إن جيل أصحابة رضوان الله عليهم أفضل أجيال الإسلام بل أفضل أجيال البشرية ماعدا الأنبياء إنهم جيل فريد حقا اختارهم الله لنبيه كما ذكر ذالك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كيف ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجيل كيف تعامل معهم كيف رفعهم من خلال التوجيهات القرآنية إلى مراتب عاليه فأصبحوا نماذج يتقدى بها نماذج واقعيه ليست خياله ففيهم الفقهاء والعلماء والقادة العسكريين والقادة الإداريين وكلهم قد تربوا بالجهد والجهاد والمعاناة والصبر وإذا كان من الصعب أن يتكرر ذالك الجيل فإن الواجب يقتضي معرفة مكامن عظمتهم وأسباب أفضليتهم ومحاوله التأسي بهم فلقد انتفعت بهم البشرية نفعا عظميا فكل خير إلى يوم القيامة فللصحابة أجر فيه فهم الذين نشروا الإسلام وبلغوه إلى الناس .
نماذج من هذه التربية
أولا:
كان العربي من أسرع الناس غضبا لنفسه ولأسرته ولقبيلته وكان من السهل تقوم حروب ودماء بسب كلمه أو غلطة فهو يأنف أن يؤذي أو يهان وهذه خصلة طيبه ولكن الدعوة وخاصة في أول أمرها تتطلب نوعا من الأشخاص فيه رسوخ وهدوء يفكر ويخطط ولا يستجيب لردود الأفعال فمازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدربهم على الصبر والأناة والحلم حتى هدأت نفوسهم وأصبحوا طوع أمر الله وأمر رسوله وفي بيئة مثل مكة كان من السهل أن يفجر المسلمون مشكله في كل بيت ويمكن تتسع هذا المشكلة وتفشل خطة الدعوة في التجميع والتربية والإعداد ولكن انضباط الصحابة جعل الأمور تسير كما خطط لها قدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوذي من قبل سفهاء قريش وعاد إلى منزله ولم تظلم الدنيا في عينيه وتسرع فاطمة رضي الله عنها تبكي وتغسل رأس أبيها وتسب سفهاء قريش فيقول لها صلى الله عليه وسلم (لا تبك فإن الله منع أبيك ))
هذه التربية هي التي جعلت المسلمين ينتقلون من مرحلة لأخرى بهدوء أعصاب وروية فكر‘ بعيدا عن الأعمال الهوجاء والتسرع غير المنضبط . ؟
ثانيا:
من ملامح الشخصية العربية أنها شديد الفردية لم تتعود على الأعمال الجماعية الكبيرة أو التعاون المنظم وعلى رأس ذالك الدولة وقد افتخر العربي عند كسرى بأنه لا يملكهم أحد أي ليس عندهم دوله وهذه الفردية تكونت نتيجة عوامل كثيرة ومنها الأنفة من الخضوع (وهذه إيجابية في أحد جوانبها )واليوم نلاحظ هذا الظاهرة عندما ابتعد كير من الناس عن هدي الإسلام ومنهجه في التعاون والتآلف فنرى العربي أو المسلم بشكل عام ينجح فردا أكثر مما ينجح جماعه ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة على الألفة والمحبة وشدد في ذلك ودربهم على التعاون والاجتماع حتى وصلوا إلى درجه عاليه جدا وهي(المؤاخاة ) وكل هذا بتأييد من الله سبحانه وتعالى((لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف)) ووصل المسلمون إلى أرقى أنواع العمل الجماعي حين كلف عثمان رضي الله جماعة خاصة لكتابة المصحف وتوحيد المسلمين عليه وكانت هذا الجماعة مؤلفة من زيد بن ثابت ؛عبدالله بن الزبير‘سعيد ابن العاص ‘وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام )وبهذه العقلية الجماعية وهذا التربية أطاع المسلمون الخلفاء الراشدين دينا وليس لرهبة أو رغبه وهذه من أعظم مزايا الخلافة الراشدة ولم تعد القبيلة هي المحور عند العربي ولاهي الوحدة السياسية الاجتماعية لقد نقلهم رسول الله صلى عليه وسلم إلى مفهوم الأمة وهي نقله بعيده جدا فالانتماء هنا إلى العقيدة وحمل الرسالة والانتساب إلى أمه عميقة الجذور إلى إبراهيم وسلسلة الأنبياء عليهم السلام وأصبح الشرف والانتساب إلى الأسماء الشرعية (مسلم مؤمن مهاجر وأنصاري وبقيت القبيلة وحدة اجتماعية للحفاظ على النسب وصلة الأرحام)
ثالثا:
كان الصحابة ككل البشرية يختلفون في طبائعهم وجبلا تهم المركوزة فيهم استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الاختلاف ليوجهه الوجهة السليمة ولم يحاول تغيير تلك الطبائع ليجعلها نسخة واحدة مكررة فأبو بكر يختلف عن عمر وعمر يختلف عن عثمان وعثمان عن علي رضي الله عنهم أجمعين والمعروف عن عثمان رضي الله عنه أنه كان حييا وهي صفة حسنه الحياء من الأيمان وبعض الناس يعتبرها منقصه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي هذا الصفة في تعامله مع عثمان فقد جاء في صحيح مسلم ( أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما استأذنا على رسول الله وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لهما وقضى حاجتهما ثم استأذن عثمان فأذن له وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك وجلس وقضى حاجته وانصرف فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إن عثمان رجل حيي؛ وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته ...؟)
وفي حديث الجاريتين التين كانتا تضربان الدف عند رسول الله في عيد؛
(فلما دخل عمر رضي الله هربتا ؛ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن الشيطان ليفرق منك يا عمر) إن شخصية عمر قويه مهيبة واكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبسم ولا يعني هذا أن موقف عمر أفضل من رسول الله صلى عليه وسلم (معاذ الله ) ولكن الرسول كما يعلل ابن تيمية كان رحيما بالخلق فله منزله عاليه غير منزله الصحابة أما الذي يريدون من أتباعهم نسخه فهذه تربيه فاشلة مخالفة لطبائع الأشياء
رابعا :
قد يملك الإنسان من المواهب ما لا يملكه غيره والأصل في التربية أن تشجع هذا المواهب وأن تحيطها بالعناية والتوجيه حتى لا تصقل ويستفيد منها الجميع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم عن شخصيات الصحابة وميزاتهم ومواهبهم وكان يمدح ما عند كل واحد منهم ويطلب من المسلمين الاستفادة من هذا الفروق ؛عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أرحم أمتي بأمتي أبي بكر وأشدهم في أمر الله عمر أصدقهم حيا عثمان بن عفان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل أمه أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت تعلم السريانية حتى يترجم له ما يأتي من رسائل فتعلمها في خمسة عشر يوم واكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم المواهب القيادية عند خالد بن الوليد فأمره على السرايا والجيوش بعد إسلامه مباشره وقال عنه سيف من سيوف الله ولم ينتظر أن يبلغ من العلم مبلغ معاذ أو عبدالله بن مسعود ويهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الشباب فقد بعث بعد بيعة العقبة بمصعب بن عمير إلى المدينة وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام وبعث معاذ بن جبل قاضيا إلى الجند من مقاطعات اليمن وجعل إليه قبض الصدقات (الزكاة ) من المال الجباه باليمن وقد شهد معاذ بدر وهوا بن إحدى وعشرين سنه وستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم بن زيد الخز رجي وهو بن سبع عشرة سنه ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وبعد فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهلها عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وقد أسلم يوم الفتح وكان عمره نيفا وعشرين سنه وبقيت هذه العلاقة الطيبة بين الشيوخ والشباب في عهد الخلفاء الراشدين فتقديم عمر رضي الله عنه لابن عباس في مجالسه ومشورته مشهور معروف وإن من أسباب حيوية المجتمع وترقيه وجود هذا العلاقة التي يجب ألا تنقطع وعندما تفسد يقع الاختلاط الذي لا تحمد عقابه وهذا أمر بدهي فالشباب يمتلكون الحيوية ثانيا : من ملامح الشخصية العربية أنها شديدة الفردية لم تتعود على والنظر في العواقب والتجربة الطويلة فإذا اجتمع هذا وذالك كان في ذالك
يتبع...
تعليق