جرش
جرش (جيراسا Gerasa) مدينة أردنية تبعد نحو 50كم إلى الشمال من العاصمة عمّان، وهي من المدن الأثرية القليلة في العالم التي حافظت على معالمها، وكانت واحدة من مدن الديكابوليس Dekapolis (وهو اتحاد عشر مدن في جنوب سورية نشأ في القرن الأول قبل الميلاد تحت الحكم الروماني)، وظلت المدينة الوحيدة من بين تلك المدن التي بقيت آثارها شاهدة على عظمتها السابقة.
أثبتت المكتشفات الأثرية أن موقع جرش كان مأهولاً بالسكان منذ العصر الحجري الحديث «النيوليتي»، وصار قرية صغيرة في العصر البرونزي الأول، ولا يمكن الجزم بالتاريخ الذي بدأت فيه جرش تبرز وتتحول إلى مدينة هلنستية مهمة، وتدل الكتابات على أن جرش كانت تسمى «أنطاكية»، وربما كان هذا الاسم يحمل شيئاً من الأهمية، إذ يوحي بأن أحد الملوك السلوقيين «أنطيوخوس الرابع» (175-164ق.م)، هو الذي قام بتطويرها، وهناك من يعزو تأسيسها إلى الإسكندر الكبير أو إلى بطلميوس فيلادلفس الثاني (283-246ق.م) الذي افتتح البلاد وأخضعها لحكمه مدة من الزمن، لم يبق من المدينة الهلنستية أيَّ بقايا يمكن مشاهدتها اليوم.
ومنذ عهد القائد الروماني «بومبي»، ودخول جرش في حلف المدن الحرة «حلف الديكابوليس» ازدهرت جرش وتطورت سريعاً، حيث ازدهرت تجارتها، وتبع ذلك ازدياد ثروتها، وخاصة في عهد الإمبراطور «تراجان» منذ عام 106م، وبعد إنشاء الولاية العربية أخذت المدينة تشهد عدداً من الاحتفالات السنوية العامة، ومنها احتفالات المصارعة وألعاب القوى وغيرها. وشهد القرن الثاني بعد الميلاد العصر الذهبي للمدينة، لأن أكثر الأبنية شيدت خلاله، وقام الإمبراطور هدريان بزيارة المدينة، وقضى فيها جانباً من فصل الشتاء سنة 129 -130م، وكانت زيارته إيذاناً ببدء حركة جديدة من النشاط العمراني، وقد شُيدت قوس النصر تخليداً لهذه المناسبة المهمة.
بلغت جرش قمة تطورها في أوائل القرن الثالث الميلادي، عندما جرى ترقيتها إلى مرتبة «مستعمرة»، وبقيت على هذه الحالة بضع عشرات من السنين، وسرعان ما بدأت مرحلة الانحدار التدريجي، وكان ذلك من نتائج دمار تدمر في الشمال، وتوسع مملكة الساسانيين في العراق، حيث توقفت تجارة جرش، وأُهملت طرق التجارة في الصحراء، وتحولت طرق نقل البضائع إلى البحر الأحمر. وفي عهد الإمبراطور جستنيان (527-565م) عاد الازدهار إلى المدينة، وأُنشئ فيها ما لا يقل عن سبع كنائس، بقيت قيد الاستعمال قروناً عدَّة حتى ما بعد الحروب الصليبية.
آثارها
تتميز جرش بآثارها الشاهدة على حضارتها الزاهية، ومن أهم هذه الآثار قوس النصر وبواباتها الثلاث التي ما تزال قائمة حتى منتصف ارتفاعها الأساسي تقريباً، وكانت قوس النصر هذه بمنزلة بوابة شرف تقوم على موازاة البوابة الجنوبية التي هي المدخل الرئيسي للمدينة، ولم تكن القوس تفتح إلا لدخول الشخصيات البارزة التي يرغب زعماء المدينة أن يرحبوا بها ترحيباً خاصاً.
جرش: مسرح الجنوب الذي شيد في عهد دوميتيان (81-96م)
وكانت البوابة الجنوبية ذات ثلاث أقواس، مثلها مثل قوس النصر، ولكنها أصغر حجماً بكثير، وتؤدي إلى ساحة الندوة المبلطة، وهي ذات شكل غريب لأنها لا تتفق مع أي تخطيط هندسي معروف. ومن الآثار الباقية، المسرح الذي كان يتألف من طابقين يزدانان بالأعمدة والمحاريب التي تحتوي على تماثيل، وقد أُعيد بناؤه حتى بداية الطابق الثاني، وبالرغم من عدم إتمامه، فإنه يعطي صورة واضحة للحالة التي كان عليها في الأصل، وكان هناك 32 صفاً من المقاعد، تتسع إلى 4000 أو 5000 متفرج، وتحمل صفوف المقاعد أرقاماً، مما يدل على أنها كانت تُحجز لأشخاص معينين. ومما يدهش أن الهندسة الصوتية ما تزال جيدة حتى اليوم.
يقع هيكل الإله زيوس في محاذاة المسرح من الجهة الجنوبية، وأُنشىء البناء الحالي في أواخر القرن الثاني الميلادي، ويبدو أن المكان كان موقعاً مقدساً منذ القديم. يمتد شارع الأعمدة الرئيسي مع امتداد المدينة كلها، من ساحة المدينة حتى البوابة الشمالية على مسافة تمتد نحو 600م، وأُنشئ في المدة الواقعة بين عامي 39 و76م على الطراز الأيوني. أما الطراز الكورنثي الذي يظهر مع امتداد الشارع حتى بوابة «أرتميس»، فيدل على توسيع الشارع وتجديد بنائه في النصف الأخير من القرن الثاني، وكان هذا الشارع يشتمل على عدد من الصهاريج والنوافير، وأهمها «سبيل الحوريات».
وفي نهاية الشارع الرئيسي الذي يصل طوله إلى 900م، تقع البوابة وطريق الدرج المؤدي إلى الكاتدرائية والذي تحيط الدكاكين بجانبيه. ثم نطل على بناء من أضخم الأبنية في جرش وأكثرها جمالاً ألا وهو هيكل «أرتميس»، التي تمثل الآلهة الراعية للمدينة، وما يزال الهيكل منتصباً فوق كل ما حوله من آثار، وأمامه تصطف أعمدته الضخمة المتناسقة في ضخامتها مع الهيكل، حيث بقيت الأعمدة صامدة على الرغم من تعرضها لعدة زلازل، ولكن الهيكل ليس سوى بناء يتوسط مخططاً عظيماً واسعاً من الباحات التذكارية والممرات المدرجة والمدخل الفخم، وهذا كله يعود إلى منتصف القرن الثاني الميلادي.
ويستطيع المرء أن يتمتع بمنظر سور المدينة، انطلاقاً من هيكل «أرتميس»، وما تزال معظم أجزاء هذا السور في حالة جيدة، عبر امتداده مع المنحدرات والتعاريج على جانبي الوادي، ولكن الجانب الشرقي في حالة أفضل، ويعطي هذا السور دليلاً على نمو المدينة وتطورها التدريجي. ويبدو أن إنشاء السور تم في حقبة واحدة (أواخر القرن الأول الميلادي).
تشتمل جرش على بقايا ثلاث عشرة كنيسة، متقاربة في تاريخ إنشائها، وهي ذات أهمية كبيرة لدراسة فن البناء المعماري عند المسيحيين الأوائل. ومن المرجح أن تكون الكنيسة «الكاتدرائية» أول الأبنية المسيحية في جرش، إذ يُعتقد أنها تعود إلى المدة الواقعة بين 350 و375م.
تعيد ليالي الصيف من كل عام لجرش أمجادها السالفة، فيمتزج الماضي بالحاضر في عروض وفعاليات مهرجان «جرش للثقافة والفنون» الذي يقام سنوياً بين شهري تموز وآب، ويعد من أبرز وأهم المهرجانات الفنية والثقافية في الوطن العربي.
جرش (جيراسا Gerasa) مدينة أردنية تبعد نحو 50كم إلى الشمال من العاصمة عمّان، وهي من المدن الأثرية القليلة في العالم التي حافظت على معالمها، وكانت واحدة من مدن الديكابوليس Dekapolis (وهو اتحاد عشر مدن في جنوب سورية نشأ في القرن الأول قبل الميلاد تحت الحكم الروماني)، وظلت المدينة الوحيدة من بين تلك المدن التي بقيت آثارها شاهدة على عظمتها السابقة.
أثبتت المكتشفات الأثرية أن موقع جرش كان مأهولاً بالسكان منذ العصر الحجري الحديث «النيوليتي»، وصار قرية صغيرة في العصر البرونزي الأول، ولا يمكن الجزم بالتاريخ الذي بدأت فيه جرش تبرز وتتحول إلى مدينة هلنستية مهمة، وتدل الكتابات على أن جرش كانت تسمى «أنطاكية»، وربما كان هذا الاسم يحمل شيئاً من الأهمية، إذ يوحي بأن أحد الملوك السلوقيين «أنطيوخوس الرابع» (175-164ق.م)، هو الذي قام بتطويرها، وهناك من يعزو تأسيسها إلى الإسكندر الكبير أو إلى بطلميوس فيلادلفس الثاني (283-246ق.م) الذي افتتح البلاد وأخضعها لحكمه مدة من الزمن، لم يبق من المدينة الهلنستية أيَّ بقايا يمكن مشاهدتها اليوم.
ومنذ عهد القائد الروماني «بومبي»، ودخول جرش في حلف المدن الحرة «حلف الديكابوليس» ازدهرت جرش وتطورت سريعاً، حيث ازدهرت تجارتها، وتبع ذلك ازدياد ثروتها، وخاصة في عهد الإمبراطور «تراجان» منذ عام 106م، وبعد إنشاء الولاية العربية أخذت المدينة تشهد عدداً من الاحتفالات السنوية العامة، ومنها احتفالات المصارعة وألعاب القوى وغيرها. وشهد القرن الثاني بعد الميلاد العصر الذهبي للمدينة، لأن أكثر الأبنية شيدت خلاله، وقام الإمبراطور هدريان بزيارة المدينة، وقضى فيها جانباً من فصل الشتاء سنة 129 -130م، وكانت زيارته إيذاناً ببدء حركة جديدة من النشاط العمراني، وقد شُيدت قوس النصر تخليداً لهذه المناسبة المهمة.
بلغت جرش قمة تطورها في أوائل القرن الثالث الميلادي، عندما جرى ترقيتها إلى مرتبة «مستعمرة»، وبقيت على هذه الحالة بضع عشرات من السنين، وسرعان ما بدأت مرحلة الانحدار التدريجي، وكان ذلك من نتائج دمار تدمر في الشمال، وتوسع مملكة الساسانيين في العراق، حيث توقفت تجارة جرش، وأُهملت طرق التجارة في الصحراء، وتحولت طرق نقل البضائع إلى البحر الأحمر. وفي عهد الإمبراطور جستنيان (527-565م) عاد الازدهار إلى المدينة، وأُنشئ فيها ما لا يقل عن سبع كنائس، بقيت قيد الاستعمال قروناً عدَّة حتى ما بعد الحروب الصليبية.
آثارها
تتميز جرش بآثارها الشاهدة على حضارتها الزاهية، ومن أهم هذه الآثار قوس النصر وبواباتها الثلاث التي ما تزال قائمة حتى منتصف ارتفاعها الأساسي تقريباً، وكانت قوس النصر هذه بمنزلة بوابة شرف تقوم على موازاة البوابة الجنوبية التي هي المدخل الرئيسي للمدينة، ولم تكن القوس تفتح إلا لدخول الشخصيات البارزة التي يرغب زعماء المدينة أن يرحبوا بها ترحيباً خاصاً.
جرش: مسرح الجنوب الذي شيد في عهد دوميتيان (81-96م)
وكانت البوابة الجنوبية ذات ثلاث أقواس، مثلها مثل قوس النصر، ولكنها أصغر حجماً بكثير، وتؤدي إلى ساحة الندوة المبلطة، وهي ذات شكل غريب لأنها لا تتفق مع أي تخطيط هندسي معروف. ومن الآثار الباقية، المسرح الذي كان يتألف من طابقين يزدانان بالأعمدة والمحاريب التي تحتوي على تماثيل، وقد أُعيد بناؤه حتى بداية الطابق الثاني، وبالرغم من عدم إتمامه، فإنه يعطي صورة واضحة للحالة التي كان عليها في الأصل، وكان هناك 32 صفاً من المقاعد، تتسع إلى 4000 أو 5000 متفرج، وتحمل صفوف المقاعد أرقاماً، مما يدل على أنها كانت تُحجز لأشخاص معينين. ومما يدهش أن الهندسة الصوتية ما تزال جيدة حتى اليوم.
يقع هيكل الإله زيوس في محاذاة المسرح من الجهة الجنوبية، وأُنشىء البناء الحالي في أواخر القرن الثاني الميلادي، ويبدو أن المكان كان موقعاً مقدساً منذ القديم. يمتد شارع الأعمدة الرئيسي مع امتداد المدينة كلها، من ساحة المدينة حتى البوابة الشمالية على مسافة تمتد نحو 600م، وأُنشئ في المدة الواقعة بين عامي 39 و76م على الطراز الأيوني. أما الطراز الكورنثي الذي يظهر مع امتداد الشارع حتى بوابة «أرتميس»، فيدل على توسيع الشارع وتجديد بنائه في النصف الأخير من القرن الثاني، وكان هذا الشارع يشتمل على عدد من الصهاريج والنوافير، وأهمها «سبيل الحوريات».
وفي نهاية الشارع الرئيسي الذي يصل طوله إلى 900م، تقع البوابة وطريق الدرج المؤدي إلى الكاتدرائية والذي تحيط الدكاكين بجانبيه. ثم نطل على بناء من أضخم الأبنية في جرش وأكثرها جمالاً ألا وهو هيكل «أرتميس»، التي تمثل الآلهة الراعية للمدينة، وما يزال الهيكل منتصباً فوق كل ما حوله من آثار، وأمامه تصطف أعمدته الضخمة المتناسقة في ضخامتها مع الهيكل، حيث بقيت الأعمدة صامدة على الرغم من تعرضها لعدة زلازل، ولكن الهيكل ليس سوى بناء يتوسط مخططاً عظيماً واسعاً من الباحات التذكارية والممرات المدرجة والمدخل الفخم، وهذا كله يعود إلى منتصف القرن الثاني الميلادي.
ويستطيع المرء أن يتمتع بمنظر سور المدينة، انطلاقاً من هيكل «أرتميس»، وما تزال معظم أجزاء هذا السور في حالة جيدة، عبر امتداده مع المنحدرات والتعاريج على جانبي الوادي، ولكن الجانب الشرقي في حالة أفضل، ويعطي هذا السور دليلاً على نمو المدينة وتطورها التدريجي. ويبدو أن إنشاء السور تم في حقبة واحدة (أواخر القرن الأول الميلادي).
تشتمل جرش على بقايا ثلاث عشرة كنيسة، متقاربة في تاريخ إنشائها، وهي ذات أهمية كبيرة لدراسة فن البناء المعماري عند المسيحيين الأوائل. ومن المرجح أن تكون الكنيسة «الكاتدرائية» أول الأبنية المسيحية في جرش، إذ يُعتقد أنها تعود إلى المدة الواقعة بين 350 و375م.
تعيد ليالي الصيف من كل عام لجرش أمجادها السالفة، فيمتزج الماضي بالحاضر في عروض وفعاليات مهرجان «جرش للثقافة والفنون» الذي يقام سنوياً بين شهري تموز وآب، ويعد من أبرز وأهم المهرجانات الفنية والثقافية في الوطن العربي.
تعليق