وفي تلك السنة ذكر اسمه في الخطبة بعد ذكر الملك الناصر، ودعوا له بأعلى قبة زمزم، وذكروا بعده سلطان اليمن الملك المجاهد نور الدين ولم يوافق الأمير عطيفة على ذلك، وبعث شقيقه منصوراً ليعلم الملك الناصر بذلك فأمر رميثة برده فرد، فبعثه ثانية على طريق جدة حتى أعلم الملك الناصر بذلك ووقفنا تلك السنة، وهي سنة تسع وعشرين يوم الثلاثاء، ولما انقضى الحج أقمت مجاوراً بمكة حرسها الله سنة ثلاثين. وفي موسمها وقعت الفتنة بين أمير مكة عطيفة وبين أيدمور أمير جندار الناصري وسبب ذلك أن تجاراً من أهل اليمن سرقوا، فتشكوا إلى أيدمور بذلك، فقال أيدمور لمبارك ابن الأمير عطيفة: إئت بهؤلاء السراق، فقال: لا أعرفهم فكيف نأتي بهم، وبعد فأهل اليمن تحت حكمنا ولا حكم لك عليهم، إن سرق لأهل مصر والشام شيء فاطلبني به فشتمه أيدمور وقال له:
يا قواد تقول لي هكذا، وضربه على صدره فسقط، ووقعت عمامته عن رأسه وغضب له عبيدة وركب أيدمور يريد عسكره، فلحقه مبارك وعبيدة فقتلوه وقتلوا ولده. ووقعت الفتنة بالحرم، وكان به الأمير أحمد ابن عم الملك الناصر، ورمى الترك بالنشاب، فقتلوا امرأة قيل: إنها كانت تحرض أهل مكة على القتال، وركب من ركب من الأتراك، وأميرهم خاص ترك، فخرج إليهم القاضي والأئمة والمجاورين وفوق رؤوسهم المصاحف، وحاولوا الصلح، ودخل الحجاج مكة فأخذوا ما لهم بها وانصرفوا إلى مصر، وبلغ الخبر إلى الملك الناصر فشق عليه، وبعث العساكر إلى مكة ففر الأمير عطيفة وابنه مبارك، وخرج أخوه رميثة وأولاده إلى وادي نخلة، فلما وصل العسكر إلى مكة بعث الأمير رميثة أحد أولاده يطلب له الأمان، ولولده، فأمنوا وأتى رميثة وكفنه في يده إلى الأمير، فخلع عليه، وسلمت إليه مكة،
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
رحلة ابن بطوطة
تقليص
X
-
، وعاد العسكر إلى مصر وكان الملك الناصر رحمه الله حليماً فاضلاً فخرجت تلك الأيام من مكة قاصداً بلاد اليمن فوصلت إلى حده، " بالحاء المهمل المفتوح " وهي نصف الطريق بين مكة وجدة " بالجيم المضموم " ثم وصلت إلى جدة، وهي بلدة قديمة على ساحل البحر يقال: انها من عمارة الفرس، وبخارجها مصانع قديمة، وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد، يتصل بعضها ببعض، تفوت الاحصاء كثرة، وكانت هذه السنة قليلة المطر، وكان الماء يجلب إلى جدة على مسيرة يوم وكان الحجاج يسألون الماء من أصحاب البيوت.ا قواد تقول لي هكذا، وضربه على صدره فسقط، ووقعت عمامته عن رأسه وغضب له عبيدة وركب أيدمور يريد عسكره، فلحقه مبارك وعبيدة فقتلوه وقتلوا ولده. ووقعت الفتنة بالحرم، وكان به الأمير أحمد ابن عم الملك الناصر، ورمى الترك بالنشاب، فقتلوا امرأة قيل: إنها كانت تحرض أهل مكة على القتال، وركب من ركب من الأتراك، وأميرهم خاص ترك، فخرج إليهم القاضي والأئمة والمجاورين وفوق رؤوسهم المصاحف، وحاولوا الصلح، ودخل الحجاج مكة فأخذوا ما لهم بها وانصرفوا إلى مصر، وبلغ الخبر إلى الملك الناصر فشق عليه، وبعث العساكر إلى مكة ففر الأمير عطيفة وابنه مبارك، وخرج أخوه رميثة وأولاده إلى وادي نخلة، فلما وصل العسكر إلى مكة بعث الأمير رميثة أحد أولاده يطلب له الأمان، ولولده، فأمنوا وأتى رميثة وكفنه في يده إلى الأمير، فخلع عليه، وسلمت إليه مكة، وعاد العسكر إلى مصر وكان الملك الناصر رحمه الله حليماً فاضلاً فخرجت تلك الأيام من مكة قاصداً بلاد اليمن فوصلت إلى حده، " بالحاء المهمل المفتوح " وهي نصف الطريق بين مكة وجدة " بالجيم المضموم " ثم وصلت إلى جدة، وهي بلدة قديمة على ساحل البحر يقال: انها من عمارة الفرس، وبخارجها مصانع قديمة، وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد، يتصل بعضها ببعض، تفوت الاحصاء كثرة، وكانت هذه السنة قليلة المطر، وكان الماء يجلب إلى جدة على مسيرة يوم وكان الحجاج يسألون الماء من أصحاب البيوت.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية
ومن غريب ما اتفق لي بجدة أنه وقف على بابي سائل أعمى يطلب الماء يقوده غلام، فسلم علي وسماني باسمي وأخذ بيدي، ولم أكن عرفته قط، ولا عرفني فعجبت من شأنه ثم أمسك أصبعي بيده وقال: أين الفتخة ? وهي الخاتم وكنت حين خروجي من مكة لقيني بعض الفقراء وسألني، ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء فدفعت له خاتمي. فلما سألني عنه هذا الأعمى قلت له: أعطيته لفقير. فقال: ارجع في طلبه فإن فيه أسماء مكتوبة فيها سر من الأسرار فطال تعجبي منه ومن معرفته بذلك، والله أعلم بحاله، وبجدة جامع يعرف بجامع الآبنوس، معروف البركة يستجاب به الدعاء، وكان الأمير بها أبا يعقوب بن عبد الرزاق، وقاضيها وخطيبها الفقيه عبد الله من أهل مكة شافعي المذهب، وإذا كان يوم الجمعة واجتمع الناس للصلاة أتى المؤذن، وعد أهل جدة المقيمين بها فإن أكملوا أربعين خطب وصلى بهم الجمعة، وإن لم يبلغ عددهم أربعين صلى ظهراً أربعاً، ولا يعتبر من ليس من أهلها وإن كانوا عدداً كثيراً. ثم ركبنا البحر من جدة في مركب يسمونه الجلبة وكان لرشيد الدين الألفي اليمني الحبشي الأصل، وركب الشريف منصور ابن أبي نمي في جلبة أخرى، ورغب مني أن أكون معه فلم أفعل، لكونه كان معه في جلبته الجمال فخفت من ذلك، ولم أكن ركبت البحر قبلها وكان هنالك جملة من أهل اليمن قد جعلوا زوادهم وأمتعتهم في الجلب وهم متأهبون للسفر.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية
ولما ركبنا البحر أمر الشريف منصور أحد غلمانه أن يأتيه بعديلة دقيق، وهي نصف حمل وبطة سمن، يأخذهما من جلب أهل اليمن. فأخذهما وأتى بهما إليه، فأتاني التجار باكين، وذكروا إلى أن في جوف تلك العديلة عشرة آلاف درهم نقرة، ورغبوا مني أن أكلمه في ردها، وأن يأخذ سواها، فأتيته وكلمته في ذلك وقلت له: إن للتجار في جوف هذه العديلة شيئاً، فقال: إن كان سكراً فلا أرده إليهم، وإن كان سوى ذلك فهو لهم، ففتحوها ووجدوا الدراهم، فردها عليهم وقال لي: لو كان عجلان ما ردها وعجلان هو ابن أخيه رميثة، وكان قد دخل في تلك الأيام دار تاجر من أهل دمشق قاصداً لليمن، فذهب بمعظم ما كان فيها، وعجلان هو أمير مكة على هذا العهد، وقد صلح حاله، وأظهر العدل والفضل. ثم سافرنا في هذا البحر بالريح الطيبة يومين، وتغيرت الريح بعد ذلك وصدتنا عن السبيل التي قصدناها، ودخلت أمواج البحر معنا في المركب، واشتد الميد بالناس ، ولم نزل في أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر، فيما بين عيذاب وسواكن فنزلنا به، ووجدنا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد، وبه كثير من قشور بيض النعام مملوءة ماء فشربنا منه، وطبخنا ورأيت في ذلك المرسى عجباً، وهو خور مثل الوادي يخرج من البحر، فكان الناس يأخذون الثوب ويمسكون بأطرافه ويخرجون به، وقد امتلأ سمكاً، كل سمكة منها قدر الذراع، ويعرفونه بالبوري فطبخ منه الناس كثيراً واشتروا وقصدت إلينا طائفة من البجاة، وهم سكان تلك الأرض سود الألوان، لباسهم الملاحف الصفر، ويشدون على رؤوسهم عصائب حمراً، عرض الأصبع، وهم أهل نجدة وشجاعة، وسلاحهم الرماح والسيوف، ولهم جمال يسمونها الصهب، يركبونها بالسروج فاكترينا منهم الجمال، وسافرنا معهم في برية كثيرة الغزلان، والبجاة لا يأكلونها وهي تأنس بالآدمي ولا تنفر منه. وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حي من العرب يعرفون بأولاد كاهل، مختلطين بالبجاة، عارفين بلسانهم، وفي ذلك اليوم وصلنا إلى جزيرة سواكن، وهي على نحو ستة أميال من البر، ولا ماء بها ولا زرع ولا شجر، والماء يجلب إليها في القوارب، وفيها صهاريج يجتمع بها ماء المطر، وهي جزيرة كبيرة، وبها لحوم النعام والغزلان وحمر الوحش، والمعزى عندهم كثير والألبان والسمن ومنها يجلب إلى مكة وحبوبهم الجرجور، وهو نوع من الذرة كبير الحب يجلب منها أيضاً إلى مكة.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر سلطانها
وكان سلطان جزيرة سواكن حين وصولي إليها الشريف زيد بن أبي نمي، وأبوه أمير مكة، وأخواه أميراها بعده، وهما عطيفة ورميثة اللذان تقدم ذكرهما وصارت إليه من قبل البجاة، فإنهم أخواله ومعه عسكر من البجاة، وأولاده كاهل وعرب جهينة وركبنا البحر من جزيرة سواكن نريد أرض اليمن، وهذا البحر لا يسافر فيه بالليل لكثرة أحجاره، وإنما يسافرون فيه من طلوع الشمس إلى غروبها ويرسون وينزلون إلى البر فإذا كان الصباح صعدوا إلى المركب وهم يسمون رئيس المركب الربان ولا يزال أبداً في مقدم المركب، ينبه صاحب السكان على الأحجار ، وهم يسمونها النبات. وبعد ستة أيام من خروجنا عن جزيرة سواكن وصلنا إلى مدينة حلي " وضبط اسمها بفتح الحاء المهمل وكسر اللام وتخفيفها "، وتعرف باسم ابن يعقوب وكان من سلاطين اليمن ساكناً بها قديماً وهي كبيرة حسنة العمارة، يسكنها طائفتان من العرب، وهم بنو حرام وبنو كنانة وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع، وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة منهم الشيخ الصالح العابد الزاهد قبولة الهندي، من كبار الصالحين لباسه مرقعة وقلنسوة لبد، وله خلوة متصلة بالمسجد، فرشها الرمل، لا حصير بها ولا بساط، ولم أر بها حين لقائي له شيئاً إلا إبريق الوضوء، وسفرة من خوص النخيل فيها كسر شعير يابسة، وصحيفة فيها ملح وسعتر فإذا جاءه أحد قدم بين يديه ذلك، ويسمع به أصحابه، فيأتي كل واحد منهم بما حضر من غير تكلف شيء وإذا صلوا العصر اجتمعوا للذكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب وإذا صلوا المغرب أخذ كل واحد منهم موقفه للتنفل، فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة، فإذا صلوا العشاء الآخرة أقاموا على الذكر إلى ثلث الليل ثم انصرفوا ويعودون في أول الثلث الثالث إلى المسجد فيتهجدون إلى الصبح، ثم يذكرون إلى أن تحين صلاة الإشراق، فينصرفون بعد صلاتها ومنهم من يقيم إلى أن يصلي صلاة الضحى بالمسجد وهذا دأبهم، أبداً، ولقد كنت أردت الإقامة معهم باقي عمري، ولم أوفق لذلك والله تعالى يتداركنا بلطفه وتوفيقه.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر سلطان حلي
وسلطانها عامر بن ذؤيب من بنى كنانة، وهو من الفضلاء الأدباء الشعراء. صحبته من مكة إلى جدة، وكان قد حج في سنة ثلاثين. ولما قدمت مدينته أنزلني وأكرمني، وأقمت في ضيافته أياماً. وركبت البحر في مركب له فوصلت إلى بلدة السرجة " وضبط اسمها بفتح السين المهمل وإسكان الراء وفتح الجيم "، بلدة صغيرة يسكنها جماعة من أولاد الهلبي، وهم طائفة من تجار اليمن، أكثرهم ساكنون بصنعاء ولهم فضل وكرم وإطعام لأبناء السبيل، ويعينون الحجاج، ويركبونهم في مراكبهم، ويزودونهم من أموالهم. وقد عرفوا بذلك واشتهروا به. وكثر الله أموالهم، وزادهم من فضله، وأعانهم على فعل الخير. وليس بالأرض من يماثلهم في ذلك إلا الشيخ بدر الدين النقاش الساكن ببلدة القحمة، فله مثل ذلك من المآثر والإيثار. وأقمنا بالسرجة ليلة واحدة في ضيافة المذكورين، ثم رحلنا إلى مرسى الحادث ولم ننزل به، ثم إلى مرسى الأبواب، ثم إلى مدينة زبيد، مدينة عظيمة باليمن بينها وبين صنعاء أربعون فرسخاً، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها، ولا أغنى من أهلها، واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره. وهي برية لا شطية إحدى قواعد بلاد اليمن " وهي بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة " مدينة كبيرة كثيرة العمارة، بها النخل والبساتين والمياه، أملح بلاد اليمن وأجملها، ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور، ولنسائها الحسن الفائق الفائت، وهي وادي الخصيب الذي يذكر في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ في وصيته: " يا معاذ إذا جئت وادي الخصيب فهرول " ولأهل هذه المدينة سبوت النخل المشهورة، وذلك لأنهم يخرجون في أيام البسر والرطب في كل سبت إلى حدائق النخل، ولا يبقى بالمدينة أحد من اهلها ولا من الغرباء، ويخرج أهل الطرب أهل الأسواق لبيع الفواكه والحلاوات، وتخرج النساء ممتطيات الجمال في المحامل، ولهن مع ما ذكرناه من الجمال الفائق، الأخلاق الحسنة والمكارم. وللغريب عندهن مزية، ولا يمتعن من تزوجه كما يفعله نساء بلادنا. فإذا أراد السفر خرجت معه وودعته، وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى ان يرجع أبوه، ولا تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها. وإذا كان مقيماً فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة. لكنهن لا يخرجن عن بلدهن أبداً، ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه على أن تخرج من بلدها لم تفعل. وعلماء تلك البلاد وفقهاؤها أهل صلاح ودين وأمانة ومكارم وحسن خلق. لقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا محمد الصنعاني، والفقيه الصوفي المحقق أبا العباس الإبياني، والفقيه المحدث أبا علي الزبيدي. ونزلت في جوارهم فأكرموني وأضافوني ودخلت حدائقهم، واجتمعت عند بعضهم بالفقيه القاضي العالم أبي زيد عبد الرحمن الصوفي أحد فضلاء اليمن. ووقع عنده ذكر العابد الزاهد الخاشع أحمد بن العجيل اليمني، وكان من كبار الرجال وأهل الكرامات.كرامة: ذكروا أن فقهاء الزيدية وكبراءهم أتوا مرة إلى زيارة الشيخ أحمد بن العجيل، فجلس لهم خارج الزاوية، واستقبلهم أصحابه. ولم يبرح الشيخ عن موضعه، فسلموا عليه، وصافحهم ورحب بهم. ووقع بينهم الكلام في مسألة القدر. وكانوا يقولون أن لا قدر، وأن المكلف يخلق أفعاله. فقال لهم الشيخ فإن كان الأمر على ما تقولون فقوموا عن مكانكم هذا. فأرادوا القيام فلم يستطيعوا. وتركهم الشيخ على حالهم ودخل الزاوية. وأقاموا كذلك، واشتد بهم الحر، ولحقهم وهج الشمس، وضجوا مما نزل بهم. فدخل أصحاب الشيخ إليه وقالوا له إن هؤلاء القوم قد تابوا إلى الله، ورجعوا عن مذهبهم الفاسد، فخرج عليهم الشيخ، فأخذ بأيديهم وعاهدهم على الرجوع إلى الحق وترك مذهبهم السيء وأدخلهم زاويته، فأقاموا في ضيافته ثلاثاً وانصرفوا إلى بلادهم. وخرجت لزيارة قبر هذا الرجل الصالح، وهو بقرية يقال لها: غسانة خارج زبيد. ولقيت ولده الصالح أبا الوليد إسماعيل، فأضافني وبت عنده، وزرت ضريح الشيخ، وأقمت معه ثلاثاً. وسافرت في صحبته إلى زيارة الفقيه أبي الحسن الزيلعي، وهو من كبار الصالحين، ويقدم عليه حجاج اليمن إذا توجهوا للحج. وأهل تلك البلاد وأعرابها يعظمونه ويحترمونه[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
. فوصلنا إلى جبلة، وهي بلدة صغيرة حسنة ذات نخل وفواكه وأنهار. فلما سمع الفقيه أبو الحسن الزيلعي بقدوم الشيخ أبي الوليد استقبله وأنزله بزاويته وسلمت عليه معه. وأقمنا عنده ثلاثة أيام في خير مقام، ثم انصرفنا. وبعث معنا أحد الفقراء، فتوجهنا إلى مدينة تعز حضرة ملك اليمن " وضبط اسمها بفتح التاء المعلوة وكسر العين المهملة وزاء "، وهي من أحسن مدن اليمن وأعظمها، وأهلها ذوو تجبر وتكبر وفظاظة. وكذلك الغالب على البلاد التي يسكنها الملوك. وهي ثلاث محلات: إحداها يسكنها السلطان ومماليكه وحاشيته وأرباب دولته وتسمى باسم لا أذكره، والثانية يسكنها الأمراء والأجناد وتسمى عدينة، والثالثة يسكنها عامة الناس وبها السوق العظمى وتسمى المحالب.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر سلطان اليمن
وهو السلطان المجاهد نور الدين علي ابن السلطان المؤيد هزبر الدين داود ابن السلطان المظفر يوسف بن علي بن رسول، شهر جده برسول لأن أحد خلفاء بني العباس أرسله إلى اليمن ليكون بها أميراً، ثم استقل أولاده بالملك وله ترتيب عجيب في قعوده وركوبه. وكنت لما وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي يعثه الشيخ الفقيه أبو الحسن الزيلعي في صحبتي قصد بي إلى قاضي القضاة الإمام المحدث صفي الدين الطبري المكي، فسلمنا عليه ورحب بنا وأقمنا بداره في ضيافته ثلاثاً. فلما كان اليوم الرابع وهو يوم الخميس وفيه يجلس السلطان لعامة الناس، دخل بي عليه فسلمت عليه، وكيفية السلام عليه أن يمس الإنسان الأرض بسبابته، ثم يرفعها إلى رأسه، ويقول: أدام الله عزك. ففعلت كمثل ما فعله القاضي عن يمين الملك، وأمرني فقعدت بين يديه. فسألني عن بلادي وعن مولانا أمير المسلمين جواد الأجواد أبي سعيد رضي الله عنه، وعن ملك مصر وملك العراق وملك اللور، فأجبته عما سأل من أحوالهم، وكان وزيره بين يديه، فأمره بإكرامي وإنزالي. وترتيب قعود هذا الملك أنه يجلس فوق دكانه مفروشة مزينة بثياب الحرير، وعن يمينه ويساره أهل السلاح، ويليه منهم أصحاب السيوف والدرق، ويليهم أصحاب القسي، وبين أيديهم في الميمنة والميسرة الحاجب وأرباب الدولة وكاتب السر وأمير جندار على رأسه، والشاويشية، وهم من الجنادرة وقوف على بعد. فإذا قعد السلطان صاحوا صيحة وحدة: بسم الله. فإذا قاموا فعلوا مثل ذلك، فيعلم جميع من بالمشور وقت قيامه ووقت قعوده. فإذا استوى قاعداً كل من عادته أن يسلم عليه فسلم ووقف حيث رسم له في الميمنة أو الميسرة، لا يتعدى أحد موضعه، ولا يقعد إلا من أمر بالقعود. يقول السلطان للأمير جندار مر فلاناً يقعد، فيتقدم ذلك المأمور بالقعود عن موقفه قليلاً، ويقعد على بساط هناك بين أيدي القائمين في الميمنة والميسرة، ثم يؤتى بالطعام، وهو طعامان طعام العامة وطعام الخاصة. فأما الطعام الخاص فيأكل منه السلطان وقاضي القضاة والكبار من الشرفاء ومن الفقهاء والضيوف، وأما الطعام العام فيأكل منه سائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايخ والأمراء ووجوه الأجناد. ومجلس كل إنسان للطعام معين لا يتعداه ولا يزاحم أحد منهم أحداً. وعلى مثل هذا الترتيب سواء هو ترتيب ملك الهند في طعامه. فلا أعلم أن سلاطين الهند أخذوا ذلك عن سلاطين اليمن أم سلاطين اليمن أخذوه عن سلاطين الهند. وأقمت في ضيافة سلطان اليمن أياماً، وأحسن إلي وأركبني،[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وانصرفت مسافراً إلى مدينة صنعاء، وهي قاعدة بلاد اليمن الأولى. مدينة كبيرة حسنة العمارة، بناؤها بالآجر والجص، كثيرة الأشجار والفواكه والزرع، معتدلة الهواء طيبة الماء ومن الغريب أن المطر ببلاد الهند واليمن والحبشة إنما ينزل في أيام القيظ، وأكثر ما يكون نزوله بعد الظهر من كل يوم في ذلك الأوان. فالمسافرون عند الزوال لئلا يصيبهم المطر وأهل المدينة ينصرفون إلى منازلهم لأن أمطارها وابلة متدفقة، والمدينة مفروشة كلها. فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها. وجامع صنعاء من أحسن الجوامع، وفيه قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام. ثم سافرت منها إلى مدينة عدن، مرسى بلاد اليمن، على ساحل البحر الأعظم. والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد؛ وهي مدينة كبيرة، ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء، وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر. والماء على بعد منها، فربما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتى يصانعونهم بالمال والثياب. وهي شديدة الحر. وهي مرسى أهل الهند. تأتي إليها المراكب العظيمة من كنبايت وتانه وكولم وقالقوط وفندراينه والشاليات ومنجرور وفاكنور وهنور وسندابور وغيرها، وتجار الهند ساكنون بها، وتجار مصر أيضاً. وأهل عدن ما بين تجار وحمالين وصيادين للسمك. وللتجار منهم أموال عريضة، وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال، ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية
ذكر لي أن بعضهم بعث غلاماً له ليشتري له كبشاً، وبعث آخر منهم غلاماً له برسم ذلك أيضاً، فاتفق أنه لم يكن بالسوق في ذلك اليوم إلا كبش واحد. فوقعت المزايدة فيه بين الغلامين، فأنهى ثمنه إلى أربعمائة دينار. فأخذه أحدهما وقال: إن رأس مالي أربعمائة دينار، فإن أعطاني مولاي ثمنه فحسن، وإلا دفعت فيه رأس مالي ونصرت نفسي وغلبت صاحبي، وذهب الكبش إلى سيده بالقضية أعتقه وأعطاه ألف دينار، وعاد الآخر إلى سيدة خائباً فضربه وأخذ ماله ونفاه عنه. ونزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الدين الفأري. فكان يحضر طعامه كل ليلة نحو عشرين من التجار. وله غلمان وخدام أكثر من ذلك. مع هذا كله فهم أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق، يحسنون إلى الغريب ويؤثرون الفقير ويعطون حق الله من الزكاة على ما يجب، ولقيت بهذه المدينة قاضيها الصالح سالم بن عبد الله الهندي، وكان والده من العبيد الحمالين. واشتغل ابنه بالعلم، فرأس وساد. وهو من خيار القضاة وفضلائهم. أقمت في ضيافته أياماً، وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيام، ووصلت إلى مدينة زيلع وهي مدينة البرابرة، وهم طائفة من السودان شافعية المذهب، وبلادهم صحراء مسيرة شهرين. أولها زيلع، وآخرها مقدشو. ومواشيهم الجمال، وهي أغنام مشهورة السمن. وأهل زيلع سود الألوان، وأكثرهم رافضة. وهي مدينة كبيرة لها سوق عظيمة، إلا أنها أقذر مدينة في المعمور وأوحشها وأكثرها نتناً. وسبب نتنها كثرة سمكها ودماء الإبل التي ينحرونها في الأزقة. ولما وصلنا إليها اخترنا المبيت بالبحر على شدة هوله، ولم نبت بها لقذرها. ثم سافرنا منها في البحر خمس عشرة ليلة ووصلنا مقدشو " وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم وإسكان الواو "، وهي مدينة متناهية في الكبر، وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين في كل يوم. ولهم أغنام كثيرة، وأهلها تجار أقوياء، وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها التي لا نظير لها. ومنه تحمل إلى ديار مصر وغيرها. ومن عادة أهل هذه المدينة أنه متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابق، وهي القوارب الصغار إليه. ويكون في كل صنبوق جماعة من شبان أهلها، فيأتي كل واحد منهم بطبق مغطى فيه الطعام، فيقدمه لتاجر من تجار المركب، ويقول: هذا نزيلي. وكذلك يفعل كل واحد منهم. ولا ينزل التاجر من المركب إلا إلى دار نزيله من هؤلاء الشبان إلا ما كان كثير التردد إلى البلد، وحصلت له معرفة أهله، فإنه ينزل حيث شاء. فإذا نزل عند نزيله باع له ما عنده واشترى له، ومن اشترى منه ببخس أو باع منه بغير حضور نزيله، فذلك البيع مردود عندهم. ولهم منتفعة في ذلك. ولما صعد الشبان إلى المركب الذي كنت فيه جاء إلي بعضهم فقال له أصحابي: ليس هذا بتاجر، وإنما هو فقيه. فصاح بأصحابه وقال لهم: هذا نزيل القاضي، وكان فيها أحد أصحاب القاضي فعرفه بذلك، فأتى إلى ساحل البحر في جملة من الطلبة،[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وبعث إلي أحدهم. فنزلت أنا وأصحابي وسلمت على القاضي وأصحابه، وقال لي: بسم الله نتوجه للسلام على الشيخ. فقلت: ومن الشيخ ? فقال: السلطان. وعادتهم أن يقولوا للسلطان الشيخ. فقلت له: إذا نزلت توجهت إليه. فقال لي: إن العادة إذا جاء الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتى يرى السلطان فذهبت معهم إليه كما طلبوا.
ذكر سلطان مقديشو
وسلطان مقديشو كما ذكرناه، إنما يقولون له الشيخ، واسمه أبو بكر ابن الشيخ عمر. وهو في الأصل من البرابرة، وكلامه بالمقدشي، ويعرف اللسان العربي. ومن عوائده أنه متى وصل مركب، يصعد إليه صنبوق السلطان، فيسأل عن المركب من أين قدم ومن صاحبه ومن ربانه وهو الرئيس وما وسقه ومن قدم فيه من التجار وغيرهم، فيعرف بذلك كله، ويعرض على السلطان. فمن استحق أن ينزل عنده أنزله. ولما وصلت مع القاضي المذكور، وهو يعرف بابن البرهان، المصري الأصل، إلى دار السلطان، خرج بعض الفتيان فسلم على القاضي، فقال له: بلغ الأمانة. وعرف مولانا الشيخ أن هذا الرجل قد وصل من أرض الحجاز. فبلغ، ثم عاد وأتى بطبق فيه أوراق التنبول والفوفل، فأعطاني عشر أوراق مع قليل من الفوفل، وأعطى للقاضي كذلك، وأعطى لأصحابي ولطلبة القاضي ما بقي في الطبق، وجاء بقمقم من ماء الورد الدمشقي، فسكب علي وعلى القاضي، وقال: إن مولانا أمر أن ينزل بدار الطلبة، وهي دار معدة لضيافة الطلبة. فأخذ القاضي بيدي، وجئنا إلى تلك الدار، وهي بمقربة من دار الشيخ. مفروشة مرتبة بما تحتاج إليه. ثم أتي بالطعام من دار الشيخ، ومعه أحد وزرائه، وهو الموكل بالضيوف، فقال: مولانا يسلم عليكم، ويقول لكم قدمتم خير مقدم، ثم وضع الطعام، فأكلنا. وطعامهم الأرز المطبوخ بالسمن، يجعلونه في صفحة خشب كبيرة، ويجعلون فوقه صحاف الكوشان، وهو الإدام من الدجاج واللحم والحوت والبقول. ويطبخون الموز قبل نضجه في اللبن الحليب، ويجعلونه في صحفة، ويجعلون اللبن المروب في صحفة، ويجعلون عليه الليمون المصبر وعناقيد الفلفل المصبر المخلل والمملوح والزنجبيل الأخضر والعنب، وهي مثل التفاح ولكن لها نواة، وهي إذا نضجت شديدة الحلاوة، وتؤكل كالفاكهة، وقبل نضجها حامضة كالليمون يصبرونها في الخل. وهم إذا أكلوا لقمة من الأرز أكلوا بعدها من هذه الموالح والمخللات.
والواحد من أهل مقديشو يأكل قدر ما تأكله الجماعة منا عادة لهم. وفي نهاية من ضخامة الأجسام وسمنها. ثم لما طعمنا انصرف عنا القاضي. وأقمنا ثلاثة أيام، يؤتى إلينا بالطعام ثلاث مرات في اليوم، وتلك عادتهم.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وأتوني بكسوة. وكسوتهم فوطة خز يشدها الإنسان في وسطه عوض السراويل، فإنهم لا يعرفونها، ودراعة من المقطع المصري معلمة، وفرجية من القدسي مبطنة، وعمامة مصرية معلمة. وأتوا لأصحابي بكسى تناسبهم. وأتينا الجامع. فصلينا خلف المقصورة. فلما خرج الشيخ من باب المقصورة، سلمت عليه مع القاضي فرحب وتكلم بلسانهم مع القاضي، ثم قال باللسان العربي: قدمت خير مقدم وشرفت بلادنا وآنستنا. وخرج إلى صحن المسجد فوقف على قبر والده، وهو مدفون هنالك، فقرأ ودعا. ثم جاء الأمراء والوزراء ووجوه الأجناد فسلموا. وعادتهم في السلام كعادة أهل اليمن. يضع سبابته في الأرض ثم يجعلها على رأسه، ويقول: أدام الله عزك. ثم خرج الشيخ من باب المسجد، فلبس نعليه، وأمر القاضي أن ينتعل، وأمرني أن أنتعل، وتوجه إلى منزله ماشياً، وهو بالقرب من المسجد، ومشى الناس كلهم حفاة. ورفعت فوق رأسه أربع قباب من الحرير الملون، وعلى أعلى كل قبة صورة طائر من ذهب. وكان لباسه في ذلك اليوم فرجية قدسي أخضر، وتحتها من ثياب مصر وطروحاتها الحسان. وهو متقلد بفوطة حرير. وهو معتم بعمامة كبيرة. وضربت بين يديه الطبول والأبواق والأنفار. وأمراء الأجناد أمامه وخلف. والقاضي والفقهاء والشرفاء معه. ودخل إلى مشوره على تلك الهيئة. وقعد الوزراء والأمراء ووجوه الأجناد في سقيفة هنالك. وفرش للقاضي بساط لا يجلس معه غيره عليه، والفقهاء والشرفاء معه. ولم يزالوا كذلك إلى صلاة العصر. فلما صلوا العصر مع الشيخ، أتى جميع الأجناد، ووقفوا صفوفاً على قدر مراتبهم. ثم ضربت الأطبال والأنفار والأبواق والصرنايات، وعند ضربها لا يتحرك أحد، ولا يتزحزح من مقامه، ومن كان ماشياً وقف، فلم يتحرك إلى خلف ولا إلى أمام، فإذا فرغ من ضرب الطبلخانة سلموا بأصابعهم كما ذكرناه، وانصرفوا. وتلك عادة لهم في كل يوم جمعة. وإذا كان يوم السبت يأتي الناس إلى باب الشيخ فيقعدون في سقائف خارج الدار، ويدخل القاضي والفقهاء والصالحون والمشايخ والحجاج إلى المشور الثاني، فيقعدون على دكاكين خشب معدة لذلك، ويكون القاضي على دكانه وحده، وكل صنف على دكانه تخصهم، لا يشاركهم فيها سواهم. ثم يجلس الشيخ بمجلسه، ويبعث إلى القاضي فيجلس عن يساره، ثم يدخل الفقهاء فيقعد كبراؤهم بين يديه، وسائرهم يسلمون وينصرفون، ثم يدخل الشرفاء، فيقعد كبراؤهم بين يديه، ويسلم سائرهم وينصرفون. وإن كانوا ضيوفاً جلسوا عن يمينه، ثم يدخل المشايخ والحجاج، فيجلس كبراؤهم ويسلم سائرهم وينصرفون. ثم يدخل الوزراء ثم الأمراء ثم وجوه الأجناد، طائفة بعد طائفة أخرى، فيسلمون وينصرفون. ويؤتى بالطعام، فيأكل بين يدي الشيخ القاضي والشرفاء ومن كان قاعداً بالمجلس، ويأكل الشيخ معهم. وإن أراد تشريف أحد من كبار أمرائه بعث إليه فأكل معهم. ويأكل سائر الناس بدار الطعام، وأكلهم على ترتيب مثل ترتيبهم في الدخول على الشيخ. ثم يدخل الشيخ إلى داره، ويقصد القاضي والوزراء وكاتب السر وأربعة من كبار الأمراء للفصل بين الناس وأهل الشكايات، فما كان متعلقاً بالأحكام الشرعية حكم فيه القاضي، وما كان من سوى ذلك حكم فيه أهل الشورى، وهم الوزراء والأمراء. وما كان مفتقراً إلى مشاورة السلطان كتبوا إليه، فيخرج لهم الجواب من حينه على ظهر البطاقة بما يقتضيه نظره وتلك عادتهم.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ثم ركبت من مدينة مقديشو متوجهاً إلى بلاد السواحل قاصداً مدينة كلوا من بلاد الزنوج. فوصلنا إلى جزيرة منبسى " وضبط اسمها ميم مفتوح ونون مسكن وباء موحدة مفتوحة وسين مهمل مفتوح وياء "، وهي كبيرة، بينها وبين أرض السواحل مسيرة يومين في البحر. ولا بر لها. وأشجارها: الموز والليمون والأترج. ولهم فاكهة يسمونها الجمون، وهي شبه الزيتون، ولها نوى كنواه، إلا أنها شديدة الحلاوة. ولا زرع عند أهل هذه الجزيرة، وإنما يجلب اليهم من السواحل. وأكثر طعامهم الموز والسمك. وهم شافعية المذهب أهل دين وعفاف وصلاح، ومساجدهم من الخشب محكمة الإتقان، وعلى كل باب من أبواب المساجد البئر والثنتان. وعمق آبارهم ذراع أو ذراعان، فيستقون منها الماء بقدح خشب، قد غرز فيه عود رقيق في طول الذراع. والأرض حول البئر والمسجد مسطحة، فمن أراد دخول المسجد غسل رجليه ودخل. ويكون على بابه قطعة حصير غليظ يمسح بها رجليه. ومن أراد الوضوء أمسك القدح بين فخذيه وصب على يديه. ويتوضأ. وجميع الناس يمشون حفاة الأقدام. وبتنا بهذه الجزيرة ليلة، وركبنا البحر إلى مدينة كلوا " وضبط اسمها بضم الكاف واسكان اللام وفتح الواو "، وهي مدينة عظيمة ساحلية، وأكثر أهلها الزنوج المستحكمو السواد. ولهم شرطات في وجوههم، كما هي في وجوه الليميين من جنادة. وذكر لي بعض التجار أن مدينة سفالة على مسيرة نصف شهر من مدينة كلوا، وأن بين سفالة ويوفي من بلاد الليميين مسيرة شهر، ومن يوفي يؤتى بالتبر إلى سفالة. ومدينة كلوا من أحسن المدن وأتقنها عمارة، وكلها بالخشب. وسقف بيوتها الديس. والأمطار بها كثيرة. وهم أهل جهاد لأنهم في بر واحد مع كفار الزنوج. والغالب عليهم الدين والصلاح، وهم شافعية المذهب.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر سلطان كلوا
وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفر حسن. ويكنى أيضاً أبا المواهب، لكثرة مواهبه ومكارمه. وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج، يغير عليهم ويأخذ الغنائم، فيخرج خمسها ويصرفه في مصارفه المعينة في كتاب الله تعالى، ويجعل نصيب ذوي القربى في خزانة على حدة. فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم. وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها. ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة منهم محمد بن جماز ومنصور بن لبيدة ابن أبي نمي ومحمد بن شميلة ابن أبي نمي. ولقيت بمقديشو أتيل بن كيش بن جماز، وهو يريد القدوم عليه. وهذا السلطان له تواضع شديد، ويجلس مع الفقراء ويأكل معهم، ويعظم أهل الدين والشرف.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
يوم جمعة وقد خرج من الصلاة قاصداً إلى داره، فتعرض له أحد الفقراء اليمنيين فقال له: أبا المواهب، فقال: لبيك يا فقير ما حاجتك ? قال: أعطني هذه الثياب التي عليك. فقال له: نعم، أعطيكها. قال: الساعة، قال: نعم، الساعة. فرجع إلى المسجد ودخل بيت الخطيب فلبس ثياباً سواها، وخلع تلك الثياب، وقال للفقير: أدخل فخذها، فدخل الفقير وأخذها وربطها في منديل وجعلها فوق رأسه وانصرف. فعظم شكر الناس للسلطان على ما ظهر من تواضعه وكرمه، وأخذ ابنه ولي عهده تلك الكسوة من الفقير وعوضه عنها بعشرة من العبيد. وبلغ السلطان ما كان من شكر الناس له على ذلك فأمر للفقير أيضاً بعشرة رؤوس من الرقيق وحملين من العاج. ومعظم عطاياهم من العاج، وقلما يعطون الذهب.
ولما توفي هذا السلطان الفاضل الكريم رحمة الله عليه، ولي أخوه داود. فكان على الضد، إذا أتاه سائل يقول له: مات الذي كان يعطي، ولم يترك من بعده ما يعطي. ويقيم الوفود عنده الشهود الكثيرة، وحينئذ يعطيهم القليل، حتى انقطع الوافدون عن بابه.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
تعليق