تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الكبر بطر الحق وغمط الناس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإنه من المعلوم من ديننا الحنيف واشتد فيه النهي؛ ردُّ الحق وتهميش من يظهره ويصدع به، ويشتدُّ ذلك إذا ما كان هذا الواقع مما تسمعه الآذان وتبصره الأعين بما لا يمكن ردُّه إلا بدفع الحق وغمط الناس، ويعظم وقع ذلك إذا كان من الأقرباء والأصدقاء:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على المرء من وقع الحسام المهند
ومما ورد في هذا الصدد ما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة . قال : " إن الله جميل يحب الجمال . الكبر بطر الحق وغمط الناس " .
(بطر الحق): دفعه وإنكاره ترفُّعًا وتجبُّرًا. "شرح النووي على مسلم".
(غمط الناس ): الاستهانة والاسحتقار وهو كالغمص ."تحفة الأحوذي".
وعلى هذا فإن ردَّ الحق بعد العلم به يُعدُّ من الكبر الذي جرَّم الشارع فاعله، وصغَّر أمره، وتوعَّده بما تتقطع منه القلوب، (ومن يُهن الله فما له من مكرم) جزاء وفاقًا؛ حيث استكبر عن الحق، وهمَّش من يدعو إليه واعتبرهم لا شيء، ولو أنه تواضع للحق، وأخذه ممن جاء به، ولم يحتقره، بل رأى أن له فضلاً عليه؛ لَمَا نزل بفعله هذا إلى الحضيض ، بعد أن كان في عزة ومنعة، وفي محل تقدير واحترام من الخلق، وقد أحسن والله من قال:
وتعرَّ من ثوبين من يلبسهما ** يلقى الردى بمذمةٍ وهوان
ثوبٌ من الجهل المركب فوقه ** ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحلَّ بالإنصاف أفخر حلية ** زيِّنت بها الأعطاف والكتفان
واجعل شعارك خشية الرحمن مع ** نصح الرسول فحبَّذا الأمران
وعلى هذا فإذا كان الحق هو ضالة المرء ويتحراه وينشده في أقواله وأفعاله فليأتمر بأمر ربه سبحانه حيث قال: (وليس البر بأن تؤتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون) الآية.
و بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظته المشهورة: " ..فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا " وانظر ما سيرشد به عباده حيال ذلك، قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ .." الحديث.
فمن رزقه الله إنصافًا من نفسه فسيكون الحق هو قصده، وطلبه هو عُدّته، وهذا السبيل واضح، وعليه نور لمن طلبه، أما من شرد شرود البعير بعد أن استبان له السبيل، فقد جنى على نفسه، وكما قيل:
ما يبلغ الأعداء من جــاهل *** ما يبلغ الجــاهل من نفسه
تعليق