فصل :
حجة الجمهور
حجة الجمهور
الدليل الأول :
عن عبد الله بن عمر : « فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» ،و عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه قال : «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير عن كل رأس »
وجه الدلالة :
في هذا الحديث دلالة على وجوب إخراج زكاة الفطر طعاما من وجوه :
الوجه الأول : أن النبي صلىالله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من الطعام، و لم يذكر الدنانير والدراهم في زكاة الفطر مع أنها كانت موجودة في زمانه ، فلو كانت جائزةلأمر بأن يتصدق بالقيمة. فلما لم يأمر بها وجعلها طعاماً تعين الطعام ، وقال مجيزي إخراج القيمة : سببذكر الطعام وعدم ذكر النقودأن النقود كانت قليلةً في ذلك الوقت لا يَتوافَر منها إلا القليل لدى القليل من الناس،ومعظم أموالِهم التي كانوا يتداوَلونها ويتبادلون بها كأنَّها نقود، قد كانت هذهالأنواع الغذائية التي وردت في الحديث ، و ذكر هذه الأنواع ليس للحصر، وإنما هو للتيسير ورفع الحرج، فإخراج تلك الأنواع المنصوصة أيسر من إخراج غيرها من الأموال فقد عين النبي صلى الله عليه وسلم الطعام في زكاة الفطر لندرته بالأسواق في تلك الأزمان، وشدة احتياج الفقراء إليه لا إلى المال، فإن غالب المتصدقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يتصدقون إلا بالطعام و هذا الكلام غير صحيح فهذا اجتهاد مع النص ،و لا اجتهاد مع نص صحيح صريح ، والدراهم والدنانير كانت شائعة في العهد النبوي ، ولا تشق على كثير من الناس ، والعبرة بالغالب والنادر لا عبرة به .
الوجه الثاني : إخراج زكاة الفطر طعاما منصوص عليه ، و لا يجوز العدول عن المنصوص إلا بدليل فأين الدليل على جواز إخراج القيمة ؟ أنتم إذا قلتم بجواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة لزمكم أن تقولوا أن في الحديث كلام محذوف ألا و هو ( أو قيمة صاعا من تمر أو صاعا من شعير ) و الأصل في الكلام عدم الحذف ، و اعترض مجيزي إخراج القيمة قائلين:الأصلح للفقير و الأدفع لحاجته إخراج زكاة الفطر بالقيمة ،و النقود أنفع للفقير ويشتري بها ما يشاء وقد يحتاج شيئا آخر غير الطعام ،ثم قد يبيع الفقير الطعام ويخسر فيه و لا يوجد وجود دليل يمنع من إخراج زكاة الفطر بالقيمة ، و الجواب على هذا الاعتراض : هناك أنواع كثيرة من الزكاة إذا أخرجت كما يجب ستسد حاجة الفقير وترفع فقره ، و ذلك من زكاة المال و الصدقات العامةو الهبات وغيرها والفقير إذا كان فقيراً حقًّا لابد أن ينتفع بالطعام ، وحاجته إلى الملبس والمشرب تكفل بالصدقات التى حث الشرع عليها طوال العام ، وتجد هؤلاء ينسون الفقير طوال العام ،ولايتصدقون عليه بالنقود ثم يتذكرونه فى هذا الشهر ، و يريدون أن يعطوه زكاة الفطر نقوداً بنية الزكاة فلا تبرأ زمتهم من هذا الفرض ،وكأنهم لم يزكوا .و يجب على المسلم أن يتحرى ويجتهد فيتوصيل زكاته لمن يستفيد منها، و إن أعطيت لفقير يستحقها وباعها أقل من قيمتها فقدبرئت ذمتك منها ،و الذي فرض علينا زكاة المال هو الذي فرض زكاة الفطر ففرض عليناالأولى قيمة ، وفرض الثانية طعاما و قال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ ونحن لو أعطينا الفقير طعاما من قوت البلدفإنه سيأكل منه ويستفيد عاجلا أو آجلا لأنّ هذا مما يستعمله أصلا .و قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني رحمه الله: « الزكاة قربة لله تعالى وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى ولو قال إنسان لوكيله: اشتر ثوبا وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ووجد سلعة هي أنفع لموكله لم يكن له مخالفته ، و إن رآه أنفع فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالاتباع، كما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة والأنف، والتعليل فيه بمعنى الخضوع لا يصلح لأن ذلك مخالف للنص وخروجا على معنى التعبد، كذلك لا يجوز في الزكاة إخراج قيمة الشاة أو البعير أو الحب أو الثمر المنصوص على وجوبه لأن ذلك خروج على النص وعلى معنى التعبد والزكاة أخت الصلاة »
الوجه الثالث : حدد النبي صلى الله عليه وسلم جنس زكاة الفطر صاع من طعام صاعا من تمر أو صاعا من شعير فمن الأدب الشرعي أن يلتزم الشخص بالجنس الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم .
تعليق