اسم الله الشكور
الشكور مبالغة من شكر، ودائماًأسماء المبالغة إذا اقترنت بأسماء الله الحسنى فتعني إما عدد الشُكر أو حجم الشُكر،أما حجم الشُكر؛ فأنت قد تعيش في الدنيا لسنوات معدودات، سنوات قد تزيد على الستين سنة أو السبعين، فإذا أطعت الله في هذه السنوات المعدودات يَهَبُك حياةً أبدية لاتنقضي، إذا قِستَ هذه السنوات المعدودة إلى الحياة الأبدية فأنت ما فعلت شيئاً،فمعنى " شكور" أنه يعطيك على الشيء القليل الشيء الكثير، فعندما حدثنا النبي عليهالصلاة والسلام عن ربه في الحديث القدسي قال : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينرأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، هذا معنى " الشكور " ، نظير ثلاث وستينسنة عشتهما، انقضى خُمُسُهما حتى أصبحت مكلّفاً، يعني هذه السنوات المعدودة كل يومخمس صلوات كلما رأت عينك امرأةً غضضت البصر عنها، وكلما لاح لك مبلغ من شُبُهة قلتمعاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، يعني مجموعة صلوات ومجموعة أيام صمتها،ومجموعة مواقف خِفت فيها من الله عز وجل فاستحققت هذا العطاءالكبير.
والمعنى الآخر لكلمة " شكور " هو المعنى العددي، يعني لا يمكن أنتقدم شيئاً لله عز وجل إلا ويشكرك عليه.
ورد في بعض الكتب أن أبا لهب حينماعلم بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام أعتق جارية ، فقيل : إنه يخفف عنه العذاب كليوم اثنين ، وأنه أعتق هذه الجارية فرحاً بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام ، كل شيء محفوظ عند الله سبحانه يعني ولو أنقذت نملة ، قال تعالى:
" مَايَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُشَاكِرًا عَلِيمًا (النساء:147)"
قد تخدم شخصاً، الخدمة لا يمكن أنيشكرك عليها إلا إذا عرفها، مثلاً، كأن تزور مريضاً، فتحمل هدية وتتوجه إليه، فيمدخل البيت أخذها منك ابنه، ولم يبلغه، ثم جلست عند المريض فهل يعقل أن يشكرك هذاالمريض بقوله (فضلت، شكراً ) لا .. طبعاً إنه لم يدر بالهدية، فكيف يشكر وهو لايعلم، لذلك ربنا عز وجل: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْوَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا "فهو يعلم، يعلم أي عمل مهمابدا صغيراً، لو أنقذت فراشةً، لو أنقذت نملة، لو رحمت إنساناً، لو أمّنت إنساناًخائفاً، أو هدأت من روع إنسان خائف، لو طمأنت إنساناً، لو أطعمت إنساناً جائعاً، كلشيءٍ محفوظ عِنَدَ الله.
أما الشكر في حق العباد فله طريقان، ويمكن أن نضيفلهما طريقاً ثالثة، شكر باللسان، وشكر بالعمل، ونقول لن يكون الشكر لا باللِسان ولا بالعمل إلا إذا عرفت النعمة، أساس الشُكر المعرفة، إذاً أنت تعرف ثم تشكر، لا تشكرما لم تعرف.
فشكر العمل، مثلاً: هناك شخص قدم لك بيتاً، أو وظفك فهو إذاًقدّمَ لكَ شيئاً ثميناً، أو كُنتَ واقعاً في ورطٍة كبيرة فأنقذك منها، ثم رأيت ابنهفي الطريق، فإذا قدمت لهذا الصغير قطعة حلوى فهذه الحلوى في الحقيقة شُكر لوالده،فأنت عبّرت عن امتنانك من أبيه بإكرام ابنه، هذا بشكل مبسط.
لذلك فالمؤمنإذا أسدى للعباد خدمات، أو إذا أسدى معروفاً لِمخلوق كائناً من كان، لِقطة، لجروٍصغير، فقد ترى حيواناً قد مرض وتأخذه إلى مشفى بيطري أو إلى طبيب بيطري، فإذا أردتالحقيقة فهذا هو عين الشُكر، لأنك تُعبّر عن شُكرِكَ لله عز وجل وعن امتنانك لهبخدمة مخلوقاته، إذا نصحت زبائنك نصيحةً صادقة، فهذا شُكر منك لله، إذا رحمت الناس،إذا عطفت عليهم، إذا أنصفتهم، إذا خففت من مآسيهم، إذا مسحت جراحهم، إذا أمنتهم منخوفهم، إذا قدمت لهم المعونة، إذا فعلت أي عمل صالح هو في الحقيقة تعبير عن امتنانكلله عز وجل من خلال عباده.
مثل آخر في مجال الحيوان، نعرف أُناساً يطعمونالطيور ويشعر أحدهم بلذة عارمة وبسعادة، فيشتري 2 كيلو أو ثلاثة من الحبوب، التيتصلح للطيور يضعها على السطح فترى سبعمائة أو ثمانمائة طير تسقط على السطح وتأكليقول : كأني أتغذى أنا، شعور نبيل سامٍ، هؤلاء مخلوقات لله عز وجل، لذلك فالمؤمنوهو يقود مركبته يحرص حرصاً كبيراً على ألا يدهس بها مخلوقاً ، فمثلاً لو دهس غنمةلقطع أصحابها عنقه، لكن إذا دهس كلباً لا أحد يُحاسبه، ترى في الطرقات منها مئاتمدهوسة، أما المؤمن فهو يعرف أن هذا الكلب حتى لو لم يكن ملكاً لأحد، ولو لم يكنهناك يحاسبه عليه، لكن يعلم أن الله ربه ويحاسبه، لذلك فالمؤمن يحرص حرصاً بالغاًعلى ألا يدهس حيواناً وإذا وقع منه من غير قصد يبادر إلى أداء صدقة فلعل الله سبحانه وتعالى يعفو عنه.
فالشُكر بالأفعال أن تعمل عملاً صالحاً مع كل مخلوقوليس مع المسلم فقط، حدثني أخ قال: رجل مُنعَم يركب سيارته الفخمة يمشي في طريق بينمدينة ومدينة رأى شاباً راكباً دراجة جنزيرها مقطوع والرجل له مكانته التجاريةوالاجتماعية، وسيارته فخمة ثمنها باهظ جدا، وقف وأصلح له الدراجة، فكان هذاالعمل سبب إسلام الشاب وإيمانه وأصبح من أخلص إخوانه لأنه أصلح لهالدراجة.
والله الذي لا إله إلا هو ما من مخلوق ترحمه إلا شكر الله لك.. قال: بغيّ، والبغيّ معروفة، رأت كلباً يأكل الثرى من العطش فسقته فشكر الله لهاوغفر لها و الحديث الشريف يقول:
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنمَارَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَاثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِفَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّأَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَلَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَفِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ * "(صحيح البخاري)
هذا هوالشكر..
إذا عرفت الله عز وجل ورأيت فضله عليك، فقد عرفت كيف تتعامل معمخلوقاته أياً كانت، أقرأ هذه الآية مثلاً:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِعَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
والله إني أقرأها عشرات المرات ولاأشبع منها:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
أوجدك من عدم، عمرك الآن ثلاثون سنة، افتح كتاباً قد طبع سنة ألفوتسعمائة وثمانيةٍ وخمسين، فأثناء صف الحروف أين كنت أنت؟ أكان لك وجود؟ أكان لكذكر؟ أكان لك حجم؟ أكان لك جرم؟ أكان لك أهمية؟ لم تكن موجوداً كلك، فأنعَمَ اللهعليك بنعمة الوجود...
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًاوَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) (البلد: 8-10)
لهعينان يعني له شكل حسن، فالنبي الكريم كلما رأى وجهه في المرآة يقول: "عَنِابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي *"
أعطاكصورة أعطاك عقلاً أعطاك قلباً ورئتين... ألخ، شكا لي رجل بعض همومه فقلت له: أتحتاج صماماً لقلبك؟ قال لا، قلت له أتحتاج أن تغسل كليتيك كل أسبوع؟ قال: لا، قلت: أنتفي نعمة عظيمة إذاً فاحمد الله تعالى.
حدثني أخ والقصة قديمة منذ عقدينتقريباً أثناء أحداث لبنان قال: جئت من " الهامة " فرأيت رجلاً واقفاً في ضاحية " دُمر " أيام البرد الشديد حاملاً طفلاً صغيراً يلفه بسترته، وبجانبه امرأة، وكانتالساعة الثانية عشر ليلاً، فقلن أوصلهم لدارهم، وإذا بالطفل حرارته مرتفعة جداً، واحدة وأربعون درجة وهذان أبواه أتيا من لبنان أثناء أحداث لبنان، سكنا في بيت فيدمر ولا يعرفان أحداً في الشام، قال أركبتهم بالسيارة وأخذتهم إلى طبيب مناوب عالجالصغير واشترينا الدواء من صيدلية مناوبة، ذهبنا إلى مشفى لأعطي الطفل إبرة،وانتهينا الساعة الرابعة صباحاً، بقيت أسبوعين أو ثلاث مغموراً بسعادة لاتُوصف.
يقول بعضهم: والله نحنُ نُريد السعادة، السعادة بين يديك، إذا أردتأن تَسعَد فأسعد الآخرين، كل واحد منا يذوق لذة الأخذ، هو يقبض المال فيفرح ويمرحولكن ما أحد ذاق لذة العطاء، العطاء له لذة أكثر، فعلى المسلم أن يزور مريضاً أو أنيقدم معونةً: " والله لأن أمشي مع أخٍ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه فيمسجدي هذا ".
الشُكر الثاني: أيها الإخوة أن تُثني على الله: يا رب أنتاللطيف، أنت الرحيم، أنت القوي، أنت الغني، أنت الرؤوف، يا رحمن الدنيا ورحيمالآخرة، يا غفار الذنوب، يا ستار العيوب، أنت الذي تعطي ولا تسأل، تحلُم ولاتعجل.
لسانك ينطلق: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحان اللهوالحمد لله ولا إله إلا الله، يعني إذا أثنيت على الله، هذا شُكر أيضاً .
إذارأيت مؤمناً من غير رواد جامعك ومن غير جماعتك، ورأيته مستقيماً محباً لله إن لمتحبه فلست مؤمناً، لما تُعمّق انتماءك فقط لجماعتك فأنت طائفي، أنت عُنصري محدودالأفق، بل عليك أن تنطلق إلى الناس جميعاً .. فالدعوة عامة..الإسلام للناس جميعاً،فأنا أُلِح ألا يقتصر العمل الطيب على من يلوذ بك أو ممن تعرف من العباد، لا.. بلخيرك للناس كافة، ولا تدري في أية لحظة يُشرق في نفس هذا الإنسان الذي أسديت إليه الجميل؛ فهذا هو الإيمان لعلَّ الله عز وجل يهدي بك وأنت لا تدري.
فمثلاًكان لأبي حنيفة النعمان جارٌ مغنٍ تارك صلاة شارب خمر لا ينيمه الليل وطول الليليغني: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وطعان خلس
ذات ليلة لم يسمع أبوحنيفة غناء في البيت المجاور، يعني أن المغني لديه عارض عرض له، تفقده فوجده فيالسجن لقضية ما، فذهب إلى مدير السجن وشفع له، مدير السجن لم يُصدّق، وجد الإمامالأعظم عنده في المكتب، فأطلق إكراماً له كل من أُلقي القبض عليهم في تلك الليلة،وهو في طريقه قال له: يا فتى هل أضعناك.. نسيناك، فكان هذا المعروف سبباًلتوبته.
اجتهادك وبطولتك ليس في إسداء خدمةٍ لمؤمن، المؤمن سوي مثلك، تجلسإلى مؤمن فتقول: لقد أقنعته، وهو قانع أصلاً قبل أن تؤثر فيه، إذا كنت بطلاً تُقنعإنساناً تارك صلاة، تُقنع إنساناً عنده شكوك بالله عز وجل، هُنا البطولة، أن تُدخلعلى المجتمع المؤمن عنصراً جديداً، تجلس إلى عدو للدين عنده شبهات ولا يعبأبالعلماء ولا يعبأ بالدين تقنعه تحلم عليه وتعطيه الأدلة القطعية، ويرى منك خُلُقاًحسناً، لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة فيشرح الله صدره، ومن بعد يصلي ثم يتوب، ويأتيإلى المسجد، ويعتاد المساجد وحلقات العلم، فهذه البطولة حقاً وليست البطولة أنتُفسد الناس على شيوخها، ولا الشيوخ على تلاميذها لا. فأنت مهمتك أن تُحدث عنصراً جديداً في المؤمنين البطولة على قدر المشقة وبحجم العمل الإيجابيالنافع.
وبعد، فإن الشُكر يكون بالثناء، فالربّ سبحانه وتعالى إذا أثنى علىعبده فقد شكره، أنت تثني على الله في مجالسك والناس يحبونك لأحاديثك هذهويمدحونك في غيبتك، هذا شُكر الله لك، إذا أحسنت للعباد يُحسن اللهإليك
" هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)"
والإمام الغزالي له كلمة، قال: " إذا كان الذي أخذ فأثنى شكوراً فالذيأعطى وأثنى أولى أن يكون شكوراً ".
الشكر يتوجه لمن؟ إما إلى الخالق وإماإلى المخلوق، ومن ثم فشكر الخالق مستحيل، أي أنك يستحيل عليه أن توفيه بشكرك له،لماذا؟ قالوا: لأن شُكر النعمة مشروط بمعرفة هذه النعمة، وما دامت معرفة النعمةمستحيلة فالشُكر مستحيل، والدليل:
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِلَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 18)"
ما داميستحيل عليك أن تعرف نعمة الله كما هي إذاً يستحيل أن تشكر الله حق الشُكر، لهذاماذا قال النبي:سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
الشكرمستحيل، أي توفي الله حقه من الشكر، مستحيل هذه واحدة.
الثانية: الشُكر نعمةمن الله، فأنت تشكُر على نعمة والشُكر نفسه نعمة، فأنت في نِعم، يا رب كيف أشكركوشُكرك لا يتم إلا بنعمة منك جديدة، إذاً أنت مفتقر إلى أن تكون شاكراً لله عزوجل.
هناك نقطة دقيقة وهامة: رؤية النعمة نعمة، الله عز وجل يعطيك معاستغنائه عنك، لكنك تشكُرَهُ مع افتقارك إليه وشتان بين هذا وذاك.
آخر ماينبغي شد أفكار القاريء إليه بالموضوع يتلخص بالسؤال التالي والإجابة عليه: أسدىمخلوق إليك نعمة فلمن الشُكر؟ الجواب: لله فقط.. فهذا المخلوق الذي أكرمك مِن خلقه،أعطاه الله عز وجل قوةً وحياةً، والله عز وجل هو الذي سمح له أن يخدمك، كما ألهمهأن يخدمك، بماذا خدمك؟ أعطاك مثلاً طعاماً، من خلق الطعام؟ الله عز وجل، أعطاكمالاً وهذا المال قيمته بقيمة مشترياته، من خلق النِعم؟ الله عز وجل، إذاً الذي خلقوالمُنعِم هو الله، والذي أَلهَمَهُ هو الله، والذي مَكَنَهُ هو الله، والذي خَلَقَالنِعمة التي هي موضوع عطائُك هو الله، والذي مكّنَكَ من أن تستفيد من هذه النعمة هو الله، إذاً الشُكر لله عز وجل، ولكن هذا المخلوق مادام مُخيّراً، إذاً يستحق أنتشكُرَهُ بعد الله عز وجل، فالشُكر لا تقل لله وفلان، بل قل لله ثملفلان.
( ثم )هذه ضرورية جداً، الحمد لله على هذه النعمة التي أنعم اللهبها علي ثم الشكر لفلان الذي جاءتني عن طريقه، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ *
لو فرضنا جاءك معروف من جماد، رجل ماشٍ في طريق مر بشرفة من إسمنت ومشىتحتها فوقع حجر من آخر البناية عليه، هذه الشرفة تلقت الحجر، لولا هذه الشرفة لهلك،فهل يشكر الشرفة ويقول: الله يجزيك الخير لأنك في هذا المكان، هذه شرفة جامدة لاتعقل، إذا جاءك خير من جماد أو من حيوان أو من مخلوق غير مكلف فالشُكر لله فقط، أما إذا جاءك خير من مخلوق مكلّف مخيّر، قلت: ما دخله إن الله سخّرَهُ ليّ، فهذا منتهىالوقاحة ومنتهى الجحود، إذا جاءك الخير من إنسان مكلّف يجب أن تشكُرَ الله لأنهخَلَقَهُ، وألهَمَهُ، وسَمَحَ لَهُ، ومَكَّنُه، وخَلَقَ الله النِعمة التي بين يديهوجعلك تنتفع بها، كله لله لكن ما دام مخيّراً وقدّمَ لك هذه النِعمة باختياره إذاًنزجي له الشُكر ثانياً بعد الله عز وجل.
وبعد، وقفه أخيره بالموضوع وهيلطيفة ؛ موازنة بين نعمة أسداها الله إليك ونعمة أسداها زيد إليك، قالوا: أولاً إنإنعام الأمير مكدر من وجوه أحدها أنك ربما احتجت إلى شيء ولا يعطيك إيّاه لأنهمحتاج إليه، مرة كنت في الحج احتجتُ إلى ليتر ماء، فسألت حاجاً قال: والله يلزمنيالماء، شكراً فمعه حق لأن الماء يلزمه. فأنت قد تطلب من إنسان شيئاً هو بحاجة إليه،وإن كنت بالمطار مثلاً وأردت أن تكتب بطاقة وليس معك قلم، فتقول لواحد: إذا سمحتأريد قلمك، يقول لك: أحتاجُهُ والله، فأنت إذا طلبت من إنسان حاجة قد يكون هو محتاجإليها فلا يعطيك إياها، أما إذا سألت الله عز وجل، فإنه يلبيك ولا يمنعك، وهذا أولفرق.
الأهم من ذلك أنه يمكن لفلان أن يعطيك، ولكن فلاناً ليسَ حاضراً الآن،فأنت مسافر وهو بالشام وعطاؤه مستحيل لبعد المسافة بينكما أما الله فهو معك دائماً،هذه النقطة الثانية، النقطة الأولى قد يكون الشخص قادراً على العطاء لكن الشيءمحتاج إليه قبلك، النقطة الثانية أنك قد لا تستطيع أن تصل إلى هذا المنعم لسببما.
النقطة الثالثة ؛ أنك إذا قصّرتَ مع إنسان فإنه يقطع عنك فوراً، لكنالله تعالى قال: عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفكفي رزقك "
وفي ختام معالجتنا للموضوع أقول: الشكور الذي إذا نَوَّل أجزل، وإذا أطيع بالقليل قبل وهو الذي يقبل القليل ويعطي الجزيل، وهو الذي يقبل اليسير منالطاعات ويعطي الكثير من الدرجات، وقيل حقيقة الشُكر الغَيبة عن شهود النعمة بشهودالمنعم.
الدول البعيدة العلمانية ماذا ترى بعينيها؟ النعمة فقط، وكل شيءثمين عندها وله ثمن بينما المؤمن ماذا يرى؟ المُنعِم، وملخّص الدرس كله، أنك إذااستطعت أن تتجاوز النعمة إلى المُنعم فأنت شكور.
والمعنى الآخر لكلمة " شكور " هو المعنى العددي، يعني لا يمكن أنتقدم شيئاً لله عز وجل إلا ويشكرك عليه.
ورد في بعض الكتب أن أبا لهب حينماعلم بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام أعتق جارية ، فقيل : إنه يخفف عنه العذاب كليوم اثنين ، وأنه أعتق هذه الجارية فرحاً بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام ، كل شيء محفوظ عند الله سبحانه يعني ولو أنقذت نملة ، قال تعالى:
" مَايَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُشَاكِرًا عَلِيمًا (النساء:147)"
قد تخدم شخصاً، الخدمة لا يمكن أنيشكرك عليها إلا إذا عرفها، مثلاً، كأن تزور مريضاً، فتحمل هدية وتتوجه إليه، فيمدخل البيت أخذها منك ابنه، ولم يبلغه، ثم جلست عند المريض فهل يعقل أن يشكرك هذاالمريض بقوله (فضلت، شكراً ) لا .. طبعاً إنه لم يدر بالهدية، فكيف يشكر وهو لايعلم، لذلك ربنا عز وجل: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْوَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا "فهو يعلم، يعلم أي عمل مهمابدا صغيراً، لو أنقذت فراشةً، لو أنقذت نملة، لو رحمت إنساناً، لو أمّنت إنساناًخائفاً، أو هدأت من روع إنسان خائف، لو طمأنت إنساناً، لو أطعمت إنساناً جائعاً، كلشيءٍ محفوظ عِنَدَ الله.
أما الشكر في حق العباد فله طريقان، ويمكن أن نضيفلهما طريقاً ثالثة، شكر باللسان، وشكر بالعمل، ونقول لن يكون الشكر لا باللِسان ولا بالعمل إلا إذا عرفت النعمة، أساس الشُكر المعرفة، إذاً أنت تعرف ثم تشكر، لا تشكرما لم تعرف.
فشكر العمل، مثلاً: هناك شخص قدم لك بيتاً، أو وظفك فهو إذاًقدّمَ لكَ شيئاً ثميناً، أو كُنتَ واقعاً في ورطٍة كبيرة فأنقذك منها، ثم رأيت ابنهفي الطريق، فإذا قدمت لهذا الصغير قطعة حلوى فهذه الحلوى في الحقيقة شُكر لوالده،فأنت عبّرت عن امتنانك من أبيه بإكرام ابنه، هذا بشكل مبسط.
لذلك فالمؤمنإذا أسدى للعباد خدمات، أو إذا أسدى معروفاً لِمخلوق كائناً من كان، لِقطة، لجروٍصغير، فقد ترى حيواناً قد مرض وتأخذه إلى مشفى بيطري أو إلى طبيب بيطري، فإذا أردتالحقيقة فهذا هو عين الشُكر، لأنك تُعبّر عن شُكرِكَ لله عز وجل وعن امتنانك لهبخدمة مخلوقاته، إذا نصحت زبائنك نصيحةً صادقة، فهذا شُكر منك لله، إذا رحمت الناس،إذا عطفت عليهم، إذا أنصفتهم، إذا خففت من مآسيهم، إذا مسحت جراحهم، إذا أمنتهم منخوفهم، إذا قدمت لهم المعونة، إذا فعلت أي عمل صالح هو في الحقيقة تعبير عن امتنانكلله عز وجل من خلال عباده.
مثل آخر في مجال الحيوان، نعرف أُناساً يطعمونالطيور ويشعر أحدهم بلذة عارمة وبسعادة، فيشتري 2 كيلو أو ثلاثة من الحبوب، التيتصلح للطيور يضعها على السطح فترى سبعمائة أو ثمانمائة طير تسقط على السطح وتأكليقول : كأني أتغذى أنا، شعور نبيل سامٍ، هؤلاء مخلوقات لله عز وجل، لذلك فالمؤمنوهو يقود مركبته يحرص حرصاً كبيراً على ألا يدهس بها مخلوقاً ، فمثلاً لو دهس غنمةلقطع أصحابها عنقه، لكن إذا دهس كلباً لا أحد يُحاسبه، ترى في الطرقات منها مئاتمدهوسة، أما المؤمن فهو يعرف أن هذا الكلب حتى لو لم يكن ملكاً لأحد، ولو لم يكنهناك يحاسبه عليه، لكن يعلم أن الله ربه ويحاسبه، لذلك فالمؤمن يحرص حرصاً بالغاًعلى ألا يدهس حيواناً وإذا وقع منه من غير قصد يبادر إلى أداء صدقة فلعل الله سبحانه وتعالى يعفو عنه.
فالشُكر بالأفعال أن تعمل عملاً صالحاً مع كل مخلوقوليس مع المسلم فقط، حدثني أخ قال: رجل مُنعَم يركب سيارته الفخمة يمشي في طريق بينمدينة ومدينة رأى شاباً راكباً دراجة جنزيرها مقطوع والرجل له مكانته التجاريةوالاجتماعية، وسيارته فخمة ثمنها باهظ جدا، وقف وأصلح له الدراجة، فكان هذاالعمل سبب إسلام الشاب وإيمانه وأصبح من أخلص إخوانه لأنه أصلح لهالدراجة.
والله الذي لا إله إلا هو ما من مخلوق ترحمه إلا شكر الله لك.. قال: بغيّ، والبغيّ معروفة، رأت كلباً يأكل الثرى من العطش فسقته فشكر الله لهاوغفر لها و الحديث الشريف يقول:
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنمَارَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَاثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِفَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّأَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَلَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَفِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ * "(صحيح البخاري)
هذا هوالشكر..
إذا عرفت الله عز وجل ورأيت فضله عليك، فقد عرفت كيف تتعامل معمخلوقاته أياً كانت، أقرأ هذه الآية مثلاً:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِعَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
والله إني أقرأها عشرات المرات ولاأشبع منها:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
أوجدك من عدم، عمرك الآن ثلاثون سنة، افتح كتاباً قد طبع سنة ألفوتسعمائة وثمانيةٍ وخمسين، فأثناء صف الحروف أين كنت أنت؟ أكان لك وجود؟ أكان لكذكر؟ أكان لك حجم؟ أكان لك جرم؟ أكان لك أهمية؟ لم تكن موجوداً كلك، فأنعَمَ اللهعليك بنعمة الوجود...
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًاوَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) (البلد: 8-10)
لهعينان يعني له شكل حسن، فالنبي الكريم كلما رأى وجهه في المرآة يقول: "عَنِابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي *"
أعطاكصورة أعطاك عقلاً أعطاك قلباً ورئتين... ألخ، شكا لي رجل بعض همومه فقلت له: أتحتاج صماماً لقلبك؟ قال لا، قلت له أتحتاج أن تغسل كليتيك كل أسبوع؟ قال: لا، قلت: أنتفي نعمة عظيمة إذاً فاحمد الله تعالى.
حدثني أخ والقصة قديمة منذ عقدينتقريباً أثناء أحداث لبنان قال: جئت من " الهامة " فرأيت رجلاً واقفاً في ضاحية " دُمر " أيام البرد الشديد حاملاً طفلاً صغيراً يلفه بسترته، وبجانبه امرأة، وكانتالساعة الثانية عشر ليلاً، فقلن أوصلهم لدارهم، وإذا بالطفل حرارته مرتفعة جداً، واحدة وأربعون درجة وهذان أبواه أتيا من لبنان أثناء أحداث لبنان، سكنا في بيت فيدمر ولا يعرفان أحداً في الشام، قال أركبتهم بالسيارة وأخذتهم إلى طبيب مناوب عالجالصغير واشترينا الدواء من صيدلية مناوبة، ذهبنا إلى مشفى لأعطي الطفل إبرة،وانتهينا الساعة الرابعة صباحاً، بقيت أسبوعين أو ثلاث مغموراً بسعادة لاتُوصف.
يقول بعضهم: والله نحنُ نُريد السعادة، السعادة بين يديك، إذا أردتأن تَسعَد فأسعد الآخرين، كل واحد منا يذوق لذة الأخذ، هو يقبض المال فيفرح ويمرحولكن ما أحد ذاق لذة العطاء، العطاء له لذة أكثر، فعلى المسلم أن يزور مريضاً أو أنيقدم معونةً: " والله لأن أمشي مع أخٍ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه فيمسجدي هذا ".
الشُكر الثاني: أيها الإخوة أن تُثني على الله: يا رب أنتاللطيف، أنت الرحيم، أنت القوي، أنت الغني، أنت الرؤوف، يا رحمن الدنيا ورحيمالآخرة، يا غفار الذنوب، يا ستار العيوب، أنت الذي تعطي ولا تسأل، تحلُم ولاتعجل.
لسانك ينطلق: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحان اللهوالحمد لله ولا إله إلا الله، يعني إذا أثنيت على الله، هذا شُكر أيضاً .
إذارأيت مؤمناً من غير رواد جامعك ومن غير جماعتك، ورأيته مستقيماً محباً لله إن لمتحبه فلست مؤمناً، لما تُعمّق انتماءك فقط لجماعتك فأنت طائفي، أنت عُنصري محدودالأفق، بل عليك أن تنطلق إلى الناس جميعاً .. فالدعوة عامة..الإسلام للناس جميعاً،فأنا أُلِح ألا يقتصر العمل الطيب على من يلوذ بك أو ممن تعرف من العباد، لا.. بلخيرك للناس كافة، ولا تدري في أية لحظة يُشرق في نفس هذا الإنسان الذي أسديت إليه الجميل؛ فهذا هو الإيمان لعلَّ الله عز وجل يهدي بك وأنت لا تدري.
فمثلاًكان لأبي حنيفة النعمان جارٌ مغنٍ تارك صلاة شارب خمر لا ينيمه الليل وطول الليليغني: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وطعان خلس
ذات ليلة لم يسمع أبوحنيفة غناء في البيت المجاور، يعني أن المغني لديه عارض عرض له، تفقده فوجده فيالسجن لقضية ما، فذهب إلى مدير السجن وشفع له، مدير السجن لم يُصدّق، وجد الإمامالأعظم عنده في المكتب، فأطلق إكراماً له كل من أُلقي القبض عليهم في تلك الليلة،وهو في طريقه قال له: يا فتى هل أضعناك.. نسيناك، فكان هذا المعروف سبباًلتوبته.
اجتهادك وبطولتك ليس في إسداء خدمةٍ لمؤمن، المؤمن سوي مثلك، تجلسإلى مؤمن فتقول: لقد أقنعته، وهو قانع أصلاً قبل أن تؤثر فيه، إذا كنت بطلاً تُقنعإنساناً تارك صلاة، تُقنع إنساناً عنده شكوك بالله عز وجل، هُنا البطولة، أن تُدخلعلى المجتمع المؤمن عنصراً جديداً، تجلس إلى عدو للدين عنده شبهات ولا يعبأبالعلماء ولا يعبأ بالدين تقنعه تحلم عليه وتعطيه الأدلة القطعية، ويرى منك خُلُقاًحسناً، لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة فيشرح الله صدره، ومن بعد يصلي ثم يتوب، ويأتيإلى المسجد، ويعتاد المساجد وحلقات العلم، فهذه البطولة حقاً وليست البطولة أنتُفسد الناس على شيوخها، ولا الشيوخ على تلاميذها لا. فأنت مهمتك أن تُحدث عنصراً جديداً في المؤمنين البطولة على قدر المشقة وبحجم العمل الإيجابيالنافع.
وبعد، فإن الشُكر يكون بالثناء، فالربّ سبحانه وتعالى إذا أثنى علىعبده فقد شكره، أنت تثني على الله في مجالسك والناس يحبونك لأحاديثك هذهويمدحونك في غيبتك، هذا شُكر الله لك، إذا أحسنت للعباد يُحسن اللهإليك
" هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)"
والإمام الغزالي له كلمة، قال: " إذا كان الذي أخذ فأثنى شكوراً فالذيأعطى وأثنى أولى أن يكون شكوراً ".
الشكر يتوجه لمن؟ إما إلى الخالق وإماإلى المخلوق، ومن ثم فشكر الخالق مستحيل، أي أنك يستحيل عليه أن توفيه بشكرك له،لماذا؟ قالوا: لأن شُكر النعمة مشروط بمعرفة هذه النعمة، وما دامت معرفة النعمةمستحيلة فالشُكر مستحيل، والدليل:
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِلَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 18)"
ما داميستحيل عليك أن تعرف نعمة الله كما هي إذاً يستحيل أن تشكر الله حق الشُكر، لهذاماذا قال النبي:سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
الشكرمستحيل، أي توفي الله حقه من الشكر، مستحيل هذه واحدة.
الثانية: الشُكر نعمةمن الله، فأنت تشكُر على نعمة والشُكر نفسه نعمة، فأنت في نِعم، يا رب كيف أشكركوشُكرك لا يتم إلا بنعمة منك جديدة، إذاً أنت مفتقر إلى أن تكون شاكراً لله عزوجل.
هناك نقطة دقيقة وهامة: رؤية النعمة نعمة، الله عز وجل يعطيك معاستغنائه عنك، لكنك تشكُرَهُ مع افتقارك إليه وشتان بين هذا وذاك.
آخر ماينبغي شد أفكار القاريء إليه بالموضوع يتلخص بالسؤال التالي والإجابة عليه: أسدىمخلوق إليك نعمة فلمن الشُكر؟ الجواب: لله فقط.. فهذا المخلوق الذي أكرمك مِن خلقه،أعطاه الله عز وجل قوةً وحياةً، والله عز وجل هو الذي سمح له أن يخدمك، كما ألهمهأن يخدمك، بماذا خدمك؟ أعطاك مثلاً طعاماً، من خلق الطعام؟ الله عز وجل، أعطاكمالاً وهذا المال قيمته بقيمة مشترياته، من خلق النِعم؟ الله عز وجل، إذاً الذي خلقوالمُنعِم هو الله، والذي أَلهَمَهُ هو الله، والذي مَكَنَهُ هو الله، والذي خَلَقَالنِعمة التي هي موضوع عطائُك هو الله، والذي مكّنَكَ من أن تستفيد من هذه النعمة هو الله، إذاً الشُكر لله عز وجل، ولكن هذا المخلوق مادام مُخيّراً، إذاً يستحق أنتشكُرَهُ بعد الله عز وجل، فالشُكر لا تقل لله وفلان، بل قل لله ثملفلان.
( ثم )هذه ضرورية جداً، الحمد لله على هذه النعمة التي أنعم اللهبها علي ثم الشكر لفلان الذي جاءتني عن طريقه، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ *
لو فرضنا جاءك معروف من جماد، رجل ماشٍ في طريق مر بشرفة من إسمنت ومشىتحتها فوقع حجر من آخر البناية عليه، هذه الشرفة تلقت الحجر، لولا هذه الشرفة لهلك،فهل يشكر الشرفة ويقول: الله يجزيك الخير لأنك في هذا المكان، هذه شرفة جامدة لاتعقل، إذا جاءك خير من جماد أو من حيوان أو من مخلوق غير مكلف فالشُكر لله فقط، أما إذا جاءك خير من مخلوق مكلّف مخيّر، قلت: ما دخله إن الله سخّرَهُ ليّ، فهذا منتهىالوقاحة ومنتهى الجحود، إذا جاءك الخير من إنسان مكلّف يجب أن تشكُرَ الله لأنهخَلَقَهُ، وألهَمَهُ، وسَمَحَ لَهُ، ومَكَّنُه، وخَلَقَ الله النِعمة التي بين يديهوجعلك تنتفع بها، كله لله لكن ما دام مخيّراً وقدّمَ لك هذه النِعمة باختياره إذاًنزجي له الشُكر ثانياً بعد الله عز وجل.
وبعد، وقفه أخيره بالموضوع وهيلطيفة ؛ موازنة بين نعمة أسداها الله إليك ونعمة أسداها زيد إليك، قالوا: أولاً إنإنعام الأمير مكدر من وجوه أحدها أنك ربما احتجت إلى شيء ولا يعطيك إيّاه لأنهمحتاج إليه، مرة كنت في الحج احتجتُ إلى ليتر ماء، فسألت حاجاً قال: والله يلزمنيالماء، شكراً فمعه حق لأن الماء يلزمه. فأنت قد تطلب من إنسان شيئاً هو بحاجة إليه،وإن كنت بالمطار مثلاً وأردت أن تكتب بطاقة وليس معك قلم، فتقول لواحد: إذا سمحتأريد قلمك، يقول لك: أحتاجُهُ والله، فأنت إذا طلبت من إنسان حاجة قد يكون هو محتاجإليها فلا يعطيك إياها، أما إذا سألت الله عز وجل، فإنه يلبيك ولا يمنعك، وهذا أولفرق.
الأهم من ذلك أنه يمكن لفلان أن يعطيك، ولكن فلاناً ليسَ حاضراً الآن،فأنت مسافر وهو بالشام وعطاؤه مستحيل لبعد المسافة بينكما أما الله فهو معك دائماً،هذه النقطة الثانية، النقطة الأولى قد يكون الشخص قادراً على العطاء لكن الشيءمحتاج إليه قبلك، النقطة الثانية أنك قد لا تستطيع أن تصل إلى هذا المنعم لسببما.
النقطة الثالثة ؛ أنك إذا قصّرتَ مع إنسان فإنه يقطع عنك فوراً، لكنالله تعالى قال: عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفكفي رزقك "
وفي ختام معالجتنا للموضوع أقول: الشكور الذي إذا نَوَّل أجزل، وإذا أطيع بالقليل قبل وهو الذي يقبل القليل ويعطي الجزيل، وهو الذي يقبل اليسير منالطاعات ويعطي الكثير من الدرجات، وقيل حقيقة الشُكر الغَيبة عن شهود النعمة بشهودالمنعم.
الدول البعيدة العلمانية ماذا ترى بعينيها؟ النعمة فقط، وكل شيءثمين عندها وله ثمن بينما المؤمن ماذا يرى؟ المُنعِم، وملخّص الدرس كله، أنك إذااستطعت أن تتجاوز النعمة إلى المُنعم فأنت شكور.
المقال منقول من احد المنتديات للفائده
http://forum.mustafahosny.com/showthread.php?t=98876
تعليق