بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثالث من سورة النمل ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾ . ( سورة النمل ) .
بين قصة سليمان عليه السلام :
هذه القصَّة قصَّة سيدنا سليمان ، وقد جاءت في مواضع أخرى من القرآن الكريم ، ولكنها في هذا الموضع قد قُصَّت علينا بتفصيلٍ وإسهاب ، ومع أنها قُصَّت علينا بتفصيلٍ وإسهاب إلا أن هذا التفصيل تناول حَلْقَتَين من حلقاتها ، الحلقة الأولى قصَّته مع الهُدْهُد ، والثانية قصَّته مع ملكة اليمن سبأ ، ومن خلال هاتين الحلْقتين في هذه القصَّة هناك استنباطاتٌ كثيرة .
1 – تحريفات وتبديلات اليهود :
أولاً : الله سبحانه وتعالى يقول :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ .( سورة النمل )
ما من واحدٍ منكم إلا وهو يعلم أن اليهود قد حوَّروا ، وبدَّلوا ، وغيَّروا ، وأضافوا على التوراة ما ليس منها ، حتَّى غدت قصص الأنبياء عندهم قصصاً بعيدةً عن الواقع ، الأنبياء في التوراة التي أضاف عليها من أضاف ؛ أشخاصٌ عاديّون يشربون الخمر ، ويقعون في الزنا ، ويحقدون ، إلى ما هنالك من تفصيلاتٍ يَنْدَى لها الجبين ، ويترفَّع عنها الإنسان العادي ، لذلك جاء القرآن الكريم ليقصُّ عليهم أكثر الذي كانوا فيه يختلفون .
2 – قصصُ القرآن دليلٌ على نبوة النبي عليه الصلاة والسلام :
الشيء الثاني : إن تلاوة هذه القصص على سيدنا محمَّد دليل نبوَّته، لقول الله عزَّ وجل :
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ .( سورة آل عمران )
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ .( سورة آل عمران )
﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ .( سورة آل عمران )
فأولاً :
ربنا سبحانه وتعالى يصحِّح لبني إسرائيل ما زوَّروه في التوراة ، والشيءٌ الآخرُ أن هذه القصَّة أحد الأدلَّة على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم .استنباطات من قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً
1 – فضلُ العلمِ وأهلِه :
قصَّة هذا النبي الكريم وُصِفَت في هذه الصفحات بتوسُّعِ وتفصيل ، ولكن التركيز جاء على شيءٍ واحد وهو العلم ، والدليل قول ربنا سبحانه وتعالى :
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾ .
" وما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه " ..
والعلم هو القيمة الوحيدة المرجِّحة التي اعتمدها القرآن الكريم ، فالشيء الذي يرفعك هو العلم ، والشيء الذي يخفِضُك هو الجهل ، وأي شيءٍ آخر عَرَضٌ زائل يأتي ويذهب ، ولا قيمة له ، لا يرفع صاحبه ولا يخفضه ، قد يكون الإنسان عند الله في أعلى عليين وهو فقير ، وقد يكون في أعلى عليين وهو مريض ، وقد يكون في أعلى عليين ونسبه غير معروف ، وقد يكون في أعلى عليين وليس جميل الصورة .
بعض التابعين كان قصير القامة ، أسمر اللون ، أحنف الرجل ، مائل الذقن ، ناتئ الوجنتين ، ضيِّق المنكبين ، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيِّد قومه ، إذا غضب غَضب لغضبته مئة ألف سيفٍ ؛ لا يسألونه فيمَ غضب ؟ وكان إذا علم أن شُرْبَ الماء يفسد مروءته ما شربه ، فلا شكلُك ، ولا مالك ، ولا نسبك ، ولا صحَّتك ، ولا قوَّتك تغني عنك من الله شيئاً ، ولكن العلم وحده هو الذي يرفعك عند الله ، والدليل هذه الآية :
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾ .
2 – العلم يؤتيه الله مَن يشاء :
أيها الإخوة أن العلم يُؤتى من الله عزَّ وجل ، فإذا علمت أن علمك من الله ، وأن الله سمح لك أن تتعلَّم .
﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ﴾ .( سورة الإسراء )
﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ﴾ .( سورة البقرة )
إذا أيقنت أن علمك من الله عزَّ وجل لابدَّ من أن تبادر إلى شكره .
تعليق