ينبغي على طلبة الحديث ألا يكتفوا برواية الحديث وحدها، فإن رواية الحديث وحدها، لا تشفع لأصحابها عند الله، ورواية الحديث وحدها، بلا عمل: إنما هي تزيد من الحجج على الكتف، وتزيد من الحجج التي على الظهر، وهي علامات الإفلاس والخذلان.
فقضية حفظ الأحاديث، فقط بدون عمل هي كالكذب.
يقول الخطيب البغدادي : العلم كالكنز إذا لم تنفق منه لم ينفعك.
فلا يظن الواحد منا أنه إذا حفظ الصحيحين ، أو السنن الأربعة، أو حفظ مسند الإمام أحمد ، أنه بدون أن يعمل بما فيها، سوف يكون من الأولياء الكبار، أو يشفع لمثل مضر، أو مثل ربيعة، لا، والله، حتى يعمل بالحديث.
كم يحفظ أبو بكر الصديق ؟
كم يحفظ عمر ؟
كم يحفظ عثمان ؟
كم يحفظ علي رضي الله عنهم أجمعين؟
يحفظون أحاديث قليلة، لكن هم سنة تمشي على الأرض.
كل واحد منهم، إذا رأيته، فكأنه القرآن متمثلاً يمشي على الأرض.
خلقهم القرآن وحياتهم الكتاب والسنة.
أما المتأخرون، فإنهم التفتوا إلى الرواية، وغفلوا عن الرعاية.
فيا صاحب الحديث، والله، لو لم تحفظ، ولو حديثاً واحد، وعملت بما سمعت لتكونن محدثاً.
ووالله، لو حفظت أحاديث الدنيا، ثم لم تعمل بما سمعت وقرأت، لا تكون محدثاً أبداً.
فالحديث: عمل وتطبيق، الحديث: خشية ومخافة من الله.. الحديث: أن تظهر السنة على معالمك، على هيئتك، على سلوكك، على جلوسك، على تطبيقك.
روي عن الإمام أحمد أنه قال: الحمد لله، كتبت المسند من أربعين ألف حديث بالمكرر، ما من حديث يقبل العمل، إلا عملت به، ويخبر الناس ليقتدوا به، ما من حديث واحد يقبل العمل إلا عملت به، قال له أحد تلاميذه: وحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي في غار ثور ثلاثة أيام!
قال: نزلت غاراً في الكرخ لما أتت محنة القوم في خلق القرآن. فجلست ثلاثة أيام!! هذا هو التطبيق وهذه هي السنة.
سعيد بن المسيب يسأله سائل عن حديث، وهو في مرض الموت. فيقول: أجلسوني.
قالوا: أنت مريض.
قال: سبحان الله! يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع، لا، والله، حتى أجلس.
وكان الإمام أحمد في مرض الموت، فسألوه عن إبراهيم بن طهمان . فجلس، وتربع، وقال: لا ينبغي أن يذكر عندنا الصالحون، ونحن مضجعون.
ثم ينبغي على أصحاب الحديث: أن يكونوا من أكثر الناس نوافلاً، ومن أكثر الناس تعبداً لله، يتقرب إلى الله بالذكر.
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرت
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون ابن متى
إذا لم يزدك العلم فضلاً فليتك ثم ليتك ما علمت
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمت
فإن العلم، هو: مخافة الله، عز وجل، وبالخصوص من أهل الحديث ؛ لأن الناس ينظرون إليهم نظراً آخر، والناس يحترمونهم.
فينبغي على طالب الحديث أن يكثر من التطوعات، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، يقرأ القرآن، يتنفل بالصلوات في الليل؛ لكي لا يكون في ركب العلماء الفسقة؛ لأن الله ذكر الصنفين في القرآن، ذكر علماء فسقة، وذكر عباد جهلة، فقال في العلماء الفسقة ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) وقال في العبدة الجهلة ((ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)).
إذا علم هذا، فأدعو نفسي وإياكم، يا أصاحب الحديث، إلى كثرة النوافل.
تعليق