السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أيها الناس.. يقول الله تبارك وتعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلَّامُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)).
هذا هجوم أدبي على الإقطاعيين في العالم.
وهذا غضب ونقمة على الذين كدّسوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وادخروا الأموال في البنوك، وتركوا فقراء الأمة ينامون على الأرصفة.
وهذا غضب من الله على الذين لعبوا في أمواله سبحانه وتعالى فما أدوا زكاتها وما اجتنبوا الربا وما تصدَّقوا.
وهذا وعيدٌ صارم من الله بأن لا يقبل لهم توبة إذا أتوا بهذه الحالة.
((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله))، كان بعض الناس فقيراً فأغناه الله الواحد الأحد.. كان لا يملك درهماً ولا ديناراً، فلما أصبح يملك الملايين استكبر على رب العزة سبحانه وتعالى وبطر بالأموال وصدَّ بالأموال عن سبيل الله ورابى بالأموال.
وكانت الأموال مصدر حرب على الإسلام والمسلمين ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ))، فآتاهم الله المال، وأراد سبحانه وتعالى أن يرى هل يصدُقون أم يكذبون.
(أرسل صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما في الصحيحين - لجمع الصدقات، فمرّ على العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: هات زكاتك.
قال: لا!
ومر على خالد بن الوليد أبي سليمان، سيف الله المسلول فقال: هات زكاتك.
قال: لا!
ومر على ابن جميل ، قال: هات زكاتك.
قال: لا!
وما كان لـعمر إلا أن ينقل الإجابة كما سمعها للرسول صلى الله عليه وسلم.
فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أعطاني الناس جميعاً إلا ثلاثة: عمك، وخالد بن الوليد، و ابن جميل .
فتبسم صلى الله عليه وسلم وأراد أن يخبر بجواب مفصل عن أعذار الثلاثة فقال:
أما عمي فإنها علي ومثلها.. يعني زكاة سنتين.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منه صدقة عامين اقترضها صلى الله عليه وسلم لشؤون الإسلام.
ثم قال لـعمر : أما تدري يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه؟
.
يقولها كالممازح.
وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، فـخالد مظلوم لأن خالداً دفع دمه وعرقه ودموعه وسيوفه ورماحه في سبيل الله.
خالد أخذ أمواله جميعاً فاشترى بها مائة فرس فحبسها في سبيل الله، واشترى مائة سيف فجعلها في سبيل الله، واشترى مائة درع فجعلها في سبيل الله.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: فما ينقم ابن جميل إلا كان فقيراً فأغناه الله) (1) .
يقول: يحق لـابن جميل أن يفعل بنا هذا بعد أن كان فقيراًَ مملقاً فأغناه الله، ثم ها هو يتنكر للإسلام وللزكاة وللصدقة.
أهذا جزاء الإحسان؟
أهذا رد المعروف؟
أهذا حفظ اليد البيضاء؟
فرفض ابن جميل الزكاة فرفض صلى الله عليه وسلم أن يقبل صدقته أبداً، فأنزل الله: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله))، وهو ابن جميل الذي كان فقيراً بجانب المسجد يأكل من طعام المسجد لا يجد كسرة خبز، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله أريد مالاً.
قال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه.
قال: يا رسول الله ادعُ الله أن يرزقني مالاً.
قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله لو شئت أن يصير لي جبال الدنيا ذهباً وفضة لصيّرها لي ومع ذلك أجوع يوماً وأشبع يوماً.
ثم قال: فإن رزقك مالاً أتؤدي شكره؟
قال: إي والذي نفسي بيده).
فرزقه الله مالاً، فترك صلاة الجماعة، ثم تشاغل عن صلاة الجمعة، ثم رفض الزكاة.
و ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم يذكرونها -أي القصة- عن ثعلبة بن حاطب لكن في سندها نظر (1) .
فقال تعالى: ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)).
وقصة ابن جميل تتكرر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ونحن يا أيها الناس نعيش مشكلة اجتماعية وواقعاً أعرفه أنا وتعرفه أنت، حيث كثرة المساكين خاصة في مناطقنا بالجنوب في تهامة .
فالرجل منهم يعيش في عشّة لا يجد أحياناً قوت يومه، وبالقرب منهم أغنياء بلغ غناهم السحاب.
فهل الإسلام يرى هذا؟
وهل محمد صلى الله عليه وسلم لو كان حياً يرضى هذا الوضع؟
أن تعيش قرى في البادية وقرى في تهامة على التراب لا تتمتع بأقل ما يتمتع به الإنسان في عصر الحضارة والرقي والتقدم، وعصر الكهرباء، وعصر الإشعاع، وعصر المال، وعصر الخبز، وعصر الفواكه والثياب والخضروات.
وإنها أمانة يجب علي أن أنقلها لكم وأن تعوها وتسمعوها.
فمن عنده منكم زكاة فليذهب إلى هذه المناطق لينقذ أهلها وليتصدق عليهم وليواسهم، فإنهم من أحق الناس بها.
اقرأ المقابلات مع التجار من أصحاب الملايين الذين تعادل ميزانية الواحد منهم ميزانية بعض الدول الأخرى، ومع ذلك تعيش هذه المناطق الشاسعة الفقر والعوز والكآبة.
وقد أصيب هؤلاء المساكين في تهامة والبادية بقاصمتين: قاصمة فقر العلم والعلماء والدعاة، وقاصمة فقر المال من الأغنياء والتجار.
والله يقول عن بني إسرائيل: ((الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ))،. وهذا بخل بالعلم وبخل بالمال، وهذا نداء للتجار ولطلاب العلم على السواء بأن يخصصوا شيئاً من أوقاتهم وأموالهم لنفع إخوانهم الذين يعيشون فقراً وجهلاً الله عليم به.
فيا أصحاب الملايين، إلى متى تكنزون هذه الأموال والله يقول:
((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))
ويقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : (والذي نفسي بيده، ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت صفائح من نار فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره في يوم مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار). (1)
وفي الحديث الصحيح: (من آتاه الله مالاً لم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع -أي ثعباناً- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك). (1) .
وعند الإمام أحمد : (أن الصحابة اختلفوا أي الكنز أحسن، أهو الذهب أم هي الفضة أم الإبل أم عروض التجارة؟
فأرسلوا عمر بن الخطاب يسأل رسول صلى الله عليه وسلم، فلما وصل إليه قال: أي الكنز أحسن يا رسول الله؟
قال: من آتاه الله قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجٌ تعينه على أمر الآخرة) (1) .
هذا هو الكنز العظيم الذي يكتنزه المسلم لينفعه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فبادروا يا أصحاب الأموال إلى إخراج زكاة أموالكم.
واعلموا أن للزكاة في الإسلام حِكَماً لا يعرفها إلا من اطلع على أسرار هذا الدين ومنها:
أولاً: أنها زكاة تزكيها من أوضار البخل ومن أوضار الشُّح، وترفع قدرها عند الله، وقد وصف صلى الله عليه وسلم المتصدق والبخيل برجلين عليهم جُبتان من حديد كلما أنفق المنفق اتسعت الجبة وإذا أمسك الممسك ضاقت عليه الجبة حتى تخنقه (1) .
ولله عز وجل ملكان يناديان. في كل صباح كما في الصحيح، الأول يقول: (اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً). (1)
ومن لا يستفيد من المال في الحياة فلن يستفيد منه بعد أن يموت، فإما حلالاً فللورثة، وإما حراماً فيعذب به حتى يلقى الله ويدخله هذا المال النار. وقد قال تعالى: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ)).
ثانياً: أنها طهارة للمال من دنس الحرام والشبهات، فإن الحرام والربا قد تشوب المال منه شائبة ولو قليلة فتأتي الزكاة لتطهره وتنقيه.
ثالثاً: أنها نفع للفقراء والمساكين.
رابعاً: أنها سبب لانشراح الصدر لمن قد جرّب ذلك، فهو يشعر بأنه قد أطاع أمر ربه وأسعد غيره من المحتاجين فيزداد انشراحاً إلى انشراحه.
خامساً: أن فيها إحياء لشعور المساواة والمواساة بين الناس.
سادساً: أنها سبيل لإحياء روح المودة بين الفقير والغني، فيصبح كل منهما يحب الآخر ويدعو له.
بخلاف ما لو منع الغني الصدقة أو زكاة ماله فإن الفقير سيحقد عليه ويبغضه.
سابعاً: أن منعها من أسباب النفاق كما سبق.
وهناك حِكم كثيرة لمن تأملها.
فبادر أخي التاجر بإخراج زكاة مالك، ثم ما تيسر من صدقات تطوعية أنت مثاب عليها. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أيها الناس.. يقول الله تبارك وتعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلَّامُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)).
هذا هجوم أدبي على الإقطاعيين في العالم.
وهذا غضب ونقمة على الذين كدّسوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وادخروا الأموال في البنوك، وتركوا فقراء الأمة ينامون على الأرصفة.
وهذا غضب من الله على الذين لعبوا في أمواله سبحانه وتعالى فما أدوا زكاتها وما اجتنبوا الربا وما تصدَّقوا.
وهذا وعيدٌ صارم من الله بأن لا يقبل لهم توبة إذا أتوا بهذه الحالة.
((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله))، كان بعض الناس فقيراً فأغناه الله الواحد الأحد.. كان لا يملك درهماً ولا ديناراً، فلما أصبح يملك الملايين استكبر على رب العزة سبحانه وتعالى وبطر بالأموال وصدَّ بالأموال عن سبيل الله ورابى بالأموال.
وكانت الأموال مصدر حرب على الإسلام والمسلمين ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ))، فآتاهم الله المال، وأراد سبحانه وتعالى أن يرى هل يصدُقون أم يكذبون.
(أرسل صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما في الصحيحين - لجمع الصدقات، فمرّ على العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: هات زكاتك.
قال: لا!
ومر على خالد بن الوليد أبي سليمان، سيف الله المسلول فقال: هات زكاتك.
قال: لا!
ومر على ابن جميل ، قال: هات زكاتك.
قال: لا!
وما كان لـعمر إلا أن ينقل الإجابة كما سمعها للرسول صلى الله عليه وسلم.
فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أعطاني الناس جميعاً إلا ثلاثة: عمك، وخالد بن الوليد، و ابن جميل .
فتبسم صلى الله عليه وسلم وأراد أن يخبر بجواب مفصل عن أعذار الثلاثة فقال:
أما عمي فإنها علي ومثلها.. يعني زكاة سنتين.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منه صدقة عامين اقترضها صلى الله عليه وسلم لشؤون الإسلام.
ثم قال لـعمر : أما تدري يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه؟
.
يقولها كالممازح.
وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، فـخالد مظلوم لأن خالداً دفع دمه وعرقه ودموعه وسيوفه ورماحه في سبيل الله.
خالد أخذ أمواله جميعاً فاشترى بها مائة فرس فحبسها في سبيل الله، واشترى مائة سيف فجعلها في سبيل الله، واشترى مائة درع فجعلها في سبيل الله.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: فما ينقم ابن جميل إلا كان فقيراً فأغناه الله) (1) .
يقول: يحق لـابن جميل أن يفعل بنا هذا بعد أن كان فقيراًَ مملقاً فأغناه الله، ثم ها هو يتنكر للإسلام وللزكاة وللصدقة.
أهذا جزاء الإحسان؟
أهذا رد المعروف؟
أهذا حفظ اليد البيضاء؟
فرفض ابن جميل الزكاة فرفض صلى الله عليه وسلم أن يقبل صدقته أبداً، فأنزل الله: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله))، وهو ابن جميل الذي كان فقيراً بجانب المسجد يأكل من طعام المسجد لا يجد كسرة خبز، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله أريد مالاً.
قال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه.
قال: يا رسول الله ادعُ الله أن يرزقني مالاً.
قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله لو شئت أن يصير لي جبال الدنيا ذهباً وفضة لصيّرها لي ومع ذلك أجوع يوماً وأشبع يوماً.
ثم قال: فإن رزقك مالاً أتؤدي شكره؟
قال: إي والذي نفسي بيده).
فرزقه الله مالاً، فترك صلاة الجماعة، ثم تشاغل عن صلاة الجمعة، ثم رفض الزكاة.
و ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم يذكرونها -أي القصة- عن ثعلبة بن حاطب لكن في سندها نظر (1) .
فقال تعالى: ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)).
وقصة ابن جميل تتكرر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ونحن يا أيها الناس نعيش مشكلة اجتماعية وواقعاً أعرفه أنا وتعرفه أنت، حيث كثرة المساكين خاصة في مناطقنا بالجنوب في تهامة .
فالرجل منهم يعيش في عشّة لا يجد أحياناً قوت يومه، وبالقرب منهم أغنياء بلغ غناهم السحاب.
فهل الإسلام يرى هذا؟
وهل محمد صلى الله عليه وسلم لو كان حياً يرضى هذا الوضع؟
أن تعيش قرى في البادية وقرى في تهامة على التراب لا تتمتع بأقل ما يتمتع به الإنسان في عصر الحضارة والرقي والتقدم، وعصر الكهرباء، وعصر الإشعاع، وعصر المال، وعصر الخبز، وعصر الفواكه والثياب والخضروات.
وإنها أمانة يجب علي أن أنقلها لكم وأن تعوها وتسمعوها.
فمن عنده منكم زكاة فليذهب إلى هذه المناطق لينقذ أهلها وليتصدق عليهم وليواسهم، فإنهم من أحق الناس بها.
اقرأ المقابلات مع التجار من أصحاب الملايين الذين تعادل ميزانية الواحد منهم ميزانية بعض الدول الأخرى، ومع ذلك تعيش هذه المناطق الشاسعة الفقر والعوز والكآبة.
وقد أصيب هؤلاء المساكين في تهامة والبادية بقاصمتين: قاصمة فقر العلم والعلماء والدعاة، وقاصمة فقر المال من الأغنياء والتجار.
والله يقول عن بني إسرائيل: ((الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ))،. وهذا بخل بالعلم وبخل بالمال، وهذا نداء للتجار ولطلاب العلم على السواء بأن يخصصوا شيئاً من أوقاتهم وأموالهم لنفع إخوانهم الذين يعيشون فقراً وجهلاً الله عليم به.
فيا أصحاب الملايين، إلى متى تكنزون هذه الأموال والله يقول:
((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))
ويقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : (والذي نفسي بيده، ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت صفائح من نار فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره في يوم مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار). (1)
وفي الحديث الصحيح: (من آتاه الله مالاً لم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع -أي ثعباناً- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك). (1) .
وعند الإمام أحمد : (أن الصحابة اختلفوا أي الكنز أحسن، أهو الذهب أم هي الفضة أم الإبل أم عروض التجارة؟
فأرسلوا عمر بن الخطاب يسأل رسول صلى الله عليه وسلم، فلما وصل إليه قال: أي الكنز أحسن يا رسول الله؟
قال: من آتاه الله قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجٌ تعينه على أمر الآخرة) (1) .
هذا هو الكنز العظيم الذي يكتنزه المسلم لينفعه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فبادروا يا أصحاب الأموال إلى إخراج زكاة أموالكم.
واعلموا أن للزكاة في الإسلام حِكَماً لا يعرفها إلا من اطلع على أسرار هذا الدين ومنها:
أولاً: أنها زكاة تزكيها من أوضار البخل ومن أوضار الشُّح، وترفع قدرها عند الله، وقد وصف صلى الله عليه وسلم المتصدق والبخيل برجلين عليهم جُبتان من حديد كلما أنفق المنفق اتسعت الجبة وإذا أمسك الممسك ضاقت عليه الجبة حتى تخنقه (1) .
ولله عز وجل ملكان يناديان. في كل صباح كما في الصحيح، الأول يقول: (اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً). (1)
ومن لا يستفيد من المال في الحياة فلن يستفيد منه بعد أن يموت، فإما حلالاً فللورثة، وإما حراماً فيعذب به حتى يلقى الله ويدخله هذا المال النار. وقد قال تعالى: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ)).
ثانياً: أنها طهارة للمال من دنس الحرام والشبهات، فإن الحرام والربا قد تشوب المال منه شائبة ولو قليلة فتأتي الزكاة لتطهره وتنقيه.
ثالثاً: أنها نفع للفقراء والمساكين.
رابعاً: أنها سبب لانشراح الصدر لمن قد جرّب ذلك، فهو يشعر بأنه قد أطاع أمر ربه وأسعد غيره من المحتاجين فيزداد انشراحاً إلى انشراحه.
خامساً: أن فيها إحياء لشعور المساواة والمواساة بين الناس.
سادساً: أنها سبيل لإحياء روح المودة بين الفقير والغني، فيصبح كل منهما يحب الآخر ويدعو له.
بخلاف ما لو منع الغني الصدقة أو زكاة ماله فإن الفقير سيحقد عليه ويبغضه.
سابعاً: أن منعها من أسباب النفاق كما سبق.
وهناك حِكم كثيرة لمن تأملها.
فبادر أخي التاجر بإخراج زكاة مالك، ثم ما تيسر من صدقات تطوعية أنت مثاب عليها. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليق