من هو الذي تنهاه صلاته
عن الفحشاء والمنكر ؟
السؤال: في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة :
( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/45،
بينما أجد الكثير من المصلين من يملك أسوأ الأخلاق , نجده مرتشيا ، وحراميا، ولصا ،
وكذابا ، وكل شيء من هذا القبيل , فاستغربت لهذا . أود منكم الإيضاح .
الجواب :
الحمد لله
لا نجد داعيا لاستغرابك أخي السائل
فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر
هي الصلاة الحقيقية التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه
يتذلل بها بين يدي الله ، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه ، وهو في ذلك راغب
فيما عنده عز وجل ، صادق التوبة والإنابة ، مخلص السريرة له سبحانه .
فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة
لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة
التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكتب له من أجرها
إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها .
يقول الله عز وجل فيها :
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا -
غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ .
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ
بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ )
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/
321) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"
(رقم/190)
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
" في الآية تأويل ثالث ، وهو الذي ارتضاه المحققون ، وقال به المشيخة الصوفية ،
وذكره المفسرون ، فقيل المراد بـ ( أقم الصلاة ) : إدامتها ، والقيام بحدودها .
ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر ، وذلك لما
فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة ، والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا
دخل المصلي في محرابه ، وخشع ، وأخبت لربه ، وادكر أنه واقف بين يديه ، وأنه مطلع عليه ويراه :
صلحت لذلك نفسه
وتذللت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى ، وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر من
ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة .
فهذا معنى هذه الأخبار ؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .
قلت – أي القرطبي - :
لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ، وهذا أبلغ في المقصود ، وأتم في المراد
فإن الموت ليس له سن محدود ، ولا زمن مخصوص ، ولا مرض معلوم ، وهذا مما لا خلاف فيه .
وروي عن بعض السلف
أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ، فكُلم في ذلك فقال :
إني واقف بين يدي الله تعالى ، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا ، فكيف مع ملك الملوك ؟!
فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء
لا خشوع فيها ، ولا تذكر ، ولا فضائل – كصلاتنا ، وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها
من منزلته حيث كان ، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى :
تركته الصلاة يتمادى على بعده ، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود
وابن عباس والحسن والأعمش قولهم :
( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا ) " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (13/348) .
والحديث المشار إليه في آخر كلامه : ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ، رقم (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر ، وإذا لم تنهه : دل على
تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً ، وقد قال تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة )
مريم/59، وإضاعتها : التفريط في واجباتها وإن كان يصليها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22/6)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
فإن قال قائل : كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان ؟
فالجواب : تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل ، وهي التي يكون فيها حضور القلب
، والقيام بما يجب فيها .
أما صلاة غالب الناس اليوم
فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب ؛
ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي
لا فائدة منها ؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب .
لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله ، وأنها روضة فيها
من كل ثمرات العبادة :
لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ ؛
لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه ، وأحب شيء إليه ؛
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( جعلت قرة عيني في الصلاة ).
أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها
لكن قلبه مشغول بغيرها :
فهذا لا تكون الصلاة عوناً له ؛ لأنها صلاة ناقصة ؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها ، كما قال الله تعالى :
( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
العنكبوت/45،
وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء
والمنكر ، هو على ما هو عليه، ؛
لا لانَ قلبه لذكر ، ولا تحول إلى محبة العبادة" انتهى.
، 165 )
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" للصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى ، قال تعالى :
( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )
العنكبوت/45.
فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله ؛
هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، ويحصل بها على الفلاح .
أما الذي يصلي صلاة صورية ؛
من غير حضور قلب ، ومن غير خشوع ، قلبه في واد وجسمه في واد آخر ؛ فهذا لا
يحصل من صلاته على طائل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان "
( 3 / 53 ، 54 )
والله أعلم .
عن الفحشاء والمنكر ؟
السؤال: في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة :
( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/45،
بينما أجد الكثير من المصلين من يملك أسوأ الأخلاق , نجده مرتشيا ، وحراميا، ولصا ،
وكذابا ، وكل شيء من هذا القبيل , فاستغربت لهذا . أود منكم الإيضاح .
الجواب :
الحمد لله
لا نجد داعيا لاستغرابك أخي السائل
فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر
هي الصلاة الحقيقية التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه
يتذلل بها بين يدي الله ، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه ، وهو في ذلك راغب
فيما عنده عز وجل ، صادق التوبة والإنابة ، مخلص السريرة له سبحانه .
فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة
لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة
التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكتب له من أجرها
إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها .
يقول الله عز وجل فيها :
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا -
غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ .
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ
بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ )
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/
321) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"
(رقم/190)
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
" في الآية تأويل ثالث ، وهو الذي ارتضاه المحققون ، وقال به المشيخة الصوفية ،
وذكره المفسرون ، فقيل المراد بـ ( أقم الصلاة ) : إدامتها ، والقيام بحدودها .
ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر ، وذلك لما
فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة ، والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا
دخل المصلي في محرابه ، وخشع ، وأخبت لربه ، وادكر أنه واقف بين يديه ، وأنه مطلع عليه ويراه :
صلحت لذلك نفسه
وتذللت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى ، وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر من
ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة .
فهذا معنى هذه الأخبار ؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .
قلت – أي القرطبي - :
لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ، وهذا أبلغ في المقصود ، وأتم في المراد
فإن الموت ليس له سن محدود ، ولا زمن مخصوص ، ولا مرض معلوم ، وهذا مما لا خلاف فيه .
وروي عن بعض السلف
أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ، فكُلم في ذلك فقال :
إني واقف بين يدي الله تعالى ، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا ، فكيف مع ملك الملوك ؟!
فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء
لا خشوع فيها ، ولا تذكر ، ولا فضائل – كصلاتنا ، وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها
من منزلته حيث كان ، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى :
تركته الصلاة يتمادى على بعده ، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود
وابن عباس والحسن والأعمش قولهم :
( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا ) " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (13/348) .
والحديث المشار إليه في آخر كلامه : ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ، رقم (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر ، وإذا لم تنهه : دل على
تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً ، وقد قال تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة )
مريم/59، وإضاعتها : التفريط في واجباتها وإن كان يصليها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22/6)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
فإن قال قائل : كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان ؟
فالجواب : تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل ، وهي التي يكون فيها حضور القلب
، والقيام بما يجب فيها .
أما صلاة غالب الناس اليوم
فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب ؛
ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي
لا فائدة منها ؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب .
لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله ، وأنها روضة فيها
من كل ثمرات العبادة :
لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ ؛
لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه ، وأحب شيء إليه ؛
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( جعلت قرة عيني في الصلاة ).
أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها
لكن قلبه مشغول بغيرها :
فهذا لا تكون الصلاة عوناً له ؛ لأنها صلاة ناقصة ؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها ، كما قال الله تعالى :
( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
العنكبوت/45،
وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء
والمنكر ، هو على ما هو عليه، ؛
لا لانَ قلبه لذكر ، ولا تحول إلى محبة العبادة" انتهى.
، 165 )
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" للصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى ، قال تعالى :
( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )
العنكبوت/45.
فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله ؛
هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، ويحصل بها على الفلاح .
أما الذي يصلي صلاة صورية ؛
من غير حضور قلب ، ومن غير خشوع ، قلبه في واد وجسمه في واد آخر ؛ فهذا لا
يحصل من صلاته على طائل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان "
( 3 / 53 ، 54 )
والله أعلم .
تعليق