وهي ببلادهم كالغنم ببلادنا بل أكثر، فيكون للتركي منهم آلاف منها. ومن عادة الترك المستوطنين تلك البلاد أصحاب الخيل أنهم يضعون في العربات التي تركب فيها نساؤهم قطعة لبد في طول الشبر، مربوطة إلى عود رقيق في طول الذراع، في ركن العربة، يجعل لكل ألف فرس قطعة. ورأيت منهم من يكون له عشر قطع ومن له دون ذلك. وتحمل هذه الخيل إلى بلاد الهند، فيكون في الرفقة منها ستة آلاف وما فوقها وما دونها، لكل تاجر المائة والمائتان فما دون ذلك وما فوقه، ويستأجر التاجر لكل خمسين منها راعياً يقوم عليها ويرعاها كالغنم ويسمى عندهم القشي، ويركب أحدها وبيده عصا طويلة فيها حبل، فإذا أراد أن يقبض على فرس منها حاذاه بالفرس الذي هو راكبه ورمى الحبل في عنقه وجذبه، فيركبه ويترك الآخر للرعي. وإذا وصلوا بها إلى أرض السند أطعموها العلف لأن نبات أرض السند لا يقوم مقام الشعير، ويموت لهم منها الكثير ويسرق، ويغرمون عليها بأرض السند سبعة دنانير فضة على الفرس بموضع يقال ششقنار، ويغرمون عليها بملتان قاعدة بلاد السند وكانوا فيما تقدم يغرمون ربع ما يجلبونه، فرفع ملك الهند إلى السلطان محمد ذلك، وأمر أن يؤخذ من تجار المسلمين الزكاة، ومن تجار الكفار العشر ومع ذلك يبقى للتجار فيها فضل كبير، لأنهم يبيعون الرخيص منها ببلاد الهند بمائة دينار دراهم، وصرفها من الذهب المغربي خمسة وعشرون ديناراً، وربما باعوها بضعف ذلك وضعفه وضعفيه والجياد منها تساوي خمسمائة دينار. وأكثر من ذلك وأهل الهند لا يبتاعونها للجري والسبق لأنهم يلبسون في الحرب الدروع ويدرعون الخيل وإنما يبتغون قوة الخيل واتساع خطاها والخيل التي يبتغونها للسبق تجلب إليهم من اليمن وعمان وفارس ويباع الفرس منها بألف دينار إلى أربعة آلاف ولما سافر الأمير تلكتمور عن هذه المدينة أقمت بعده ثلاثة أيام حتى جهز لي الأمير محمد خواجه آلات سفري.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
رحلة ابن بطوطة
تقليص
X
-
وسافرت إلى مدينة الماجر، وهي " بفتح الميم والف وجيم مفتوح معقود وراء " مدينة كبرى من أحسن مدن الترك، على نهر كبير، وبها البساتين والفواكه الكثيرة، نزلنا منها بزاوية الشيخ الصالح العابد المعمر محمد البطائحي من بطائح العراق، وكان خليفة الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وفي زاويته نحو سبعين من فقراء العرب والفرس والترك والروم، منهم المتزوج والعزب، وعيشهم من الفتوح. ولأهل تلك البلاد اعتقاد حسن في الفقراء، وفي كل ليلة يأتون إلى الزاوية بالخيل والبقر والغنم، ويأتي السلطان والخواتين لزيارة الشيخ والتبرك به، ويجزلون الإحسان، ويعطون العطاء الكثير، وخصوصاً النساء فإنهن يكثرن الصدقة ويتحرين أفعال الخير. وصلينا بمدينة الماجر صلاة الجمعة، فلما قضيت الصلاة صعد الواعظ عز الدين المنبر، وهو من فقهاء بخارى وفضلائها، وله جماعة من الطلبة والقراء يقرأون بين يديه، ووعظ وذكر، وأمير المدينة حاضر وكبراؤها فقام الشيخ محمد البطائحي فقال: إن الفقيه الواعظ يريد السفر ونريد له زوادة ثم خلع فرجية مرعز كانت عليه وقال: هذه مني إليه فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطي فرساً ومن أعطى دراهم واجتمع له كثير من ذلك كله، ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهودياً سلم علي وكلمني بالعربي، فسألته عن بلاده، فذكر أنه من بلاد الأندلس، وأنه قدم منها في البر ولم يسلك بحراً، وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجرجس، وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة أشهر،[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة مقاله ورأيت بهذه البلاد عجباً من تعظيم النساء عندهم وهن أعلى شأناً من الرجال. فأما نساء الأمراء فكانت أول رؤيتي لهن عند خروجي من القرم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطية في عربة لها، وكلها مجللة بالملف الأزرق الطيب، وطيقان البيت مفتوحة، وأبوابه، وبين يديها أربع جوارٍ، فاتنات الحسن بديعات اللباس، وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها ولما قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الأرض، ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن أذيالها، ولأثوابها عرًى تأخذ كل جارية بعروة، وويرفعن الأذيال عن الأرض من كل جانب، ومشت كذلك متبخترة فلما وصلت إلى الأمير قام إليها وسلم عليها وأجلسها إلى جانبه، ودار بها جواريها وجاءوا بروايا القمز، فصبت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدام الأمير، وناولته القدح فشرب، ثم سقت أخاه وسقاها الأمير، وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت. وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء، وسنذكر نساء الملك فيما بعد. وأما نساء الباعة والسوقة فرأيتهن، وإحداهن تكون في العربة والخيل تجرها، وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري، يرفعن أذيالها. وعلى رأسها البغطاق، وهو أقروف مرصع بالجوهر، وفي أعلاه ريش الطواويس وتكون طيقان البيت مفتحة، وهي بادية الوجه، لأن نساء الأتراك لا يحتجبن وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من الناس بالسلع العطرية، وربما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنه من يراها بعض خدامها، ولا يكون عليه من الثياب إلا فروة من جلد الغنم، وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا وتجهزنا من مدينة الماجر نقصد معسكر السلطان، وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له بش دغ ومعنى بش عندهم خمسة وهو" بكسر الباء وشين معجم " ومعنى دغ الجبل، وهو " بفتح الدال المهمل وغين معجم " وبهذه الجبال الخمسة عين ماء حار يغتسل منها الأتراك، ويزعمون أنه من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض، وارتحلنا إلى موضع المحلة فوصلناه أول يوم من رمضان، فوجدنا المحلة قد خلت فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه، لأن المحلة تنزل بالقرب منه فضربت بيتي على تلة هنالك، وركزت العلم أمام البيت، وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك،[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وأقبلت المحلة، وهم يسمونها الأرد بضم الهمزة، فرأينا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق، ودخان المطبخ صاعد في الهواء وهم يطبخون في حال رحيلهم، والعربات تجرها الخيل بهم، فإذا بلغوا المنزل أنزلوا البيوت عن العربات، وجعلوها على الأرض، وهي خفيفة المحمل، وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت. واجتاز بنا خواتين السلطان، كل واحدة بناسها على حدة ولما اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك وسنذكرها، رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه، وهو علامة الوارد فبعثت الفتيان والجواري فسلموا علي، وبلغوا سلامها إلي، وهي واقفة تنتظرهم فبعثت إليها هدية مع بعض أصحابي، ومع معرف الأمير تلكتمور فقبلتها تبركاً وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت، وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة.سنذكرها، رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه، وهو علامة الوارد فبعثت الفتيان والجواري فسلموا علي، وبلغوا سلامها إلي، وهي واقفة تنتظرهم فبعثت إليها هدية مع بعض أصحابي، ومع معرف الأمير تلكتمور فقبلتها تبركاً وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت، وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
واسمه محمد أوزبك " بضم الهمز وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة ". ومعنى خان عندهم السلطان. وهذا السلطان عظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن رفيع المكان. قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة ومدنه عظيمة منها التكفار والقرم والماجر وأزاق وسرداق " سوداق " وخوارزم وحضرته السرا وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء الدنيا وعظماؤها وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه، إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة، أيد الله أمره وأعز نصره ، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراق، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين. ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة، معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، وإذا أراد أن يكون عنده واحدة منهن، بعث إليها يعلمها بذلك، فتتهيأ له. وله في محل قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع. ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة، وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذهب، وسطها يسرير من خشب، مكسوة بصفائح الفضة المذهبة، وقوائمه فضة خالصة، ورؤوسها مرصعة بالجواهر، ويقعد السلطان على السرير، وعلى يمينه الخاتون طيطغلي، وتليها الخاتون كبك، وعلى يساره الخاتون بيلون، وتليها الخاتون أردوجا، ويقف أسفل السرير على اليمين ولد السلطان تين بك، وعن الشمال ولده الثاني جان بك وتجلس بين يديه ابنته إيت كجك. وإذا أتت إحداهن، قام لها السلطان، وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير، وأما طيطغلي، وهي الملكة وأحظاهن عنده، فإنه يستقبلها إلى باب القبة، فيسلم عليها ويأخذ بيدها فإذا صعدت على السرير وجلست، حينئذ يجلس السلطان وهذا كله على أعين الناس دون احتجاب.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء، فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال وكل إنسان منهم إذا اتى مجلس السلطان، يأتي معه غلام بكرسيه، ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمه وإخوته وأقاربه، ويقف مقابلتهم عند باب القبة أولاد الأمراء الكبار، ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وعن شمال، ثم يدخل الناس للسلام بالأمثل فالأمثل ثلاثة ثلاثة، فيسلمون وينصرفون، فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرف سائرهن، فيتبعها إلى محلتها فإذا دخلت اليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها، ومع كل واحدة نحو خمسين جارية، راكبات على الخيل وأمام العربات نحو عشرين من قواعد النساء، راكبات على الخيل، فيما بين الفتيان والعربة، وخلف الجميع نحو مائة مملوك من الصبيان، وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار، ركباناً ومثلهم مشاة، بأيديهم القضبان، والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان، وهكذا ترتيب كل خاتون منهن في انصرافها ومجيئها. وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك، الذي يقع ذكره فيما بعد وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر، وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء، وقد صنع طعاماً كثيراً، وأفطرنا بمحضره وتكلم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد، والقاضي حمزة في شأني بالخير، وأشاروا على السلطان بإكرامي، وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة، وإنما يبعثون له الغنم والخيل للذبح وروايا القمز، وتلك كرامتهم وبعد هذا بأيام صليت صلاة العصر مع السلطان، فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود، وجاءوا بالطعام، من المشروبات كما يصنع من الدوقي، ثم باللحوم المسلوقة من الغنم والخيل. وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء، فجعل إصبعه عليه وجعله على فيه، ولم يزد على ذلك.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
.منهن تركب في عربة للبيت، وللبيت الذي تكون فيه قبة من الفضة المموهة بالذهب أو من الخشب المرصع وتكون الخيل التي تجر عربتها مجللة بأثواب الحرير المذهب، وخديم العربة الذي يركب أحد الخيل فتى يدعي القشي، والخاتون قاعدة في عربتها، وعن يمينها امرأة من القواعد تسمى أولو خاتون " بضم الهمزة واللام " ومعنى ذلك الوزيرة وعن شمالها امرأة من القواعد أيضاً تسمى كجك خاتون " بضم الكاف والجيم " ومعنى ذلك الحاجبة، وبين يديها ست من الجواري الصغار، يقال لهن البنات، فائقات الجمال متناهيات الكمال، ومن ورائها اثنتان منهن، تستند إليهن، وعلى رأس الخاتون البغطاق، وهو مثل التاج الصغير مكلل بالجواهر، ولأعلاها ريش الطواويس، وعليها ثياب حرير مرصعة بالجواهر شبه المنوت " الملوطة " التي يلبسها الروم وعلى رأس الوزيرة والحاجبة مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب والجوهر، وعلى رأس كل واحدة من البنات الكلا، وهو شبه الأقروف، وفي أعلاها دائرة ذهب مرصعة بالجوهر، وريش الطواويس من فوقها وعلى كل واحدة ثوب من الحرير مذهب يسمى النخ ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الروميين والهنديين، وقد لبسوا ثياب الحرير المذهب، المرصعة بالجواهر، وبيد كل واحد منهم عمود ذهب أو فضة، أو يكون من عود ملبس بهما وخلف عربة الخاتون نحو مائة عربة في كل عربة الثلاث و الأربع من الجواري الكبار والصغار، وثيابهن الحرير، وعلى رؤوسهن الكلا وخلف هذه العربات نحو ثلاثمائة عربة تجرها الجمال والبقر، وتحمل خزائن الخاتون وأموالها وثيابها وأثاثها وطعامها ومع كل عربة غلام موكل بها متزوج بجارية من الجواري التي ذكرناها فإن العادة عندهن أن لا يدخل بين الجواري من الغلمان إلا من كان له بينهن زوجة وكل خاتون فهي على هذا الترتيب، ولنذكرهن على الانفراد.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر الخاتون الكبرى والخاتون الكبرى هي الملكة أو ولدي السلطان جان بك وتين بك، وسنذكرهما وليست أم ابنته إيت كجك وأمها كانت الملكة قبل هذه واسم هذه الخاتون طيطغلي " بفتح الطاء المهملة الأولى واسكان الياء آخر الحروف وضم الطاء الثانية وسكان الغين المعجمة وكسر اللام وياء مد "، وهي أحظى نساء هذا السلطان عنده وعندها يبيت أكثر لياليه ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، وإلا فهي أبخل الخواتين، وحدثني من أعتمده من العارفين بأخبار هذه الملكة، أن السلطان يحبها للخاصية التي فيها، وهي أنه يجدها كل ليلة كأنها بكر. وذكر لي غيره أنها من سلالة المرأة التي يذكر ان الملك زال عن سليمان عليه السلام بسببها ولما عاد إليه ملكه أمر أن توضع بصحراء لا عمارة فيها فوضعت بصحراء قفجق. وان رحم هذه الخاتون شبه الحلقة خلقة وكذلك كل من هو من نسل المرأة المذكورة. ولم أر بصحراء قفجق ولا غيرها من أخبر أنه رأى امرأة على هذه الصورة ولا سمع بها إلا هذه الخاتون اللهم إلا أن بعض أهل الصين أخبرني أن بالصين صنفاً من نسائها على هذه الصورة ولا يقع بيدي ذلك، ولا عرفت له حقيقة، وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون، وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنهن خديمات لها، وبين يديها نحو خمسين جارية صغاراً يسمون البنات، وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك وهن ينقينه، وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوءة منه، وهي تنقيه، فسلمنا عليها. وكان في جملة أصحابي قارئ يقرأ القرآن على طبقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب، فقرأ، ثم أمرت أن يؤتى بالقمز، فأتي به في أقداح خشب لطاف خفاف فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم، ولم أكن شربت القمز، قبلها ولكن لم يمكني الا قبوله وذقته ولا خير فيه، ودفعته لأحد أصحابي وسألتني عن كثير من حال سفرنا، فأجبناها ثم انصرفنا عنها وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر الخاتون التي تلي الملكة واسمها كبك خاتون " بفتح الكاف الأولى وكسر الباء الموحدة " ومعناها بالتركية النخالة وهي بنت الأمير نغطي " واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة "، وأبوها حي مبتلى بعلة النقرس، وقد رأيته في غد دخولنا على الملكة. دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ في المصحف الكريم، وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد، ونحو عشرين من البنات يطرزن ثياباً، فسلمنا عليها، وأحسنت في السلام والكلام وقرأ قارئنا فاستحسنته، وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني القدح بيدها كمثل ما فعلته الملكة وانصرفنا عنها.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر الخاتون الثالثة واسمها بيلون " بياء موحدة وآخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو مد ونون " وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور ودخلنا على هذه الخاتون، وهي قاعدة على سرير مرصع، قوائمه فضة وبين يديها نحو مائة جارية روميات وتركيات ونوبيات، منهن قائمات وقاعدات، والفتيان على رأسها، والحجاب بين يديها من رجال الروم فسألت عن حالنا ومقدمنا وبعد أوطاننا، وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها، رقة منها وشفقة وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها، وهي تنظر إلينا. ولما أردنا الانصراف قالت: لا تنقطعوا عنا، وترددوا إلينا وطالبونا بحوائجكم وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى، كما نذكره بعد.
ذكر الخاتون الرابعة واسمها أردجا " بضم الهمزة واسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم وألف " وأردو بلسانهم المحلة وسميت بذلك لولادتها في المحلة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الألوس " بضم الهمز واللام " ومعناه أمير الأمراء وأدركته حياً، وهو متزوج ببنت السلطان إيت كجك وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهن شمائل وأشفقهن وهي التي بعثت إلي لما رأت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدمناه، ودخلنا عليها، فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها، ما لا مزيد عليه، وأمرت بالطعام فأكلنا بين يديها، ودعت بالقمز فشرب أصحابنا وسألت عن حالنا فأجبناها ودخلنا أيضاً الى أختها زوجة الأمير علي بن أرزق.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر بنت السلطان المعظم أوزبك
واسمها إيت كجك وإيت " بكسر الهمزة وياء مد وتاء مثناة وكجك بضم الكاف وضم الجيم " ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإن إيت هو الكلب وكجك هو الصغير، ةقد قدمنا ان الترك يسمون بالفأل، كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك، وهي في محلة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة من الطلبة والمشايخ والفقهاء وحضر زوجها الأمير عيسى الذي بنته زوجة السلطان فقعد معها على فراش واحد وهو معتل بالنقرس، فلا يستطيع التصرف على قدميه، ولا ركوب الفرس، وإنما يركب العربة، وإذا أراد الدخول على السلطان أنزله خدامه وأدخلوه إلى المجلس محمولاً، وعلى هذه الصورة رأيت أيضاً الأمير نغطي، وهو أبو الخاتون الثانية وهذه العلة فاشية في هؤلاء الأتراك ورأينا من هذه الخاتون بنت السلطان من المكارم وحسن الأخلاق ما لم نره من سواها وأجزلت الإحسان وأفضلت جزاها الله خيراً.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر ولدي السلطان
وهما شقيقان، وأمهما جميعاً الملكة طيطغلي التي قدمنا ذكرها، والأكبر منهما اسمه تين بك " بتاء معلوة مكسورة وياء مد ونون مفتوح "، وبك معناه الأمير، وتين معناه الجسد. فكأن اسمه أمير الجسد، واسم أخيه جان بك " بفتح الجيم وكسر النون "، ومعنى جان الروح، فكأنه يسمى أمير الروح، وكل واحد منهما له محلة على حدة، وكان تين بك من أجمل خلق الله صورة. وعهد له أبوه بالملك. وكانت له الحظوة والتشريف عنده، ولم يرد الله ذلك، فإنه لما مات أبوه ولي يسيراً، ثم قتل لأمور قبيحة جرت له. وولي أخوه جان بك، وهو خير منه وأفضل. وكان السيد الشريف ابن عبد الحميد هو الذي تولى تربية جان بك. وأشار علي هو والقاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والإمام المقري حسام الدين البخاري وسواهم حين قدومي أن يكون نزولي بمحلة جان بك المذكور لفضله، ففعلت ذلك.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر سفري إلى مدينة بلغار
وكنت سمعت بمدينة بلغار فأردت التوجه إليها لأرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها وقصر النهار أيضاً، في عكس ذلك الفصل. وكان بينها وبين محلة السلطان مسيرة عشر. فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني اليها وردني إليه. ووصلتها في رمضان، فلما صلينا المغرب، أفطرنا. وأذن بالعشاء في أثناء إفطارنا، فصليناها وصلينا التراويح والشفع والوتر. وطلع الفجر إثر ذلك. وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضاً. وأقمت بها ثلاثاً.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر أرض الظلمة
وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة، والدخول إليها من بلغار، وبينهما أربعون يوماً. ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤونة فيه وقلة الجدوى. والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار. فإن تلك المفازة فيها الجليد، فلا يثبت قدم الآدمي ولا حافر الدابة فيها. والكلاب لها الأظفار، فتثبت أقدامها في الجليد. ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها، موقرة بطعامه وشرابه وحطبه. فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مراراً كثيرة، وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه، ويقرن معه ثلاثة من الكلاب. ويكون هو المقدم، تتبعه سائر الكلاب بالعربات. فإذا وقف وقفت. وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أولاً قبل بني آدم، وإلا غضب الكلب وفر وترك صاحبه للتلف. فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة، نزلوا عند الظلمة، وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك، وعادوا إلى منزلهم المعتاد. فإذا كان من الغد عادوا لتفقد متاعهم، فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه، وإن لم يرضه تركه، فيزيدونه، وربما رفعوا متاعهم، أعني أهل الظلمة، وتركوا متاع التجار. وهكذا بيعهم وشراؤهم. ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم، أمن الجن هو أم الإنس. ولا يرون أحداً. والقاقم هو أحسن أنواع الفراء. وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار، وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون. وهي شديدة البياض، من جلد حيوان صغير في طول الشبر، وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله. والسمور دون ذلك. تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها. ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل. وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلاُ بفرواتهم عند العنق. وكذلك تجار فارس والعراقين. وعدت من مدينة بلغار مع الأمير الذي بعثه السلطان في صحبتي، فوجدت محلة السلطان على الموضع المعروف ببش دغ، وذلك في الثامن والعشرين من رمضان. وحضرت معه صلاة العيد، وصادف يوم العيد يوم الجمعة.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر ترتيبهم في العيد
ولما كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة، وركبت كل خاتون عربتها ومعها عساكرها، وركبت بنت السلطان والتاج على رأسها، إذ هي الملكة على الحقيقة، ورثت الملك من أمها، وركب أولاد السلطان، كل واحد في عسكره. وكان قد قدم لحضور العيد قاضي القضاة شهاب الدين السايلي، ومعه جماعة من الفقهاء والمشايخ. فركبوا وركب القاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والشريف ابن عبد الحميد. وكان ركوب هؤلاء الفقهاء مع تين بك ولي عهد السلطان، ومعهم الأطبال والأعلام. فصلى بهم القاضي شهاب الدين وخطب أحسن خطبة. وركب السلطان، وانتهى إلى برج خشب يسمى عندهم الكشك، فجلس فيه ومعه خواتينه، ونصب برج ثان دونه، فجلس فيه ولي عهده وابنته صاحبة التاج. ونصب برجان دونهما عن يمينه وشماله، فيهما أبناء السلطان وأقاربه. ونصبت الكراسي للأمراء وأبناء الملوك، وتسمى الصندليات، عن يمين البرج وشماله، فجلس كل واحد على كرسيه. ثم نصبت طبلات للرمي، لكل أمير طومان طبلة مختصة به، وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلاف. فكان الحاضرون من أمراء طومان سبعة عشر، يقودون مائة وسبعون ألفاً، وعسكره أكثر من ذلك. ونصب لكل أمير شبه منبر فقعد عليه، وأصحابه يلعبون بين يديه. فكانوا على ذلك ساعة. ثم أتي بالخلع، فخلعت على كل أمير خلعة، وعندما يلبسها يأتي إلى أسفل برج السلطان فيخدم، وخدمته أن يمس الأرض بركبته اليمنى، ويمد رجله تحتها، والأخرى قائمة، ثم يؤتى بفرس مسرح ملجم، فيرفع حافره، ويقبل فيه الأمير، ويقوده بنفسه إلى كرسيه.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
تعليق