1--
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فيهأطيب عند الله من ريح المسك".
البخاري (4/103)، ومسلم (1151) (164)، واللفظ له من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضاً (165) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
فيه: فمه.
الحديث دل على معنى الصيام الشرعي، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة تعبداً لله تعالى، واستجابة لأمره، ومسارعة لرضاه، لقوله: "من أجلي" وفي رواية: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"(1).
والمراد بالشهوة: الجماع. لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن المراد جميع الشهوات، فيكون من عطف العام على الخاص. وعند ابن خريمة بإسناد صحيح: "يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي"(2).
وقد دل القرآن الكريم على زمان الصيام في قوله تعالى: }وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل{(3).
فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى اليل. وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت، وهو ما بين طلوع الفجر واليل.
والمراد بالأكل والشرب: إيصال الطعام أو الشراب من طريق الفم أو الأنف أياً كان نوع المأكول أو المشروب، والسعوط في الأنف(4) كالأكل والشرب، لقوله r في حديث لقيط بن صبرة: "وبالغ في الاستشاق إلا أن تكون صائماً"(5).
2--
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً". أخرجه الطبراني (8/185 ، رقم 7765) ، وأبو نعيم فى الحلية (6/124) . وأخرجه أيضًا: الطبراني فى مسند الشاميين (1/301 ، رقم 526) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (5/391 ، رقم 7051) ، و الواحدي في " تفسيره " (4 / 85 / 1 ). وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3 / 210 ).قال المناوي رحمه الله في " فيض القدير بشرح الجامع الصغير" ( 2/579 ): (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم ست ساعات) يحتمل أن المراد الفلكية ، ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطئ) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها ، بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية (واستغفر الله منها) أي: طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي : طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي: وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي: خطيئة واحدة ، بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة). انتهى كلامه. ولذا بوّب الإمام الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد ( 10/207 ) على هذا الحديث بقوله : (باب العجلة بالاستغفار).
3--عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا". وفي الدعاء المأثور لمن أكلت عنده: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُم الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ". الحديث الأول: أخرجه أحمد (4/114 ، رقم 17074) ، والدارمي (2/14 ، رقم 1702) ، والترمذي (3/171 ، رقم 807) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/555 ، رقم 17416) ، وابن حبان (8/216 ، رقم 3429) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (3/480 ، رقم 4121). وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه 1746). الحديث الثاني: أخرجه ابن ماجه (1/556 ، رقم 1747) ، وابن حبان (12/107 ، رقم 5296). وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه 1747
4--
عن حفصة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أن النبي r قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وهو حديث صحيح.
ومعنى (من لم يجمع) أي: من لم يعزم ولم ينوي.
الحديث دليل على أن الصيام لابد له من نية. كسائر العبادات. وهذا أمر مجمع عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية).(1).
لأن الصيام ترك مختص بزمن معلوم. ولأن الإمساك قد يكون لمنفعة بدنية فاحتاج الصيام إلى نية. قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{(2).
قال النبي r: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى"(3).
النية محلها القلب، فمن خطر بباله أنه صائم غداً فقد نوى.
وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل؛ لقوله: (قبل الفجر) والقبلية تصدق على كل جزء من أجزاء الليل، ومن دلائل النية قيام الصائم للسحور وتهيئته له وإن لم يقم، فالنية حاضرة وقائمة لدى كل مسلم معتاد على الصوم، فمن أكل أو شرب بنية الصوم فقد أتى بالنية.
(1) شرح حديث (إنما الأعمال بالنيات) ص19 لابن تيمية).
(2) سورة البينة، الآية: (5).
(3) رواه البخاري (1/9)، ومسلم 1907.
5--
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به – يدع شهوته وطعامه من أجلي. وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
رواه البخاريومسلم.
الخلوف: بضم الخاء المعجمة، هو التغير في الفم.
الحديث دليل على فضل الصيام، وعظيم منـزلته عند الله تعالى. وقد جاء في هذا الحديثأربع من فضائله الكثيرة.
الأولى: أن الصائمين يوَفّون أجورهم بغير حساب، فإن الأعمال كلّها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة؛ لأن الصيام من الصبر.
وقد قال الله تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{(1).
قال الأوزاعي – رحمه الله -: (ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفاً)(2).
الثانية: أن الله تعالى أضاف الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وكفى بهذه الإضافة شرفاً، ولأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.
الثالثة: أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه.
وأما فرحته عند فطره، فلتمام عبادته، وسلامتها من المفسدات وحصول ما منع منه مما يوافق طبيعته. وهذا من الفرح المحمود؛ لأنه فرح بطاعة الله وتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل.
كما قال الله تعالى: }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{(3).
الرابعة: أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وهذا الطيب يكون يوم القيامة؛ لأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال؛ لرواية: (أطيب عند الله يوم القيامة)(4).
كما يكون ذلك في الدنيا لأنه وقت ظهور أثر العبادة، وهذه الرائحة وإن كانت مكروهة في مشامّ الناس في الدنيا لكنها أطيب عند الله من ريح المسك، لكونها ناشئة عن طاعة الله تعالى.
(1) سورة الزمر – الآية – (10).
(2) تفسير ابن كثير (7/80).
(3) سورة يونس – الآية – (58).
(4) الرواية لمسلم رقم (1151) (163).
6---
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ". أخرجه أبو داود (2/103 ، رقم 1582) ، وابن سعد (7/421) ، والحكيم الترمذى (2/302) ، والبيهقى (4/95 ، رقم 7067) . وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2/300 ، رقم 1062). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3 / 38). قال العلامة شمس الحق أبادي في "عون المعبود شرح سنن أبي داود": ( رَافِدَة عَلَيْهِ ): الرَّافِدَة الْإِعَانَة، أَيْ تُعِينُهُ نَفْسه عَلَى أَدَاء الزَّكَاة ( وَلَا الدَّرِنَة ): هِيَ الْجَرْبَاء , قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَأَصْل الدَّرِنُ الْوَسِخُ كَمَا فِي الْقَامُوس ( وَلَا الشَّرَط ): قَالَ أَبُو عُبَيْد: هِيَ صِغَار الْمَال وَشِرَارُهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالشَّرَط رَذَالَة الْمَال ( اللَّئِيمَة ): الْبَخِيلَة بِاللَّبَنِ وَيُقَالُ لَئِيم لِلشَّحِيحِ وَالدَّنِيِّ النَّفْس وَالْمُهِين ( وَلَكِنْ مِنْ وَسَط أَمْوَالكُمْ ): فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاة مِنْ أَوْسَاط الْمَال لَا مِنْ شِرَارِهِ وَلَا مِنْ خِيَارِهِ.
7--أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
رواهـ مسلم.
الحديثالأول دليل على فضل صوم رمضان وعظيم أثره حيث كان من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
وقد ورد أن الصيام وكذا الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره، فعن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
وقد دلت النصوص على أن المغفرة الموعود بها مشروطة بأمور ثلاثة:
الأول: أن يصوم رمضان إيماناً أي: إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعد الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر.
الثاني: أن يصومه احتساباً أي: طلباً للأجر والثواب. بأن يصومه إخلاصاً لوجه الله تعالى، لا رياء ولا تقليداً ولا تجلداً لئلا يخالف الناس، أو غير ذلك من المقاصد، يصومه طيبة به نفسه غير كاره لصيامه، ولا مستثقل لأيامه. بل يغتنم طول أيامه لعظم الثواب.
الثالث: أن يجتنب الكبائر. وهي جمع كبيرة. وهي كل ذنب رتّب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو رتب عليه غضب ونحوه، وذلك كالإشراك بالله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والزنا، والسحر، والقتل، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، واليمين الغموس، الغش في البيع، وسائر المعاملات، وغير ذلك. قال الله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً{.
فإذا صام العبد رمضان كما ينبغي، غفر الله له بصيامه الصغائر والخطيئات التي اقترفها، إذا اجتنب كبائر الذنوب، وتاب مما وقع فيه منها.
قد أفاد الحديث الثانيأن كلّ نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب، كالوضوء وصيام رمضان وصيام يوم عرفة، وعاشوراء وغيرها. أن المراد به الصغائر؛ لأن هذه العبادات العظيمة وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تكفّر بها الكبائر، فكيف بما دونها من الأعمال الصالحة؟
ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر لا تكفّرها الأعمال الصالحة، بل لابد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد. والله أعلم.
8---عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَوَقَعَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَخَلَّلْ"، قَالَ: وَمَا أَتَخَلَّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتُ لَحْمًا؟ قَالَ: "إِنَّكَ أَكَلْتَ لَحْمَ أَخِيكَ". أخرجه الطبراني (10/102 ، رقم 10092) . قال الهيثمي (8/94) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني لغيره ( صحيح الترغيب والترهيب / رقم 2837 ). (تخلل) : التخلل هو استعمال الخلال لإخراج ما بين الأسنان من الطعام
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً".(1)
الحديث دليل على فضل تفطير الصائم، وأن في ذلك أجراً عظيماً وهو مثل أجر الصائم، وهذا – والله أعلم – لأنه صائم يستحق التعظيم، وإطعامه صدقة، وتعظيم للصوم، وصلة بأهل الطاعات.
وهذا أمر اعتاده المسلمون لإدراكهم الثواب الجزيل المرتب على ذلك. فإن شهر رمضان شهر يوجد الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء.
ويستفاد من هذا الحديث الحث على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "أجود الناس بالخير. وكان أجود ما يكون في رمضان".(2)، وذلك لشرف وقته ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.
(1) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه البخاري (4/116)، ومسلم (3307).
10---
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً".(1)
الحديث دليل على فضل تفطير الصائم، وأن في ذلك أجراً عظيماً وهو مثل أجر الصائم، وهذا – والله أعلم – لأنه صائم يستحق التعظيم، وإطعامه صدقة، وتعظيم للصوم، وصلة بأهل الطاعات.
وهذا أمر اعتاده المسلمون لإدراكهم الثواب الجزيل المرتب على ذلك. فإن شهر رمضان شهر يوجد الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء.
ويستفاد من هذا الحديث الحث على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "أجود الناس بالخير. وكان أجود ما يكون في رمضان".(2)، وذلك لشرف وقته ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.
(1) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه البخاري (4/116)، ومسلم (3307).
عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك ... الحديث".(1)
الحديث دليل على وجوب العمل بالقرآن، والتقيّد بأوامره ونواهيه، وأنه حجة لمن عمل به، واتبع ما فيه، وحجة على من لم يعمل به، ولم يتبع ما فيه. وإن الغاية الكبرى من إنزال القرآن، تصديق أخباره، والعمل به، بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه.
وقد ورد الثواب الجزيل لمن اتبع القرآن وعمل بما فيه، والعقاب العظيم لمن أعرض عنه.
قال تعالى: } قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127){.(2)
فعلى قارئ القرآن وحامله أن يتقي الله في نفسه، وأن يخلص في قراءته، ويعمل به، وأنيحذر من مخالفة القرآن، والإعراض عن أحكامه وآدابه. لئلا يلحقه من الذم ما لحقاليهود الذين قال الله فيهم: }مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً{.(3)
اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا. واجعلنا يا إلهنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، ويتلوه حق تلاوته، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(1)أخرجه مسلم بتمامه برقم (323).
(2)سورة طه، الآيات: (123) – (127).
(3)سورة الجمعة، الآية: (5).
12---
عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك" قال صلى الله عليه وسلم: "قل: آمنت بالله ثم استقم"([1])
[رواه مسلم]
الحديث دليل على أن العبد مأمور بعد الإيمان بالله تعالى، بالاستقامة على الطاعة، بفعل المأمور واجتناب المحظور، وذلك بملازمة سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم. من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة.
وإذا كان المسلم قد عاش رمضان فعمر نهاره بالصيام وليله بالقيام، وعوّد نفسه على فعل الخير، فعليهأن يلازم طاعة الله تعالى على الدوام، فهذا شأن العبد، فإن رب الشهور واحد، وهو مطلع على العباد وشاهد.
وإن استقامة المسلم بعد رمضان وصلاح أقواله وأفعاله لأكبر دليل على استفادته من رمضان. ورغبته في الطاعة. وهذا عنوان القبول وعلامة الفلاح. وعمل المؤمن لا ينتهي بخروج شهر ودخول آخر. بل هو ممتد إلى الممات، قال تعالى: }واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين{([2])ولئن انقضى قيام رمضان فالسنة كلها ظرف للقيام، ولئن انتهى وقت زكاة الفطر، فأوقات الزكاة المفروضة وصدقة التطوع تمتدّ طوال العام، وقراءة القرآن وتدبره وكل عمل صالح مطلوب في كل زمان.
وإن من فضل الله على عباده كثرة أبواب الطاعات وتنوع سبل الخيرات، ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لخدمة مولاه.
ومما يؤسف عليه أن بعض الناس يتعبدون في رمضان بأنواع الطاعات. فيحافظون على الصلوات الخمس في المساجد. ويكثرون من تلاوة القرآن، ويتصدقون من أموالهم، فإذا انقضى رمضان تكاسلوا عن الطاعة. بل ربما تركوا الواجبات، كصلاة الجماعة عموماً أو الفجر خصوصاً، وارتكبوا المحرمات، من النوم عن الصلاة، والعكوف على آلات اللهو والطرب، والاستعانة بنعم الله على معاصيه، فهدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموه، وهذا دليل الحرمان وعلامة الخسران، نسأل الله السلامة والثبات.
إن مثل هؤلاء يعتبرون التوبة والإقلاع عن المعاصي أمراً مؤقتاً بشهر رمضان. ينتهي بانتهائه، وكأنهم تركوا الذنوب لأجل رمضان لا خوفاً من الله تعالى. وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
13--
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله"([1]).
[رواه مسلم]
الحديث دليل على فضل صيام سـتـة أيام من شوال. والمراد بالدهر هنا: السنة، أي: كأنما صام السنة كلّها، وقد ورد عند النسائي (جعل الله الحسنة بعشرة أمثالها. فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة)([2]).
وهذا من فضل الله على عباده أن يحصل ثواب صوم الدهر على وجه لا مشقة فيه، وهذه هي الحكمة في كونها ستة أيام، والله أعلم.
فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام الستة؛ ليفوز بهذا الفضل العظيم. وعلامة قبول الطاعة وصلها بطاعة أخرى. وصيام هذه الأيام دليل على رغبة الإنسان في الصيام ومحبته له وأنه لم يملّه ولم يستثقله.
والأفضل أن تكون هذه الأيام الستة متتابعة. ويجوزتفريقهاأثناءالشهر، قال في سبل السلام: (واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقيب العيد أو في أثناء الشهر)([3]).
ومن عليه قضاء فإنه يبدأ به ثم يصوم هذه الأيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان". ومن عليه أيام من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان حتى يقضيها ثم يصوم الست. ولأن المسارعة إلى أداء الواجب وبراءة الذمة مطلوبة من المكلف. ومن أهل العلم من قال: بوجوب صوم القضاء قبل التطوع.
14--
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ: عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ". أخرجه مالك (1/176 ، رقم 424) ، وأحمد (2/243 ، رقم 7306) ، والبخاري (1/383 ، رقم 1091) ، ومسلم (1/538 ، رقم 776) ، وأبو داود (2/32 ، رقم 1306) ، والنسائى (3/203 ، رقم 1607) ، وابن ماجه (1/421 ، رقم 1329) . وأخرجه أيضًا : ابن حبان (6/293 ، رقم 2553) . قال الإمام النَّوَوي في "شرح صحيح مسلم": فِيهِ فَوَائِد مِنْهَا: الْحَثّ عَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى عِنْد الِاسْتِيقَاظ, وَمِنْهَا: التَّحْرِيض عَلَى الْوُضُوء حِينَئِذٍ وَعَلَى الصَّلَاة وَإِنْ قَلَّتْ. (فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّب النَّفْس) مَعْنَاهُ: لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّه الْكَرِيم لَهُ مِنْ الطَّاعَة, وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابه مَعَ مَا يُبَارِك لَهُ فِي نَفْسه, وَتَصَرُّفه فِي كُلّ أُمُوره, مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَتَثْبِيطه, (وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيث النَّفْس كَسْلَان), مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَآثَار تَثْبِيطه وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ, وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَع بَيْن الْأُمُور الثَّلَاثَة وَهِيَ: الذِّكْر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة, فَهُوَ دَاخِل فِيمَنْ يُصْبِح خَبِيث النَّفْس كَسْلَان
15--
حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).
صحيح البخاري
16--
عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". أخرجه أحمد (4/220 ، رقم 17964) ، والبخاري فى الأدب المفرد (1/146 ، رقم 404) ، وأبو داود (4/279 ، رقم 4915) ، والطبراني (22/307 ، رقم 779) ، والحاكم (4/180 ، رقم 7292) وقال : صحيح الإسناد . وأخرجه أيضا: ابن سعد في " الطبقات " (7 / 500) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 333). قال العلامة شمس الحق أبادي في "عون المعبود شرح سنن أبي داود": (مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ): أَيْ فِي الدِّين (فَهُوَ كَسَفْكِ دَمه): أَيْ كَإِرَاقَةِ دَمه فِي اِسْتِحْقَاق مَزِيد الْإِثْم لَا فِي قَدْره.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فيهأطيب عند الله من ريح المسك".
البخاري (4/103)، ومسلم (1151) (164)، واللفظ له من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضاً (165) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
فيه: فمه.
الحديث دل على معنى الصيام الشرعي، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة تعبداً لله تعالى، واستجابة لأمره، ومسارعة لرضاه، لقوله: "من أجلي" وفي رواية: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"(1).
والمراد بالشهوة: الجماع. لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن المراد جميع الشهوات، فيكون من عطف العام على الخاص. وعند ابن خريمة بإسناد صحيح: "يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي"(2).
وقد دل القرآن الكريم على زمان الصيام في قوله تعالى: }وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل{(3).
فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى اليل. وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت، وهو ما بين طلوع الفجر واليل.
والمراد بالأكل والشرب: إيصال الطعام أو الشراب من طريق الفم أو الأنف أياً كان نوع المأكول أو المشروب، والسعوط في الأنف(4) كالأكل والشرب، لقوله r في حديث لقيط بن صبرة: "وبالغ في الاستشاق إلا أن تكون صائماً"(5).
2--
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً". أخرجه الطبراني (8/185 ، رقم 7765) ، وأبو نعيم فى الحلية (6/124) . وأخرجه أيضًا: الطبراني فى مسند الشاميين (1/301 ، رقم 526) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (5/391 ، رقم 7051) ، و الواحدي في " تفسيره " (4 / 85 / 1 ). وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3 / 210 ).قال المناوي رحمه الله في " فيض القدير بشرح الجامع الصغير" ( 2/579 ): (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم ست ساعات) يحتمل أن المراد الفلكية ، ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطئ) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها ، بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية (واستغفر الله منها) أي: طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي : طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي: وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي: خطيئة واحدة ، بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة). انتهى كلامه. ولذا بوّب الإمام الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد ( 10/207 ) على هذا الحديث بقوله : (باب العجلة بالاستغفار).
3--عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا". وفي الدعاء المأثور لمن أكلت عنده: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُم الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ". الحديث الأول: أخرجه أحمد (4/114 ، رقم 17074) ، والدارمي (2/14 ، رقم 1702) ، والترمذي (3/171 ، رقم 807) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/555 ، رقم 17416) ، وابن حبان (8/216 ، رقم 3429) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (3/480 ، رقم 4121). وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه 1746). الحديث الثاني: أخرجه ابن ماجه (1/556 ، رقم 1747) ، وابن حبان (12/107 ، رقم 5296). وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه 1747
4--
عن حفصة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أن النبي r قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وهو حديث صحيح.
ومعنى (من لم يجمع) أي: من لم يعزم ولم ينوي.
الحديث دليل على أن الصيام لابد له من نية. كسائر العبادات. وهذا أمر مجمع عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية).(1).
لأن الصيام ترك مختص بزمن معلوم. ولأن الإمساك قد يكون لمنفعة بدنية فاحتاج الصيام إلى نية. قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{(2).
قال النبي r: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى"(3).
النية محلها القلب، فمن خطر بباله أنه صائم غداً فقد نوى.
وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل؛ لقوله: (قبل الفجر) والقبلية تصدق على كل جزء من أجزاء الليل، ومن دلائل النية قيام الصائم للسحور وتهيئته له وإن لم يقم، فالنية حاضرة وقائمة لدى كل مسلم معتاد على الصوم، فمن أكل أو شرب بنية الصوم فقد أتى بالنية.
(1) شرح حديث (إنما الأعمال بالنيات) ص19 لابن تيمية).
(2) سورة البينة، الآية: (5).
(3) رواه البخاري (1/9)، ومسلم 1907.
5--
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به – يدع شهوته وطعامه من أجلي. وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
رواه البخاريومسلم.
الخلوف: بضم الخاء المعجمة، هو التغير في الفم.
الحديث دليل على فضل الصيام، وعظيم منـزلته عند الله تعالى. وقد جاء في هذا الحديثأربع من فضائله الكثيرة.
الأولى: أن الصائمين يوَفّون أجورهم بغير حساب، فإن الأعمال كلّها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة؛ لأن الصيام من الصبر.
وقد قال الله تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{(1).
قال الأوزاعي – رحمه الله -: (ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفاً)(2).
الثانية: أن الله تعالى أضاف الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وكفى بهذه الإضافة شرفاً، ولأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.
الثالثة: أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه.
وأما فرحته عند فطره، فلتمام عبادته، وسلامتها من المفسدات وحصول ما منع منه مما يوافق طبيعته. وهذا من الفرح المحمود؛ لأنه فرح بطاعة الله وتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل.
كما قال الله تعالى: }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{(3).
الرابعة: أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وهذا الطيب يكون يوم القيامة؛ لأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال؛ لرواية: (أطيب عند الله يوم القيامة)(4).
كما يكون ذلك في الدنيا لأنه وقت ظهور أثر العبادة، وهذه الرائحة وإن كانت مكروهة في مشامّ الناس في الدنيا لكنها أطيب عند الله من ريح المسك، لكونها ناشئة عن طاعة الله تعالى.
(1) سورة الزمر – الآية – (10).
(2) تفسير ابن كثير (7/80).
(3) سورة يونس – الآية – (58).
(4) الرواية لمسلم رقم (1151) (163).
6---
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ". أخرجه أبو داود (2/103 ، رقم 1582) ، وابن سعد (7/421) ، والحكيم الترمذى (2/302) ، والبيهقى (4/95 ، رقم 7067) . وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2/300 ، رقم 1062). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3 / 38). قال العلامة شمس الحق أبادي في "عون المعبود شرح سنن أبي داود": ( رَافِدَة عَلَيْهِ ): الرَّافِدَة الْإِعَانَة، أَيْ تُعِينُهُ نَفْسه عَلَى أَدَاء الزَّكَاة ( وَلَا الدَّرِنَة ): هِيَ الْجَرْبَاء , قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَأَصْل الدَّرِنُ الْوَسِخُ كَمَا فِي الْقَامُوس ( وَلَا الشَّرَط ): قَالَ أَبُو عُبَيْد: هِيَ صِغَار الْمَال وَشِرَارُهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالشَّرَط رَذَالَة الْمَال ( اللَّئِيمَة ): الْبَخِيلَة بِاللَّبَنِ وَيُقَالُ لَئِيم لِلشَّحِيحِ وَالدَّنِيِّ النَّفْس وَالْمُهِين ( وَلَكِنْ مِنْ وَسَط أَمْوَالكُمْ ): فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاة مِنْ أَوْسَاط الْمَال لَا مِنْ شِرَارِهِ وَلَا مِنْ خِيَارِهِ.
7--أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
رواهـ البخاري ومسلم.
وعنه – أيضاً – رضي الله عنه عن رسول الله r قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".رواهـ مسلم.
الحديثالأول دليل على فضل صوم رمضان وعظيم أثره حيث كان من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
وقد ورد أن الصيام وكذا الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره، فعن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
وقد دلت النصوص على أن المغفرة الموعود بها مشروطة بأمور ثلاثة:
الأول: أن يصوم رمضان إيماناً أي: إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعد الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر.
الثاني: أن يصومه احتساباً أي: طلباً للأجر والثواب. بأن يصومه إخلاصاً لوجه الله تعالى، لا رياء ولا تقليداً ولا تجلداً لئلا يخالف الناس، أو غير ذلك من المقاصد، يصومه طيبة به نفسه غير كاره لصيامه، ولا مستثقل لأيامه. بل يغتنم طول أيامه لعظم الثواب.
الثالث: أن يجتنب الكبائر. وهي جمع كبيرة. وهي كل ذنب رتّب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو رتب عليه غضب ونحوه، وذلك كالإشراك بالله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والزنا، والسحر، والقتل، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، واليمين الغموس، الغش في البيع، وسائر المعاملات، وغير ذلك. قال الله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً{.
فإذا صام العبد رمضان كما ينبغي، غفر الله له بصيامه الصغائر والخطيئات التي اقترفها، إذا اجتنب كبائر الذنوب، وتاب مما وقع فيه منها.
قد أفاد الحديث الثانيأن كلّ نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب، كالوضوء وصيام رمضان وصيام يوم عرفة، وعاشوراء وغيرها. أن المراد به الصغائر؛ لأن هذه العبادات العظيمة وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تكفّر بها الكبائر، فكيف بما دونها من الأعمال الصالحة؟
ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر لا تكفّرها الأعمال الصالحة، بل لابد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد. والله أعلم.
اللهم اغفر لنا جميع الزّلات. واستر علينا كل الخطيئات، وسامحنا يوم السؤال والمناقشات، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واغفر ذنوبنا وآثامنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
8---عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَوَقَعَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَخَلَّلْ"، قَالَ: وَمَا أَتَخَلَّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتُ لَحْمًا؟ قَالَ: "إِنَّكَ أَكَلْتَ لَحْمَ أَخِيكَ". أخرجه الطبراني (10/102 ، رقم 10092) . قال الهيثمي (8/94) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني لغيره ( صحيح الترغيب والترهيب / رقم 2837 ). (تخلل) : التخلل هو استعمال الخلال لإخراج ما بين الأسنان من الطعام
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً".(1)
الحديث دليل على فضل تفطير الصائم، وأن في ذلك أجراً عظيماً وهو مثل أجر الصائم، وهذا – والله أعلم – لأنه صائم يستحق التعظيم، وإطعامه صدقة، وتعظيم للصوم، وصلة بأهل الطاعات.
وهذا أمر اعتاده المسلمون لإدراكهم الثواب الجزيل المرتب على ذلك. فإن شهر رمضان شهر يوجد الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء.
ويستفاد من هذا الحديث الحث على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "أجود الناس بالخير. وكان أجود ما يكون في رمضان".(2)، وذلك لشرف وقته ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألستنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(2) أخرجه البخاري (4/116)، ومسلم (3307).
10---
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً".(1)
الحديث دليل على فضل تفطير الصائم، وأن في ذلك أجراً عظيماً وهو مثل أجر الصائم، وهذا – والله أعلم – لأنه صائم يستحق التعظيم، وإطعامه صدقة، وتعظيم للصوم، وصلة بأهل الطاعات.
وهذا أمر اعتاده المسلمون لإدراكهم الثواب الجزيل المرتب على ذلك. فإن شهر رمضان شهر يوجد الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء.
ويستفاد من هذا الحديث الحث على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "أجود الناس بالخير. وكان أجود ما يكون في رمضان".(2)، وذلك لشرف وقته ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألستنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(2) أخرجه البخاري (4/116)، ومسلم (3307).
عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك ... الحديث".(1)
الحديث دليل على وجوب العمل بالقرآن، والتقيّد بأوامره ونواهيه، وأنه حجة لمن عمل به، واتبع ما فيه، وحجة على من لم يعمل به، ولم يتبع ما فيه. وإن الغاية الكبرى من إنزال القرآن، تصديق أخباره، والعمل به، بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه.
وقد ورد الثواب الجزيل لمن اتبع القرآن وعمل بما فيه، والعقاب العظيم لمن أعرض عنه.
قال تعالى: } قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127){.(2)
فعلى قارئ القرآن وحامله أن يتقي الله في نفسه، وأن يخلص في قراءته، ويعمل به، وأنيحذر من مخالفة القرآن، والإعراض عن أحكامه وآدابه. لئلا يلحقه من الذم ما لحقاليهود الذين قال الله فيهم: }مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً{.(3)
اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا. واجعلنا يا إلهنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، ويتلوه حق تلاوته، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(1)أخرجه مسلم بتمامه برقم (323).
(2)سورة طه، الآيات: (123) – (127).
(3)سورة الجمعة، الآية: (5).
12---
عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك" قال صلى الله عليه وسلم: "قل: آمنت بالله ثم استقم"([1])
[رواه مسلم]
*** *** ***
وإذا كان المسلم قد عاش رمضان فعمر نهاره بالصيام وليله بالقيام، وعوّد نفسه على فعل الخير، فعليهأن يلازم طاعة الله تعالى على الدوام، فهذا شأن العبد، فإن رب الشهور واحد، وهو مطلع على العباد وشاهد.
وإن استقامة المسلم بعد رمضان وصلاح أقواله وأفعاله لأكبر دليل على استفادته من رمضان. ورغبته في الطاعة. وهذا عنوان القبول وعلامة الفلاح. وعمل المؤمن لا ينتهي بخروج شهر ودخول آخر. بل هو ممتد إلى الممات، قال تعالى: }واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين{([2])ولئن انقضى قيام رمضان فالسنة كلها ظرف للقيام، ولئن انتهى وقت زكاة الفطر، فأوقات الزكاة المفروضة وصدقة التطوع تمتدّ طوال العام، وقراءة القرآن وتدبره وكل عمل صالح مطلوب في كل زمان.
وإن من فضل الله على عباده كثرة أبواب الطاعات وتنوع سبل الخيرات، ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لخدمة مولاه.
ومما يؤسف عليه أن بعض الناس يتعبدون في رمضان بأنواع الطاعات. فيحافظون على الصلوات الخمس في المساجد. ويكثرون من تلاوة القرآن، ويتصدقون من أموالهم، فإذا انقضى رمضان تكاسلوا عن الطاعة. بل ربما تركوا الواجبات، كصلاة الجماعة عموماً أو الفجر خصوصاً، وارتكبوا المحرمات، من النوم عن الصلاة، والعكوف على آلات اللهو والطرب، والاستعانة بنعم الله على معاصيه، فهدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموه، وهذا دليل الحرمان وعلامة الخسران، نسأل الله السلامة والثبات.
إن مثل هؤلاء يعتبرون التوبة والإقلاع عن المعاصي أمراً مؤقتاً بشهر رمضان. ينتهي بانتهائه، وكأنهم تركوا الذنوب لأجل رمضان لا خوفاً من الله تعالى. وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
اللهم أيقظنا من نوم الغفلة، ونبّهنا لاغتنام أوقات المهلة، ووفقنا لمصالحنا، واعصمنا من ذنوبنا وقبائحنا، واستعمل في طاعتك جميع جوارحنا، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
13--
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله"([1]).
[رواه مسلم]
*** *** ***
وهذا من فضل الله على عباده أن يحصل ثواب صوم الدهر على وجه لا مشقة فيه، وهذه هي الحكمة في كونها ستة أيام، والله أعلم.
فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام الستة؛ ليفوز بهذا الفضل العظيم. وعلامة قبول الطاعة وصلها بطاعة أخرى. وصيام هذه الأيام دليل على رغبة الإنسان في الصيام ومحبته له وأنه لم يملّه ولم يستثقله.
والأفضل أن تكون هذه الأيام الستة متتابعة. ويجوزتفريقهاأثناءالشهر، قال في سبل السلام: (واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقيب العيد أو في أثناء الشهر)([3]).
ومن عليه قضاء فإنه يبدأ به ثم يصوم هذه الأيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان". ومن عليه أيام من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان حتى يقضيها ثم يصوم الست. ولأن المسارعة إلى أداء الواجب وبراءة الذمة مطلوبة من المكلف. ومن أهل العلم من قال: بوجوب صوم القضاء قبل التطوع.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم إنا نسألك من كلّ خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شرّ خزائنه بيدك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
14--
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ: عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ". أخرجه مالك (1/176 ، رقم 424) ، وأحمد (2/243 ، رقم 7306) ، والبخاري (1/383 ، رقم 1091) ، ومسلم (1/538 ، رقم 776) ، وأبو داود (2/32 ، رقم 1306) ، والنسائى (3/203 ، رقم 1607) ، وابن ماجه (1/421 ، رقم 1329) . وأخرجه أيضًا : ابن حبان (6/293 ، رقم 2553) . قال الإمام النَّوَوي في "شرح صحيح مسلم": فِيهِ فَوَائِد مِنْهَا: الْحَثّ عَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى عِنْد الِاسْتِيقَاظ, وَمِنْهَا: التَّحْرِيض عَلَى الْوُضُوء حِينَئِذٍ وَعَلَى الصَّلَاة وَإِنْ قَلَّتْ. (فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّب النَّفْس) مَعْنَاهُ: لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّه الْكَرِيم لَهُ مِنْ الطَّاعَة, وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابه مَعَ مَا يُبَارِك لَهُ فِي نَفْسه, وَتَصَرُّفه فِي كُلّ أُمُوره, مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَتَثْبِيطه, (وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيث النَّفْس كَسْلَان), مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَآثَار تَثْبِيطه وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ, وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَع بَيْن الْأُمُور الثَّلَاثَة وَهِيَ: الذِّكْر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة, فَهُوَ دَاخِل فِيمَنْ يُصْبِح خَبِيث النَّفْس كَسْلَان
15--
حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).
صحيح البخاري
16--
عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". أخرجه أحمد (4/220 ، رقم 17964) ، والبخاري فى الأدب المفرد (1/146 ، رقم 404) ، وأبو داود (4/279 ، رقم 4915) ، والطبراني (22/307 ، رقم 779) ، والحاكم (4/180 ، رقم 7292) وقال : صحيح الإسناد . وأخرجه أيضا: ابن سعد في " الطبقات " (7 / 500) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 333). قال العلامة شمس الحق أبادي في "عون المعبود شرح سنن أبي داود": (مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ): أَيْ فِي الدِّين (فَهُوَ كَسَفْكِ دَمه): أَيْ كَإِرَاقَةِ دَمه فِي اِسْتِحْقَاق مَزِيد الْإِثْم لَا فِي قَدْره.
تعليق