علم الهيئة ( الفلك )
علم الهيئة علم معروف ومجهول، قديم وحديث.
فأما أنه معروف فمن حيث تسميته الحديثة التي هي أشهر من نار على علم، والتي أصبحت للعصر الحديث صفة وميزة، إنه علم الفلك والنجوم والفضاء، أليس عصرنا عصر الفضاء؟...
وأما أنه مجهول فمن حيث تسميته القديمة هذه التسمية المهجورة غير المشهورة الآن حتى أصبحت نسياً منسياً... فقليل جداً من يعلم أن علم الهيئة هو نفسه علم الفلك والفضاء.
وإذا أردنا تناوله من حيث قدمه وأول ما عرف عنه فذاك ولا شك أمر يمضي بنا في طيات التاريخ القديم.
يقول الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه (توفيق الرحمن): اعلم أن منزلة هذا العلم من العلوم أنه من أقدم العلوم، وقد اعتنى به الآشوريون والكلدانيون وأهل فنيقيا ومصر والهند والصين والعرب جاهلية وإسلاما، وغيرهم في السابقة والحاضرة.
تعريف علم الهيئة (الفلك):
وقد عرفه الشيخ المطيعي ـ وتعريفه هذا قريب مما جاء في مراجع كثيرة ـ بقوله: علم الهيئة هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام السماوية من حيث حركتها ومناظرها مفردةً ومجملة، وما يعرض لها كذلك من المقارنة والمقابلة، والتثليث والتسديس، وكيفية سيرها ومقدار حركاتها وارتفاعها وانخفاضها، وما مضى من الليل والنهار، والأطوال والعروض، ونحو ذلك مما حواه علم الزيج والاصطرلاب والربع المجيّب والمقنطر ، وما يتعلق بالشهور والسنين وفصولها، والكسوف والخسوف، وكل ما يحدث لتلك الأجرام مفردة ومجملة، وعن علل تلك الحوادث وقواعدها، وعما يوصل إلى معرفة تلك الحوادث وعللها وقواعدها بالآلات والأرصاد والحساب .
وهذا لعمري تعريف جامع لطيف.
الإسلام وعلم الهيئة:
ولئن كان الأقدمون قد فتحوا باب البحث في هذا العلم، وخطوا فيه خطوات شتى، وألفوا بعض الكتب التي وضعت قواعده الأولى وأظهرت معالمه المبدئية، فإن للمسلمين في هذا العلم وقفة وأي وقفة.
ذلك أن كتاب الله العزيز كما نبه الناس إلى قدرة الله في خلق الأرض وما فيها وما عليها من نبات وحيوان وإنسان وبحار وأنهار وجبال ووديان، فقد لفت أنظار المسلمين إلى السماء وبروجها، والأفلاك ومساراتها، والأهلة وتقلباتها، والنجوم والكواكب ولمعانها، والفضاء واتساعه{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج }(ق/6) { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجا وقمراً منيرا }(الفرقان/61) { ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجا}(نوح/15ـ16) { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون }(الذاريات/47) إلى غير ذلك من الآيات التي دفعت المسلمين إلى الاستجابة لها استجابة من ينطلق من الدين إلى العلم، ليسخر الكون للإنسان بما سخره الله له ومنحه إياه.
وقد ذكر الله سبحانه الاستدلال بالنجوم في قوله سبحانه { وعلامات وبالنجم هم يهتدون }(النحل/16) وقوله سبحانه { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر}(الأنعام/97).
كما ذكر سبحانه من الأهلة القمر حيث قال: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }(البقرة/189) وقال { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك العمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }(يس/40).
وقد نبه العلماء ـ وهم يبحثون في الأجرام السماوية ـ أن الأرض أيضاً موضوع بحثهم من حيث أنها أحد الأجرام السماوية التي تحكمها قوانين ثابتة وسنن صارمة.
المسلمون والخرافات في علم الفلك:
ويكفي علماء الإسلام شرفاً أنهم حملوا لواء الفصل بين الحقيقة والخرافة في هذا العلم ، فهم على الرغم من اعتبارهم لعلم الفلك صنعة شريفة وعلماً جليلاً ـ كما يقول ذلك نصاً ابن خلدون ـ لم ينسوا أن يسفهوا أحلام أولئك الذين زعموا أنهم بصناعة النجوم يعرفون الحوادث المستقبلية في هذا الكون قبل حدوثها، مستدلين عليها بأوضاع الفلك.
يقول ابن خلدون في مقدمته عن هؤلاء وعملهم: فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع ، وضعفُ مداركها مع ذلك من طريق العقل ، مع مالها من المضار في العمران الإنساني ، بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقاً لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق.
ومن هذا القبيل يذكر العلماء دائماً قول النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما تحدث الناس عن خسوف الشمس بموت ولده إبراهيم: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لاينخسفان لموت أحد ولا لحياته) (متفق عليه عن عائشة).
أقسام علم الهيئة (الفلك):
كما نبه العلماء إلى أن أقسام علم الهيئة ثلاثة:
قسم وصفي: وهو ما يبحث فيه عما يحدث في الأجرام الكونية.
وقسم طبعي: وهو ما يبحث فيه عن علل تلك الحوادث والقواعد التي تضبطها.
والثالثُ عملي: وهو ما يبحث فيه عن معرفة ما يوصل إلى القسمين الأَوَّلين بالآلات والحساب.
ويقول الشيخ محمد بخيت المطيعي: ومن ذلك تعلم أن البحث في القسم الوصفي من علم الهيئة ـ أي علم معرفة ما يحدث في الأجرام السماوية من خسوف وكسوف، واقتران ومقارنة وغير ذلك ـ لازم وضروري لفهم آيات القرآن والأحاديث النبوية المتعلقة بما ذكر، وأما البحث فيما يتعلق بالقسم الطبعي والقسم العملي فذلك كمال إنساني، كالبحث في سائر العلوم التي لا يتوقف عليها فهم آيات القرآن والأحاديث.
كروية الأرض ودورانها:
ولئن كان الأقدمون قد تعلقوا بنظرية بطليموس في كتابه (المجسطي) القائلة بأن الأرض ساكنة، وأن الشمس تدور حولها، وقد شاعت تلك النظرية بين علماء الإسلام ـ يقول الشيخ محمد بخيت: حتى حمل كثير من المفسرين المحققين وغيرهم كثيراً من الآيات القرآنية المتعلقة بالسموات والأرض على تلك التعاليم.
نقول: رغم ذلك إلا أن القول بكروية الأرض، وبدورانها حول نفسها، وحول الشمس التي هي مركز المجرة الشمسية، قد عرفه المسلمون ونقلوه عن فيثاغورس وغيره من أهل كرواتيا في ايطاليا.
يقول في كتاب (توفيق الرحمن): ويعلم أيضاً أن القول بحركة الأرض ودورانها على محورها.. الخ هو القول القديم السابق على غيره من المذاهب. وإن هذا المذهب وإن سمي اليوم طريقة جديدة في علم الهيئة إلا أنه في الواقع هو الطريقة القديمة... كما يقول عن جاذبية الشمس للأجرام الأخرى: وكانت الآلات الرصدية قبل وجود النظارات المعظمة (أي التلسكوب) قاصرة ناقصة، وكانت قوة الجاذبية العامة التي تخضع لها جميع الأجرام السماوية مجهولة، فلم يمكن الوقوف على الجاذب والمجذوب، وما هو الجرم الذي يجب بمقتضى تلك القوة أن تدور سائر الإجرام حوله.
ولهذا جزم أهل الهيئة اليوم بأن مركز العالم هو الشمس، وأن الأرض وسائر الأجرام السماوية تدور حولها، لأن جرم الشمس (أي حجمها) أكبر من جرم الأرض وجرمِ كل واحد من سائر الأجرام بأضعافٍ مضاعفة، فكانت قوة الجذب في الشمس أكثر وأكبر.
علم الزيج.. فرع عن الفلك:
ومن فروع علم الهيئة علم الأزياج أو علم الزيج.
وهو علم يوصل إلى معرفة مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فُرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة.
ولهذه الصناعة ـ كما يقول في أبجد العلوم ـ قوانين كالمقدمات والأصول لها في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية،وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيص والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض، يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين، وتسمى الأزياج.
وفيه تآليف مثل (الزيج الصابي) لمحمد بن جابر البتائي الحراني، و(الزيج المقتبس) لأحمد بن يوسف بن الحماد، ومختصَره (المنهاج) لابن البناء.
علم الاصطرلاب.. فرع عن الفلك:
ومن فروع علم الهيئة أيضاً علم الاصطرلاب.
وهو آلة معنى اسمها باليونانية: ميزان الشمس يستفاد بها كثير من الأمور المتعلقة بالنجوم، كارتفاع الشمس ومعرفة الطالع وسمت القبلة وعرض البلاد.
ويقال إن أول من صنعها بطليموس، وأول من عملها في الإسلام إبراهيم بن حبيب الفزاري.
وفي الاصطرلاب كتب مؤلفة، مثل (تحفة الناظر) لمحمد بن محمد النجيبي الشهير بالعقباني، وكتاب (مهجة الأفكار) وكتاب (ضياء الأعين).
علم الآلات الرصدية .. فرع عن الفلك :
ومن علوم الهيئة كذلك: علم الآلات الرصدية.
وبه تعرف الآلات المستخدمة في رصد الكواكب والنجوم، كاللبنة والحلقة الاعتدالية وذات الأوتار وذات الحلق وذات السمت والارتفاع وذات الشعبتين وذات الحبيب وغيرها.
وقد ألف فيها الخازني كتابه (الآلات العجيبة ) وابن الشاطر كتابه ( النفع العام في العمل بالربع التام لمواقيت الإسلام).
ويذكر ابن خلدون أن المأمون في زمانه كان له اهتمام بالفلك أكثر من غيره فيقول عن المراصد الفلكية: وكان في أيام المأمون شيء منه، وصنع هذه الآلة المعروفة للرصد المسماة ذاتُ الحَلَق، وشرع في ذلك فلم يتم، ولما مات ذهب رسمه وأغفل، واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة. وليست بمغنية.
ومن كتب علم الهيئة ـ الفلك والنجوم ـ (القانون المسعودي) لأبي ريحان البيروني و(التحفة) ، و(نهاية الإدراك) لقطب الدين الشيرازي، و(النخبة) لعلي بن محمد القوشجي، و(توفيق الرحمن للتوفيق بين ما قاله علماء الهيئة وبين ماجاء في الأحاديث الصحيحة وآيات القرآن) لمفتي مصر السابق الشيخ محمد بخيت المطيعي.
علم الهيئة علم معروف ومجهول، قديم وحديث.
فأما أنه معروف فمن حيث تسميته الحديثة التي هي أشهر من نار على علم، والتي أصبحت للعصر الحديث صفة وميزة، إنه علم الفلك والنجوم والفضاء، أليس عصرنا عصر الفضاء؟...
وأما أنه مجهول فمن حيث تسميته القديمة هذه التسمية المهجورة غير المشهورة الآن حتى أصبحت نسياً منسياً... فقليل جداً من يعلم أن علم الهيئة هو نفسه علم الفلك والفضاء.
وإذا أردنا تناوله من حيث قدمه وأول ما عرف عنه فذاك ولا شك أمر يمضي بنا في طيات التاريخ القديم.
يقول الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه (توفيق الرحمن): اعلم أن منزلة هذا العلم من العلوم أنه من أقدم العلوم، وقد اعتنى به الآشوريون والكلدانيون وأهل فنيقيا ومصر والهند والصين والعرب جاهلية وإسلاما، وغيرهم في السابقة والحاضرة.
تعريف علم الهيئة (الفلك):
وقد عرفه الشيخ المطيعي ـ وتعريفه هذا قريب مما جاء في مراجع كثيرة ـ بقوله: علم الهيئة هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام السماوية من حيث حركتها ومناظرها مفردةً ومجملة، وما يعرض لها كذلك من المقارنة والمقابلة، والتثليث والتسديس، وكيفية سيرها ومقدار حركاتها وارتفاعها وانخفاضها، وما مضى من الليل والنهار، والأطوال والعروض، ونحو ذلك مما حواه علم الزيج والاصطرلاب والربع المجيّب والمقنطر ، وما يتعلق بالشهور والسنين وفصولها، والكسوف والخسوف، وكل ما يحدث لتلك الأجرام مفردة ومجملة، وعن علل تلك الحوادث وقواعدها، وعما يوصل إلى معرفة تلك الحوادث وعللها وقواعدها بالآلات والأرصاد والحساب .
وهذا لعمري تعريف جامع لطيف.
الإسلام وعلم الهيئة:
ولئن كان الأقدمون قد فتحوا باب البحث في هذا العلم، وخطوا فيه خطوات شتى، وألفوا بعض الكتب التي وضعت قواعده الأولى وأظهرت معالمه المبدئية، فإن للمسلمين في هذا العلم وقفة وأي وقفة.
ذلك أن كتاب الله العزيز كما نبه الناس إلى قدرة الله في خلق الأرض وما فيها وما عليها من نبات وحيوان وإنسان وبحار وأنهار وجبال ووديان، فقد لفت أنظار المسلمين إلى السماء وبروجها، والأفلاك ومساراتها، والأهلة وتقلباتها، والنجوم والكواكب ولمعانها، والفضاء واتساعه{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج }(ق/6) { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجا وقمراً منيرا }(الفرقان/61) { ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجا}(نوح/15ـ16) { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون }(الذاريات/47) إلى غير ذلك من الآيات التي دفعت المسلمين إلى الاستجابة لها استجابة من ينطلق من الدين إلى العلم، ليسخر الكون للإنسان بما سخره الله له ومنحه إياه.
وقد ذكر الله سبحانه الاستدلال بالنجوم في قوله سبحانه { وعلامات وبالنجم هم يهتدون }(النحل/16) وقوله سبحانه { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر}(الأنعام/97).
كما ذكر سبحانه من الأهلة القمر حيث قال: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }(البقرة/189) وقال { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك العمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }(يس/40).
وقد نبه العلماء ـ وهم يبحثون في الأجرام السماوية ـ أن الأرض أيضاً موضوع بحثهم من حيث أنها أحد الأجرام السماوية التي تحكمها قوانين ثابتة وسنن صارمة.
المسلمون والخرافات في علم الفلك:
ويكفي علماء الإسلام شرفاً أنهم حملوا لواء الفصل بين الحقيقة والخرافة في هذا العلم ، فهم على الرغم من اعتبارهم لعلم الفلك صنعة شريفة وعلماً جليلاً ـ كما يقول ذلك نصاً ابن خلدون ـ لم ينسوا أن يسفهوا أحلام أولئك الذين زعموا أنهم بصناعة النجوم يعرفون الحوادث المستقبلية في هذا الكون قبل حدوثها، مستدلين عليها بأوضاع الفلك.
يقول ابن خلدون في مقدمته عن هؤلاء وعملهم: فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع ، وضعفُ مداركها مع ذلك من طريق العقل ، مع مالها من المضار في العمران الإنساني ، بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقاً لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق.
ومن هذا القبيل يذكر العلماء دائماً قول النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما تحدث الناس عن خسوف الشمس بموت ولده إبراهيم: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لاينخسفان لموت أحد ولا لحياته) (متفق عليه عن عائشة).
أقسام علم الهيئة (الفلك):
كما نبه العلماء إلى أن أقسام علم الهيئة ثلاثة:
قسم وصفي: وهو ما يبحث فيه عما يحدث في الأجرام الكونية.
وقسم طبعي: وهو ما يبحث فيه عن علل تلك الحوادث والقواعد التي تضبطها.
والثالثُ عملي: وهو ما يبحث فيه عن معرفة ما يوصل إلى القسمين الأَوَّلين بالآلات والحساب.
ويقول الشيخ محمد بخيت المطيعي: ومن ذلك تعلم أن البحث في القسم الوصفي من علم الهيئة ـ أي علم معرفة ما يحدث في الأجرام السماوية من خسوف وكسوف، واقتران ومقارنة وغير ذلك ـ لازم وضروري لفهم آيات القرآن والأحاديث النبوية المتعلقة بما ذكر، وأما البحث فيما يتعلق بالقسم الطبعي والقسم العملي فذلك كمال إنساني، كالبحث في سائر العلوم التي لا يتوقف عليها فهم آيات القرآن والأحاديث.
كروية الأرض ودورانها:
ولئن كان الأقدمون قد تعلقوا بنظرية بطليموس في كتابه (المجسطي) القائلة بأن الأرض ساكنة، وأن الشمس تدور حولها، وقد شاعت تلك النظرية بين علماء الإسلام ـ يقول الشيخ محمد بخيت: حتى حمل كثير من المفسرين المحققين وغيرهم كثيراً من الآيات القرآنية المتعلقة بالسموات والأرض على تلك التعاليم.
نقول: رغم ذلك إلا أن القول بكروية الأرض، وبدورانها حول نفسها، وحول الشمس التي هي مركز المجرة الشمسية، قد عرفه المسلمون ونقلوه عن فيثاغورس وغيره من أهل كرواتيا في ايطاليا.
يقول في كتاب (توفيق الرحمن): ويعلم أيضاً أن القول بحركة الأرض ودورانها على محورها.. الخ هو القول القديم السابق على غيره من المذاهب. وإن هذا المذهب وإن سمي اليوم طريقة جديدة في علم الهيئة إلا أنه في الواقع هو الطريقة القديمة... كما يقول عن جاذبية الشمس للأجرام الأخرى: وكانت الآلات الرصدية قبل وجود النظارات المعظمة (أي التلسكوب) قاصرة ناقصة، وكانت قوة الجاذبية العامة التي تخضع لها جميع الأجرام السماوية مجهولة، فلم يمكن الوقوف على الجاذب والمجذوب، وما هو الجرم الذي يجب بمقتضى تلك القوة أن تدور سائر الإجرام حوله.
ولهذا جزم أهل الهيئة اليوم بأن مركز العالم هو الشمس، وأن الأرض وسائر الأجرام السماوية تدور حولها، لأن جرم الشمس (أي حجمها) أكبر من جرم الأرض وجرمِ كل واحد من سائر الأجرام بأضعافٍ مضاعفة، فكانت قوة الجذب في الشمس أكثر وأكبر.
علم الزيج.. فرع عن الفلك:
ومن فروع علم الهيئة علم الأزياج أو علم الزيج.
وهو علم يوصل إلى معرفة مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فُرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة.
ولهذه الصناعة ـ كما يقول في أبجد العلوم ـ قوانين كالمقدمات والأصول لها في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية،وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيص والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض، يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين، وتسمى الأزياج.
وفيه تآليف مثل (الزيج الصابي) لمحمد بن جابر البتائي الحراني، و(الزيج المقتبس) لأحمد بن يوسف بن الحماد، ومختصَره (المنهاج) لابن البناء.
علم الاصطرلاب.. فرع عن الفلك:
ومن فروع علم الهيئة أيضاً علم الاصطرلاب.
وهو آلة معنى اسمها باليونانية: ميزان الشمس يستفاد بها كثير من الأمور المتعلقة بالنجوم، كارتفاع الشمس ومعرفة الطالع وسمت القبلة وعرض البلاد.
ويقال إن أول من صنعها بطليموس، وأول من عملها في الإسلام إبراهيم بن حبيب الفزاري.
وفي الاصطرلاب كتب مؤلفة، مثل (تحفة الناظر) لمحمد بن محمد النجيبي الشهير بالعقباني، وكتاب (مهجة الأفكار) وكتاب (ضياء الأعين).
علم الآلات الرصدية .. فرع عن الفلك :
ومن علوم الهيئة كذلك: علم الآلات الرصدية.
وبه تعرف الآلات المستخدمة في رصد الكواكب والنجوم، كاللبنة والحلقة الاعتدالية وذات الأوتار وذات الحلق وذات السمت والارتفاع وذات الشعبتين وذات الحبيب وغيرها.
وقد ألف فيها الخازني كتابه (الآلات العجيبة ) وابن الشاطر كتابه ( النفع العام في العمل بالربع التام لمواقيت الإسلام).
ويذكر ابن خلدون أن المأمون في زمانه كان له اهتمام بالفلك أكثر من غيره فيقول عن المراصد الفلكية: وكان في أيام المأمون شيء منه، وصنع هذه الآلة المعروفة للرصد المسماة ذاتُ الحَلَق، وشرع في ذلك فلم يتم، ولما مات ذهب رسمه وأغفل، واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة. وليست بمغنية.
ومن كتب علم الهيئة ـ الفلك والنجوم ـ (القانون المسعودي) لأبي ريحان البيروني و(التحفة) ، و(نهاية الإدراك) لقطب الدين الشيرازي، و(النخبة) لعلي بن محمد القوشجي، و(توفيق الرحمن للتوفيق بين ما قاله علماء الهيئة وبين ماجاء في الأحاديث الصحيحة وآيات القرآن) لمفتي مصر السابق الشيخ محمد بخيت المطيعي.
تعليق