مسكوكات الممالك العربية قبل الإسلام
(الخصائص العامة والملامح المشتركة)
ارتبطت الممالك العربية قبل الإسلام بطرق التجارة التي كانت تنقل اللبان والطيوب من جنوب الجزيرة العربية إلى الممالك المجاورة في بلاد الرافدين ومصر وممالك حوض البحر المتوسط (الإغريق والرومان)، حيث كان اللُّبان يستخدم في طقوس العبادات الوثنية وفي مراسم الدفن كما كان يدخل في تركيب الأدوية، حيث كان اللبان يجمع ويتم وزنه وتقدير سعره قبل أن يرسل إلى المعابد وتحمله القوافل التي كانت تمر أولاً على عواصم ممالك جنوب الجزيرة؛ لكي تستفيد من الرسوم التي تفرض عليه. ويصف هيرودت الجزيرة العربية بأنها "المكان الوحيد الذي ينتج اللبان والمر والقرفة والكافور والصمغ".
أثبتت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن تاريخ قيام الممالك في جنوب الجزيرة العربية يرجع إلى بداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وطبقًا لما جاء في الحوليات الآشورية فإن فترة حكم المكرب السبئي يثع أمر كانت في القرن الثامن قبل الميلاد، وأن فترة حكم المكرب السبئي كرب إل وتر بن ذمار علي كانت في القرن السابع قبل الميلاد.
ومنذ القرن السادس قبل الميلاد كان جنوب الجزيرة العربية يتكون من أربع ممالك رئيسة هي: سبأ، وقتبان، وحضرموت، ومعين.
يرجح علماء النميات أن تعامل الممالك العربية في جنوب الجزيرة العربية بالمسكوكات قد بدأ في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، وعثر في جنوب شرق تركيا على ثلاث مسكوكات إغريقية طبع على اثنين منها حرف الكاف بخط المسند، أما الثالث فقد طبع عليه حرف الباء بخط المسند، ويرجع تاريخ هذه المسكوكات للفترة ما بين سنتي 475 - 400 ق.م ، وتعد هذه بمثابة المرحلة الأولى في تعريب المسكوكات الإغريقية قامت بها الممالك العربية الجنوبية.
ضربت أقدم المسكوكات العربية على نمط المسكوكات الإغريقية وخاصة الطراز المعروف بمسكوكات أثينا والتي يرجع تاريخ ضرب النماذج المبكرة منها في بلاد الإغريق إلى حوالي سنة 575 ق.م، وكان ينقش على وجه تلك النماذج رأس المعبودة أثينا لابسة خوذة مزينة من الأمام بغصن زيتون تتدلى منه ثلاث ورقات وشعرها مربوط بعصابة، ونقش على الظهر بومة متجهة إلى اليمين وخلفها غصن زيتون.
كانت مملكة قتبان أول مملكة عربية تقوم بضرب المسكوكات منذ أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت مسكوكاتها تقليدًا للمسكوكات الإغريقية التي نقش على وجهها رأس المعبودة أثينا مرتدية خوذة مزينة بأوراق زيتون، أما على ظهرها فقد رسمت بومة وبجوارها هلال وغصن زيتون والشعار الإغريقي AOE الدال على قيمة المسكوكة، أو اسم المعبودة أثينا، وكانت الإصدارات الأولى من السكة القتبانية مشابهة تمامًا للسكة الإغريقية وتميزت السكة القتبانية بإضافة حروف بخط المسند على وجه أثينا لتحديد القيمة النقدية للمسكوكات ونقش شعار الملك القتباني على الظهر.
وفي أوائل القرن الثاني قبل الميلاد ضرب طراز جديد من المسكوكات القتبانية تخلى فيها القتبانيون كثيرًا عن التأثيرات الإغريقية فنقش على الوجه صورة الملك القتباني بدلاً من رأس المعبودة أثينا وسجل على صورة الملك حروف بخط المسند، بينما نقش على الظهر صورة البومة والشعار الإغريقي كما نقش على المسكوكات مكان الضرب.
أولاً: التأثيرات الأجنبية على المسكوكات العربية:
كانت مملكة قتبان أول مملكة عربية تضرب المسكوكات، وكانت أول إشارة إلى مملكة قتبان جاءت في نقش المكرب السبئي كرب إل وتر بن ذمار علي يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، ولما كانت مملكة قتبان قد ضربت مسكوكاتها الأولى على النمط الإغريقي فقد جاءت بواكير المسكوكات القتبانية متأثرة بصورة واضحة بالمسكوكات الإغريقية، إلا أنه منذ أوائل القرن الثاني قبل الميلاد ضربت مسكوكات قتبانية تخلصت من بعض التأثيرات الإغريقية فقد نقش على وجه تلك المسكوكات صورة الملك القتباني بدلاً من صورة المعبودة الإغريقية أثينا، وسجل على صورة الملك حروف بخط المسند، وظلت التأثيرات الإغريقية باقية على نقوش ظهر تلك المسكوكات إذ بقيت صورة البومة، والشعار الإغريقي AOE، وبذلك فقد ظلت التأثيرات الأجنبية على المسكوكات القتبانية.
وكذلك ضربت مملكة سبأ المسكوكات على النمط الإغريقي، وتعود أقدم مسكوكاتها إلى النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت التأثيرات الإغريقية واضحة عليها فقد نقش على وجهها رأس المعبودة أثينا مرتدية خوذة وحولها أغصان الزيتون، أما على الظهر فتبدو صورة البومة مع أغصان الزيتون، والهلال، وحذف الشعار الإغريقي AOE، ونقش بدلاً منه حروف بخط المسند تدل على القيمة النقدية للمسكوكات. وفي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الأول قبل الميلاد صدرت في مملكة سبأ مسكوكات جديدة تخلصت من التأثيرات الأجنبية في الوجه الذي نقش به صورة رجل ملتح يلبس تاجًا على رأسه، ويعتقد أن هذا الرجل يمثل الملك أو يرمز لألمقه معبود سبأ الرئيس، وظلت التأثيرات الأجنبية باقية في نقوش الظهر إذ ظلت توجد صورة البومة باقية وهي تقف على قارورة وسجل بجوارها الشعار الإغريقي AOE.
وفي الفترة ما بين سنتي 70 إلى 40 قبل الميلاد صدرت مسكوكات سبئية جديدة نقش على وجهها رأس رجل حوله أغصان الزيتون، وتمثلت التأثيرات الإغريقية في هذه المسكوكات ببقاء صورة البومة الواقفة على القارورة.
ويبدو أن المسكوكات السبئية لم تتخلص تمامًا من التأثيرات الأجنبية، فمنذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد ضربت مسكوكات مزجت بين التأثيرات الإغريقية والرومانية معًا، فقد نقش على وجه هذه المسكوكات رأس رجل يشبه رأس الإمبراطور الروماني أغسطسAugustus، أما على الظهر فقد ظلت صورة البومة الواقفة على القارورة تدل على استمرار التأثيرات الإغريقية.
وتخلصت المسكوكات السبئية من التأثيرات الأجنبية ويتجلى ذلك في المسكوكات التي ضربتها مملكة سبأ في شبوة عاصمة مملكة حضرموت ولبتي نقش بها على الوجه رأس شخص يرمز إلى ملك سبأ، وعلى الظهر رأس ثور يرمز إلى المعبود (سين) معبود مملكة حضرموت الرئيس.
سارت مملكة حضرموت على خطى مملكتي قتبان وسبأ في ضرب باكورة مسكوكاتها على النمط الإغريقي، وكانت مملكة حضرموت قائمة في القرن السابع قبل الميلاد طبقًا لما جاء في نقش المكرب السبئ كرب إل وتر بن ذمار علي، ولم تستمر التأثيرات الأجنبية طويلاً على مسكوكات مملكة حضرموت التي ضربت طرزًا من المسكوكات خلت من أية تأثيرات أجنبية.
أما مملكة حمير فقد ضربت في البداية مسكوكات على النمط القتباني مما يعني أنها تأثرت بالمسكوكات الإغريقية، ثم ضربت مسكوكات في عهدها الأول الذي انتهى بحكم الملك ياسر يهنعم الثاني (285 – 300م) تقليدًا لمسكوكات الإمبراطور الروماني أغسطس Augustus. وفي خلال عهدها الثاني (التبابعة) الذي يبدأ بحكم الملك شمر يهرعش الثالث ضربت مملكة حمير مسكوكات تخلصت فيها من التأثيرات الأجنبية، وعرف هذا النوع باسم المسكوكات ذات الرأسين وذلك لنقش رأس رجل على وجه كل مسكوكة وعلى ظهرها.
وضربت مملكة كندة الأولى التي امتدت حضارتها ما بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي، المسكوكات في عاصمتها قرية "قرية ذات كهل"، ولم تظهر علاى مسكوكاتها أية تأثيرات أجنبية.
يعد الملك النبطي حارثة الثاني (120 – 96 ق.م) أول من ضرب المسكوكات من ملوك الأنباط، وجاءت مسكوكاته متأثرة بالمسكوكات الإغريقية، فنقش على وجهها رأس رجل يرتدي خوذة ويتجه نحو اليمين، أما على الظهر فتبدو صورة معبودة النصر عند الإغريق (تيكة Tyche) وحرف A وهو الحرف الأول من اسم الملك حارثة الذي سجل اسمه على المسكوكات باليونانية Arethas ، ثم تخلصت مسكوكاته قليلاً من التأثيرات الأجنبية إذ نقش عليها حرف الهاء بالخط الآرامي في إشارة إلى اسمه حارثة.
أما الملك النبطي حارثة الثالث (85 – 62 ق.م) فقد كان يميل إلى الثقافة الهلنستية حتى لقب بمحب الهلنستية (محب اليونان)، ونقش لقبه هذا على المسكوكات باليونانية Philhellenos، وظهرت صورته على وجه المسكوكات أما على الظهر فنقشت صورة معبودة النصر لدى الإغريق (تيكة Tyche) .
وتجلت التأثيرات الأجنبية على مسكوكات الملك عبادة الثالث (62 – 59 ق.م)، إذ ظهر التأثير الهلنستي في ملامح الوجه، وطريقة تصفيف الشعر، كما ظهر التأثير البطلمي في صورة الصقر الذي نقش على المسكوكات، وبالرغم من ذلك فقد تخلصت المسكوكات في عهده من الكتابة باللغة اليونانية، إذ يعد أول ملك نبطي سجل اسمه على المسكوكات بالخط النبطي.
وإجمالاً يمكن القول إن المسكوكات النبطية قد تأثرت في بدايتها بالمسكوكات الإغريقية، كما تأثرت بالثقافة الهلنستية فظهر تأثيرها في الصور الآدمية، واستمر ذلك منذ عهد الملك حارثة الثاني (120 – 96 ق.م) وحتى بداية عهد الملك حارثة الرابع (9 ق.م – 40م) (محب أمته Philopatris) الذي شهدت مملكة الأنباط في عهده أوج ازدهارها الحضاري، وترجع إلى عهده أغلب المسكوكات النبطية المعروفة حتى الآن، فلم تظهر على مسكوكاته ومسكوكات الملوك الذين خلفوه حتى سقوط مملكة الأنباط سنة 106م أية تأثيرات أجنبية.
كان للمسكوكات دور مهم في الصراع الذي دار بين الملكة زينب والرومان، وكانت الملكة زينب قد انتهزت فرصة النزاعات الداخلية في روما فأحكمت سيطرتها على سورية ثم استولت على مصر سنة 270م ووقعت اتفاقًًا مع الرومان يقضي بأن يكون حكم مصر مشتركًا بين الرومان ومملكة تدمر، واستمر هذا الاتفاق خلال عهد الإمبراطور كلوديوس وخلفه أورليان (270 – 275م)، ويتجلى هذا الاتفاق في نقوش المسكوكات التدمرية التي ضربت في الإسكندرية فيما بين سنتي 270 و271م.
ومن تلك المسكوكات التي ضربت في الإسكندرية نماذج نقش على وجهها صورة نصفية للملك وهب اللات وكتب حولها عبارة بالخط اليوناني نصها: (أورليوي أوياتيوس سبتيموس وهب اللات أثينادوروس هيباتوس أوتو كراتور استراتيجوس روميون)، ونقش على الظهر صورة نصفية للإمبراطور الروماني أورليان وكتب حولها عبارة بالخط اليوناني نصها: (الأتوكراتور الإمبراطور لوكيوس أوليوس سيباستوس) ، أما المسكوكات التدمرية التي ضربت في أنطاكية وحمص فقد سجلت عليها الكتابات بالخط اللاتيني.
ويتجلى التأثير الأجنبي في مسكوكات مملكة الرها بتسجيل كتاباتها بالخط اليوناني إلى جانب الخط الآرامي.
وفي شرق الجزيرة العربية تجلى التأثير الأجنبي في استخدم الخطان: اليوناني واللاتيني على المسكوكات الأجنبية المضروبة في مدن شرق الجزيرة العربية، في حين استخدم الخطان: الآرامي، وخط المسند على المسكوكات المحلية، أما مسكوكات مملكة ميسان فقد ظلت تستخدم الخط اليوناني منذ عهد الملك هايسباوسنيس (129- 109 ق.م)، واستمر الحال حتى عهد الملك أتامبيلوس الأول (47- 27 ق.م) فصارت تكتب بالخط الآرامي بدلاً من اليوناني، ثم عاد الخط اليوناني للظهور مرة أخرى على المسكوكات الميسانية بعد الاحتلال الروماني لمملكة ميسان في عهد الإمبراطور الروماني تراجان (98- 117م)، واستمر الخط اليوناني على المسكوكات الميسانية إلى جانب الخط الآرامي.
(الخصائص العامة والملامح المشتركة)
ارتبطت الممالك العربية قبل الإسلام بطرق التجارة التي كانت تنقل اللبان والطيوب من جنوب الجزيرة العربية إلى الممالك المجاورة في بلاد الرافدين ومصر وممالك حوض البحر المتوسط (الإغريق والرومان)، حيث كان اللُّبان يستخدم في طقوس العبادات الوثنية وفي مراسم الدفن كما كان يدخل في تركيب الأدوية، حيث كان اللبان يجمع ويتم وزنه وتقدير سعره قبل أن يرسل إلى المعابد وتحمله القوافل التي كانت تمر أولاً على عواصم ممالك جنوب الجزيرة؛ لكي تستفيد من الرسوم التي تفرض عليه. ويصف هيرودت الجزيرة العربية بأنها "المكان الوحيد الذي ينتج اللبان والمر والقرفة والكافور والصمغ".
أثبتت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن تاريخ قيام الممالك في جنوب الجزيرة العربية يرجع إلى بداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وطبقًا لما جاء في الحوليات الآشورية فإن فترة حكم المكرب السبئي يثع أمر كانت في القرن الثامن قبل الميلاد، وأن فترة حكم المكرب السبئي كرب إل وتر بن ذمار علي كانت في القرن السابع قبل الميلاد.
ومنذ القرن السادس قبل الميلاد كان جنوب الجزيرة العربية يتكون من أربع ممالك رئيسة هي: سبأ، وقتبان، وحضرموت، ومعين.
يرجح علماء النميات أن تعامل الممالك العربية في جنوب الجزيرة العربية بالمسكوكات قد بدأ في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، وعثر في جنوب شرق تركيا على ثلاث مسكوكات إغريقية طبع على اثنين منها حرف الكاف بخط المسند، أما الثالث فقد طبع عليه حرف الباء بخط المسند، ويرجع تاريخ هذه المسكوكات للفترة ما بين سنتي 475 - 400 ق.م ، وتعد هذه بمثابة المرحلة الأولى في تعريب المسكوكات الإغريقية قامت بها الممالك العربية الجنوبية.
ضربت أقدم المسكوكات العربية على نمط المسكوكات الإغريقية وخاصة الطراز المعروف بمسكوكات أثينا والتي يرجع تاريخ ضرب النماذج المبكرة منها في بلاد الإغريق إلى حوالي سنة 575 ق.م، وكان ينقش على وجه تلك النماذج رأس المعبودة أثينا لابسة خوذة مزينة من الأمام بغصن زيتون تتدلى منه ثلاث ورقات وشعرها مربوط بعصابة، ونقش على الظهر بومة متجهة إلى اليمين وخلفها غصن زيتون.
كانت مملكة قتبان أول مملكة عربية تقوم بضرب المسكوكات منذ أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت مسكوكاتها تقليدًا للمسكوكات الإغريقية التي نقش على وجهها رأس المعبودة أثينا مرتدية خوذة مزينة بأوراق زيتون، أما على ظهرها فقد رسمت بومة وبجوارها هلال وغصن زيتون والشعار الإغريقي AOE الدال على قيمة المسكوكة، أو اسم المعبودة أثينا، وكانت الإصدارات الأولى من السكة القتبانية مشابهة تمامًا للسكة الإغريقية وتميزت السكة القتبانية بإضافة حروف بخط المسند على وجه أثينا لتحديد القيمة النقدية للمسكوكات ونقش شعار الملك القتباني على الظهر.
وفي أوائل القرن الثاني قبل الميلاد ضرب طراز جديد من المسكوكات القتبانية تخلى فيها القتبانيون كثيرًا عن التأثيرات الإغريقية فنقش على الوجه صورة الملك القتباني بدلاً من رأس المعبودة أثينا وسجل على صورة الملك حروف بخط المسند، بينما نقش على الظهر صورة البومة والشعار الإغريقي كما نقش على المسكوكات مكان الضرب.
أولاً: التأثيرات الأجنبية على المسكوكات العربية:
كانت مملكة قتبان أول مملكة عربية تضرب المسكوكات، وكانت أول إشارة إلى مملكة قتبان جاءت في نقش المكرب السبئي كرب إل وتر بن ذمار علي يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، ولما كانت مملكة قتبان قد ضربت مسكوكاتها الأولى على النمط الإغريقي فقد جاءت بواكير المسكوكات القتبانية متأثرة بصورة واضحة بالمسكوكات الإغريقية، إلا أنه منذ أوائل القرن الثاني قبل الميلاد ضربت مسكوكات قتبانية تخلصت من بعض التأثيرات الإغريقية فقد نقش على وجه تلك المسكوكات صورة الملك القتباني بدلاً من صورة المعبودة الإغريقية أثينا، وسجل على صورة الملك حروف بخط المسند، وظلت التأثيرات الإغريقية باقية على نقوش ظهر تلك المسكوكات إذ بقيت صورة البومة، والشعار الإغريقي AOE، وبذلك فقد ظلت التأثيرات الأجنبية على المسكوكات القتبانية.
وكذلك ضربت مملكة سبأ المسكوكات على النمط الإغريقي، وتعود أقدم مسكوكاتها إلى النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت التأثيرات الإغريقية واضحة عليها فقد نقش على وجهها رأس المعبودة أثينا مرتدية خوذة وحولها أغصان الزيتون، أما على الظهر فتبدو صورة البومة مع أغصان الزيتون، والهلال، وحذف الشعار الإغريقي AOE، ونقش بدلاً منه حروف بخط المسند تدل على القيمة النقدية للمسكوكات. وفي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الأول قبل الميلاد صدرت في مملكة سبأ مسكوكات جديدة تخلصت من التأثيرات الأجنبية في الوجه الذي نقش به صورة رجل ملتح يلبس تاجًا على رأسه، ويعتقد أن هذا الرجل يمثل الملك أو يرمز لألمقه معبود سبأ الرئيس، وظلت التأثيرات الأجنبية باقية في نقوش الظهر إذ ظلت توجد صورة البومة باقية وهي تقف على قارورة وسجل بجوارها الشعار الإغريقي AOE.
وفي الفترة ما بين سنتي 70 إلى 40 قبل الميلاد صدرت مسكوكات سبئية جديدة نقش على وجهها رأس رجل حوله أغصان الزيتون، وتمثلت التأثيرات الإغريقية في هذه المسكوكات ببقاء صورة البومة الواقفة على القارورة.
ويبدو أن المسكوكات السبئية لم تتخلص تمامًا من التأثيرات الأجنبية، فمنذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد ضربت مسكوكات مزجت بين التأثيرات الإغريقية والرومانية معًا، فقد نقش على وجه هذه المسكوكات رأس رجل يشبه رأس الإمبراطور الروماني أغسطسAugustus، أما على الظهر فقد ظلت صورة البومة الواقفة على القارورة تدل على استمرار التأثيرات الإغريقية.
وتخلصت المسكوكات السبئية من التأثيرات الأجنبية ويتجلى ذلك في المسكوكات التي ضربتها مملكة سبأ في شبوة عاصمة مملكة حضرموت ولبتي نقش بها على الوجه رأس شخص يرمز إلى ملك سبأ، وعلى الظهر رأس ثور يرمز إلى المعبود (سين) معبود مملكة حضرموت الرئيس.
سارت مملكة حضرموت على خطى مملكتي قتبان وسبأ في ضرب باكورة مسكوكاتها على النمط الإغريقي، وكانت مملكة حضرموت قائمة في القرن السابع قبل الميلاد طبقًا لما جاء في نقش المكرب السبئ كرب إل وتر بن ذمار علي، ولم تستمر التأثيرات الأجنبية طويلاً على مسكوكات مملكة حضرموت التي ضربت طرزًا من المسكوكات خلت من أية تأثيرات أجنبية.
أما مملكة حمير فقد ضربت في البداية مسكوكات على النمط القتباني مما يعني أنها تأثرت بالمسكوكات الإغريقية، ثم ضربت مسكوكات في عهدها الأول الذي انتهى بحكم الملك ياسر يهنعم الثاني (285 – 300م) تقليدًا لمسكوكات الإمبراطور الروماني أغسطس Augustus. وفي خلال عهدها الثاني (التبابعة) الذي يبدأ بحكم الملك شمر يهرعش الثالث ضربت مملكة حمير مسكوكات تخلصت فيها من التأثيرات الأجنبية، وعرف هذا النوع باسم المسكوكات ذات الرأسين وذلك لنقش رأس رجل على وجه كل مسكوكة وعلى ظهرها.
وضربت مملكة كندة الأولى التي امتدت حضارتها ما بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي، المسكوكات في عاصمتها قرية "قرية ذات كهل"، ولم تظهر علاى مسكوكاتها أية تأثيرات أجنبية.
يعد الملك النبطي حارثة الثاني (120 – 96 ق.م) أول من ضرب المسكوكات من ملوك الأنباط، وجاءت مسكوكاته متأثرة بالمسكوكات الإغريقية، فنقش على وجهها رأس رجل يرتدي خوذة ويتجه نحو اليمين، أما على الظهر فتبدو صورة معبودة النصر عند الإغريق (تيكة Tyche) وحرف A وهو الحرف الأول من اسم الملك حارثة الذي سجل اسمه على المسكوكات باليونانية Arethas ، ثم تخلصت مسكوكاته قليلاً من التأثيرات الأجنبية إذ نقش عليها حرف الهاء بالخط الآرامي في إشارة إلى اسمه حارثة.
أما الملك النبطي حارثة الثالث (85 – 62 ق.م) فقد كان يميل إلى الثقافة الهلنستية حتى لقب بمحب الهلنستية (محب اليونان)، ونقش لقبه هذا على المسكوكات باليونانية Philhellenos، وظهرت صورته على وجه المسكوكات أما على الظهر فنقشت صورة معبودة النصر لدى الإغريق (تيكة Tyche) .
وتجلت التأثيرات الأجنبية على مسكوكات الملك عبادة الثالث (62 – 59 ق.م)، إذ ظهر التأثير الهلنستي في ملامح الوجه، وطريقة تصفيف الشعر، كما ظهر التأثير البطلمي في صورة الصقر الذي نقش على المسكوكات، وبالرغم من ذلك فقد تخلصت المسكوكات في عهده من الكتابة باللغة اليونانية، إذ يعد أول ملك نبطي سجل اسمه على المسكوكات بالخط النبطي.
وإجمالاً يمكن القول إن المسكوكات النبطية قد تأثرت في بدايتها بالمسكوكات الإغريقية، كما تأثرت بالثقافة الهلنستية فظهر تأثيرها في الصور الآدمية، واستمر ذلك منذ عهد الملك حارثة الثاني (120 – 96 ق.م) وحتى بداية عهد الملك حارثة الرابع (9 ق.م – 40م) (محب أمته Philopatris) الذي شهدت مملكة الأنباط في عهده أوج ازدهارها الحضاري، وترجع إلى عهده أغلب المسكوكات النبطية المعروفة حتى الآن، فلم تظهر على مسكوكاته ومسكوكات الملوك الذين خلفوه حتى سقوط مملكة الأنباط سنة 106م أية تأثيرات أجنبية.
كان للمسكوكات دور مهم في الصراع الذي دار بين الملكة زينب والرومان، وكانت الملكة زينب قد انتهزت فرصة النزاعات الداخلية في روما فأحكمت سيطرتها على سورية ثم استولت على مصر سنة 270م ووقعت اتفاقًًا مع الرومان يقضي بأن يكون حكم مصر مشتركًا بين الرومان ومملكة تدمر، واستمر هذا الاتفاق خلال عهد الإمبراطور كلوديوس وخلفه أورليان (270 – 275م)، ويتجلى هذا الاتفاق في نقوش المسكوكات التدمرية التي ضربت في الإسكندرية فيما بين سنتي 270 و271م.
ومن تلك المسكوكات التي ضربت في الإسكندرية نماذج نقش على وجهها صورة نصفية للملك وهب اللات وكتب حولها عبارة بالخط اليوناني نصها: (أورليوي أوياتيوس سبتيموس وهب اللات أثينادوروس هيباتوس أوتو كراتور استراتيجوس روميون)، ونقش على الظهر صورة نصفية للإمبراطور الروماني أورليان وكتب حولها عبارة بالخط اليوناني نصها: (الأتوكراتور الإمبراطور لوكيوس أوليوس سيباستوس) ، أما المسكوكات التدمرية التي ضربت في أنطاكية وحمص فقد سجلت عليها الكتابات بالخط اللاتيني.
ويتجلى التأثير الأجنبي في مسكوكات مملكة الرها بتسجيل كتاباتها بالخط اليوناني إلى جانب الخط الآرامي.
وفي شرق الجزيرة العربية تجلى التأثير الأجنبي في استخدم الخطان: اليوناني واللاتيني على المسكوكات الأجنبية المضروبة في مدن شرق الجزيرة العربية، في حين استخدم الخطان: الآرامي، وخط المسند على المسكوكات المحلية، أما مسكوكات مملكة ميسان فقد ظلت تستخدم الخط اليوناني منذ عهد الملك هايسباوسنيس (129- 109 ق.م)، واستمر الحال حتى عهد الملك أتامبيلوس الأول (47- 27 ق.م) فصارت تكتب بالخط الآرامي بدلاً من اليوناني، ثم عاد الخط اليوناني للظهور مرة أخرى على المسكوكات الميسانية بعد الاحتلال الروماني لمملكة ميسان في عهد الإمبراطور الروماني تراجان (98- 117م)، واستمر الخط اليوناني على المسكوكات الميسانية إلى جانب الخط الآرامي.
تعليق