المروءة سجيةٌ جُبلت عليها النفوس الزكية ، وشيمةٌ طبعت عليها الهمم العالية، وضعفت عنها الطباع الدنية، إنها حلية النفوس، وزينة الهمم، ومراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها وهي استعمال ما يُجمل الإنسان ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه، سواءٌ تعلق ذلك به وحده، أو تعداه إلى غيره.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها".
وقال من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوته.
وقالت العرب: "لا تصغرن هممكم؛ فإنه لا احد أقعد عن المكرمات من صغير الهمة" وإن أول المروءة: طلاقة الوجه، والثاني: التودُّد، والثالث: قضاء الحوائج"..
الحكاية الأولى :
دخل شابان في عهد عمر رَضِي اللَّه عَنْه دخلا عليه وهما يسوقان رجلاً قتل أباهما، فعقد هذا الخليفة العظيم مجلساً للحكم في هذه الجريمة، عقد مجلساً لمحاكمته، وبعد سماع أقوال الشهود، وإقرار القاتل، حكم عليه بأن يقتل.
القتل أنفى للقتل، إذا علم القاتل أنه لابد من أن يقتل يحجم عن القتل، فيحقن دمه ودم المقتول،
فسيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه حكم على هذا القاتل بعد أن اعترف وأقر ، والقصة طويلة ، ، لكن المحكوم عليه بالقتل طلب مهلة ثلاثة أيام ، كي يذهب إلى أهله ، ليعطيهم مالاً كان قد خبأه لهم ، وليودع أولاده ، وليكتب وصيته ، فقال له عمر : ومن يضمنك ؟ نظر إلى من حوله ، بقي الجميع ساكتين ، لا أحد يعرفه ، ليس من المدينة ، فلم يتكلم أحد ، لأن أحداً لا يعرفه ، فما كان من أبي ذر رَضِي اللَّه عَنْه إلا أن قال : أنا أكفله يا أمير المؤمنين ، والكفيل قد ينفذ فيه حكم القتل ، ومضت الأيام الثلاثة ، وحضر الشابان ليشهدا مقتل قاتل أبيهما ، لكن الرجل لم يحضر ، إلى أن كادت الشمس أن تغيب ، ثم غابت ، وكاد سيدنا عمر ينفذ حكم القتل في أبي ذر ، لأنه الكفيل ، ثم لاح بالأفق شبح بعيد ، انتظروا ، فإذا الرجل الذي عاهد الله أن يعود ليقتل ، وهاهو ذا قد عاد ، قبيل تنفيذ حكم الإعدام ، سأله عمر : يا هذا ، لِمَ وفيت بوعدك وأنت تعلم أنه القتل ؟ فقال هذا الرجل: إنما جئت ووفيت بوعدي لئلا يقال: إن الوفاء قد مات.
عندئذ التفت سيدنا عمر إلى أبي ذر رَضِي اللَّه عَنْه وقال: يا أبا ذر لِمَ ضمنته، وأنت لا تعرفه ؟ فقال سيدنا أبو ذر: إنما ضمنته وأنا لا أعرفه لئلا يقال: إن المروءة ماتت، وعندئذ قال الشابان: ونحن عفونا عنه، فقال عمر رَضِي اللَّه عَنْه: لمَ عفوتما عنه ؟ فقالا : لئلا يقال : إن السماحة ماتت .
الحكاية الثانية :
يروى أن رجلاً كان يقطع رمال الصحراء المحرقة على فرس له ، رأى في الطريق رجلاً بائساً فقيراً يمشي حافي القدمين ، ويكاد الرمل لشدة حره يحرق رجليه ، فحنَّ له ، وعطف عليه ، ودعاه إلى ركوب الفرس ، ما إن ركب الفرس هذا الذي دعي لركوبها حتى ألقى صاحبها أرضاً ، وعدا بها لا يلوي على شيء ، فقال له صاحب الفرس : يا هذا ، لقد وهبت لك الفرس ، ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء ، فتذهب منها المروءة ، وبذهابها يذهب أجمل ما فيها .
للمروءة لذةٌ تفوق كل لذة في هذه الحياة ، وهي مما تحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقة ملاحظة وسلامة ذوق ، رحم الله الإمام الشافعي يوم قال " والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً "
إن هذه الحكايات وغيرها الكثير في أدبنا العربي قد ملأت طوامير الكتب وخزائنها ، ومهما بلغ بنا النوح والجوح على ما فيها من كنوز الأدب والحكمة التي نفتقدها هذه الأيام ، فإننا لم نبلغ قول الشاعر وهو يتحسر ويتنعى المروءة وأهلها إذ يقول :
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحـب الفتاة ؟
فقالت:كـــيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا !!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها".
وقال من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوته.
وقالت العرب: "لا تصغرن هممكم؛ فإنه لا احد أقعد عن المكرمات من صغير الهمة" وإن أول المروءة: طلاقة الوجه، والثاني: التودُّد، والثالث: قضاء الحوائج"..
الحكاية الأولى :
دخل شابان في عهد عمر رَضِي اللَّه عَنْه دخلا عليه وهما يسوقان رجلاً قتل أباهما، فعقد هذا الخليفة العظيم مجلساً للحكم في هذه الجريمة، عقد مجلساً لمحاكمته، وبعد سماع أقوال الشهود، وإقرار القاتل، حكم عليه بأن يقتل.
القتل أنفى للقتل، إذا علم القاتل أنه لابد من أن يقتل يحجم عن القتل، فيحقن دمه ودم المقتول،
فسيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه حكم على هذا القاتل بعد أن اعترف وأقر ، والقصة طويلة ، ، لكن المحكوم عليه بالقتل طلب مهلة ثلاثة أيام ، كي يذهب إلى أهله ، ليعطيهم مالاً كان قد خبأه لهم ، وليودع أولاده ، وليكتب وصيته ، فقال له عمر : ومن يضمنك ؟ نظر إلى من حوله ، بقي الجميع ساكتين ، لا أحد يعرفه ، ليس من المدينة ، فلم يتكلم أحد ، لأن أحداً لا يعرفه ، فما كان من أبي ذر رَضِي اللَّه عَنْه إلا أن قال : أنا أكفله يا أمير المؤمنين ، والكفيل قد ينفذ فيه حكم القتل ، ومضت الأيام الثلاثة ، وحضر الشابان ليشهدا مقتل قاتل أبيهما ، لكن الرجل لم يحضر ، إلى أن كادت الشمس أن تغيب ، ثم غابت ، وكاد سيدنا عمر ينفذ حكم القتل في أبي ذر ، لأنه الكفيل ، ثم لاح بالأفق شبح بعيد ، انتظروا ، فإذا الرجل الذي عاهد الله أن يعود ليقتل ، وهاهو ذا قد عاد ، قبيل تنفيذ حكم الإعدام ، سأله عمر : يا هذا ، لِمَ وفيت بوعدك وأنت تعلم أنه القتل ؟ فقال هذا الرجل: إنما جئت ووفيت بوعدي لئلا يقال: إن الوفاء قد مات.
عندئذ التفت سيدنا عمر إلى أبي ذر رَضِي اللَّه عَنْه وقال: يا أبا ذر لِمَ ضمنته، وأنت لا تعرفه ؟ فقال سيدنا أبو ذر: إنما ضمنته وأنا لا أعرفه لئلا يقال: إن المروءة ماتت، وعندئذ قال الشابان: ونحن عفونا عنه، فقال عمر رَضِي اللَّه عَنْه: لمَ عفوتما عنه ؟ فقالا : لئلا يقال : إن السماحة ماتت .
الحكاية الثانية :
يروى أن رجلاً كان يقطع رمال الصحراء المحرقة على فرس له ، رأى في الطريق رجلاً بائساً فقيراً يمشي حافي القدمين ، ويكاد الرمل لشدة حره يحرق رجليه ، فحنَّ له ، وعطف عليه ، ودعاه إلى ركوب الفرس ، ما إن ركب الفرس هذا الذي دعي لركوبها حتى ألقى صاحبها أرضاً ، وعدا بها لا يلوي على شيء ، فقال له صاحب الفرس : يا هذا ، لقد وهبت لك الفرس ، ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء ، فتذهب منها المروءة ، وبذهابها يذهب أجمل ما فيها .
للمروءة لذةٌ تفوق كل لذة في هذه الحياة ، وهي مما تحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقة ملاحظة وسلامة ذوق ، رحم الله الإمام الشافعي يوم قال " والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً "
إن هذه الحكايات وغيرها الكثير في أدبنا العربي قد ملأت طوامير الكتب وخزائنها ، ومهما بلغ بنا النوح والجوح على ما فيها من كنوز الأدب والحكمة التي نفتقدها هذه الأيام ، فإننا لم نبلغ قول الشاعر وهو يتحسر ويتنعى المروءة وأهلها إذ يقول :
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحـب الفتاة ؟
فقالت:كـــيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا !!
تعليق