تُعَدُّ مدائن صالح من أشهر المواقع الآثارية في المملكة العربية السعودية، وترجع شهرتها إلى احتمالية صلتها بقوم ثمود الأمة التي بُعث إليها النبي صالح عليه السلام هذا من جانب، وإلى وجود المقابر المنحوتة على واجهات جبالها والتي يدل ما كتب عليها على أنها تؤرخ بالفترة النبطية، أي أواخر القرن الأول قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وأوائل القرن الأول الميلادي، من الجانب الآخر.. وبسبب وجود تلك المقابر زار مدائن صالح عدد من الرحالة الغربيين والعرب وعدد من الباحثين، وكتب عنها عدد منهم.. ويتفاوت ما كتب في جودته ومن أجود ما كتب مقال لفرانك ج. كليمو بعنوان "زيارة للأضرحة الصخرية في مدائن صالح والجزء الجنوبي من خط سكة حديد الحجاز" ولملاحظتي عدم رجوع الكثير ممن كتبوا عن تلك الأضرحة إلى هذا المقال رأيت أن أقدم ما جاء فيه مترجماً ليتمكن الباحثون من الاستفادة منه ولتعريفهم به.. وإلى ما جاء في ذلك المقال:
دوّن كليمو: توجد في مدائن صالح مجموعة رائعة جداً من تجاويف الأضرحة وواجهاتها على الصخور الحجرية.. ويعتقد العرب بأن هذه التجاويف والحجيرات قد نحتها قوم ثمود في عصر النبي صالح عليه السلام، ولهذا السبب أطلق على المستوطنة اسم مدائن صالح.. ومن ناحية ثانية فإن التاريخ الحقيقي قد دل على أنها تعود إلى عهد أقرب بكثير، ربما إلى العصر النبطي.. وقد أعاد داوتي "Doughty" اكتشاف تلك الآثار الرائعة سنة 1876م، وتناولها بالوصف المفصل في كتابه "الصحراء العربية" "Arabian Deserta"، وصفها وصفاً تاماً بالقلم والصورة.. ولذلك لم يتبق إلا القليل للمكتشفين من بعده إلا من أراد معرفة دقة المكتشف الأصلي، وهذا يمكن سبره بسهولة بمقارنة بعض تفاصيله بالمناظر المصورة التي عرضت هنا.. ونقدم ادناه بعض ملامحها المادية المهمة.
أولاً: تبدو احجامها رائعة، فيتراوح ارتفاع أعلاها بين السبعين والثمانين قدماً، وتبدو عريضة نسبياً.. ويوجد تشابه كبير في مظهرها العام، إلا أن هناك اختلافاً شاسعاً في التفاصيل.. وتحديداً يوجد فيها جميعاً مدخلاً واحداً له أعمدة مستطيلة الشكل وناتئة على كل جانب وكذلك مثلث فوقه، وهذه موضوعة على "الوجهة" (السيد داوتي يسميها "المواجهة")، والتي هي الأخرى بها أعمدة مستطيلة ناتئة على كل جانب، ومحاطة بمجموعة من الأفاريز المشكلة، ويوجد في القمة شيء ثابت يشبه الزخرفة كما يظهر في الصور الفوتوغرافية.. ومثل واجهات القبور هذه تشاهد بكثرة في البتراء عاصمة مملكة الأنباط، ويظهر بأن لها مميزات ذلك النوع نفسها. ووجد كتابات منقوشة على بعض واجهات الأضرحة، وقد نجحت أعمال داوتي وايرنست رينان في كشف غموضها وترجمتها، وبينوا بأن تلك القبور كانت أماكن دفن لمختلف الأسر النبطية.
إن تجويف القبر الذي يفضي الباب إليه يكون عادة في شكل فجوة مستطيلة الشكل حجمها ليس بالكبير، ولا يزيد ارتفاعها كثيراً على ارتفاع قامة رجل وسيط.. وتوجد في الجدران تجاويف صغيرة كثيرة أو فجوات مستطيلة الشكل.. والملفت للانتباه ان عمق العديد منها قليل لا يناسب وضع التابوت، أو حتى جسداً مجرداً.. وتوجد فجوات أكبر وأعمق في نهايتي التجويف في بعض الأضرحة، وفي بعضها توجد نقائر لها عمق في الأرضية عند أحد نهايات التجويف أو عند نهايتي التجويف معاً.
وعادة ما تكون الأضرحة الأصلية مفروشة ببعض أكوام النفايات التي ربما يوجد بينها العديد من العظام البشرية، وأطباق طعام خشبية، وأجزاء من أغطية القبور، وكتل من مادة راتنجية والتي بدون أدنى شك، تكون بعض البخور والتوابل الأخرى التي كان النبطيون يتاجرون بها، وبها كانوا يحنطون موتاهم.. ودوماً ما يلفت تجويف القبر الانتباه بصغره، وغرابته تحديداً في انخفاضه مقارنة بارتفاع الواجهة الخارجية، ولكن المفارقة كانت في وجود حفرة في سقف أحد القبور، وقد أفضت هذه الحفرة إلى تجويف علوي، ويقال انه وجد بداخله بقايا أربعين أو خمسين جثة بشرية.. وإن كان ذلك صحيحاً في حال ضريح واحد، فيبدو من المعقول افتراض وجود ذلك في الأضرحة الأخرى، ولو ثبتت صحة ذلك فإن اجراء توضيح معقول ربما توصل إلى تبيين عدم التناسب بين ارتفاع الواجهة الخارجية وارتفاع التجويف السفلي للقبر داخله.
تعليق