تتميز مدينة دمشق بالخانات الكثيرة الموجودة فيها حيث كانت بوابة لقوافل التجارة وقوافل الحجاج التي كان يستدعي وجودها في دمشق الإقامة فيها لعدة أيام وقد تستمر عدة أشهر احياناً ما يقتضي بناء منازل للمسافرين ومنشآت للنشاط التجاري من أجل تصنيع بعض المواد الأولية وأعمال البيع وتبادل السلع والاستيراد والتصدير.
وكان هذا النشاط يتمركز في منشآت خاصة تقام خصيصاً لهذه الأغراض التجارية واستقبال القوافل والمسافرين من تجار وحجاج وغيرهم.
كان يطلق على هذه المنشآت فنادق واحياناً القيسارات وتارة الخانات.. بعضها اقيم في المدينة وبعضها عند أطرافها وازداد في العصر العثماني تشييد هذه المنشآت بسبب تزايد النشاط التجاري وكثرة القوافل التي تأتي الى دمشق من كل انحاء العالم وخاصة قوافل الحجاج.
هذه الخانات كانت تقوم مقام الفنادق وتشمل النواحي المهنية والتجارية والسكنية وتتكون من طابقين.
الطابق الأرضي كان مخصصاً لنزول القوافل وللبضائع والخيول.. أما الطابق العلوي فمزود بغرف صغيرة يبيت فيها التجار الغرباء والمسافرون.
وتطورت هذه الخانات في هندستها وبنائها حتى اصبحت في العصر العثماني اشبه بسوق مغلقة اطلق عليها آنذاك اسم وكالة..
والخان في العادة مبني بالحجارة المنحوتة في واجهته وبوابته وجدرانه الداخلية فيما استخدم الآجر لبناء القباب التي طليت بالكلس الأبيض لتكون ظاهرة وواضحة وذات منظر جميل يلفت النظر ويتخلل الواجهات والبوابات بعض الحليات المعمارية والأحجار الملونة.
وفي أغلب الأحيان كانت واجهات الخان الخارجية تضم مخازن تجارية مفتوحة على السوق العامة، ويذكر ان هناك عدداً كبيراً من الخانات غير معروف يقع أكثرها على مقربة من خان اسعد باشا تحول بعضها الى مخازن ومستودعات لبضائع التجار نذكر منها:
ـ خان سليمان باشا: يقع في سوق مدحت باشا على الجانب الجنوبي منه قريباً من محلة الدقاقين كان يطلق عليه قديما اسم خان الحماصنة لأن تجار حمص كانوا ينزلون فيه بناه والي دمشق سليمان باشا العظم في أول ولايته وكان قد ولي سنة 1445هـ .
ـ خان الحرير: الذي عر ف باسم قيسارية درويش باشا ثم اطلق عليه اسم خان الحرير. تم بناؤه كما هو مثبت في الكتابة المنقوشة على الباب سنة 981هـ /1573 م وقد عمره والي دمشق المشهور درويش باشا.
ويقع في الجانب الشرقي من سوق الحرير والى الجنوب الغربي من الجامع الأموي.
ـ خان الجوخية وخان الخياطين وهو جزء من سوق الخياطين بناه والي دمشق احمد شمسي باشا في العام 960 هـ له واجهة حجرية جميلة وباب فخم وهندسة لا تختلف عن التصميم العام للخانات.
ـ خان التتن: والتتن كلمة تركية معناها التبغ ويبدو انه خصص لتجارة التبغ.. يقع في جنوب الجامع الأموي وشرق خان الحرير... بابه مفتوح على سوق السلاح، وهو من النموذج الذي سقف صحنه بالقباب. حيث يحتوي على ثلاث قباب كبيرة، ويمتاز بوجود جناحين يتفرعان من باحته بوساطة دهليز ضيق يماثل تصميم الخان ولكن بشكل مصغر.
ـ خان الصدرانية: يقع بالقرب من قصر العظم بابه مفتوح على سوق البزورية له دهليز مسقوف بعقد وثلاث قباب يليه صحن متعامد مع الدهليز مسقوف بقبتين ومحوط بأروقة من ثلاث جهات وله طابق علوي مزود بممر مسقوف بالقباب وعلى جانبه الداخلي غرف صغيرة.
ـ خان المرادية: يقع عند باب البريد وله واجهة على سوق الحميدية وأخرى على سوق الحرير وهندسته تبدو حديثة العهد ترجع الى مطلع القرن العشرين.
ـ خان الجمرك: يقع الى جوار خان المرادية وبابه مفتوح على سوق القلبقجية وله هندسة خاصة هي عبارة عن زاوية قائمة مسقوفة بست قباب وعلى جانبي الممر سلسلة من المخازن التجارية.
ـ خان الزيت يقع في الجانب الشمالي من سوق مدحت باشا باحته سماوية وفي وسطها بركة ماء محوطة بأروقة قائمة على عضائد وأقواس وطابقه العلوي مؤلف من رواق مسقوف بقباب صغيرة مزود بصف واحد من الغرف، أما الجهة الأخرى من الرواق فتطل على الباحة بقناطر مماثلة لقناطر الطابق الأرضي.
وأهم هذه الخانات من حيث البناء الهندسي والمعماري خان اسعد باشا فقد وصفه الشاعر الفرنسي لامارتين بأنه أجمل خانات الشرق وأن شعباً فيه مهندسون لديهم الكفاية لتصميم مثل هذا الخان وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء لجدير بالحياة والفن.
يقع خان أسعد باشا في قلب المدينة القديمة وسط سوق البزورية الشهير بناه والي دمشق أسعد باشا ابن اسماعيل باشا العظم الذي استغرق في بنائه سنة وشهرين وتقدر مساحته بـ 2500 متر مربع شكله شبه مربع يتألف من طابقين يحيطان بالصحن ومدخل مسقوف واجهته تحتل جانباً من سوق البزورية وتحتوي على بوابة الخان ومسجد صغير وعلى عدد من الدكاكين والمخازن التجارية.
لبوابة الخان واجهة حجرية فخمة تتألف من ايوان واسع يتقدم الباب على جانبيه. والباب مفتوح ضمن قنطرة ذات قوس أقل من نصف دائرة تعلوها واجهة مؤلفة من خطوط هندسية مقولة جيدة النحت تحتوي على نص التأسيس ويغلق الباب بمصراعين من الخشب المصفح بالحديد والمسامير الكبيرة ينفتح في احدهما باب صغير ويلي الباب آخر مشابه ويؤدي الى دهليز طوله عشرة امتار وعرضه اربعة على كل من منهما درج من الحجر للصعود الى الطابق العلوي ينتهي بقنطرة واسعة مفتوحة على صحن الخان.
وصحن الخان عبارة عن باحة مربعة مبلطة بالحجر الأسود في وسطها بركة ماء كثيرة الأضلاع والصحن مغطى بسقف يتألف من تسع قباب كبيرة، ترتفع ذروتها عن أرض الخان 22 متراً وهذه القباب متساوية من حيث الحجم والسعة والارتفاع ويحيط بالصحن من كل جهاته غرف ومخازن موزعة على طابقين فيها الأرضي له واجهة حجرية فتحت فيها ابواب المخازن وشبابيكها.
والمخازن مصممة على شكل اجنحة يتألف كل منها من غرفة امامية تستخدم كمكتب في داخلها غرفة أو غرفتان مفتوحة من الأعلى على جدار السوق.
وهذا التخطيط العمراني لهذا الخان أشبه ما يكون بتصميم القصور الأموية.
حيث يمتاز بسعته وهندسته الدقيقة التي بنيت بإتقان وعناية ونرى فنون العمارة العربية الإسلامية متمثلة في هندسته ولكنها متطورة اكثر وأجمل مافي بناء هذا الخان حجارته البلقاء المؤلفة من اللونين الأبيض والأسود والتي استعملت في الجدران والعقود والأقواس وفي سائر انحاء الخان بالتناوب وهذا يدل على روائع الفن المعماري الإسلامي في المشرق العربي.
إن هذه الخانات باتت اليوم من أجمل المعالم الأثرية والسياحية التي تضفي البهجة والهناء والحياة لكل من يشاهدها.
تعليق