معاني اسم الله الفتّاح
ومعنى اسم الله (الفتّاح): كثير الفتح على عباده, وبيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق.
والفتّاح هو الحاكم والقاضي, يفتح مواضع الحق ويحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون, وهو خير الفاتحين عز وجل, وقد قال نوح عليه السلام يطلب الفتح من ربه بينه وبين قومه: { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(سورة الشعراء: 117 – 118),
وفي آية أخرى: { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (سورة الأعراف: 89),
وهو الذي يفتح على عباده المؤمنين بالنصر كما قال سبحانه: { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (سورة المائدة: 52),
وهو الذي فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية الذي جاء من بعده الخير الكثير للمسلمين, فأنزل الله على نبيه: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (سورة الفتح: 1),
وهو سبحانه يفتح أبواب الرزق لمن يشاء, { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(سورة فاطر: 2)
فتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة, وفتح لهم خزائن جوده وكرمه، فما يأتيهم من مطر، أو رزق، فلا يقدر أحد أن يمنعه, وما يمسك سبحانه وتعالى ويمنع، فلا يستطيع أحد أن يرسله, فعنده الخزائن وبيده الخير, وهو الجواد المنان الفتّاح, يفتح ما انغلق من الأمور والأحوال, فييسرها منه كرماً, ويتفضل بقضاء الحوائج وتفريج الكربات, ويذهب ضيق النفس وضيق الجهل وضيق الفقر, فبعنايته تنفتح المغاليق, وبهداه تنفتح المشكلات, وبتيسيره تنفتح الصعوبات والكربات.
يفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق, { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } (سورة هود: 88),
فيسهّل لهم سبل الخير والطاعة, وييسرها عليهم, ويهديهم إليها ويسوقهم لها, وهكذا بحوله وقوته لا بحولهم وقوتهم,
ومن أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم في التوراة وصفته فيها ما ورد بأنه: (( لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء, ويفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً)) رواه البخاري(2018)،
فأشرقت الأرض برسالته بعد الظلمات, وتألفت به قلوب المسلمين بعد الشتات, صلوات الله وسلامه عليه.
كانت قلوب هي كالحجارة بل أشد, أشد قسوة فلانت, وعقول بها أنواع المغاليق من الشرك والكفر والجاهلية فاستنارت, وبقي أناس في الجاهلية لا يبصرون, { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} (سورة الأعراف:179),
فهم لا يفهمون الحق ولا يرون الحق, ولا يسمعون الحق, فجاء الله سبحانه للمسلمين بفرقان,
قال المقداد: "والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي, ما يرون, -يعني أهل الجاهلية-, ديناً أفضل من عبادة الأوثان, فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان؛ ليعلم أنه قد هلك من دخل النار" (الأدب المفرد:87), وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
ومن الفتوحات ما يفتح الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سجد تحت العرش يطلب الشفاعة من ربه في فصل القضاء بين العباد, وقد بلغ بالناس ما بلغ من الكربات في ذلك اليوم,
قال عليه الصلاة والسلام: ((فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن, فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجداً فيقول: يا محمد ارفع رأسك, وقل يسمع لك, وسل تعط واشفع تشفع))، رواه البخاري(7072)،
فيفتح الله عليه من أسمائه ما لا يعلمه إنسان, ومن المحامد ما لم تدركه العقول, فيسأله بها فيعطيه, وذلك المقام المحمود الذي يحمده عليه كل الخلائق.
ومن الفتوحات ما يفتح الله به من البلاد على المسلمين, وينصرهم على أهل الشرك, وهكذا فتح للصحابة جزيرة العرب بأكملها, وكذلك فتح عليهم فارس والروم, فما أعظمه من فتح, وقد دخلت جيوشهم بلاد مصر ففتحتها أيضاً، وهكذا لا يزال المسلمون بعدهم من فتح إلى فتح حتى اتسعت رقعة مملكة الإسلام فصارت إلى ما ترى.
يتبع...
تعليق