Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php73/sess_e4f0063f19215dccb5498dd9621b842f502e993bf4f849ef, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 Warning: session_start(): Failed to read session data: files (path: /var/cpanel/php/sessions/ea-php73) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 رحلة ابن بطوطة - شبكة ومنتديات قدماء

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة ابن بطوطة

    رحلة ابن بطوطة
    تأليف : ابن بطوطة
    الفهرس
    الجزء الأول
    بدء الرحلة والخروج من طنجة
    ذكر سلطان تونس
    ذكر أبوابها ومرساها
    ذكر المنار
    ذكر عمود السواري
    ذكر بعض علماء الإسكندرية
    ذكر مسجد عمرو بن العاص
    ذكر قرافة مصر ومزاراتها
    ذكر نيل مصر
    ذكر الأهرام والبرابي
    ذكر سلطان مصر
    ذكر بعض أمراء مصر
    ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها
    ذكر بعض علماء مصر وأعيانها
    ذكر يوم المحمل
    ذكر المسجد المقدس
    ذكر قبة الصخرة
    ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف
    ذكر بعض فضلاء القدس
    ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني امية
    ذكر الأئمة بهذا المسجد
    ذكر المدرسين والمعلمين به
    ذكر قضاة دمشق
    ذكر مدارس دمشق
    ذكر أبواب دمشق
    ذكر بعض المشاهد والمزارات بها
    ذكر أرباض دمشق
    ذكر قاسيون ومشاهده المباركة
    ذكر الربوة والقرى التي تواليها
    ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم
    ذكر سماعي بدمشق ومن أجازني من أهلها
    طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم
    ذكر مسجد رسول الله وروضته الشريفة
    ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم
    ذكر المنبر الكريم
    ذكر الخطيب والإمام بمسجد رسول الله
    ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به
    ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة
    ذكر أمير المدينة الشريفة
    ذكر بعض المشاهد الكريم بخارج المدينة الشريفة
    ذكر مدينة مكة المعظمة
    ذكر المسجد الحرام شرفه الله وكرمه
    ذكر الكعبة المعظمة الشريفة
    ذكر الميزاب المبارك
    ذكر الحجر الأسود
    ذكر المقام الكريم
    ذكر الحجر والمطاف
    ذكر زمزم
    ذكر أبواب المسجد الحرام
    ذكر الصفا والمروة
    ذكر الجبانة المباركة
    ذكر بعض المشاهد خارج مكة
    ذكر الجبال المطيفة بمكة
    ذكر أميري مكة
    ذكر أهل مكة وفضائلهم
    ذكر قاضي مكة وخطيبها
    ذكر المجاورين بمكة
    ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم
    ذكر عاداتهم في الخطبة وصلاة الجمعة
    ذكر عاداتهم في استهلال الشهور
    ذكر عادتهم في شهر رجب
    ذكر عمرة رجب
    ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان
    ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم
    ذكر عادتهم في شوال
    ذكر إحرام الكعبة
    ذكر شعائر الحج وأعماله
    ذكر كسوة الكعبة
    ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى
    ذكر الروضة والقبور التي بها
    ذكر نقيب الأشراف
    مدينة واسط
    مدينة البصرة
    حكاية اعتبار
    ذكر المشاهدة المباركة بالبصرة
    ذكر ملك إيذج وتستر
    ذكر سلطان شيراز
    ذكر بعض المشاهد بشيراز
    مدينة الكوفة
    مدينة بغداد
    ذكر الجانب الغربي من بغداد
    ذكر الجانب الشرقي منها
    ذكر قبور الخلفاء ببغداد
    ذكر سلطان العراقين وخراسان
    ذكر المتغلبين على الملك
    مدينة الموصل
    ذكر سلطان ماردين في عهد دخولي إليها
    ذكر سلطانها
    ذكر سلطان حلي
    ذكر سلطان اليمن
    ذكر سلطان مقديشو
    ذكر سلطان كلوا
    ذكر التنبول
    ذكر النارجيل
    ذكر سلطان ظفار
    ذكر ولي لقيناه بهذا الجبل
    ذكر سلطان عمان
    ذكر سلطان هرمز
    ذكر سلطان لار
    ذكر مغاص الجوهر
    ذكر سلطان العلايا
    ذكر الأخية الفتيان
    ذكر سلطان انطالية
    ذكر سلطان أكريدور
    ذكر سلطان قل حصار
    ذكر سلطان لاذق
    ?ذكر سلطان ميلاس
    ?ذكر سلطان اللارندة
    ذكر سلطان بركي
    ذكر سلطان مغنيسية
    ذكر سلطان برغمة
    ذكر سلطان بلي كسري
    ذكر سلطان برصا
    ذكر سلطانها
    ذكر سلطان قصطمونية
    ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد
    ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
    ذكر الخواتين وترتيبهن
    ذكر الخاتون الكبرى
    ذكر الخاتون التي تلي الملكة
    ذكر الخاتون الثالثة
    ذكر الخاتون الرابعة
    ذكر بنت السلطان المعظم أوزبك
    ذكر ولدي السلطان
    ذكر سفري إلى مدينة بلغار
    ذكر أرض الظلمة
    ذكر ترتيبهم في العيد
    ذكر سفري إلى القسطنطينية
    ذكر سلطان القسطنطينية
    ذكر المدينة
    ذكر الكنيسة العظمى
    ذكر المانستارات بقسطنطينية
    ذكر الملك المترهب جرجيس
    ذكر قاضي القسطنطينية
    ذكر الانصراف عن القسطنطينية
    أمير خوارزم
    حكاية ومكرمة لهذا القاضي والأمير
    ذكر بطيخ خوارزم
    ذكر أولية التتر وتخريبهم بخارى وسواها
    ذكر سلطان ما وراء النهر
    ذكر سلطان هراة
    حكاية الرافضة
    حكاية
    حكاية هي سبب قتل الفقيه نظام الدين المذكور
    حكاية الشيخ شهاب الدين
    [CENTER] [/CENTER]

  • #2
    الجزء الثاني
    ذكر البريد
    ذكر الكركدن
    ذكر السفر في نهر السند وترتيب ذلك
    ذكر غريبة رأيتها بخارج هذه المدينة
    ذكر أمير ملتان وترتيب حاله
    ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء
    ذكر أشجار بلاد الهند وفواكهها
    ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها
    ذكر غزوة لنا بهذا الطريق
    ذكر أهل الهند الذين يحرقون أنفسهم بالنار
    ذكر وصفها
    ذكر سور دهلي وأبوابها
    ذكر جامع دهلي
    ذكر الحوضين العظيمين بخارجها
    ذكر بعض مزاراتها
    ذكر بعض علمائها وصلحائها
    ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك
    ذكر السلطان شمس الدين للمش
    ذكر السلطان ركن الدين ابن السلطان شمس الدين
    ذكر السلطانة رضية
    ذكر السلطان ناصر الدين ابن السلطان شمس الدين
    ذكر السلطان غياث الدين بلبن
    ذكر السلطان معز الدين بن ناصر
    ذكر السلطان جلال الدين
    ذكر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي
    ذكر ابنه السلطان شهاب الدين
    ذكر السلطان قطب الدين ابن السلطان علاء الدين
    ذكر السلطان خسروخان ناصر الدين
    ذكر السلطان غياث الدين تغلق شاه
    ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتم له ذلك
    ذكر مسير تغلق إلى بلاد اللكنوتي
    ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه ابن السلطان
    ذكر سلطان قندهار
    ذكر ركوبنا البحر
    ذكر سلطان قوقة
    حكاية هذا الجوكي
    ذكر سلطان هنور
    ذكر ترتيب طعامه
    ذكر الفلفل
    ذكر سلطان فاكنور
    ذكر سلطانها
    ذكر سلطانها
    ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع
    ذكر سلطان قالقوط
    ذكر مراكب الصين
    ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك
    ذكر القرفة والبقم
    ذكر سلطان كولم
    ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور
    ذكر سلطان سيلان
    ذكر سلطان كنكار
    ذكر سلطان بلاد المعبر
    ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين
    ذكر سلطان بنجالة
    ذكر الشيخ جلال الدين
    ذكر سلطانهم
    ذكر سلطان الجاوة
    ذكر دخولنا إلى داره وإحسانه إلينا
    ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلام عليه
    ذكر خلاف ابن أخيه وسبب ذلك
    ذكر اللبان
    ذكر الكافور
    ذكر العود الهندي
    ذكر القرنفل
    ذكر سلطان مل جاوه
    ذكر الفخار الصيني
    ذكر دجاج الصين
    ذكر بعض من أحوال أهالي الصين
    ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون
    ذكر التراب الذي يوقدونه مكان الفحم
    ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات
    ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب
    ذكر عادتهم في منع التجار عن الفساد
    ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق
    ذكر الأمير الكبير قرطي
    حكاية المشعوذ
    ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان
    ذكر قصره
    ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله
    ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند
    ذكر الرخ
    ذكر إعراس ولد الملك الظاهر
    ذكر سلطان ظفار
    ذكر سلطان العراق
    ذكر سلطان مصر
    ذكر سلطان تونس
    ذكر بعض فضائل مولانا أيده الله
    ذكر سلطان غرناطة
    ذكر التكشيف
    ذكر مسوفة الساكنين بأيوالاتن
    ذكر سلطان مالي
    ذكر ضيافتهم التافهة وتعظيمهم لها
    ذكر كلامي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي
    ذكر جلوسه بقبته
    ذكر جلوسه بالمشور
    ذكر تذلل السودان لملكهم
    ذكر فعله في صلاة العيد وأيامه
    ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان
    ذكر ما استحسنته من أفعال السودان
    ذكر سفري عن مالي
    ذكر الخيل التي تكون بالنيل
    ذكر معدن النحاس
    ذكر سلطان تكدا
    ذكر وصول الأمر الكريم إلي
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      قصة الكتاب :
      أشهر كتب الرحلات على الإطلاق. وبسبب شهرتها العالية في أوروبا أطلقت عليه جمعية كبمردج لقب أمير الرحالةالمسلمين. طبعت كاملة لأول مرة في باريس1853م في أربعة مجلدات مع ترجمة فرنسيةبعناية ديفر يمري وسانجنتي. بدأ ابن بطوطة رحلته من طنجة، فخرج منها سنة 725هـ فطافبلاد المغرب ومصر والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن والبحرين وعاد لأداء الحجمرة ثانية أثناء حج الناصر ابن قلاوون، وعاد إلى مصر، ومنها إلى الشام، فبلادالأناضول وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين والجاوة وبلاد التتر وأواسطأفريقة. واستغرقت رحلته 27 سنة، ألقى عصا التسيار منها في مدينة فاس، عند صاحبهاأبي عنان المريني، الذي أعجب بما كان ابن بطوطة يقصه عليه من أخبار رحلته، فأمركاتبه محمد بن جزي الكلبي أن يدون ما يمليه عليه ابن بطوطة، فتولى ابن جزي ترتيبهاوتهذيبها، وإضافة ما يناسب أبوابها من الأخبار والأشعار، معولاً في كثير منتحقيقاته على رحلة ابن جبير (انظرها في هذا البرنامج) وبعدما فرغ ابن جزي من عملهفي الرحلة سماها: (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وقال في خاتمتها: (انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ أبي عبد الله محمد ابن بطوطة، أكرمه الله، ولا يخفىأن هذا الشيخ هو رحال العصر، ومن قال: رحال هذه الملة لم يبعد). ومن نوادره فيها ماحكاه عن جوازات السفر في دمياط وقطيا، ووصية برهان الدين ابن الأعرج: الذي أوصاهبزيارة أصحابه في الصين، ووصفه مواكب الناصر ابن قلاوون في مصر، ومواكب السلطان أبيسعيد ببغداد، وجامع دمشق وأوقافها، وما استوقفه في مكة من عناية نسائها بالطيب،وجمال نساء زبيد في اليمن، وبلاط صاحب صنعاء، ودار الطلبة في مقديشو، ومرابطيمنبسى، وصيد اللؤلؤ في البحرين، والعملة الورقية في الصين وصناعة التصوير فيها،ونظام الفتوة في الأناضول. وأسواق الرقيق في ثغر (كافا)، وتراجم العلماء على قبورهمفي بخارى، والعربات التي تجرها الكلاب على الجليد في البلغار، ولقاؤه بيهودي أندلسيفي مدينة الماجر بالقوقاز، ويهودي شامي كان ترجمان قيصر القسطنطينية، وكانت بنتالقيصر زوجة السلطان محمد أوزبك خان ملك الترك. وقد صحبها ابن بطوطة لزيارة أبيها. ولا تتسع هذه الصفحة لذكر تفاصيل رحلته، ووصف جهود الباحثين في خدمتها، وتأتي فيمقدمتها نشرة عبد الهادي التازي، الرباط 1997م في خمسة مجلدات، قدم لها ب(146) صفحة.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #4
        الجزء الأول

        بسم الله الرحمن الرحيم

        قال الشيخ الفقيه العالم الثقة الناسك الأبر وفد الله المعتمر شرف الدين المعتمد في سياحته على رب العالمين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله ورضي عنه وكرّمه آمين.
        الحمد لله الذي ذلّل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلاً فجاجاً، وجعل منها وإليها تاراتهم الثلاث نباتاً وإعادة وإخراجا. دحاها بقدرته فكانت مهاداً للعباد، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد، ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد، وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر والبحر. وجعل القمر نوراً والشمس سراجاً، ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد الممات. وأنبت فيها من كل الثمرات. وفطر أقطارها بصنوف النبات، وفجر البحرين عذباً فراتاً، وملحاً أجاجاً، وأكمل على خلقه الإنعام بتذليل مطايا الأنعام، وتسخير المنشئات كالأعلام لتمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجاً. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجاً. وطلع نور هدايته وهّاجا. بعثه الله تعالى رحمة للعالمين واختاره خاتماً للنبيين وأمكن صوارمه من رقاب المشركين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وأيده بالمعجزات الباهرات، وأنطق بتصديقه الجمادات، وأحيا بدعوته الذمم الباليات، وفجر من بين أنامله ماء ثجّاجاً. ورضي الله تعالى عن المتشرفين بالانتماء إليه أصحاباً وآلاً وأزواجاً، المقيمين تقاة الدين فلا تخشى بعدهم اعوجاجاً، فهم الذين آزروه على جهاد الأعداء، وظاهروه على إظهار الملة البيضاء، وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة والنصرة والإيواء، واقتحموا دونه نار اليأس حامية، وخاضوا بحر الموت عجاجاً، ونستوهب الله تعالى لمولانا الإمام الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين المجاهد في سبيل الله المؤيد بنصر الله - أبي عنان فارس ابن موالينا الأئمة المهتدين الخلفاء الراشدين نصراً يوسع الدنيا وأهلها ابتهاجاً، وسعداً يكون لزمانة الزمان علاجاً، كما وهبه الله بأساً وجوداً لم يدع طاغياً ولا محتاجاً، وجعل بسيفه وسيبه لكل ضيقة انفراجاً. وبعد، فقد قضت العقول، وحكم المعقول والمنقول، بأن هذه الخلافة العلية، المجاهدة المتوكلة الفاسية. هي ظل الله الممدود على الأنام، وحبله الذي به الاعتصام، وفي سلك طاعته يجب الانتظام، فهي التي أبرأت الدين عند اعتلاله، وأغمدت سيف العدوان عند انسلاله، وأصلحت الأيام بعد فسادها، ونفقت سوق العلم بعد كسادها، وأوضحت طرق البر عند انتهاجها، وسكنت أقطار الأرض عند ارتجاجها، وأحيت سنن المكارم بعد مماتها، وأماتت رسوم المظالم بعد حياتها، وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها، وأنقضت حكام البغي عند استقلالها، وشادت مباني الحق على عماد التقوى، واستمسكت من التوكل على الله بالسبب الأقوى، فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء، والمجد الذي جر أذياله على مجرة السماء، والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه، والعدل الذي على أهل الإيمان مدّ يد أطنابه، والجود الذي قطر سحابه اللجين والنضار، والبأس الذي فيه غمامة الدر الموار، والنصر الذي تفض كتائبه الأجل، والتأييد الذي بعض غنائمه الدول، والبطش الذي سبق سيفه العذل، والأناة التي لا يمل عندها الأمل، والحزم الذي يسد على الأعداء وجوه المسارب، والعزم الذي يفل جموعها قبل قراع الكتائب، والحلم الذي يجني العفو من ثمر الذنوب، والرفق الذي جمع على محبته بنات القلوب، والعلم الذي يجلو نوره دياجي المشكلات والعمل المفيد بالإخلاص والأعمال بالنيات.
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #5
          ولما كانت حضرته العلية: مطمح الآمال، ومسرح همم الرجال، ومحط رحال الفضائل، ومثابة أمن الخائف، ومنية السائل، توخى الزمان خدمتها ببدائع تحفه، ورائع طرفه، فانثال عليها العلماء انثيال جودها على الصفات، وتسابق إليها الأدباء تسابق عزماتها إلى العداة، وحج العارفون حرمها الشريف، وقصد السائحون استطلاع معناها المنيف، ولجأ الخائفون إلى الامتناع بعز جنابها، واستجارت الملوك بخدمة أبوابها، فهي القطب الذي عليه مدار العالم، وفي القطع بتفضيلها تساوت بديهة عقل الجاهل والعالم، وعن مآثرها الفائقة يسند صحاح الآثار كل مسلم، وبإكمال محاسنها الرائقة يفصح كل معلم، وكان ممن وفد على بابها السامي، وتعدى أوشال البلاد إلى بحرها الطامي، الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق، جوال الأرض، ومخترق الأقاليم بالطول والعرض، أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي المعروف بابن بطوطة المعروف في البلاد الشرقية بشمس الدين، وهو الذي طاف الأرض معتبراً، وطوى الأمصار مختبراً، وباحث فرق الأمم، وسبر سير العرب والعجم، ثم ألقى عصا التسيار بهذه الحضرة العليا، لما علم أن لها مزية الفضل دون شرط ولا ثنيا، وطوى المشارق إلى مطلع بدرها بالغرب، وآثرها على الأقطار إيثار التبر على الترب، اختياراً بعد طول اختبار البلاد والخلق، ورغبة اللحاق بالطائفة المثلى، التي على الحق فغمره من إحسانه الجزيل، وامتنانه الحفي الحفيل، ما أنساه الماضي بالحال، وأغناه عن طول الترحال، وحقر عنده ما كان من سواه يستعظمه، وحقق لديه ما كان من فضله يتوهمه، فنسي ما كان ألفه من جولان البلاد، وظفر بالمرعى الخصب بعد طول الإرتياد، ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملي ما شاهده في رحلته من الأمصار، وما علق بحفظه من نوادر الأخبار، ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار، وعلمائها الأخيار، وأوليائها الأبرار، فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر، وبهجة المسامع والنواظر، من كل غريبة أفاد باجتلائها، وعجيبة أطرف بانتحائها
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #6
            . وصدر الأمر العالي لعبد مقامهم الكريم، المنقطع إلى بابهم المتشرف بخدمة جنابهم. محمد ابن محمد بن جزي الكلبي، أعانه الله على خدمتهم، وأوزعه شكر نعمتهم، أن يضم أطراف ما أملاه الشيخ أبو عبد الله من ذلك مشتملاً في تصنيف يكون على فوائده مشتملاً، ولنيل مقاصده مكملاً، متوخياً تنقيح الكلام وتهذيبه، معتمداً إيضاحه وتقريبه، ليقع الاستمتاع بتلك الطرف، ويعظم الانتفاع بدرّها عند تجريده من الصدف. فامتثل ما أمر به مبادراً، وشرع في منهله ليكون بمعونة الله عن توفية الغرض منه صادراً، ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضحة للمناحي التي اعتمدها، وربما أوردت لفظه على وضعه، فلم أخل بأصله ولا فرعه، وأوردت جميع ما أورده من الحكايات والأخبار، ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار، على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك، وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من الألفاظ بذلك وقيدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط، ليكون أنفع في التصحيح والضبط، وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء العجمية، لأنها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس، وإنا فنرجو أن يقع ما قصدته من المقام العلي، أيده الله بمحل القبول، وأبلغ من الإغضاء عن تقصيره المأمول، فعوائدهم في السماح جميلة، ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة، والله تعالى يديم لهم عادة النصر والتمكين ويعرفهم عوارف التأييد والفتح المبين.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #7
              بدء الرحلة والخروج من طنجة

              قال الشيخ أبو عبد الله: كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة، معتمداً حج بيت الله الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. منفرداً عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمرى على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور. وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا من الفراق نصباً وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة. قال ابن جزي: أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة.
              وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الإسناد بالإسناد، وشهرت آثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد، وتحلت الأيام بحلى فضله، ورتع الأنام في ظل رفقه وعدله، الإمام المقدس أبي سعيد ابن مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين الذي فل حد الشرك صدق عزائمه، وأطفأت نار الكفر جداول صارمه، وفتكت بعباد الصليب كتائبه، وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه، الإمام المقدس أبي يوسف ابن عبد الحق، جدد الله عليهم رضوانه، وسقى ضرائحهم المقدسة من صوب الحيا طله وتهتانه، وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين، وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين. فوصلت مدينة تلمسان وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمر أسن بن زيان. ووافقت بها رسولي ملك إفريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله، وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر علي بن إبراهيم النفزاوي، والشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي - بضم الزاي نسبة إلى قرية بساحل المهدية، وهو أحد الفضلاء وكانت وفاته عام أربعين. وفي يوم وصولي إلى تلمسان، خرج عنها الرسولان المذكوران، فأشارعلي بعض الاخوان بمرافقتهما، فاستخرت الله عز وجل في ذلك وأقمت بتلمسان ثلاثاً في قضاء مآربي، وخرجت أجدّ السير في آثارهما، فوصلت مدينة مليانة، وأدركتهما بها، وذلك في إبان القيظ. فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشراً، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما، فأقمنا ببعض المياه على مسافة أميال من مليانة ثلاثاً وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع، فعاد ابنه أبو الطيب ورفيقه أبو عبد الله الزبيدي إلى مليانة فقبروه بها. وتركتهم هنالك، وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر، والحاج العدولي، ومحمد بن الحجر، فوصلنا مدينة الجزائر، وأقمنا بخارجها أياماً، إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي. فتوجهنا جميعاً على منبجة جبل الزان، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله الزواوي، ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر، وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيد الناس الحاجب، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره. وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة، ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيد الناس المذكور فانتزعها من يده، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم، ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته، أصابتني الحمى، فأشار علي أبو عبد الله الزبيدي بالإقامة فيها حتى يتمكن البرء مني، فأبيت وقلت إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق وأنا قاصد أرض الحجاز. فقال لي أما إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع، وأنا أعيرك دابة وخباء وتصحبنا خفيفاً، فإننا نجدّ السير خوف غارة العرب في الطريق، ففعلت هذا، وأعارني ما وعد به، جزاه الله خيراً وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الإلهية في تلك الوجهة الحجازية. وسرنا إلى أن وصلنا مدينة قسنطينية ، فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود فاضطررنا إلى الخروج عن الأخبية ليلاً إلى دور هنالك.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #8
                . فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء الفضلاء يسمى بأبي الحسن، فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر، فأمر بغسلها في داره، وكان الإحرام منها خلقاً، فبعث مكانه إحراماً بعلبكياً وصرّ في أحد طرفيه دينارين من الذهب. فكان ذلك أول ما فتح به على وجهتي، ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة ونزلنا بداخلها. وأقمنا بها أياماً، ثم تركنا بها ما كان في صحبتنا من التجار لأجل الخوف في الطريق، وتجردنا للسير، وواصلنا الجد، وأصابتني الحمى، فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف، ولا يمكنني النزول من الخوف، إلى أن وصلنا إلى مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزبيدي ولقاء أبي الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفزاوي، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ولم يسلّم علي أحد، لعدم معرفتي بهم، فوجدت من ذلك النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي، فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل علي بالسلام
                والإيناس، وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين. قال ابن جزي: أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد ابراهيم السلمي هو ابن الحاج البلفيقي أنه جرى له مثل هذه الحكاية. قال قصدت مدينة بلش من بلاد الأندلس في ليلة عيد، برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله ابن الكماد، وحضرت المصلى مع الناس، فلما فرغت الصلاة والخطبة، أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام، وأنا في ناحية لا يسلم والإيناس، وقال: نظرت إليك، فرأيتك منتبذاً عن الناس، لا يسلم عليك أحد فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك جزاه الله خيراً.اس، وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين. قال ابن جزي: أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد ابراهيم السلمي هو ابن الحاج البلفيقي أنه جرى له مثل هذه الحكاية. قال قصدت مدينة بلش من بلاد الأندلس في ليلة عيد، برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله ابن الكماد، وحضرت المصلى مع الناس، فلما فرغت الصلاة والخطبة، أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام، وأنا في ناحية لا يسلم والإيناس، وقال: نظرت إليك، فرأيتك منتبذاً عن الناس، لا يسلم عليك أحد فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك جزاه الله خيراً.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #9
                  ذكر سلطان تونس

                  وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبا يحيى ابن السلطان أبي زكريا يحيى ابن السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص رحمه الله. وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء، منهم قاضي الجماعة بها أبو عبد الله محمد ابن قاضي الجماعة أبي العباس أحمد بن محمد بن حسن بن محمد الأنصاري الخزرجي البلنسي الأصل، ثم التونسي هو ابن الغماز، ومنهم الخطيب أبو إسحاق إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد الرفيع، وولي أيضاً قضاء الجماعة في خمس دول، ومنهم الفقيه أبو علي عمر بن علي بن قداح الهواري، وولي أيضاَ قضاءها وكان من أعلام العلماء. ومن عوائده أنه يستند كل يوم جمعة بعد صلاتها إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة، ويستفتيه الناس في المسائل. فإذا أفتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه ذلك، وأظلني بتونس عيد الفطر، فحضرت المصلّى، وقد احتفل الناس لشهود عيدهم، وبرزوا في أجمل هيئة وأكمل شارة. ووافى المسجد السلطان أبو يحيى المذكور راكباً وجميع أقاربه وخواصه، وخدم مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب، وصليت الصلاة، وانقضت الخطبة، وانصرف الناس إلى منازلهم. وبعد مدة تعين لركب الحجاز الشريف شيخه ويعرف بأبي يعقوب السوسي من أهل أقل من بلاد إفريقية، وأكثره المصامدة. فقدموني قاضياً بينهم، وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة سالكين طريق الساحل، فوصلنا إلى بلدة سوسة، وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطىء البحر، بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلاً، ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبي الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه. قال ابن جزي في بلدة صفاقس: يقول علي بن حبيب التنوخي:





                  سقياً لأرض صفـاقـس
                  ذات المصانع والمصلّى
                  محمى القصير إلى الخليج
                  فقصرها السامي المعلّى
                  بلـد يكـاد يقـول حـين
                  تزوره أهـلاً وسـهـلا
                  وكأنه والبـحـر يحـس
                  ر تارة عـنـه ويمـلا
                  صبّ يريد زيارة
                  فإذا رأى الرقباء ولّـى




                  وفي عكس ذلك يقول الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن أبي تميم وكان من المجيدين المكثرين:





                  صفاقس لا صفا عيش لساكـنـهـا
                  ولا سقى أرضها غيث إذا انسكـبـا
                  ناهيك من بلدة من حل ساحـتـهـا
                  عانى بها العاديين الروم والعـربـا
                  كم ضل في البر مسلوباً بضاعـتـه
                  وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا
                  قد عاين البحر من لؤم لقاطـنـهـا
                  فكلما همّ أن يدنـو لـهـا هـربـا




                  ثم وصلنا إلى مدينة قابس ونزلنا بداخلها، وأقمنا بها عشراً لتوالي نزول الأمطار، قال ابن جزي في ذكر قابس: يقول بعضهم:





                  لهفي على طيب ليال خلت
                  بجانب البطحاء من قابس
                  كأن قلبي عند تذكارها
                  جذوة نار بيد القابس
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #10
                    ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس، وصحبنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس أو يزيد، وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب، وتحامت مكانهم، وعصمنا الله منهم، وأظلنا عيد الأضحى في بعض تلك المراحل. وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس، فأقمنا بها مدة وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس، فبنيت عليها بطرابلس ثم خرجت من طرابلس في أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين، ومعي أهلي، وفي صحبتي جماعة من المصامدة، وقد رفعت العلم، وتقدمت عليهم، وأقام الركب في طرابلس خوفاً من البرد والمطر، وتجاوزنا مسلاتة ومسراتة وقصور سرت. وهنالك أرادت طوائف العرب الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة، وحالت دون ما راموه من أذيتنا، ثم توسطنا الغابة، وتجاوزناها إلى قصر برصيصا العابد، إلى قبة سلام، وأدركنا هنالك الركب الذين تخلفوا بطرابلس، ووقع بيني وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته وتزوجت بنتاً لبعض طلبة فاس وبنيت بها بقصر الزعافية، وأولمت وليمة حبست لها الركب يوماً وأطعمتهم، ثم وصلنا في أول جمادى الأولى إلى مدينة الإسكندرية حرسها الله، وهي الثغر المحروس، والقطر المأنوس العجيبة الشأن الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها، ولطفت معانيها، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها، فهي الفريدة في تجلي سناها، والخريدة تجلى في حلاها، الزاهية بجمالها المُغرِب، والجامعة لمفترق المحاسن، لتوسطها بين المشرق والمغرب، فكل بديعة بها اختلاؤها، وكل طرفة فإليها انتهاؤها. وقد وصفها الناس فأطنبوا، وصنفوا في عجائبها فأغربوا وحسب المشرف إلى ذلك ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #11
                      ذكر أبوابها ومرساها

                      ولمدينة الاسكندرية أربعة أبواب: باب السدرة وإليه يشرع طريق المغرب، وباب رشيد، وباب البحر، والباب الأخضر، وليس يفتح إلا يوم الجمعة، فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور. ولها المرسى العظيم الشأن ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند، ومرسى الكفار بسرادق ببلاد الأتراك ومرسى الزيتون ببلاد الصين، وسيقع ذكرها.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        ذكر المنار

                        قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدماً. وصفته أنه بناء مربع، ذاهب في الهواء، وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه، وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه، فاذا أزيلت لم يكن له سبيل. وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار. وداخل المنار بيوت كثيرة. وعرض الممر بداخله تسعة أشبار، وعرض الحائط عشرة أشبار، وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبراً وهو على تل مرتفع. ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد، فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الإسكندرية. وقصدت المنار عند عودي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة، فوجدته قد استولى عليه الخراب، بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه. وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه، فعاقه الموت من إتمامه.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #13
                          ذكر عمود السواري

                          ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها، المسمى عندهم بعمود السواري وهو متوسط في غابة نخل. وقد امتاز عن شجراتها سمواً وارتفاعاً. وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه. قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره، فاجتمع الجمع الغفير لمشاهدته، وطال العجب منه، وخفي على الناس وجه احتياله وأظنه كان خائفاً، أو طالب حاجة، فأنتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به. وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها خيطاً طويلاً، وعقد بطرف الخيط حبلاً وثيقاً، فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه، ووقعت من الجهة الموازية للرامي، فصار الخيط معترضاً على أعلى العمود، فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط، فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض، وتعلق به صاعداً من الجهة الأخرى، واستقر بأعلاه وجذب الحبل، واستصحب من احتمله، فلم يهتد الناس لحيلته، وعجبوا من شأنه. وكان أمير الإسكندرية في عهد وصولي إليها يسمى بصلاح الدين وكان فيها أيضاً في ذلك العهد سلطان أفريقية المخلوع، وهو زكرياء أبو يحيى بن أحمد بن أبي حفص المعروف باللحياني. وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من إسكندرية، وأجرى له مائة درهم في كل يوم. وكان معه أولاده عبد الواحد ومصري واسكندري وحاجبه أبو زكريا بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله بن ياسين. وبالإسكندرية توفي اللحياني المذكور، وولده الاسكندري وبقي المصري بها. قال ابن جزي: من الغريب ما اتفق من صدق الزجر في اسمي ولدي اللحياني الاسكندري والمصري فمات بها، وعاش المصري دهراً طويلاً بها وهي من بلاد مصر. وتحول عبد الواحد لبلاد الأندلس والمغرب وأفريقية، وتوفي هنالك بجزيرة جربة.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #14
                            ذكر بعض علماء الإسكندرية

                            فمنهم قاضيها عماد الدين الكندي، إمام من أئمة علم اللسان. وكان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أر في مشارق الأرض ومغاربها عمامة أعظم منها رأيته يوماً قاعداً في صدر محراب، وقد كادت عمامته أن تملأ المحراب ومنهم فخر الدين بن الريغي وهو أيضاً من القضاة بالإسكندرية فاضل من أهل العلم.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #15
                              حكاية

                              يذكر أن جد القاضي فخر الدين الريغي من أهل ريغة، واشتغل بطلب العلم، ثم رحل إلى الحجاز، فوصل الإسكندرية بالعشي. وهو قليل ذات اليد، فأحب أن لا يدخلها حتى يسمع فالاً حسناً فقعد قريباً من بابها، إلى أن دخل جميع الناس. وجاء وقت سد الباب ولم يبق هنالك سواه فاغتاظ الموكل بالباب من إبطائه، وقال متهكماً أدخل يا قاضي فقال: قاض إن شاء الله، ودخل إلى بعض المدارس، ولازم القراءة وسلك طريق الفضلاء، فعظم صيته، وشهر اسمه، وعرف بالزهد والورع، واتصلت أخباره بملك مصر. واتفق أن توفي قاضي الإسكندرية وبها إذ ذاك الجم الغفير من الفقهاء والعلماء، وكلهم متشوف للولاية، وهو من بينهم، لا يتشوف لذلك فبعث إليه السلطان بالتقليد، وهو ظهير القضاء، وأتاه البريد بذلك، فأمر خديمه أن ينادى في الناس من كانت له خصومة فليحضر لها وقعد للفصل بين الناس. فاجتمع الفقهاء وسواهم إلى رجل منهم كانوا يظنون أن القضاء لا يتعداه، وتفاوضوا في مراجعة السلطان في أمره، ومخاطبته بأن الناس لا يرتضونه. وحضر لذلك أحد الحذاق من المنجمين فقال لهم: لا تفعلوا ذلك فإني عدلت طالع ولايته، وحققته فظهر لي أنه يحكم أربعين سنة. فأضربوا عما هموا به من المراجعة في شأنه. وكان أمره على ما ظهر للمنجم. وعرف في ولايته بالعدل والنزاهة. ومنهم وجيه الدين الصنهاجي من قضاتها مشتهر بالعلم والفضل. ومنهم شمس الدين ابن بنت التنيسي فاضل شهير الذكر. ومن الصالحين بها الشيخ أبو عبد الله الفاسي من كبار أولياء الله تعالى، يذكر أنه كان يسمع رد السلام عليه إذا سلم من صلاته. ومنهم الإمام العالم الزاهد الخاشع الورع خليفة صاحب المكاشفات.
                              كرامة له: أخبرني بعض الثقات من أصحابه قال رأى الشيخ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم. فقال يا خليفة: زرنا فرحل إلى المدينة الشريفة، وأتى المسجد الكريم، فدخل من باب السلام، وحيا المسجد، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعد مستنداً إلى بعض سواري المسجد، ووضع رأسه على ركبتيه، وذلك يسمى عند المتصوفة الترفيق. فلما رفع رأسه وجد أربعة أرغفة، وآنية فيها لبن، وطبقاً فيه تمر، فأكل هو وأصحابه وانصرف عائداً إلى الإسكندرية ولم يحج تلك السنة. ومنهم الإمام العالم الزاهد الورع الخاشع برهان الدين الأعرج، من كبار الزهاد وأفراد العباد، لقيته أيام مقامي بالإسكندرية وأقمت في ضيافته ثلاثاً.
                              ذكر كرامة له: دخلت عليه يوماً فقال لي: أراك تحب السياحة والجولان في البلاد فقلت له: نعم إني أحب ذلك. ولم يكن حينئذ بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين. فقال لا بد لك إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند، وأخي ركن الدين زكرياء بالسند، وأخي برهان الدين بالصين. فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام فعجبت من قوله وألقى في روعي التوجه إلى تلك البلاد ولم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم، وأبلغتهم سلامه. ولما ودعته زودني دراهم لم تزل عندي محوطة. ولم أحتج بعد إلى إنفاقها، إلى أن سلبها مني كفار الهنود، فيما سلبوه لي في البحر. ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي، من أفراد الرجال. وهو تلميذ أبي العباس المرسي. وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية.
                              كرامة لأبي الحسن الشاذلي: أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج في كل سنة، ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ويزور القبر الشريف، ويعود على الدرب الكبير إلى بلده. فلما كان في بعض السنين، وهي آخر سنة خرج فيها، قال لخديمه: استصحب فأساً وقفة وحنوطاً، وما يجهز به الميت. فقال له الخديم: ولم ذا يا سيدي ? فقال له: في حميثرا سوف ترى. وحميثرا في صعيد مصر في صحراء عيذاب، وبها عين ماء زعاق. وهي كثيرة الضباع. فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن، وصلى ركعتين، وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته، ودفن هناك. وقد زرت قبره وعليه تبرية مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلاً بالحسن بن علي رضي الله عنه.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X