بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مـن أخـلاق المـؤمن : [ تـرك الجــدال والمــراء والخصــام ]
.
.
.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
’’ من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة ومن تركه وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها’’
رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وابن ماجه والبيهقي.
قال الترمذي حديث حسن ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
’’أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وهو مازح وببيت في أعلى الجنة لمن حسنت سريرته’’
ربض الجنة هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة وهو ما حولها وروي عن أبي الدرداء وأبي أمامة وأثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم قالوا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهزنا فقال:’’ مهلا يا أمة محمد إنما هلك من كان قبلكم بهذا ذروا المراء لقلة خيره ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته ذروا المراء فكفى إثما أن لا تزال مماريا ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة في رباضها ووسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صاد ق ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء’’ الحديث رواه الطبراني في الكبير وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:’’ أنا زعيم ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وترك الكذب وإن كان مازحا وحسن خلقه’’ رواه البزار والطبراني في معاجيمه الثلاثة وفيه سويد بن ابراهيم أبو حاتم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا جلوسا أمام باب رسول الله صلى عليه وسلم نتذاكر بنزع هذا بأية وينزع هذا بآية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفقأ في وجهه حب الرمان فقال’ يا هؤلاء بهذا بعثتم أم بهذا أمرتم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض’ رواه الطبراني في الكبير وفيه سويد أيضا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:’’ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك إلا جدلا’’ الزخرف رواه الترميذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وغيره.
وقال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عائشة رضي الله عنها قالت :قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم’’ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي الألد بتشديد الدال المهملة هو الشديد الخصومة الخصم بكسر الصاد المهملة هو الذي يحج من يخاصمه
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما’’ رواه الترمذي وقال حديث غريب وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله وسلم قال:’’ المراء في القرآن كفر’’ رواه أبو داود وابن حيان في صحيحه ورواه الطبراني وغيره من حديث زيد بن ثابت وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله وسلم أن عيسى عليه السلام قال:’’ إنما الأمور ثلاثة أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبين غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى عالم’’ رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به .
,,
الفرق بين المراء والجدال
المجيب د. أحمد بن عبدالرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
السؤال
ما معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ....." وما هو الفرق بين المراء والجدال؟ وكيف نعرف بأن الشخص يماري أو يجادل؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه " رواه أبو داود، في كتاب: الأدب، باب:في حسن الخلق، رقم الحديث: (4800).
هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتمل هذا الحديث – على إيجازه واختصاره على أصول الأدب ، وجوامع حسن الخلق، وكيفية التعامل مع الناس ، وقرن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء والأجر لمن عمل بما جاء فيه،
حيث تكفّل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بثلاثة بيوت في الجنة:
البيت الأول : في ربض الجنة، أي: أسفل الجنة، لمن ترك المراء وإن كان على حق.
البيت الثاني: في وسط الجنة، لمن ترك الكذب في كل موضع لا يجوز فيه، وإن كان مازحاً، وهذا الأمر مما يخالف فيه كثيرٌ من الناس حيث يسمحون لأنفسهم بالكذب، ويعللون ذلك بأنهم مازحون.
البيت الثالث: في أعلى الجنة، لمن حسَّن خُلُقَه، أي سعى في تحسين أخلاقه، وابتعد عن كل ما يدنسها ويفسدها ، وترك جميع ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ومكان الشاهد في هذا الحديث ما يتعلق بالمراء ، فقد رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تركه ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى، ومنها:
ما رواه أحمد(8630) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :"لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح ، ويترك المراء وإن كان صادقا".
وما رواه الترمذي(1995) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"لا تمار أخاك ".
وفي هذه الأحاديث ونحوها يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور التي لا تناسب المسلم ولا يصلح أن تكون من أخلاقه، ومن تلك الأخلاق غير المرضية:
المراء، والمقصود به في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مريت الشاة، إذا استخرجت لبنها، وحقيقة المراء المنهي عنه: طعن الإنسان في كلام غيره؛ لإظهار خلله واضطرابه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيته عليه. وإن كان المماري على حق ، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.
أما الجدال فهو من الجدل ، والجدل في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وحقيقة الجدل في الاصطلاح الشرعي: فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق
وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً ، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها، ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به: (حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر ، وإن زل خصمه فليوقفه على زلـله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه ، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) أ.هـ.
وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:" وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125]، وقوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"[العنكبوت: 46] ، وقوله :"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"[البقرة: 111]، وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس – رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية، ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، فإنه جادل الخوارج أيضاً.
وأما الجدال الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك فهو منهي عنه، وعليه تحمل الأدلة التي تنهى عن الجدال، كقوله -صلى الله عليه وسلم – الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل"، ثم تلا قوله تعالى"ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون" أخرجه الترمذي(3253)، وابن ماجة(48) من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-.
وهذا النوع من الجدال هو الجدال بالباطل فيكون كالمراء، وكلاهما محرم وبهذا يتضح الفرق بين المراء والجدال، وأن المراء منهي عنه ومذموم على كل حال؛ لأنه لا يقصد منه تبيين الحق، وإنما يقصد به الانتصار على الآخرين وتحقيرهم وإذلالهم.
أما الجدال فله حالتان:
الأولى: الجدال المحمود، وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية ، وفعله العلماء قديماً وحديثاً.
الثانية: الجدال المذموم ، وهو الذي يقصد به الغلبة
والانتصار للنفس ونحو ذلك وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويكون الجدال هنا كالمراء ، وكلاهما محرم.
ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يُعرض عليه من الأدلة والحجج.
أما الذي يماري فتجده يصر على رأيه من غير دليل ، ولا يقبل من الأدلة إلا ما يوافق رأيه، ولذا فإنه يتكلف في رد الأدلة وتأويلها وصرفها عن دلالاتها ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يريد الحق ، وإنما يقصد الانتصار لنفسه وتحقير غيره.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مـن أخـلاق المـؤمن : [ تـرك الجــدال والمــراء والخصــام ]
.
.
.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
’’ من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة ومن تركه وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها’’
رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وابن ماجه والبيهقي.
قال الترمذي حديث حسن ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
’’أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وهو مازح وببيت في أعلى الجنة لمن حسنت سريرته’’
ربض الجنة هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة وهو ما حولها وروي عن أبي الدرداء وأبي أمامة وأثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم قالوا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهزنا فقال:’’ مهلا يا أمة محمد إنما هلك من كان قبلكم بهذا ذروا المراء لقلة خيره ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته ذروا المراء فكفى إثما أن لا تزال مماريا ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة في رباضها ووسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صاد ق ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء’’ الحديث رواه الطبراني في الكبير وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:’’ أنا زعيم ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وترك الكذب وإن كان مازحا وحسن خلقه’’ رواه البزار والطبراني في معاجيمه الثلاثة وفيه سويد بن ابراهيم أبو حاتم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا جلوسا أمام باب رسول الله صلى عليه وسلم نتذاكر بنزع هذا بأية وينزع هذا بآية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفقأ في وجهه حب الرمان فقال’ يا هؤلاء بهذا بعثتم أم بهذا أمرتم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض’ رواه الطبراني في الكبير وفيه سويد أيضا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:’’ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك إلا جدلا’’ الزخرف رواه الترميذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وغيره.
وقال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عائشة رضي الله عنها قالت :قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم’’ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي الألد بتشديد الدال المهملة هو الشديد الخصومة الخصم بكسر الصاد المهملة هو الذي يحج من يخاصمه
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما’’ رواه الترمذي وقال حديث غريب وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله وسلم قال:’’ المراء في القرآن كفر’’ رواه أبو داود وابن حيان في صحيحه ورواه الطبراني وغيره من حديث زيد بن ثابت وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله وسلم أن عيسى عليه السلام قال:’’ إنما الأمور ثلاثة أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبين غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى عالم’’ رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به .
,,
الفرق بين المراء والجدال
المجيب د. أحمد بن عبدالرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
السؤال
ما معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ....." وما هو الفرق بين المراء والجدال؟ وكيف نعرف بأن الشخص يماري أو يجادل؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه " رواه أبو داود، في كتاب: الأدب، باب:في حسن الخلق، رقم الحديث: (4800).
هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتمل هذا الحديث – على إيجازه واختصاره على أصول الأدب ، وجوامع حسن الخلق، وكيفية التعامل مع الناس ، وقرن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء والأجر لمن عمل بما جاء فيه،
حيث تكفّل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بثلاثة بيوت في الجنة:
البيت الأول : في ربض الجنة، أي: أسفل الجنة، لمن ترك المراء وإن كان على حق.
البيت الثاني: في وسط الجنة، لمن ترك الكذب في كل موضع لا يجوز فيه، وإن كان مازحاً، وهذا الأمر مما يخالف فيه كثيرٌ من الناس حيث يسمحون لأنفسهم بالكذب، ويعللون ذلك بأنهم مازحون.
البيت الثالث: في أعلى الجنة، لمن حسَّن خُلُقَه، أي سعى في تحسين أخلاقه، وابتعد عن كل ما يدنسها ويفسدها ، وترك جميع ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ومكان الشاهد في هذا الحديث ما يتعلق بالمراء ، فقد رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تركه ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى، ومنها:
ما رواه أحمد(8630) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :"لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح ، ويترك المراء وإن كان صادقا".
وما رواه الترمذي(1995) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"لا تمار أخاك ".
وفي هذه الأحاديث ونحوها يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور التي لا تناسب المسلم ولا يصلح أن تكون من أخلاقه، ومن تلك الأخلاق غير المرضية:
المراء، والمقصود به في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مريت الشاة، إذا استخرجت لبنها، وحقيقة المراء المنهي عنه: طعن الإنسان في كلام غيره؛ لإظهار خلله واضطرابه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيته عليه. وإن كان المماري على حق ، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.
أما الجدال فهو من الجدل ، والجدل في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وحقيقة الجدل في الاصطلاح الشرعي: فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق
وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً ، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها، ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به: (حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر ، وإن زل خصمه فليوقفه على زلـله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه ، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) أ.هـ.
وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:" وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125]، وقوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"[العنكبوت: 46] ، وقوله :"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"[البقرة: 111]، وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس – رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية، ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، فإنه جادل الخوارج أيضاً.
وأما الجدال الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك فهو منهي عنه، وعليه تحمل الأدلة التي تنهى عن الجدال، كقوله -صلى الله عليه وسلم – الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل"، ثم تلا قوله تعالى"ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون" أخرجه الترمذي(3253)، وابن ماجة(48) من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-.
وهذا النوع من الجدال هو الجدال بالباطل فيكون كالمراء، وكلاهما محرم وبهذا يتضح الفرق بين المراء والجدال، وأن المراء منهي عنه ومذموم على كل حال؛ لأنه لا يقصد منه تبيين الحق، وإنما يقصد به الانتصار على الآخرين وتحقيرهم وإذلالهم.
أما الجدال فله حالتان:
الأولى: الجدال المحمود، وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية ، وفعله العلماء قديماً وحديثاً.
الثانية: الجدال المذموم ، وهو الذي يقصد به الغلبة
والانتصار للنفس ونحو ذلك وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويكون الجدال هنا كالمراء ، وكلاهما محرم.
ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يُعرض عليه من الأدلة والحجج.
أما الذي يماري فتجده يصر على رأيه من غير دليل ، ولا يقبل من الأدلة إلا ما يوافق رأيه، ولذا فإنه يتكلف في رد الأدلة وتأويلها وصرفها عن دلالاتها ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يريد الحق ، وإنما يقصد الانتصار لنفسه وتحقير غيره.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق