صوتاً في سحابة إسقِ حديقة فلان
تفاصيل القصّة
قد بيدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ، والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييع المدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال .
تلك هي النظرة بالمقاييس المادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً آخر ، فالإنفاق وسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر الحبّة في الأرض ، سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ، يانعةً مثمرة .
ولا يزال لطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ، ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته ، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع ؟ .
وشاهد الصدق على ذلك ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُخبر عن مزارع صالح ، برزت فيه صفات الكرم وجوانب السّخاء في وقتٍ عزّت فيه معاني الجود ، ليقهر الطبيعة البشريّة القائمة على الشحِّ والإمساك ويتخطّاها في سموٍّ إيمانيّ رفيع .
كان هذا الرجل يسير في الصحراء ، حيث يندر الماء ويقلّ الزرع ، وبينما هو كذلك إذ سمع صوتاً يقول : " اسق حديقة فلان بن فلان ! " ، فتعجّب الرّجل لما سمعه ، فالأرض خالية من البشرّ ، ثم أدرك أن الصوت صادرٌ من السحابة التي تعلوه ، فازداد عجباً وإصراراً على استكشاف السبب .
وانطلق الرّجل خلف السحابة ليعرف مستقرّها ، حتى وقفت فوق أرض تكثر عليها الحجارة السوداء ، يُقال عنها : " الحرّة " ، ثم نزل المطر بغزارة ، وجرى الماء حتى انتهى إلى حديقته ، وفيها فلاحٌ قائم ، يوزّع الماء ويوجّهه .
اتّجه الرجل إلى الفلاح وسأله عن اسمه ، فكان ذات الاسم الذي سمعه في السحابة ، وكان من الطبيعي أن يستغرب صاحب الحديقة من السؤال فبادره قائلا : " يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ " ، فقصّ عليه الرّجل ما سمعه ورآه من شأن السحابة ، ثم بيّن له عظيم شوقه لمعرفة سرّ التوفيق الإلهيّ والعناية الرّبانيّة التي حظي بها .
وتأتي الإجابة لتظهر الحقيقة وتكشف الغموض ، فالحال أن صاحب الحديقة كان ينظر إلى حصاد مزرعته فيقسمه ثلاثة أجزاء : جزء يتصدّق به على الفقراء والمساكين ، وآخر يجعله قوتاً له ولعياله ، وثالث يردّه إلى الأرض .
وقفات مع القصّة
هذا القبس من مشكاة النبوة ، يأتي مبيّناً فضل الصدقة وقدرها عند الله سبحانه وتعالى ، كونها صورة من صور التكافل الإنسانيّ ودليلاً على يقظة الضمير ، والشعور بالواجب ، والإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، ما يزيد من لُحمة المجتمع وتماسكه .
وإذا كان هذا الرّجل الصالح قد نال من خير تلك السحابة وبركاتها ، فتلك عاجل بشراه في الدنيا ، أما في الآخرة فما أعدّه الله له من ألوان الكرامة أعظم وأعظم .
ومن دلالات القصّة أن الإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارة عظيمة مع الله سبحانه وتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه وتعالى على عباده المنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل الإنفاق سبباً من أسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ : ( يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك ) متفق عليه .
وفي القصّة أيضاً ، الإشارة إلى قيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما اعتزل الدنيا أو تركها وراء ظهره ، ولكنّه جدّ واجتهد ، وبذل الأسباب ، وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّق بماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنال مكانتها بين الأمم .
منقول للفائدة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
« بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ:«اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ » ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْـمَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ الْمـَاءَ ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْـمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ :«يَا عَبْدَ اللِه مَا اسْمُكَ؟»قَالَ :«فُلَانٌ »، لِلإسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ .
فَقَالَ لَهُ:« يَا عَبْدَ الله لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ »
فَقَالَ :« إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ـ لِاسْمِكَ ـ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟»
قَالَ:«أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » (رواه مسلم)
« بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ:«اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ » ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْـمَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ الْمـَاءَ ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْـمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ :«يَا عَبْدَ اللِه مَا اسْمُكَ؟»قَالَ :«فُلَانٌ »، لِلإسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ .
فَقَالَ لَهُ:« يَا عَبْدَ الله لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ »
فَقَالَ :« إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ـ لِاسْمِكَ ـ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟»
قَالَ:«أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » (رواه مسلم)
معاني المفردات
الْحـَدِيقَة : الْقِطْعَة مِنْ النَّخِيل ، وَيُطْلَق عَلَى الْأَرْض ذَات الشَّجَر .
تَنَحَّى : مال وقَصَدَ .
الْـحَرَّة : أَرْض بها حِجَارَة سُود كثيرة .
الشَّرْجَة : جَمْعهَا شِرَاج ، وَهِيَ مَسَائِل الْمـَاء فِي الْحِرَار.
المِسْحَاة : آلة يدوية تستخدم في الزراعة ، وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيد.
من عبر القصة:
تَنَحَّى : مال وقَصَدَ .
الْـحَرَّة : أَرْض بها حِجَارَة سُود كثيرة .
الشَّرْجَة : جَمْعهَا شِرَاج ، وَهِيَ مَسَائِل الْمـَاء فِي الْحِرَار.
المِسْحَاة : آلة يدوية تستخدم في الزراعة ، وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيد.
من عبر القصة:
1- فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْـمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل.
2- فَضْل أَكْل الْإِنْسَان مِنْ كَسْبه ، وَالْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال .
3-إذا رضي الله ﻷ عن العبد سخر له ما شاء من الأرض والسماء.
4-رعاية الله وحفظه للصالحين من عباده.
5-الاتزان في أمور الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه.
2- فَضْل أَكْل الْإِنْسَان مِنْ كَسْبه ، وَالْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال .
3-إذا رضي الله ﻷ عن العبد سخر له ما شاء من الأرض والسماء.
4-رعاية الله وحفظه للصالحين من عباده.
5-الاتزان في أمور الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه.
تفاصيل القصّة
قد بيدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ، والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييع المدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال .
تلك هي النظرة بالمقاييس المادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً آخر ، فالإنفاق وسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر الحبّة في الأرض ، سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ، يانعةً مثمرة .
ولا يزال لطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ، ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته ، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع ؟ .
وشاهد الصدق على ذلك ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُخبر عن مزارع صالح ، برزت فيه صفات الكرم وجوانب السّخاء في وقتٍ عزّت فيه معاني الجود ، ليقهر الطبيعة البشريّة القائمة على الشحِّ والإمساك ويتخطّاها في سموٍّ إيمانيّ رفيع .
كان هذا الرجل يسير في الصحراء ، حيث يندر الماء ويقلّ الزرع ، وبينما هو كذلك إذ سمع صوتاً يقول : " اسق حديقة فلان بن فلان ! " ، فتعجّب الرّجل لما سمعه ، فالأرض خالية من البشرّ ، ثم أدرك أن الصوت صادرٌ من السحابة التي تعلوه ، فازداد عجباً وإصراراً على استكشاف السبب .
وانطلق الرّجل خلف السحابة ليعرف مستقرّها ، حتى وقفت فوق أرض تكثر عليها الحجارة السوداء ، يُقال عنها : " الحرّة " ، ثم نزل المطر بغزارة ، وجرى الماء حتى انتهى إلى حديقته ، وفيها فلاحٌ قائم ، يوزّع الماء ويوجّهه .
اتّجه الرجل إلى الفلاح وسأله عن اسمه ، فكان ذات الاسم الذي سمعه في السحابة ، وكان من الطبيعي أن يستغرب صاحب الحديقة من السؤال فبادره قائلا : " يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ " ، فقصّ عليه الرّجل ما سمعه ورآه من شأن السحابة ، ثم بيّن له عظيم شوقه لمعرفة سرّ التوفيق الإلهيّ والعناية الرّبانيّة التي حظي بها .
وتأتي الإجابة لتظهر الحقيقة وتكشف الغموض ، فالحال أن صاحب الحديقة كان ينظر إلى حصاد مزرعته فيقسمه ثلاثة أجزاء : جزء يتصدّق به على الفقراء والمساكين ، وآخر يجعله قوتاً له ولعياله ، وثالث يردّه إلى الأرض .
وقفات مع القصّة
هذا القبس من مشكاة النبوة ، يأتي مبيّناً فضل الصدقة وقدرها عند الله سبحانه وتعالى ، كونها صورة من صور التكافل الإنسانيّ ودليلاً على يقظة الضمير ، والشعور بالواجب ، والإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، ما يزيد من لُحمة المجتمع وتماسكه .
وإذا كان هذا الرّجل الصالح قد نال من خير تلك السحابة وبركاتها ، فتلك عاجل بشراه في الدنيا ، أما في الآخرة فما أعدّه الله له من ألوان الكرامة أعظم وأعظم .
ومن دلالات القصّة أن الإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارة عظيمة مع الله سبحانه وتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه وتعالى على عباده المنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل الإنفاق سبباً من أسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ : ( يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك ) متفق عليه .
وفي القصّة أيضاً ، الإشارة إلى قيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما اعتزل الدنيا أو تركها وراء ظهره ، ولكنّه جدّ واجتهد ، وبذل الأسباب ، وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّق بماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنال مكانتها بين الأمم .
منقول للفائدة
تعليق