بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم - وفقكم الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم - وفقكم الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى في سورة المجادِلة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )المجادلة: 11
في بداية الاية قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ) ، ثمّ قال عزّ وجلّ : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ )
فعلى مَن تعود كاف الخِطاب في قوله ( مِنْكُمْ ) ؟
وإ ذا كانت ( مِن ) هذه هي ( مِن التبعيضية ) ، فكيف يُرفع الذين آمنوا مِن المؤمنين وهو مؤمنون أصلاً ؟
أقصِد لماذا قال سبحانه ( مِنْكُمْ ) ولم يقُل : ( يرفِع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العِلم منكم ) ؟ فتأتي ( مِنْكُمْ ) بعد الحديث عن اهل العِلم ؟
ووفقكم الله فضيلة الشيخ وأعلى مقامكم ورزقكم مِن الطيبات ، وجعل الله لكم هذا الفتح مِن العِلم فتحًا لخيري الدنيا والآخرة وفتحًا لكم لكل عون .
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
الذي يظهر أن (مِنْكُمْ) في الآية يُراد بها الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن أول الآية خِطاب لهم ، ويُبيِّن ذلك سبب نُزول الآية .
قال ابن كثير في سبب نُزول الآية : قال قتادة : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم وكانوا إذا رأوا من جاءهم مُقْبِلاً ضَنُّوا بمجلسهم ، فأمرهم اللّه أن يفسح بعضهم لبعض .
وقيل : كان ذلك يوم الجمعة . اهـ .
وأما رِفْعة المؤمنين ، فهي بالعِلْم النافع والعمل الصالح .
قال ابن جرير الطبري : قوله : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) يقول تعالى ذِكْرُه : يَرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم ، فيما أمرهم به مِن الـتَّفَسّح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا ، أو بِنُشُوزِهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انْشُزُوا إليها ، ويرفع الله الذين أوتوا العلم مِن أهل الإيمان على المؤمنين ، الذين لم يؤتوا العلم بِفَضْل علمهم درجات ، إذا عملوا بما أُمِرُوا به . اهـ .
وقال القرطبي : قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي : في الثواب في الآخرة ، وفي الكرامة في الدنيا ، فَيَرْفَع المؤمن على مَن ليس بِمُؤمِن ، والعَالِم على مَن ليس بِعَالِم . وقال ابن مسعود : مَدَح الله العلماء في هذه الآية . والمعنى : أنه يَرفع الله الذين أُوتُوا العِلْم على الذين آمنوا ولم يُؤتَوا العِلْم ... وقال يحيى بن يحيى عن مالك : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) الصحابة ، (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) يرفع الله بها العالم والطالب للحق . اهـ .
وجائز أن آخر الآية الْتِفات في الخِطاب ، فيكون أوّل الآية خِطاب للصحابة ، وآخرها خِطاب لِعموم المؤمنين .
والآية وإن كان سبب نزولها لأمْر خاص فإن العبرة بِعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فتكون عامّة للمؤمنين .
والله تعالى أعلم .
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
الذي يظهر أن (مِنْكُمْ) في الآية يُراد بها الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن أول الآية خِطاب لهم ، ويُبيِّن ذلك سبب نُزول الآية .
قال ابن كثير في سبب نُزول الآية : قال قتادة : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم وكانوا إذا رأوا من جاءهم مُقْبِلاً ضَنُّوا بمجلسهم ، فأمرهم اللّه أن يفسح بعضهم لبعض .
وقيل : كان ذلك يوم الجمعة . اهـ .
وأما رِفْعة المؤمنين ، فهي بالعِلْم النافع والعمل الصالح .
قال ابن جرير الطبري : قوله : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) يقول تعالى ذِكْرُه : يَرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم ، فيما أمرهم به مِن الـتَّفَسّح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا ، أو بِنُشُوزِهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انْشُزُوا إليها ، ويرفع الله الذين أوتوا العلم مِن أهل الإيمان على المؤمنين ، الذين لم يؤتوا العلم بِفَضْل علمهم درجات ، إذا عملوا بما أُمِرُوا به . اهـ .
وقال القرطبي : قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي : في الثواب في الآخرة ، وفي الكرامة في الدنيا ، فَيَرْفَع المؤمن على مَن ليس بِمُؤمِن ، والعَالِم على مَن ليس بِعَالِم . وقال ابن مسعود : مَدَح الله العلماء في هذه الآية . والمعنى : أنه يَرفع الله الذين أُوتُوا العِلْم على الذين آمنوا ولم يُؤتَوا العِلْم ... وقال يحيى بن يحيى عن مالك : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) الصحابة ، (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) يرفع الله بها العالم والطالب للحق . اهـ .
وجائز أن آخر الآية الْتِفات في الخِطاب ، فيكون أوّل الآية خِطاب للصحابة ، وآخرها خِطاب لِعموم المؤمنين .
والآية وإن كان سبب نزولها لأمْر خاص فإن العبرة بِعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فتكون عامّة للمؤمنين .
والله تعالى أعلم .
تفسير قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله
قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، خص سبحانه رَفْعَه بالأقدار والدرجات الذين أوتوا العلم والإيمان، وهم الذين استشهد بهم في قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
وأخبر أنهم هم الذين يرَون ما أنزل إلى الرســول، هــو الحق بقوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]، فدلَّ على أن تَعَلُّم الحجة والقيام بها يرفع درجات من يرفعها، كما قال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء} [يوسف: 76].
قال زيد بن أسلم: بالعلم.
فَرَفعُ الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين، وآخر لا ينام الليل، وآخر لا يفطر، وغيرهم أقل عبادة منهم، وأرفع قدرًا في قلوب الأمة، فهذا كُرْز بن وَبرَة [هو كرز بن وبرة الحارثي، أبو عبد الله، تابعي، من أهل الكوفة، يضرب به المثل في التعبد، دخل جرجان غازيا مع يزيد بن المهلب سنة 98هـ. ثم سكنها، وتوفي بها سنة 728م]، وكَهْمَس، وابن طارق، يختمون القرآن في الشهر تسعين مرة، وحال ابن المسيب وابن سيرين والحسن وغيرهم في القلوب أرفع.
وكذلك ترى كثيرًا ممن لبس الصوف، ويهجر الشهوات، ويتقشف، وغيره ممن لا يدانيه في ذلك من أهل العلم والإيمان أعظم في القلوب، وأحلي عند النفوس، وما ذاك إلا لقوة المعاملة الباطنة وصفائها، وخُلُوصَها من شهوات النفوس، وأكدار البشرية، وطهارتها من القلوب التي تكدر معاملة أولئك، وإنما نالوا ذلك بقوة يقينهم بما جاء به الرسول،وكمال تصديقه في قلوبهم، ووده ومحبته، وأن يكون الدين كلــه لله، فإن أرفع درجات القلوب فرحها التام بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الرعـد: 36]، وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} الآية [يونس: 58].
ففضل الله ورحمته: القرآن والإيمان، من فرح به فقد فرح بأعظم مَفرُوح به، ومن فرح بغيره فقد ظلم نفسه ووضع الفرح في غير موضعه.
فإذا استقر في القلب، وتمكن فيه العلم بكفايتـه لعبـده، ورحمته له، وحلمه عـنده، وبره به، وإحسانه إليه على الدوام، أوجب له الفرح والسرور أعظم من فرح كل مُحِب بكل محبوب سواه، فلا يزال مترقيا في درجات العلو والارتفاع بحسب رقيه في هذه المعارف.
هذا في باب معرفة الأسماء والصفات.
وأما في باب فهم القرآن فهو دائم التفكر في معانيه، والتدبر لألفاظه، واستغنــائه بمعانــي القــرآن وحكمه عن غيره من كلام الناس، وإذا سمع شيئًا من كلام الناس وعلومهم عرضــه على القرآن، فإن شـهد له بالتزكية قَبِلَه، و إلا رده،
وإن لم يشهد له بقبول ولا رد وقفه، وهمته عاكفــة على مراد ربه من كلامه.
ولا يجعل همته فيما حُجِبَ به أكثرُ الناس من العلوم عن حقائق القرآن، إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك.
فإن هذا حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ {أأنذرتهم}، وضم الميم من {عليهم} ووصلها بالواو، وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك. وكذلك مراعاة النغم، وتحسين الصوت.
وكذلكتتبع وجوه الإعراب، واستخراج التأويلات المستكرهة، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان.
وكذلك صرف الذهن إلى حكاية أقوال الناس، ونتائج أفكارهم.
وكذلك تأويل القرآن على قول من قَلَّدَ دينه أو مذهبه، فهو يتعسف بكل طريق، حتى يجعل القرآن تبعًا لمذهبه، وتقوية لقول إمامه، وكلٌّ محجوبون بما لديهم عن فهم مراد الله من كلامه في كثير من ذلك أو أكثره.
وكذلك يظن من لم يقدر القرآن حق قدره، أنه غير كاف في معرفة التوحيد، والأسماء والصفات، وما يجب لله وينزه عنه، بل الكافي في ذلك: عقول الحيارى والمُتَهَوِّكين [المتهوكون: المتحيرون] الذين كل منهم قد خالف صريح القرآن مخالفة ظاهرة.
وهؤلاء أغلظ الناس حجابا عن فهم كتاب الله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المرجع: المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله
قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، خص سبحانه رَفْعَه بالأقدار والدرجات الذين أوتوا العلم والإيمان، وهم الذين استشهد بهم في قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
وأخبر أنهم هم الذين يرَون ما أنزل إلى الرســول، هــو الحق بقوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]، فدلَّ على أن تَعَلُّم الحجة والقيام بها يرفع درجات من يرفعها، كما قال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء} [يوسف: 76].
قال زيد بن أسلم: بالعلم.
فَرَفعُ الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين، وآخر لا ينام الليل، وآخر لا يفطر، وغيرهم أقل عبادة منهم، وأرفع قدرًا في قلوب الأمة، فهذا كُرْز بن وَبرَة [هو كرز بن وبرة الحارثي، أبو عبد الله، تابعي، من أهل الكوفة، يضرب به المثل في التعبد، دخل جرجان غازيا مع يزيد بن المهلب سنة 98هـ. ثم سكنها، وتوفي بها سنة 728م]، وكَهْمَس، وابن طارق، يختمون القرآن في الشهر تسعين مرة، وحال ابن المسيب وابن سيرين والحسن وغيرهم في القلوب أرفع.
وكذلك ترى كثيرًا ممن لبس الصوف، ويهجر الشهوات، ويتقشف، وغيره ممن لا يدانيه في ذلك من أهل العلم والإيمان أعظم في القلوب، وأحلي عند النفوس، وما ذاك إلا لقوة المعاملة الباطنة وصفائها، وخُلُوصَها من شهوات النفوس، وأكدار البشرية، وطهارتها من القلوب التي تكدر معاملة أولئك، وإنما نالوا ذلك بقوة يقينهم بما جاء به الرسول،وكمال تصديقه في قلوبهم، ووده ومحبته، وأن يكون الدين كلــه لله، فإن أرفع درجات القلوب فرحها التام بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الرعـد: 36]، وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} الآية [يونس: 58].
ففضل الله ورحمته: القرآن والإيمان، من فرح به فقد فرح بأعظم مَفرُوح به، ومن فرح بغيره فقد ظلم نفسه ووضع الفرح في غير موضعه.
فإذا استقر في القلب، وتمكن فيه العلم بكفايتـه لعبـده، ورحمته له، وحلمه عـنده، وبره به، وإحسانه إليه على الدوام، أوجب له الفرح والسرور أعظم من فرح كل مُحِب بكل محبوب سواه، فلا يزال مترقيا في درجات العلو والارتفاع بحسب رقيه في هذه المعارف.
هذا في باب معرفة الأسماء والصفات.
وأما في باب فهم القرآن فهو دائم التفكر في معانيه، والتدبر لألفاظه، واستغنــائه بمعانــي القــرآن وحكمه عن غيره من كلام الناس، وإذا سمع شيئًا من كلام الناس وعلومهم عرضــه على القرآن، فإن شـهد له بالتزكية قَبِلَه، و إلا رده،
وإن لم يشهد له بقبول ولا رد وقفه، وهمته عاكفــة على مراد ربه من كلامه.
ولا يجعل همته فيما حُجِبَ به أكثرُ الناس من العلوم عن حقائق القرآن، إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك.
فإن هذا حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ {أأنذرتهم}، وضم الميم من {عليهم} ووصلها بالواو، وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك. وكذلك مراعاة النغم، وتحسين الصوت.
وكذلكتتبع وجوه الإعراب، واستخراج التأويلات المستكرهة، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان.
وكذلك صرف الذهن إلى حكاية أقوال الناس، ونتائج أفكارهم.
وكذلك تأويل القرآن على قول من قَلَّدَ دينه أو مذهبه، فهو يتعسف بكل طريق، حتى يجعل القرآن تبعًا لمذهبه، وتقوية لقول إمامه، وكلٌّ محجوبون بما لديهم عن فهم مراد الله من كلامه في كثير من ذلك أو أكثره.
وكذلك يظن من لم يقدر القرآن حق قدره، أنه غير كاف في معرفة التوحيد، والأسماء والصفات، وما يجب لله وينزه عنه، بل الكافي في ذلك: عقول الحيارى والمُتَهَوِّكين [المتهوكون: المتحيرون] الذين كل منهم قد خالف صريح القرآن مخالفة ظاهرة.
وهؤلاء أغلظ الناس حجابا عن فهم كتاب الله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المرجع: المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله
تعليق