السومريون هم سكنة العراق الأصليون ، فقد قطن أجدادهم في الجزء الشمالي من العراق وبرزت مؤشراتهم الحضارية هناك في بعض ماتركته لنا حضارة سامراء النيوليتية ( العصر الحجري الحديث ) . ثم هبطوا الى جنوب العراق بعد أن أكتمل تكون سهله الرسوبي حيث أكتشفوا المعادن وبنوا المدن والمعابد ونظموا الري واداروا عصر الكالوكاليت بمهارة فائقة حتى اوصلوه الى الى عتبة العصور التاريخية عندما اخترعوا الكتابة وظهرت مدوناتهم كأسس أولى في جميع حقول الحضارات القديمة ومنها العلوم الرياضية والفلك والتنجيم .
فقد وضعوا الأسس الأولى التي تطور منها الفلك البابلي بعد أن صار الفلك السومري مرتبطا ً بشبكة النظام الستيني الرياضي الذي اخترعه السومريون والذي مازال الى يومنا هذا يحكم علم الفلك ويطوره .
ورغم أن فهم الكون وتوصيفه عند السومريين انطلق من مباديء مثولوجية ولاهوتية الا انها كانت مرآة للطبيعة المائية والنباتية التي وجدوا انفسهم فيها يعملون على تنظيمها وتبويبها . ولذلك نرى ان الجانبين العلمي والخرافي لعبا دورا ً أساسيا ً في تطوير منظومة الفلك والتنجيم السومرية .
لقد ادى تأليه قوى الطبيعة التي لها اهمية عظيمة بالنسبة للعمل الزراعي : السماء والماء والريح دورا مهما جدا ً في رؤى السومريين وقد جسدت قوى الطبيعة الثلاث هذه في صور خيالية ، ثلاثة الهة رئيسية إله السماء ( آن )حامي مدينة اوروك ن واله الهواء والريح ( اينليل ) الذي كان مركز عبادته في نيبور واله الماء انكي الذي كان مركز عبادته في مدينة اريدو . واضافة الى هؤلاء حظيت الالها إنانا الهة الحب بالتبجيل وقد ادغموها بكوكب الزهرة وفي مدينة لارسا سجدوا لأه الشمس اوتو وفي اور عبدوا اله القمر نانا
لقد غلبت في ميثولوجيا السومريين نظرية النشوء القائمة على احداث قديمة مثل اشتعال الشعرى (الاله حورس عند المصريين وجبل الاله انو عند السومريين ) . (2)
في مجمع الآلهة السومرية يتكون أول مثلث إلهي أعلى من الآلهة ( آن ، إنليل ، إنكي ) وقد أوجد السومريون أرقاما ً خاصة بكل منهم وهم على التوالي ( 60،50،40) وكان الرقم (60) رقما ً مقدسا ً يمثل أعلى الأرقام في النظام الستيني السومري ولذلك منح هذا الرقم الرمزي للإله ( آن) إله السماء والإله الكوني للبشر . ولقد وضع السومريون لهذا الثالوث السماوي طرقا ً أو مسالك َ أو اماكن فللية سماوية هي :
1-خط الاعتدال وهو ( طريق آن )
2- خط الشمال وهو ( طريق إنليل ) ويقع شمال خط الاعتدال
3- خط الجنوب ( وهو طريق إنكي ) ويقع جنوب خط الاعتدال
وتقع في طريق إنليل نجوم الثريا التي تمثل بسبعة دوائر اما طريق إنكي ( إيا ) فتنسب له أبراج ونجوم كثيرة أهمها ( الحوت والدلو ) .
ويكاد الفلك السومري يكون قمريا ً لأن القمر يحتل مكانة هامة فيه ويعبر الرقم 30 عن عدد ايام الشهر القمري الذي لعب فيه القمر دورا هاما ً في التقويم القديم فقد كان الشكل المتبدل للقمر طيلة الشهر مدعاة لأتخاذ وحدة الاسبوع فيه دالة على كل مرحلة فمن الهلال الى نصف البدر اسبوع ومن نصف البدر الى البدر اسبوع ، ومن البدر الى نصفه الغائب اسبوع ، ومن نصف البدر الى المحاق الأسبوع الأخير أما الأيام المتبقية ( من 2-3ايام ) فهي تمثل فترة اختطاف الشياطين للقمر ونزوله أسيرا ً الى العالم الأسفل . وكان في نهاية كل اسبوع يقام عيد قمري اسمه (إش إش ) وهو مايقابل عندنا عطلة نهاية الأسبوع .
أمّا الإلهة إنانا وهي آلهة الحب والجنس السومرية فيبدو أن دورها الفلكي كان في البداية ضعيفا ثم تعاظم كلما اتجهنا نحو العصر الأكدي . ورغم ان لها عدة رموز لكن رمزها الفلكي كجمة ثمانية أقحوانية هو الذي يهمنا أما رمزها الذي يشبه العجلة الشمسية فقد ظهر في حدود القرن الثاني عشر للميلاد وكان كوكبها في البداية دلبت أو نجم القوس أو الشعرى .
اما الهة الأرض ( كي ) التي لم يكن ينظر السومريون اليها على انها كوكب سماوي ، بل كانت هي مركز الكون ، اذ لم يخطر في بالهم أن تكون الأرض معلقة في الكون بل كانت تشبه القرص الذي يطفو على المياه وقد احتلت فيما بعد الالهة ( ننخرساج ) مكان ( كي ) وتضمنت بالصفات الخصيبة والامومية .
اما الاله الذي مثل عند السومريين كوكب زحل فكان الاله (ننورتا )إبن الإله انليل وكان اسمه يعني سيد الارض . وكان الاله الفلكي الذي تذكره النصوص السومرية بندرة هو الإله (أمار – أتوك ) الذي يعني ثور الشمس الصغير وهو اصبح فيما بعد عند البابليين الإله مردوخ الذي يمثل كوكب المشتري . (1)
الكوكب..اسمه بالسومرية..آلهة..يومه..رقمه الرمزي
القمر... سواين... نانا ---الاثنين-- 30
الشمس--- أوتو--- أوتو-- الأحد--- 20
الزهرة-- نانسي أنّا--إنانا --الجمعة -- 15
المريخ-- آن------آن --- الثلاثاء---60
المشتري- سكميكاو-إنليل---الخميس--50
عطارد--- كوأود--إنكي---الأربعاء-- 40
زحل-- توردش-- ننورتا--السبت-- 50
نظام الكواكب السيارة عند السومريين
ولقد بقي المخطط الذي تصوره السومريون للكواكب والقمر والشمس سائداً في كل العالم القديم مع بعض التغييرات في مواقع الكواكب . فالتصورات العقلية السومرية تقدم لنا إطارا ً ماديا ً يهذب من غلواء المثلوجيا ويمنحنا تصميما ً كوزمولوجيا ً مرهفا ً .
وكان السومريون يعتقدون أن الكواكب والنجوم مكونة من نفس مادة الفضاء ولكنها مشرقة وبراقة ربما لأنها مساكن للآلهة التي كانت مضيئة في نظر السومرييين .
وهنا نص سومري عن اسطورة خلق القمر :
حينما الآلهة العظام " آنو " ، إنليل ، و أنكي
بمشيئتهم التي لاتحول وباوامرهم العظمى
أقاموا مركب الآله القمر
لكي يجعلوا القمر – المنجل – يشع أول مايشع فيكون الشهر
وقد أقاموه شارة للسماء والأرض
لكي يجلي الضوء بمركب السماء
يتصاعد مرئيا في كبد السماء (3)
ثم انفردت الحضارة السومرية باستخدامها للنظام الستيني Sexagesimal system وهو اول نظام رياضي واصبح فيما بعد الأساس الذي اعتمدته علوم الفلك والهندسة وقياس الزوايا والمكاييل . ويعتمد هذا النظام على العدد 60 ويكون فيه العد الأساسي من العدد (1) الى العدد (60) ثم يبدأ عد ٌ جديد وهكذا واستعمل رقم 60 لانه رقم اعلى واعظم ليكون الرقم الرمزي للإله أن إله السماء وأعظم الالهة . كما ان الدائرة حسب الرياضيات السومرية مكونة من 360 درجة او ( كيش ) ولأن السنة كانت تدور على شكل دائرة في مواسمها فهي مكونة من 360 كيش او يوم . ان التنجيم السومري المرادف للفلك السومري دخل في النظام الديني والسحري من خلال العرافة ، بينما دخل الفلك السومري في النظام الرياضي الستيني فافترق كل منها في اتجاه وصار التنجيم فنا ً والفلك علما ً .
وقد وضع السومريون أساسا ً واضحا للوقت أصبح فيما بعد الأساس الذي سار عليه البابليون وغيرهم من الأقوام في المنطقة وخارجها وقد بينا كيف قسموا الشهر القمري وكانت السنة تقاس على الأشهر القمرية وتسمى السنة القمرية وتقاس نفس السنة على الأشهر الشمسية اما فرق الايام بينهما فينتظر عدة سنوات ( حوالي ست سنوات ) لأعلان شهر كبيس يضاف الى السنة القمرية .ليتلافوا النقص الواضح في الزمن قياسا للسنة الشمسية وكذلك عرفها البابليون ومن هنا تاتي أسماء تشرين الثاني وكانون الثاني وواضح انها كانت اسماء اشهر مضافة .
وقد عرف السومريون خسوف القمر ووضعوه في ارصاداتهم الفلكية ووضعوا تفسيرا مثولوجيا له وهناك اسطورة تتحدث عن تحالف بين إله القمر وولديه الشمس والزهرة وذلك بتحريض من ابيه إنليل . حيث تقوم هذه العائلة الأنليلية بمحاولة مقاسمة إله السماء ( آن ) حكم الكون . حيث يتصدى ( آن ) لهم ويرسل الإله ( سبيتو ) التي كان ربما معناها الفلكي نجوم الثريا السبعة ، ويبدو ان الثريا تسبب خسوف القمر وتتخلى الزهرة عن عائلتها وتنضم الى صف إله السماء يحدوها امل في حكم السماء بمفردها . ويقوم إنليل بإرسال ( نسكو ) إبنه ومساعده وهو إله النار والنور الى إله الحكمة إنكي لإنقاذ القمر من مازقه فيقوم ( إيا ) وهو فلكيا عطارد بإطلاع ابنه ماردوكو ( وهو فلكيا المشتري ) على الأمر ويبدو أن الأسطورة تنتهي بتمكن ( إيا ) من تحرير القمر علما بان الإله ( آن ) في هذه الأسطورة يمثل السماء ويمثل كوكب المريخ .
كما عرفوا كسوف الشمس لكننا لانعرف اسطورة خاصة بتفسير كسوف الشمس (1) الزقورات السومرية كمراصد فلكية
لقد ظهرت نظريات عديدة حول وظيفة الزقورات منها انها معابد للآلهة تعمل على ربط السماء بالارض او انها تشبه عروش الآلهة يسكن الاله المعبد العالي ورأى فيها البعض ملااقد الالهة الميتة وكانت احدى وظائف الزقورات هي الرصد الفلكي وخصوصا في المعبد العالي لارتفاعها وتمكن الكهنة من مراقبة النجوم فيها ، كانت اعظم الزقورات السومرية هي زقورات الآلهة الكوكبية مثل زقورة أور ( القمر )وزقورة اريدو ( الشمس ) زقزرة اوروك ( الزهرة ) ثم لاحقا في العصر البابلي زقورة مردوخ ( المشتري ) ويبدو ان المعابدكانت تحتوي على حجرة خاصة بالمنجمين تعرف باسم ( بت تمرتي ) اي بيت الرصد حيث كانوا يرصدون القمر
تعليق