يقع البناء المعروف باسم(تاج محل) في مدينة (أغرا Agra) شمال غرب الهند، وقد كانت هذه المدينة عاصمة لسلاطين المغول Moghul المسلمين، ويعد هذا البناء تحفة عمرانية رائعة على مر العصور.
لمحة تاريخية
كانت بداية دخول الإسلام الى الهند، عن طريق التجار العرب، الذين كانوا يتاجرون مع السكان في سواحل الهند الغربية، المطلة على بحر العرب(أنظر كتاب history of the world- للمؤلف J.M Roberts صفحة 408 وما بعدها ). أما منطقة ( السند) فقد اقتحمتها الجيوش العربية، دون ان تتوغل في الهند، وقد بقيت الأمور على هذه الحال حتى قام الغزنويون( ملك غرنة) المسلمون بالتوغل بعيدا في الهند (الغزنويون جماعة من الترك) وذلك في القرن الحادي عشر للميلاد. لكنهم مع ذلك لم يكن لهم أي تاثير هام في المنطقة، بينما استمرت الحياة الدينية في الهند على حالها في القرنين التاليين، الثاني عشر والثالث عشر.
وقد حكم أباطرة من المغول غرب بلاد الهند، وكانوا يعتنقون الديانة المسيحية.. ومع تقدم القائد المغولي (تيمورلنك Timur Lang)احتلت جيوشه بعض المناطق في شمال الهند حوالي عام 1398 للميلاد. واسس المغول دولة جديدة في مدينة (دلهي Delhi) عن طريق (بابور Babur) حاكم مدينة (كابول Kabul) وكان والده من سلالة تيمورلنك، وأمه من سلالة (جنكيز خان Chinghis) وهو الذي احتل مدينة (سمرقند Samorkand) وكان في الرابعة عشر من عمره.
وقد عرف الأباطرة الذين حكموا شمال غرب الهند باسم (مغول الهند) ومن ملوكهم المشهورين (أكبرAKBAR) الذي كان شجاعا، ويعرف عنه أنه قتل نمرا بسيفه وحيدا، اعتنى بجمع الكتب، وكان حكيما متسامحا، جعل من نفسه ملكا محبوبا من جميع مواطنيه، عندما ترك للجميع حرية العقيدة الدينية، وهو لم يكن في يوم من الأيام مسلما متعصبا Muslim Fanatic، كان يصغي لمعلمين مسيحيين ، وقد استقبل مبشرين من البرتغال، نزلوا على شواطئ الهند الغربية، واستمع إليهم في عام 1580. وهو قد ذهب بعيدا في الحقيقة، عندما أراد إنشاء دين جديد، وعمل (أكبر) على ضم بعض المقاطعات الهندية المجاورة لمملكته، عاملا بذلك على توحيد شمال الهند، واقام علاقات تجارية مع الانكليز، وقد غدت امبراطوريته في ذلك الحين، من أعظم الامبراطوريات في العالم.. واستمر خلفاؤه في السير على منواله حتى منتصف القرن التاسع عشر. ومن خلفائه المعروفين (جهانجير Jahan Jir) و(شاه جهان Shah Jahan). ولم تكن لجهانجير امجاد والده، علما انه كان محبا للفنون والآداب وخاصة فن الرسم، أما (شاه جهان) فقد كان له حظ ضئيل في حملاته العسكرية في شمال غرب الهند. وقد فشل في دحر الفرس من مدينة قندهار، وهو الذي أمر بهدم العديد من معابد الهندوس، لكنه اشتهر في العالم كله، بأنه هو الذي امر ببناء واحد من أكثر الأبنية جمالا في العالم، وهو تاج محل.
تاج محل
الاسم تاج محل هو اختصار لاسم (ممتاز محل Mumtaz Mahal) وهو يعني (تاج المحل Crown of the Place) و(ممتاز محل ) هي زوجة الامبراطور (شاه جهان) الأثيرة الى قلبه ، والتي توفيت في عام 1631، وبنى لها زوجها قبرا رائعا، بحيث غدا واحدا من أجمل وأكمل الأبنية في العالم بأسره..
لقاء الحبيبين
إلتقى جهان بممتاز (ابنة أخ زوجة أبيه) في احتفال، كان قد أقيم بمناسبة السنة الجديدة، وكان (جهان) في السادسة عشرة من عمره، بينما كانت الفتاة في الخامسة عشرة، وقد تزوجا بعد ذلك بأربع سنوات، وقد كان مسموحا لجهان أن يقتني عدة زوجات، لكن (ممتاز) كانت هي الزوجة المفضلة، وقد توفيت عندما كانت تضع مولودها الرابع عشر..
موقع البناء
يقع هذا الضريح في حديقة واسعة، خارج مدينة (أغرا) الواقعة في شمال غرب الهند، ويتربع (تاج محل) بصورة مثالية، وسط ساحة وحديقة واسعة جدا، ولها ارصفة مبلطة الحجارة المرمر، تتصالب فيها القنوات المائية، التي تجلب إليها المياه من النهر، بواسطة شبكة معقدة من الخزانات، والأنابيب الممتدة تحت سطح الارض، والتي تغذي أيضا نوافير المياه، وفي الساحة بركة ماء طويلة تعكس صورة هذا الضريح، وهذا النمط من الحدائق، هو مشهد لجنة عدن، أو الفردوس.
بناء تاج محل
عمل عشرون ألف عامل، لمدة عشرين سنة، في بناء (تاج محل ) لكن المهندس الذي صممه، وأشرف على بنائه غير معروف ! والذي يشاهد البناء من بعيد، يراه كأنه جوهرة بلا قيمة، علما أن أحجار المرمر الأبيض white marble التي استعملت في بنائه قد جلبت من منطقة (راجستان) البعيدة مسافة 310 أميال، أي حوالي 500 كيلومتر، الى ضفة نهر (يامونا yamuna) في مدينة (أغراAgra) وفي الحقيقة أن البناء ليس كله من المرمر، فالجدران مبنية بحجارة عادية لكنها مغطاة بصفائح من أحجار المرمر القاسية .
اختار الامبراطور شاه جهان هذه المنطقة، ليس فقط لجمال الاخاذ ولكن ايضا لأن المكان سيكون مكانا للانتعاش والتأمل من أجل المجتمع، وتذكارا لزوجته المحبوبة.
وكان باستطاعة الامبراطور ان يشاهد القبر من قصره، ويذهب إليه عبر النهر.. كما ان هناك مشهد من الكمال في البناء، حيث التماثل والتناظر، فكل نصف هو في الواقع صورة ومرآة للآخر.
جنبا الى جنب
يقع تاج محل فوق قاعدة مربعة من حجر المرمر، التي ترفعه فوق مستوى الحديقة، والقبو basement يحتضن قبري ممتاز محل وشاه جهان الحقيقين، الواقعين على مستوى سطح الأرض، جنبا الى جنبن القبران اللذان يشاهدهما الزائرون في الطابق الذي يلي القبو ( الطابق الأول) فوقهما، ليسا هما القبرين الحقيقين، القبران الحقيقيان مخبان في الأسفل –كما ذكرنا- بعيدا عن أعين اللصوص والمخربين، والقبران مزيفان بكل جمال وبهاء ب43 نوعا من الحجارة الكريمة gems. وقبر الزوجة ممتاز يتوسط المكان، بينما قبر الزوج، يقع جانبا مرتفعا قليلا، وموضع القبرين، هو المكان الوحيد، الذي ليس فيه التناظر ، الموجود في سائر اقسام البناء الأخرى.
المآذن او المنارات
ان جميع المساجد لها مآذن (منارات) حيث منها يدعو المؤذن المصلين الى الصلاة، خمس مرات في اليوم، وتاج محل هو أول قبر، ينتصب بحرية ، وله أربع مآذن ، تبدو عند زوايا البناء.
القبة : تخترق جدران البناء قناطر ضخمة immense Arches، تتوجها قبة مرهفة الصنع Delicate Domeمنبنية بأحجار المرمر،وهي تشكل معلما بالغ الأثر في افق مدينة أغرا، حيث يبلغ ارتفاعها 210 أقدام (76 مترا)
مظهر خارجي يشبه الجوهرة
كان شاه جهان يحب الحجارة الكريمة أو الجوهر، كما كان يحب ان يضع بنفسه تصاميم مجوهراته، فعمل على نزيين واجهات البناء برسوم ونماذج الازهار. مستعملا حجارة تشبه الحجارة الكريمة ، كالحجارة البلورية crystal، وحجر اللازورد lapis lazuli، وهو حجر كريم سماوي الزرقة ، والتزيين برسوم الازهار الجميلة، هو تقليد اسلامي، ورمز لــ: (ممكلة السماء kingdom of heaven) وقد تم تزيين بعض الاماكن الخارجية، بآيات قرآنية مكتوبة بخط جميل، ومنقوشة ، وفي العالم الإسلامي يعتبر جمال الخط اليدوي calligraphy اعلى درجات الفن. وهذه الكتابات التزيينية، لا يوجد لها مثيل، في اي مشهد عمراني آخر من بناء المغول .
لقد كان للحضارة الإسلامية تأثير هام في شبه القارة الهندية، وما تاج محل إلا أحد معالم هذه الحضارة الكبرى، وهو دليل على عظمتها، ومساهمتها في تاريخ الحضارة الإنسانية.