم بأنفسهم وهم مسلحون بسكين فقط، وكانوا يضطرون للسرقة من أجل الأكل أو البقاء على قيد الحياة، وكانوا أحياناً يصارعون الوحوش.
ومن ينجح في هذا الامتحان يصبح جندياً شجاعاً ويرفع الى أعلى المراتب في الجيش الاسبارطي، وعندئذ يصبح قادراً على مواجهة ألد الأعداء وأكثرهم شراسة.
أما النظام السياسي السائد في اسبارطة فكان: الأوليغارشية، صحيح ان جميع المواطنين كانوا يستطيعون المشاركة في مداولات المجلس التمثيلي للشعب، ولكن السلطة كانت في الواقع في يد أقلية قليلة منهم، هي فئة الأغنياء.
وأما دين اسبارطة فكان هو نفسه دين بقية اليونانيين بمعنى أنهم كانوا يعبدون نفس الآلهة المذكورة في أساطير اليونان وكبتهم وكان المجتمع الاسبارطي مكوناً من أربع فئات أو طبقات اجتماعية: أولها وأعلاها طبقة المواطنين: أي الذين يتمتعون بكل حقوق المواطنية تأتي بعدهم مباشرة طبقة النساء اللواتي كن يلعبن دوراً كبيراً في تربية الأطفال أثناء غياب الرجال.
ثم تجيء بعدئذ طبقة الفلاحين الذين يعيشون في الأرياف القريبة وكانوا يعتبرون أحراراً ولكن بدون أن يحصلوا على مرتبة المواطنية بشكل كامل نقول ذلك على الرغم من أنهم كانوا يجندونهم في الجيش إذا ما لزم الأمر.
ثم تأتي أخيراً وفي أسفل السلم الهرمي طبقة العبيد وهم أناس غير أحرار بالطبع وتكمن مهمتهم في فلاحة الأرض وزراعتها وتقديم المحاصيل للمواطنين أو للرجال الأحرار الذين لا يمكن ان ينزلوا إلى مستوى الاشتغال في الأرض كفلاحين.
ثم يتحدث المؤلف عن علاقة اسبارطة بأثينا ويقول: على مدار التاريخ تحاربت اسبارطة وأثينا لقد دخلتا في حروب أهلية وأخوية أدت إلى تدميرهما وتمزيقهما وهذا ما حصل أثناء الحرب البيلوبونية الشهيرة التي استمرت أكثر من ربع قرن (431 قبل الميلاد ـــ 404 قبل الميلاد) وفي الجزء الأول من هذه الحرب انتصرت أثينا ولكن اسبارطة هزمتها في نهاية المطاف بعد أن حاصرتها وأذلتها.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ولكن كان يحصل أحياناً أن تتحالف هاتان الدولتان مع بعضهما البعض لدرء الخطر الخارجي. وهذا ما حصل عندما تحالفتا في الحرب الميدية ضد الإمبراطورية الفارسية بل ونشبت حربان عندئذ لا حرب واحدة.
وفي أثناء الحرب الثانية حصلت حادثة شهيرة فقد ضحى ثلاثمئة جندي سبارطي بأنفسهم من أجل تأخير تقدم القوات الفارسية وإتاحة الفرصة للقوات اليونانية لكي تنسحب بكل أمان ولولا ذلك لدمرت عن بكرة أبيها وقد ذهبت هذه الحادثة مثلاً أو قل ضربت مثلاً على شجاعة الاسبارطيين أو بسالتهم في ساح الوغى.
وفي أثناء تلك المعركة لم يترك الفرس للجنود الاسبارطيين أي فرصة للخروج من المأزق وقد وصف المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت هذه الواقعة بالقول: لقد كانت رماح الفرس أو سهامهم تتطاير في الهواء إلى درجة أنها حجبت الشمس!! وهي صورة شعرية رائعة لا تقل أهمية عن تصوير المتنبي لمعارك سيف الدولة الحمداني.
وأما أثينا فقد شكلت أكبر حضارة فلسفية وديمقراطية في العصور القديمة ففيها ظهر أرسطو وأفلاطون وأرسطو وكبار الكتاب والشعراء من أمثال هوميروس وسوفوكلوس، إلخ.
ولكن الحروب البيلوبونية التي خاضتها ضد اسبارطة دمرتها وأدت إلى احتضار الديمقراطية فيها وعودة النظام الديكتاتوري بدءاً من عام 404 قبل الميلاد وهكذا انهارت حضارتها التي كانت قد تألقت لفترة طويلة قبل ذلك.
ثم يعود المؤلف إلى كيفية تشكل الإمبراطورية الفارسية ويقول بما معناه: في بداية القرن السابع قبل الميلاد كانت القبائل الفارسية المستقرة في منطقة فارس مشكلة على هيئة دولة صغيرة تحت حكم الملك اخيمينيس.
ثم كبرت هذه الدولة في منتصف القرن السادس قبل الميلاد على يد الملك كسرى الثاني الذي كان من أعظم الملوك وهو الذي أسس الإمبراطورية الفارسية التي شهدت أكبر توسع لها في عهد خلفه داريوس العظيم.
وعندئذ راحت الإمبراطورية الفارسية تمتد من حدود ليبيا إلى حدود الهند والسند ومن حدود تركيا إلى جنوب مصر والسودان. وهكذا تشكلت إمبراطورية تضم للمرة الأولى في التاريخ كل منطقة الشرق الأدنى والشرق الأوسط وأصبحت واقعة تحت حكم رجل واحد هو: ملك الفرس أو الشاهنشاه: أي ملك الملوك.
وكان هذا الملك مبجلاً من قبل رعيته وكأنه يشبه الآلهة القديمة وقد أحيط شخصه بهالة من التعظيم قل نظيرها في التاريخ ولكنه مع ذلك ترك للشعوب التابعة له حرية حكم أنفسها بأنفسها بشرط أن تظل تابعة له وقد ظلت لها أديانها الخاصة وعاداتها وتقاليدها.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ويمكن القول بأن انحطاط الإمبراطورية الفارسية يمكن تفسيره بنفس الأسباب التي أدت إلى انحطاط كل الإمبراطوريات: أي ضعف الحكومة المركزية تمرد الشعوب المفتوحة والتابعة كاليونانيين والمصريين، ثم بالأخص هزيمة الإمبراطورية أمام اسبارطة وأثينا أثناء الحروب الميدية.
فلم يكن من السهل على امبراطورية كبرى أن تهزم أمام دول صغرى بالقياس لها. هكذا تضافرت عدة عوامل وأدت إلى انهيار الامبراطورية الفارسية.
ولكن ذلك لم يحصل فوراً أو بين عشية وضحاها والواقع أنه عندما ظهر الإسلام كانت هناك إمبراطوريتان تحكمان العالم: الإمبراطورية الفارسية، والإمبراطورية البيزنطية، ومعلوم ان العرب كانوا تابعين إما لهذه وإما لتلك.
فاللخميون في الحيرة كانوا تابعين للفرس والغساسنة في الشام كانوا تابعين للبيزنطيين ولكن الإسلام استطاع توحيد العرب وتشكيل قوة كبرى في ظرف سنوات معدودات ثم راح يفتح البلدان ويتوسع على حساب كلتا الإمبراطوريتين حتى قضى عليهما كليهما في نهاية المطاف وجعلهما نسياً منسياً. وهنا تكمن عظمة الإسلام.
مهما يكن من أمر فإن من يريد أن يفهم الصراعات التي جرت قبل الإسلام في تلك المنطقة الكبيرة من العالم فإن عليه ان يقرأ هذا الكتاب والواقع أن الفرس لم يستطيعوا فيما بعد تشكيل إمبراطورية ضخمة بمثل هذا الحجم حتى اليوم ولهذا السبب فإن أمجادهم وراءهم بشكل من الأشكال ولكنهم لا يزالون يحنون إليها.
ثم حل محلهم الأتراك لاحقاً وشكلوا إمبراطورية واسعة تحت هيمنة العثمانيين وهكذا نلاحظ أن العرب والفرس والأتراك هم أصحاب إمبراطوريات وأن التنافس بينهم كان موجوداً منذ قديم الأزمان ولا يزال.
الكتاب: النار الفارسية
الإمبراطورية الفارسية العالمية
والمعركة من أجل السيطرة على الغرب
تعليق