هل في النساء نبيات؟
للأسف فإن البعض ينقل دون أن يعي ما ينقل ولا ما يقال. ودون أن يطلع على ما قاله الخصم.
وصدق الذهبي في قوله: الإنصاف عزيز!
تعريف النبوة:-
ورد تعريف النبي في "القاموس المحيط" للفيروز أبادي كما يلي: «النَّبيُّ: النَّبِيءُ، وهو صاحب النُّبوَّة المُخْبر عن اللّه عزّ وجلّ».
و جاء في "القاموس الوسيط": «النَّبِيءُ: المخبر عن الله عز وجل [وتبدل الهمزة ياءً وتدغم فيقال: النبيّ]. و النُبُوْءَة اسم من النبيءِ وهي الإخبار عن اللَّه. ويقال النبوَّة بالقلب والإدغام».
و جاء في "لسان العرب" : الـمُخْبِر عن اللّه، عز وجل، مَكِّيَّةٌ، لأَنه أَنْبَأَ عنه، وهو فَعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ. قال ابن بري: صوابه أَن يقول فَعِيل بمعنى مُفْعِل مثل نَذِير بمعنى مُنْذِر وأَلِيمٍ بمعنى مُؤْلِمٍ. وفي النهاية: فَعِيل بمعنى فاعِل للمبالغة من النَّبَإِ الخَبَر، لأَنه أَنْبَأَ عن اللّه أَي أَخْبَرَ. قال: ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه. يقال نَبَأَ ونَبَّأَ وأَنـْبَأَ. قال سيبويه: ليس أَحد من العرب إلاّ ويقول تَنَبَّأَ مُسَيْلِمة، بالهمز، غير أَنهم تركوا الهمز في النبيِّ كما تركوه في الذُرِّيَّةِ والبَرِيَّةِ والخابِيةِ، إلاّ أَهلَ مكة، فإنهم يهمزون هذه الأَحرف ولا يهمزون غيرها، ويُخالِفون العرب في ذلك. قال: والهمز في النَّبِيءِ لغة رديئة، يعني لقلة استعمالها، لا لأَنَّ القياس يمنع من ذلك. أَلا ترى إلى قول سيِّدِنا رسولِ اللّه r: وقد قيل يا نَبِيءَ اللّه، فقال له: لا تَنْبِر باسْمي، فإنما أَنا نَبِيُّ اللّه. وفي رواية: فقال لستُ بِنَبِيءِ اللّه ولكنِّي نبيُّ اللّه (لم يصح الحديث). وذلك أَنه، عليه السلام، أَنكر الهمز في اسمه فرَدَّه على قائله لأَنه لم يدر بما سماه، فأَشْفَقَ أَن يُمْسِكَ على ذلك، وفيه شيءٌ يتعلق بالشَّرْع، فيكون بالإِمْساك عنه مُبِيحَ مَحْظُورٍ أَو حاظِرَ مُباحٍ. والجمع: أَنْبِئَاءُ ونُبَآءُ. قال العَبَّاسُ بن مِرْداسٍ:
يا خاتِمَ النُّبَآءِ، إنَّكَ مُرْسَلٌ * بالخَيْرِ، كلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُداكا
إنَّ الإلهَ ثَنَى عليك مَحَبَّةً * في خَلْقِه، ومُحَمَّداً سَمَّاكا
قال الجوهري: يُجْمع أَنْبِيَاء، لأَن الهمز لما أُبْدِل وأُلْزِم الإِبْدالَ جُمِعَ جَمْعَ ما أَصلُ لامه حرف العلة كَعِيد وأَعْياد، على ما نذكره في المعتل. قال الفرَّاءُ: النبيُّ: هو من أَنـْبَأَ عن اللّه، فَتُرِك هَمزه. قال: وإن أُخِذَ من النَّبْوةِ والنَّباوةِ، وهي الارتفاع عن الأَرض، أَي إِنه أَشْرَف على سائر الخَلْق، فأَصله غير الهمز. وقال الزجاج: القِرَاءَة المجمع عليها، في الـنَّبِيِّين والأَنـْبِياء، طرح الهمز، وقد همز جماعة من أَهل المدينة (نافع) جميع ما في القرآن من هذا. واشتقاقه من نَبَأَ وأَنْبَأَ أَي أَخبر. قال: والأَجود ترك الهمز؛ وسيأْتي في المعتل. ومن غير المهموز: حديث البَراءِ. قلت: ورَسُولِكَ الذي أَرْسَلْتَ، فردَّ عَليَّ وقال: ونَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ. قال ابن الأَثير: إنما ردَّ عليه ليَخْتَلِفَ اللَّفْظانِ، ويجمع له الثناءَ بين معنى النُّبُوَّة والرِّسالة، ويكون تعديداً للنعمة في الحالَيْن، وتعظيماً لِلمِنَّةِ على الوجهين. والرَّسولُ أَخصُّ من النبي، لأَنَّ كل رسول نَبِيٌّ وليس كلّ نبيّ رسولاً». انتهى.
الفرق بين النبي والرسول:-
تبين مما سبق إجماع أهل اللغة أن كلمة النبي (أو النبيء) جاءت في لغة العرب من الإنباء، وهو الإعلام. فالنبي هو الـمُخْبِر عن الله عز وجل، ومعنى النبوة أن ينبئ الله عز وجل من يشاء من عباده بوحيٍ يُعلمه بما يكون قبل أن يكون أو يُنبئه بأمر ما. ومعنى الرسالة هو أن يرسل الله من يشاء من عباده بنبأ من عنده إلى من شاء من خلقه. فالرسول لا بد أن يكون نبياً لأنه بحمله لهذه الرسالة، يحتاج أن يُخبِر ويُنبئ عن الله عز وجل. وهذا كله لا خلاف فيه بين أهل اللغة. وأما أن الله أرسل الأنبياء أيضاً، فلا يخفى أن إطلاق الجزء وإرادة الكل هو من أساليب البلاغة العربية. ولذلك لا ينكر أحد كون بعض الأنبياء أرسلوا. وليس إثبات هذا، نفيٌ لوجود أنبياء لم يُرسلوا. وقد وجدنا أن ابن تيمية قد عرّف النبوة بما يوافق التعريف اللغوي، مع بعض التفصيل حول إلى من ستكون الرسالة.
قال ابن تيمية في "النبوات" (ص184): «فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو يُنبئ بما أنبأ الله به. فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه، فهو رسول. وأما إذا كان إنما يعمل بشريعة قبله و لم يُرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي وليس برسول. قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}. وقوله: {من رسول ولا نبي} فذكر إرسالا يعم النوعين، وقد خص أحدهما بأنه رسول. فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح، وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض، وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس، وقبلهما آدم كان نبيا مكلما. قال ابن عباس: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام". فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه، ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم. كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول. وكذلك أنبياء بني إسرائيل، يأمرون بشريعة التوراة، وقد يُوحى إلى أحدهم وحيٌ خاصٌ في قصة معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهّمه الله في قضية معنى يطابق القرآن».
فميزة الرسول على النبي، أنه أُرسِلَ إلى قومٍ غير مسلمين (سواء بشرعٍ قديمٍ أو جديد). ولهذا لم تأت كلمة التكذيب إلا في تكذيب الرسل، لأنهم يرسلون إِلَى قوم كافرين فيكذبونهم. فالنبي لا بُدّ أن يكون على شريعة رسولٍ قبله. وكل من أتى بشريعة جديدة فهو رسول، لكن هذا ليس شرطاً للرسالة، فقد يحكم الرسول بشريعة غيره، مثل يوسف عليه السلام، والمهم أنه أرسل إلى قوم كفار. قال ابن تيمية في "النبوات" (ص185): «فقوله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} دليلٌ على أن النبي مرسلٌ، ولا يُسمى رسولاً عند الإطلاق لأنه لم يُرسل إلى قومٍ بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حقٌ كالعِلم. ولهذا قال النبي (r): "العلماء ورثة الأنبياء". وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة، فإن يوسف كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم».
ويمكن أن نقتصر في بيان الفرق بين الرسول والنبي بأن: الرسول من يرسل إلى قوم كفار مخالفين له، والنبي من يرسل إلى قوم مؤمنين موافقين له. والله تعالى أعلم. ويترتب على الفرق بين النبي والرسول فروقات مثل: أن النبي لا يُعصم من أيدي الناس (ومن ذلك قتل اليهود بعض أنبيائهم)، و الرسول يعصمه الله من الناس، فلا يُقتل حتى يبلّغ رسالته كاملة.
يتبع....
تعليق