علم الكيمياء عند العرب المسلمين:
بدأت الكيمياء في الإسلام بالصنعة، ذلك لأن العرب اعتمدوا الكتب المنقولة عن اليونانية، وكتب الإسكندرانيين التي نقلت إلى العربية. ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية أول من اشتغل في علم الصنعة عند العرب، حيث استقدم بعض الرهبان الأقباط المتفحصين بالعربية، كمريانوس، شمعون، وغيرهم، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى اللغة العربية عله يتمكن من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.
وهكذا وصلت الصنعة إلى العرب بواسطة الإسكندرانيين ممتزجة بالأوهام والأضاليل، تهدف إلى تحقيق غايات وهمية تتعلق بالصحة والخلود والثروة بعيدة عن الكيمياء التي ترتكز على قواعد وقوانين علمية.
وقد انتقل هذا المفهوم إلى العلماء العرب فاعتقدوا كاليونان والسريان أن طبائع العناصر قابلة للتحويل، وأن جميع المعادن مؤلفة من عناصر واحدة هي الماء، الهواء، التراب، النار، وسبب اختلافها فيما بينها يعود إلى اختلاف نسب هذه العناصر في تركيبها، فلذلك لو توصلنا إلى حلّ أي معدن إلى عناصره الأساسية، وأعدنا تركيبه من جديد بنسب ملائمة لنسب أي معدن آخر كالذهب والفضة مثلاً، لاستطعنا الحصول على هذا المعدن.
من أجل ذلك قام العلماء العرب بتجارب عديدة، أحاطوها بالسرية التامة، واستعملوا الرموز في الإشارة إلى المعادن فأشاروا إلى الذهب بالشمس، والى الفضة بالقمر، فاكتشفوا مواد جديدة، واختبروا أموراً مختلفة، وتوصلوا إلى قوانين عديدة، واستطاعوا أن ينقلوا الخيمياء إلى الكيمياء وذلك لعدة أسباب منها:
1- فشل محاولات الصنعة في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى علم تجريبي على يد العالم جابر بن حيان ومن ثم الرازي.
2- تكثيف التجارب المادية والتماس منهج علمي صحيح قائم على التجربة والبرهان [8].
ومع جابر بن حيان انتقلت الكيمياء عن العرب من طور صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات.
جابر بن حيان:
ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحياناً وتاريخية حيناً آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعدّ الممثل الأول للكيمياء العربية.
وقد أثّر جابر في الكيمياء الأوربية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان [9].
مولده – نشأته:
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان ) وسكن الكوفة، حيث كان يعمل صيدلانياً [10]. وكان أبوه عطاراً [11]. بنسبته الطوسي أو الطرطوسي، وينحدر من قبيلة الازد.
يقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّاني، كان من أنصار آل البيت (بعد أن دخل الإسلام وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد )، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته [12].
كان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفياً.
ويقدّر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م – 722 م، أما تاريخ وفاته فغير معروف تماما. ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م [13].
ويقول هولميارد Holmyard أن جابر عاش ما يقارب 95 سنة، ودليله في ذلك أن المؤلفات التي ألّفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن [14].
رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلّم القرآن والحساب وعلوماً أخرى على يد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقّن عنه بعض التجارب [15].
اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد علي بن أبي طالب ) ت 148 هـ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشيد بحفاوة [16].
اختلاف الرواة والمفكرين في أمره ووجوده:
اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أن يكون قد مرّ في هذه الحياة رجل يحمل هذا الاسم، وقال آخرون إنه رجل معروف في التاريخ، وقد اشتغل بصناعة الكيمياء، واستطاع أن يحوّل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة.
وزعم قوم من الفلاسفة أنه منهم، وله كتب في المنطق والفلسفة. وزعم آخرون ( أهل صناعة الذهب والفضة) أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً [17].
لكن جابر بن حيان حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وعلم من أعلام العرب العباقرة، وأول رائد للكيمياء، وقد أيّد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي، عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول "أستاذنا"[18].
مدرسته:
أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات [19]. وقد درس جابر ما خلّفه الأقدمون، فلم يرَ من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار [20].
ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني [21]. وزعم هولميارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة [22].
منهجه العلمي:
العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: "إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل" [23].
وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتماداً على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول:
] وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبداً [ [24].
وقد كان جابر انطلاقاً من قناعته بامكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الاتقان المتين، كان شجاعاً بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.
تساءل جابر ؟! ألا يمكن أن يكون التوليد ممكناً، ] فالكائن الحي بالنسبة له بل الانسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة [ [25].
ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لايعني أن هذا العالم قد تخلص من الافكار القديمة، وحرّر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لايعني أيضاً أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور [26].
ولجابر الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواحي العلمية الاخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.
فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، التبخير، التكليس، الإذابة، التبلور، وغيرها [27].
كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الان، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية [28].
رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:
ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحاً (نفساً، جوهراً ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.
ويرى جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاءً (ممزوجاً بعناصر اخرى ) كان أضعف تأثيراً، فإذا أردنا عنصراً قوي الاثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:
] فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئاً منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئاً من روحه [ [29].
تطبيق هذا الرأي على الذهب:
يقول جابر:
] إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفّيه مرة بعد أخرى، حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في ايدينا إكسيراً أو دواءً، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين [.
فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجيناً مختمراً، فكذلك الاكسير (الاحمر المستخرج من الذهب ) يقلب المعادن ذهباً، والاكسير (الابيض المستخرج من الفضة) يقلب المعادن فضة.
أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهباً وفضة (بسهولة ) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد [30].
ويبدو أن (الروح، الخميرة، الاكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء ) اسماء مختلفة لشيء واحد.
فالاكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل [31].
ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن كائناً حياً ينمو في باطن الارض أمداً طويلاً آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الاسراع بهذا الاقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت [32].
كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الارض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.
ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهماً فضلاً عن ذلك لايتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماماً، وحصل الاتحاد كاملاً بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن [33].
أما الاخلاط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الاصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يُشكّل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الاكاسير [34].
ومن هنا نستنتج أن جابراً يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظرياً على الاقل، وإن كان ذلك صعباً تجريبياً ! [35].
تدبير جابر للأكاسير:
من أهم جوانب علم الكيمياء عند جابر، استناده على الاكسير العضوي، بالاضافة إلى الإكسير غير العضوي.
فمن العلامات المميزة في الصنعة عند جابر تدبير الأكاسير لا على أساس معدني فحسب، بل كذلك على اساس مواد حيوانية ونباتية، بل إنه يفضل الاكسير الذي يرجع إلى مواد حيوانية، لما لهذه المواد من فعل أقوى بكثير مما للاكاسير الاخرى.
يرى جابر أنه يمكن عمل اكاسير مختلطة بهذه المواد المذكورة، من ذلك مثلاً إكسير نباتي – حيواني، إكسير نباتي - معدني، إكسير حيواني – معدني، إكسير نباتي - حيواني – معدني.
ولايمكن بلوغ هذه الاكاسير المختلفة، وكذا الاكسير الاعظم، أي العقار العام لكل المعادن [36].
ولا بد للحصول على الاكسير الصحيح من الرجوع إلى اصول أكيدة، واستيفاء كل أسباب الدقة.
وقد اعتمد جابر في ذلك على فكرة أن كل الاشياء في العالم الطبيعي تتركب من عناصر اربعة، تشكلت بدورها من أربع كيفيات.
ومن الممكن عن طريق (الميزان) معرفة نصيب الطبائع الاربع في كل جسم، وبالتالي تجديد تركيبه بدقة تامة.
وبهذه الطريقة يمكن للكيميائي أن يتحكم في كل التغيرات التي تحصل في الجسم، ما دام في وضع يدبر فيه كلاً على حدة الاصول والكيفيات التي تعمل بها الطبيعة، كما يصبح في وضع يمكنه من تدبير أجسام جديدة، وبخاصة اكاسير مختلفة تفعل في المعادن [37].
وما الصور المختلفة للاكاسير إلا مزائج تجانست قليلاً أو كثيراً، مع الطبائع أو الخواص الاربع، مزائج تتفق مع تركيب الاجسام التي استعملت عليها.
وها هو ذا تحديد عمل الاكسير كما بيّنه جابر نفسه في كتاب السبعين:
إن الاصول الاربعة العاملة في الاجسام من الاجناس الثلاثة المؤثرة فيها والمحددة لصبغها هي: النار، الماء، الهواء، الارض.
وفي الواقع ليس هناك فعل واحد من هذه الثلاثة أجناس إلا بتلك العناصر الاربعة. ولهذا، كان معولنا في هذه الصناعة على تدبير هذه العناصر، نقوّي ضعيفها، ونضعّف قويها، ونصلح فاسدها. فمن وصل إلى عمل هذه العناصر الاربعة في هذه الثلاثة أجناس، فقد وصل إلى كل علم، وادرك علم الخليقة وصنعة الطبيعة [38].
يقول جابر في كتابه السبعين على سبيل المثال:
إن الاسرب بارد يابس في الظاهر، وحار رطب في الباطن، وكذلك بالنسبة للفضة، بينما الذهب حار رطب في الظاهر، وبارد يابس في الباطن [39].
ويقال أن جابراً كان أكثر مقامة في الكوفة، وبها كان يدبر الاكسير لصحة هوائها [40].
وذكر جابر في كتابه (الخواص الكبير)، قصة اتصاله بيحيى البرمكي، وعمل اكسيره، وكيف خلصّ به كثيراً من الناس وشفاهم !.
تطلعنا قصته هذه، على أن جابراً كان طبيباً، وكان يستخدم في العلاج دواء يسميه الاكسير، يبدو أنه كان يشفي كثيراً من العلل [41].
أما ما له علاقة بالاكسير من جهة المسؤولية الكبرى، واكتشاف سر الله الاعظم، فله علاقة بالامام جعفر علاقة شديدة [42].
فجابر يعتقد بوجود طريقتين لادراك الصنعة:
أ – طريق ظاهري: وذلك باقتفاء أثر الطبيعة.
ب – طريق باطني : بمعرفة الفرضيات الكبرى، وتطهير النفس البشرية.
والثاني يشير إلى تصوفه وتشيعه الواضحين
[43]. إذ أن أهم مصادر معرفته، الالهامات الباطنية التي اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق، فعلاقته مع الامام جعفر الصادق هي علاقة فكرية فلسفية.
والعلاقة بين جابر وإمامه الصادق لا تقف عد حد واحد، إنما تتعداه إلى أمر كشف سر الله الاعظم ألا وهو الاكسير ؟! [44].
] ولن أشير أكثر إلى العلاقة بين العالم جابر بن حيان وإمامه جعفر الصادق لسعة البحث في هذا الامر، ولاختصار دراستنا على جانب علمي معين في علم العالم الكيميائي جابر بن حيان [.
اكتشافات جابر الكيميائية الاخرى:
سنذكر بعضاً منها:
1- عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الاصباغ في الاقمشة، والعلم الحديث اثبت ذلك، (الشب = أملاح الالمنيوم).
2- توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الالمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.
3- توصل إلى استخدام كبريتيد الانتموان، الذي له لون الذهب، ليعوّض عن الاخير الغالي الثمن.
4- تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لايعرف حتى الان نوع هذا الورق [45].
5- أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الان.
6- مارس كثيراً من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية [46].
لمحة عن كتبه:
ألفّ جابر عدداً كبيراً جداً من الكتب، يقال أنها تجاوزت – 3900 كتاب – [47]، كانت سبباً في الشك بوجوده، أو حتى نسبها جميعاً إليه.
له كتب في الكيمياء، الفلسفة، التنجيم، الرياضيات، الموسيقى، الطب والسحر ورسائل دينية اخرى.
تميّزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النـزعة الطبية فهي رسائل السموم [48].
ولجابر أسلوب لايشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق [49].
وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفاً لجابر، يمكن الرجوع اليها في كتاب الفهرست [50]، وكذلك ذكرها كرواس في مؤلفه رسائل جابر [51].
يمكن أن نعدّ رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الاسلامية، على الرغم من أن عدداً عظمياً من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أُخذت عنها.
تلاميذه:
قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي ) الذي ينسب اليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي) [52].
ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:
] قال استاذنا أبو موسى جابر بن حيان [، ومراده بقوله استاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم [53].
بدأت الكيمياء في الإسلام بالصنعة، ذلك لأن العرب اعتمدوا الكتب المنقولة عن اليونانية، وكتب الإسكندرانيين التي نقلت إلى العربية. ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية أول من اشتغل في علم الصنعة عند العرب، حيث استقدم بعض الرهبان الأقباط المتفحصين بالعربية، كمريانوس، شمعون، وغيرهم، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى اللغة العربية عله يتمكن من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.
وهكذا وصلت الصنعة إلى العرب بواسطة الإسكندرانيين ممتزجة بالأوهام والأضاليل، تهدف إلى تحقيق غايات وهمية تتعلق بالصحة والخلود والثروة بعيدة عن الكيمياء التي ترتكز على قواعد وقوانين علمية.
وقد انتقل هذا المفهوم إلى العلماء العرب فاعتقدوا كاليونان والسريان أن طبائع العناصر قابلة للتحويل، وأن جميع المعادن مؤلفة من عناصر واحدة هي الماء، الهواء، التراب، النار، وسبب اختلافها فيما بينها يعود إلى اختلاف نسب هذه العناصر في تركيبها، فلذلك لو توصلنا إلى حلّ أي معدن إلى عناصره الأساسية، وأعدنا تركيبه من جديد بنسب ملائمة لنسب أي معدن آخر كالذهب والفضة مثلاً، لاستطعنا الحصول على هذا المعدن.
من أجل ذلك قام العلماء العرب بتجارب عديدة، أحاطوها بالسرية التامة، واستعملوا الرموز في الإشارة إلى المعادن فأشاروا إلى الذهب بالشمس، والى الفضة بالقمر، فاكتشفوا مواد جديدة، واختبروا أموراً مختلفة، وتوصلوا إلى قوانين عديدة، واستطاعوا أن ينقلوا الخيمياء إلى الكيمياء وذلك لعدة أسباب منها:
1- فشل محاولات الصنعة في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى علم تجريبي على يد العالم جابر بن حيان ومن ثم الرازي.
2- تكثيف التجارب المادية والتماس منهج علمي صحيح قائم على التجربة والبرهان [8].
ومع جابر بن حيان انتقلت الكيمياء عن العرب من طور صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات.
جابر بن حيان:
ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحياناً وتاريخية حيناً آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعدّ الممثل الأول للكيمياء العربية.
وقد أثّر جابر في الكيمياء الأوربية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان [9].
مولده – نشأته:
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان ) وسكن الكوفة، حيث كان يعمل صيدلانياً [10]. وكان أبوه عطاراً [11]. بنسبته الطوسي أو الطرطوسي، وينحدر من قبيلة الازد.
يقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّاني، كان من أنصار آل البيت (بعد أن دخل الإسلام وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد )، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته [12].
كان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفياً.
ويقدّر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م – 722 م، أما تاريخ وفاته فغير معروف تماما. ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م [13].
ويقول هولميارد Holmyard أن جابر عاش ما يقارب 95 سنة، ودليله في ذلك أن المؤلفات التي ألّفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن [14].
رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلّم القرآن والحساب وعلوماً أخرى على يد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقّن عنه بعض التجارب [15].
اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد علي بن أبي طالب ) ت 148 هـ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشيد بحفاوة [16].
اختلاف الرواة والمفكرين في أمره ووجوده:
اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أن يكون قد مرّ في هذه الحياة رجل يحمل هذا الاسم، وقال آخرون إنه رجل معروف في التاريخ، وقد اشتغل بصناعة الكيمياء، واستطاع أن يحوّل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة.
وزعم قوم من الفلاسفة أنه منهم، وله كتب في المنطق والفلسفة. وزعم آخرون ( أهل صناعة الذهب والفضة) أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً [17].
لكن جابر بن حيان حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وعلم من أعلام العرب العباقرة، وأول رائد للكيمياء، وقد أيّد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي، عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول "أستاذنا"[18].
مدرسته:
أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات [19]. وقد درس جابر ما خلّفه الأقدمون، فلم يرَ من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار [20].
ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني [21]. وزعم هولميارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة [22].
منهجه العلمي:
العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: "إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل" [23].
وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتماداً على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول:
] وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبداً [ [24].
وقد كان جابر انطلاقاً من قناعته بامكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الاتقان المتين، كان شجاعاً بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.
تساءل جابر ؟! ألا يمكن أن يكون التوليد ممكناً، ] فالكائن الحي بالنسبة له بل الانسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة [ [25].
ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لايعني أن هذا العالم قد تخلص من الافكار القديمة، وحرّر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لايعني أيضاً أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور [26].
ولجابر الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواحي العلمية الاخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.
فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، التبخير، التكليس، الإذابة، التبلور، وغيرها [27].
كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الان، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية [28].
رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:
ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحاً (نفساً، جوهراً ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.
ويرى جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاءً (ممزوجاً بعناصر اخرى ) كان أضعف تأثيراً، فإذا أردنا عنصراً قوي الاثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:
] فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئاً منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئاً من روحه [ [29].
تطبيق هذا الرأي على الذهب:
يقول جابر:
] إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفّيه مرة بعد أخرى، حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في ايدينا إكسيراً أو دواءً، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين [.
فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجيناً مختمراً، فكذلك الاكسير (الاحمر المستخرج من الذهب ) يقلب المعادن ذهباً، والاكسير (الابيض المستخرج من الفضة) يقلب المعادن فضة.
أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهباً وفضة (بسهولة ) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد [30].
ويبدو أن (الروح، الخميرة، الاكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء ) اسماء مختلفة لشيء واحد.
فالاكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل [31].
ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن كائناً حياً ينمو في باطن الارض أمداً طويلاً آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الاسراع بهذا الاقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت [32].
كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الارض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.
ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهماً فضلاً عن ذلك لايتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماماً، وحصل الاتحاد كاملاً بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن [33].
أما الاخلاط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الاصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يُشكّل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الاكاسير [34].
ومن هنا نستنتج أن جابراً يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظرياً على الاقل، وإن كان ذلك صعباً تجريبياً ! [35].
تدبير جابر للأكاسير:
من أهم جوانب علم الكيمياء عند جابر، استناده على الاكسير العضوي، بالاضافة إلى الإكسير غير العضوي.
فمن العلامات المميزة في الصنعة عند جابر تدبير الأكاسير لا على أساس معدني فحسب، بل كذلك على اساس مواد حيوانية ونباتية، بل إنه يفضل الاكسير الذي يرجع إلى مواد حيوانية، لما لهذه المواد من فعل أقوى بكثير مما للاكاسير الاخرى.
يرى جابر أنه يمكن عمل اكاسير مختلطة بهذه المواد المذكورة، من ذلك مثلاً إكسير نباتي – حيواني، إكسير نباتي - معدني، إكسير حيواني – معدني، إكسير نباتي - حيواني – معدني.
ولايمكن بلوغ هذه الاكاسير المختلفة، وكذا الاكسير الاعظم، أي العقار العام لكل المعادن [36].
ولا بد للحصول على الاكسير الصحيح من الرجوع إلى اصول أكيدة، واستيفاء كل أسباب الدقة.
وقد اعتمد جابر في ذلك على فكرة أن كل الاشياء في العالم الطبيعي تتركب من عناصر اربعة، تشكلت بدورها من أربع كيفيات.
ومن الممكن عن طريق (الميزان) معرفة نصيب الطبائع الاربع في كل جسم، وبالتالي تجديد تركيبه بدقة تامة.
وبهذه الطريقة يمكن للكيميائي أن يتحكم في كل التغيرات التي تحصل في الجسم، ما دام في وضع يدبر فيه كلاً على حدة الاصول والكيفيات التي تعمل بها الطبيعة، كما يصبح في وضع يمكنه من تدبير أجسام جديدة، وبخاصة اكاسير مختلفة تفعل في المعادن [37].
وما الصور المختلفة للاكاسير إلا مزائج تجانست قليلاً أو كثيراً، مع الطبائع أو الخواص الاربع، مزائج تتفق مع تركيب الاجسام التي استعملت عليها.
وها هو ذا تحديد عمل الاكسير كما بيّنه جابر نفسه في كتاب السبعين:
إن الاصول الاربعة العاملة في الاجسام من الاجناس الثلاثة المؤثرة فيها والمحددة لصبغها هي: النار، الماء، الهواء، الارض.
وفي الواقع ليس هناك فعل واحد من هذه الثلاثة أجناس إلا بتلك العناصر الاربعة. ولهذا، كان معولنا في هذه الصناعة على تدبير هذه العناصر، نقوّي ضعيفها، ونضعّف قويها، ونصلح فاسدها. فمن وصل إلى عمل هذه العناصر الاربعة في هذه الثلاثة أجناس، فقد وصل إلى كل علم، وادرك علم الخليقة وصنعة الطبيعة [38].
يقول جابر في كتابه السبعين على سبيل المثال:
إن الاسرب بارد يابس في الظاهر، وحار رطب في الباطن، وكذلك بالنسبة للفضة، بينما الذهب حار رطب في الظاهر، وبارد يابس في الباطن [39].
ويقال أن جابراً كان أكثر مقامة في الكوفة، وبها كان يدبر الاكسير لصحة هوائها [40].
وذكر جابر في كتابه (الخواص الكبير)، قصة اتصاله بيحيى البرمكي، وعمل اكسيره، وكيف خلصّ به كثيراً من الناس وشفاهم !.
تطلعنا قصته هذه، على أن جابراً كان طبيباً، وكان يستخدم في العلاج دواء يسميه الاكسير، يبدو أنه كان يشفي كثيراً من العلل [41].
أما ما له علاقة بالاكسير من جهة المسؤولية الكبرى، واكتشاف سر الله الاعظم، فله علاقة بالامام جعفر علاقة شديدة [42].
فجابر يعتقد بوجود طريقتين لادراك الصنعة:
أ – طريق ظاهري: وذلك باقتفاء أثر الطبيعة.
ب – طريق باطني : بمعرفة الفرضيات الكبرى، وتطهير النفس البشرية.
والثاني يشير إلى تصوفه وتشيعه الواضحين
[43]. إذ أن أهم مصادر معرفته، الالهامات الباطنية التي اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق، فعلاقته مع الامام جعفر الصادق هي علاقة فكرية فلسفية.
والعلاقة بين جابر وإمامه الصادق لا تقف عد حد واحد، إنما تتعداه إلى أمر كشف سر الله الاعظم ألا وهو الاكسير ؟! [44].
] ولن أشير أكثر إلى العلاقة بين العالم جابر بن حيان وإمامه جعفر الصادق لسعة البحث في هذا الامر، ولاختصار دراستنا على جانب علمي معين في علم العالم الكيميائي جابر بن حيان [.
اكتشافات جابر الكيميائية الاخرى:
سنذكر بعضاً منها:
1- عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الاصباغ في الاقمشة، والعلم الحديث اثبت ذلك، (الشب = أملاح الالمنيوم).
2- توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الالمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.
3- توصل إلى استخدام كبريتيد الانتموان، الذي له لون الذهب، ليعوّض عن الاخير الغالي الثمن.
4- تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لايعرف حتى الان نوع هذا الورق [45].
5- أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الان.
6- مارس كثيراً من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية [46].
لمحة عن كتبه:
ألفّ جابر عدداً كبيراً جداً من الكتب، يقال أنها تجاوزت – 3900 كتاب – [47]، كانت سبباً في الشك بوجوده، أو حتى نسبها جميعاً إليه.
له كتب في الكيمياء، الفلسفة، التنجيم، الرياضيات، الموسيقى، الطب والسحر ورسائل دينية اخرى.
تميّزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النـزعة الطبية فهي رسائل السموم [48].
ولجابر أسلوب لايشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق [49].
وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفاً لجابر، يمكن الرجوع اليها في كتاب الفهرست [50]، وكذلك ذكرها كرواس في مؤلفه رسائل جابر [51].
يمكن أن نعدّ رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الاسلامية، على الرغم من أن عدداً عظمياً من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أُخذت عنها.
تلاميذه:
قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي ) الذي ينسب اليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي) [52].
ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:
] قال استاذنا أبو موسى جابر بن حيان [، ومراده بقوله استاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم [53].
تعليق