بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد أما بعد:
فهذا بحيث في بيان الحديث الضعيف وحكم العمل به، فأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه، وأن يجعله في موازين حسناتنا. إنه جواد كريم.
أقول وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل:
اعلم رحمني الله وإياك أن الحديث عند أهل الاصطلاح ينقسم من حيث القبول والرد الى قسمين( مقبول ومردود) والمقبول هو الصحيح بنوعيه(لذاته ولغيره) والحسن بنوعيه(لذاته ولغيره)، والمردود هو الضعيف وهو أقسام عدة.
والحديث الضعيف أو المردود: هو ضد المقبول وهو ما ترجح عدم صدق المخبر به.
وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول، وهذا أحسن التعريفات و أخصرها و أسلمها من الاعتراضات.
وهو أنواع كثيرة، ناشئة عن اختلال شروط القبول، وهذا الاختلال إما أن يكون في أحد أمرين:
1- الراوي.
2- السند أو الإسناد.
فإن كان في الأول(الراوي) فيكون بأحد أمرين:
(1)- الطعن في عدالة الراوي: بأن يكون الراوي كذابا أو متهما بالكذب، أو فاسقا، أو صاحب بدعة، أو مجهولا، لا تعرف عينه أو حاله(يعني عدالته).
(2)- الطعن في ضبط الراوي: بأن يكون فاحش الغلط أو سيء الحفظ، أو مغفلا، أو كثير الأوهام، أو مخالفا للثقات.
فإن كان الثاني(الاسناد): أي الطعن في الاسناد بحصول السقط فيه وعدم اتصاله ، وهو على قسمين:
(أ)- سقط ظاهر : بحيث لا يخفى ولا يشك في معرفته الأئمة المتقنون. وهو يجمع أربعة أنواع من الحديث( المعلق، المنقطع، المعضل، المرسل) وليس هذا مكان التفصيل في هذه الأنواع.
(ب)- سقط خفي: وهذا القسم لا يدركه الا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الحديث، وهو يجمع نوعين( المدلس، المرسل الخفي).
# بالنسبة للطعن في الراوي، فإنه ينتج عن تلك الأسباب عدة أنواع:
(1)- الموضوع: وهو ما كان سببه الطعن في الراوي بالكذب.
(2)- المتروك: وهو ما كان سببه التهمة بالكذب.
(3)- المنكر: وهو ما كان سببه فحش الغلط أو كثرة الغفلة أو الفسق.
(4) المعل : وهو ما كان سببه الوهم.
(5)- المدرج والمقلوب والمضطرب والمزيد في متصل الأسانيد: ما كان سببه هو مخالفة الثقات.
(6)- المجهول: وهو ما كان سببه الجهالة بالراوي ( أي جهالة حاله).
(7)- ما كان سببه البدعة، بأن كان الراوي صاحب بدعة( كأن يكون ممن تكلم في بدعة القدر).
(8)- الشاذ والمختلط: وهما ينتجان عن سوء الحفظ، وذلك إما أن ينشأ سوء الحفظ معه من أول حياته ويلازمه في جميع حالاته، وهذا هو الشاذ على الرأي الراجح.
وإما أن يكون سوء الحفظ طارئا عليه لكبره أو لذهاب بصره أو لاحتراق كتبه، وهذا يسمى المختلط. من عباراتهم( اختلط بآخره).
أما من ينشئ على سوء الحفظ من أول حياته فهذا روايته مردودة، وأما المختلط فما حدث به قبل الاختلاط قبل، وما حدث به بعد الاختلاط لم يقبل بل هو مردود، وما لم يتميز أنه حدث قبل الاختلاط أو بعده، توقف فيه حتى يتميز. والله أعلم.
# قول بعض الأئمة( أنه لم يصح، أو لا يصح) معناه نفي صحته، أو نفي قبوله فقد يكون ضعيفا.
# بعض كبار الأئمة قد يروي عن الضعفاء ، فلم يروي عنهم وهو يعلم أن الحديث عنهم مردود؟
يجاب عن ذلك بعدة أجوبة:
1- أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في صحتها.
2- أن الحديث الضعيف يكتب حديثه ليعتبر( الاعتبار:هو سبرك لحديث، هل شارك راو غيره فيما حمل عن شيخه أولا )ويستشهد به ولا يحتج به على انفراده.
3- رواية الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل، فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك عن بعض، وذلك سهل عليهم معروف عندهم. ولهذا احتج سفيان رحمه الله حين نهى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنت تروي عنه؟ قال: أنا أعلم صدقه من كذبه.
وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء...، من كلام النووي على شرح صحيح مسلم.
# الحديث الضعيف الذي يقبل الجبر أو يعتبر به( بمعنى الذي يرتفع من الضعف الى الحسن، ويكون محتجا به) هو الذي نشأ ضعفه عن سبب من الأسباب الآتية:
1- الستر: وهو جهالة حال الراوي بحيث لا يعرف بعدالة ولا تجريح، أو أن يستوي فيه الطرفان(بعضهم يعدله وبعضهم يجرحه، دون ترجيح أحدهما على الآخر) بشرط أن يكون غير مغفل كثير الخطأ.
2- ضعف حفظ الراوي: لكن بشرط أن يكون من أهل الصدق والديانة(أي أن يكون عدلا) ويشمل هذا ما كان ضعفه بسبب سوء حفظه أو أن يكون موصوفا بالغلط أو الخطأ أو الاختلاط إذا حدث بعد اختلاطه.
3- عدم الاتصال: كالإرسال ، ويشترط فيه أن يكون إمام حافظ، أو يكون هذا الانقطاع انقطاعا خفيفا، فمثل هذا يكون صالحا للاعتبار به فيجبر غيره ويجبره غيره الصالح للاعتبار، بشرط أن يكون خاليا من الشذوذ و النكارة.
حكم العمل بالحديث الضعيف:
اختلف العلماء في الحديث الضعيف في قبوله والاحتجاج به في الأحكام وفضائل الأعمال، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يعمل بالحديث الضعيف مطلقا( في الأحكام وفضائل الأعمال) بثلاثة شروط:
(1)- أن يكون ضعفه غير شديد، لأن ما كان ضعفه شديدا فهو متروك عند العلماء كافة.
(2)-أن لا يوجد في الباب غيره.
(3)- وأن لا يكون ثمة ما يعارضه.
واحتجوا : بأنه لما كان محتملا للإصابة ، ولم يعارضه شيء قوي جانب الإصابة في روايته فيعمل به، كما أنه أقوى من رأي الرجال.
القول الأول: أنه يعمل بالحديث الضعيف مطلقا( في الأحكام وفضائل الأعمال) بثلاثة شروط:
(1)- أن يكون ضعفه غير شديد، لأن ما كان ضعفه شديدا فهو متروك عند العلماء كافة.
(2)-أن لا يوجد في الباب غيره.
(3)- وأن لا يكون ثمة ما يعارضه.
واحتجوا : بأنه لما كان محتملا للإصابة ، ولم يعارضه شيء قوي جانب الإصابة في روايته فيعمل به، كما أنه أقوى من رأي الرجال.
وهذا القول منسوب لأبي حنيفة ومالك والشافعي والإمام أحمد وأبي داود وغيرهم رحمهم الله.
قلت: ونسبة هذا القول إلى الأئمة المذكورين مأخوذ من بعض عباراتهم وعملهم بالمراسيل وببعض الأحاديث الضعيفة وتقديمها على القياس.
قال الإمام أحمد لابنه(... يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه) خصائص المسند لأبي موسى المديني(27) مطبوع في مقدمة المسند بتحقيق أحمد شاكر.
وقال السخاوي(احتج رحمه الله(يعني الإمام أحمد)بالضعيف حيث لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود وقدماه على القياس، ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك، وأن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد في الباب غيره) فتح المغيث(1/333).
قال ابن رجب ( وكان الإمام أحمد يحتج بالضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن)شرح علل الترمذي(1/344).
قلت: ومراد الترمذي هو الحسن لغيره وهو ضعيف تعددت طرقه فارتفع من الرد إلى حيز القبول والاحتجاج.
قال الزركشي( قال شيخنا القاضي شرف الدين( المعروف بابن قاضي الجبل): وإنما أُتي من أنكر هذه اللفظة على أحمد – أي الاحتجاج بالضعيف – لعدم معرفته بمراده، فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين، فعنده الحديث ينقسم إلى قسمين صحيح وضعيف، لأنه ضعف عن درجة الصحيح، وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور فإن أحمد لا يعرج عليه أصلا) النكت على ابن الصلاح للزركشي( 2/318-319).
وقال قريبا من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(1/251-252) وكذا في منهاج السنة(4/341-342).
قلت: وبهذا يتضح لك الخطأ في نسبة هذا القول للإمام أحمد.
القول الثاني: وهو لبعض المحققين من أهل العلم أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا، لا في الأحكام ولا في غيرها من الفضائل والترغيب والترهيب.
وذلك أن الحديث الضعيف يفيد الظن المرجوح، والله جل وعلا قد ذم الظن في غير ما آية من كتابه، وكذلك فقد ذمه نبيه عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح(إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث)، كما أن في الأحاديث الصحيحة ما يغني المسلم عن الضعيف.
وممن قال بهذا الرأي: البخاري ومسلم ويحي بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم الرازي وابن حبان، وهو مذهب عامة السلف وبه قال ابن حزم وأبي بكر بن العربي واختاره جماعة من المحققين من أهل العلم المتأخرين كشيخ الاسلام بن تيمية والشاطبي والشوكاني والشيخ أحمد شاكر والمعلمي والألباني وغيرهم رحمة الله على الجميع.
قال ابن سيد الناس(... وممن حكي عنه التسوية بين الأحكام وغيرها يحي بن معين) عيون الأثر(1/15).
وقال الحافظ بن رجب(وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام) شرح علل الترمذي(1/74).
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي( والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا، يدل عليه شرط البخاري في صحيحه، وتشنيع مسلم على رواة الضعيف... وعدم إخراجهما في صحيحهما شيئا منه) قواعد التحديث(113).
وقال السخاوي(.. ومنع ابن العربي المالكي العمل بالحديث الضعيف مطلقا) فتح المغيث(1/333). ومثله في تدريب الراوي للسيوطي(1/351).
قال شيخ الإسلام رحمه الله(لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة.... ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف، ومن قال هذا خالف الإجماع ، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي) مجموع الفتاوى(1/250-251).
وقال الشوكاني(إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بينها، فلا يحل إثبات شيء منها إلا بما تقوم به الحجة، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل، وفيه من العقوبة ما هو معروف...)الفوائد المجموعة(237).
وقال المعلمي(.. العمل بالحديث الضعيف لا يجوز مطلقا...، وهذا هو الحق... ونقل الإجماع على خلافه سهو) الشيخ عبد الرحمن المعلمي وجهوده في السنة ورجالها(52-53)
قال الشيخ الألباني رحمه الله( والذي أدين الله به، وأدعو الناس إليه أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا لا في فضائل العمال ولا في المستحبات ولا في غيرهما) من ضعيف الجامع الصغير(1/50).
وقال أيضا(.. إن الاستحباب حكم شرعي لابد له من دليل تقوم به الحجة ، والحديث الضعيف لا يثبت به أي حكم شرعي)ضعيف سنن أبي داود(9/247)
القول الثالث: جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب بشروط:
(1)-أن يكون الضعف غير شديد.
(2)-أن يكون مندرجا تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل معمول به أصلا.
(3)-أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
(4)- أن يكون في فضائل الأعمال.
(5)- أن لا يعارض حديث صحيحا.
(6)- أن لا يعتقد سنية ما يدل عليه الحديث الضعيف.
(7)- أن لا يشتهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.
واستدلوا بحديث يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام(من بلغه عني ثواب عمل فعمله، حصل له أجره وإن لم أكن قلته)أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله) استدل به ابن حجر الهيتمي في الفتح المبين(36) وهذا الحديث موضوع، سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رحمه الله(5/68-69).
وقد حكى النووي اتفاق العلماء فقال( قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا) الأذكار(47). وقال في موضع آخر(اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال)الأربعون النووية(12)ونحوه في المجموع(2/110) وشرح صحيح مسلم(1/85).
قلت:ونسب هذا القول إلى جماعة من الأئمة لتقريرهم أن أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب يتساهل في كتابتها وروايتها، واستعرض فيما يلي بعض أقوال الأئمة التي فهم منها العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، للوقوف على الحق في ذلك.
قال عبد الرحمن بن مهدي( إذا روينا الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد وسمحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال) المدخل لكتاب الإكليل للحاكم(29).
وقال سفيان بن عيينة( لا تسمعوا من بقية في سنة، واسمعوا منه في ثواب وغيره) الكفاية(134).
وقال ابن معين في موسى بن عبيدة(ضعيف يكتب من حديثه الرقائق) الضعفاء للعقيلي(4/1314).
وقال ابن عبد البر(أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كلٍ، وإنما يتشددون في الأحكام)جامع بيان العلم وفضله(1/103).
وقال الإمام أحمد(إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد) الكفاية(134).
وبتأمل كلام أهل العلم يمكن ملاحظة أمرين:
1- أن كلامهم جميعا منصب في جواز سماع أحاديث الترغيب والترهيب والرقائق والمواعظ من غير المتقنين وروايتها وكتابتها والتساهل في أسانيدها.
2- أنهم اشترطوا فيما يتساهل في روايته ألا يتضمن سنة ولا حكما شرعيا، أي فلا يجوز أن يؤخذ منه شرع ولا عمل لم يرد في غيره من رواية الأثبات، وإنما يروى من ذلك ما كان في ثواب وعقاب وأدب وموعظة وزهد ونحو ذلك.
إذا علم هذا تبين لك أن نسبة القول بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال إلى من تقدم ذكر كلامه من الأئمة مجانب للصواب.قال ابن مفلح( كذا قال، وعدم قول أحمد بها يدل على أنه لا يرى العمل بالخبر الضعيف في الفضائل) يقصد صلاة التسبيح، الفروع(1/568).
الترجيح:
مما تقدم وبعد عرض الأقوال والأدلة يتضح الآتي :
أولا: القول الأول المروي عن الأئمة الأربعة ليس فيه نصوص من كلامهم إلا مجرد إلزامات، ولازم المذهب ليس بمذهب كما هو مقرر في علم الأصول.
ثانيا: ما ذكره النووي من الاتفاق على قبول الضعيف، فغير مسلم لوجود الخلاف في المسألة، ثم إن النووي متساهل في نقل الإجماع.
ثالثا: الاستدلال بالضعيف في فضائل الأعمال إن كان المراد به إثبات استحبابها ، فالاستحباب حكم شرعي، والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل صحيح أو حسن، ولا يجدي فيها الضعيف حتى على رأي هؤلاء. وإن كان المراد به إثبات ما هو ثابت بدليل صحيح، أو قاعدة من قواعد الشرع، فوجود الضعيف وعدمه سيان.
رابعا:الشروط التي اشترطها أصحاب القول الثالث، صعبة التطبيق ، لا تكاد تتوافر في حديث واحد، وكذلك نجد كثيرا من العلماء يخرقها ولا يلقي لها بالا. فمثلا الشرط الأول( وهو أن يكون الضعف غير شديد) يدل على وجوب معرفة حال الحديث الذي يريد أحدهم أن يعمل به لكي يتجنب العمل به إذا كان شديد الضعف، وهذه المعرفة مما يصعب الوقوف عليها من جماهير الناس، ولذلك نجد الذين يعملون بالأحاديث الضعيفة قد خالفوا هذا الشرط مخالفة صريحة. من كلام الشيخ الألباني (مقدمة صحيح الجامع الصغير1/48-49).
الشرط الثاني( وهو أن يكون الحديث مندرجا تحت أصل عام) فاشتراط الأصل للعمل بالحديث الضعيف يجعل الحديث الضعيف لا قيمة له، فالعمل في الحقيقة للأصل لا للضعيف.
الشرط الثالث(وهو أن لا يعتقد عند العمل ثبوته)فهذا يتطلب ضرورة معرفة الحديث ومقدار الضعف لكي لا يعتقد ثبوته وهذا صعب .
الشرط الرابع(وهو أن لا يعتقد سنيته بل يعتقد الاحتياط) فإن الاحتياط في الدين ليس بالعمل فيما لم يثبت، فأن ذلك قول على الله بغير علم،وإنما الاحتياط الابتعاد عن العمل به أصلا.
وبعد هذا كله لا يستطيع احد تطبيق هذه الشروط إلا العالم المتمرس المتمكن، وهل كل الناس كذلك!!!
فهذا القول ضعيف ونتائجه سيئة ومنها:
# تساهل جمهور المسلمين علماء وخطباء ومعلمين وغيرهم في رواية الحديث الضعيف والعمل به، وعدم البحث في رجاله ودرجته، محتجين أنه في فضائل الأعمال، وهذا أمر خطير جدا، وفيه مخالفة صريحة للأحاديث التي جاءت تحذر من التحديث إلا بعد التثبت من صحة الحديث، منها ما رواه مسلم ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم في مقدمة صحيحه(1/62). وكقوله في الصحيح( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)رواه مسلم في مقدمة صحيحه(1/72).
قال ابن العربي قال العلماء: لا يحدث أحد إلا عن ثقة، فإن حدث عن غير ثقة فقد حدث بحديث يرى أنه كذب) عارضة الأحوذي(10/129).
وبهذا يتبين رجحان القول الثاني( وهو عدم الاحتجاج بالحديث الضعيف لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها وذلك لما يأتي:
(1)- اتفاق العلماء على تسميته بالمردود.
(2)- لما يترتب على تجويز العمل به من ترك للبحث عن الأحاديث الصحيحة، والاكتفاء بالضعيفة.
(3)- أن الضعيف لا يفيد إلا الظن المرجوح، والظن لا يغني من الحق شيئا.
(4)- لما يترتب عليه من نشوء البدع والخرافات، والبعد عن المنهج الصحيح، لما تتصف به الأحاديث الضعيفة غالبا من أساليب التهويل والتشديد ، بحيث صارت مرتعا خصبا للمتصوفة أبعدتهم عن دين الله الوسط.
هذا ما تيسر تحريره في هذه المسألة العظيمة، والله تعالى أعلم بالصواب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
ينظر للاستزادة :
(1)- التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للعراقي(62) وما بعدها.
(2)-شرح ألفية العراقي(1/111) وما بعدها.
(3)-معرفة علوم الحديث للحاكم(167) وما بعدها.
(4)- رسوم التحديث لبرهان الدين الجعبري(62) وما بعدها.
(5)-فتح المغيث للسخاوي(1/111) وما بعدها.
(6)-عقد الدرر شرح مختصر نخبة الفكر للألوسي( 249) وما بعدها.
(7)-توجيه النظر إلى أصول الأثر(2/546) وما بعدها.
(8)-السعي الحثيث شرح اختصار علم الحديث(169) وما بعدها.
(9)- شرح موقظة الذهبي للشريف حاتم العوني(52) وما بعدها.
(10)- مهمات في علم الحديث للدكتور ابراهيم الكليب(178) وما بعدها.
(11)- كفاية الحفظة شرح المقدمة الموقظة سليم الهلالي(87) وما بعدها.
(12)-تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع(2/907) وما بعدها.
(13)-مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الضعيفة للدكتور مرتضى الزين أحمد(69) وما بعدها.
(14)-اسباب رد الحديث للدكتور محمد محمود بكار.
(15)-الإيضاح في علم الحديث والاصطلاح، أ.د. مصطفى سعيد الخن،ود. بديع السيد اللحام(96) وما بعدها.
تعليق