Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php73/sess_5a2aeed86c252b3c31bd09f29b647e21d380366ba959d46b, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 Warning: session_start(): Failed to read session data: files (path: /var/cpanel/php/sessions/ea-php73) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 عصر الخلفاء الراشدين - شبكة ومنتديات قدماء

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عصر الخلفاء الراشدين

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق ( 2)

    وكما ذُكر من قبل أن هذه الأموال ( أموال الجزية ) كانت تدفع للمحتلين لتلك البلاد قبل فتح المسلمين لها أضعافا ، وتحت مسميات شتى ، فخففها الإسلام ، وجعلها في حد المعقول والمقبول ..

    وبعد فراغ خالد من مصالحتهم بعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر الصديق ، لكن أبا بكر رفض أن تؤخذ هداياهم ؛ اتقاء للشبهات ، وفي نفس الوقت قبلها ؛ تلطفا معهم على أن تحسب من الجزية ، وكتب إلى خالد أن يحسب لهم ثمنها ثم يخصمها من قدر الجزية المقرر عليهم ...

    وقطع الصديق رضي الله عنه بذلك الطريق على الجباة في تحصيل الأموال من الناس بدون حق لتعويض تلك الهدايا التي أرادوا أن يدفعوها إليه كما فعل رسول الله من قبله عندما أنب الرجل الذي قال له : هذا لكم وهذا أهدي إلي ..

    ولعل في موقف خالد بن الوليد مع أمراء الحيرة وعنادهم أبلغ رد على بعض من يحرفون تفسير الفتوحات الإسلامية ويقولون : إن المسلمين كانوا يقاتلون بدافع العروبة ، وأن الصحوة العربية كانت وراء ما تحقق لهم من نصر ، وأن إصرار هؤلاء العرب النصارى على موقفهم ومقاتلتهم المسلمين حتى اضطروا للاستسلام أكبر رد على هؤلاء ..

    وفي تكرار خالد لدعوة الإسلام عليهم أيضا رد كافٍ على من يزعمون أن دوافع الفتوحات الإسلامية كانت مادية وليست الرغبة في نشر الإسلام في ربوع البلاد المفتوحة ، لأن إلحاح خالد رضي الله رضي الله عنه على هؤلاء العرب من المشركين ليسلموا ، وقوله لهم : إنهم إن أسلموا سيكون لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين ، وهم مقيمون في ديارهم ـ لهو دليل على خطأ مزاعم هؤلاء وجهلهم بحقائق وغايات تلك الفتوحات ، إذ لو كان الأمر كما زعموا لرضي خالد بما سيدفعونه إليه من مال ، وما اتفقوا عليه من جزية دون أن ينصح لهم ، بل ولحاول مجاملتهم والبعد عن مناقشتهم في معتقداتهم الزائفة.

    ولو كان المأرب المادي هو غاية المسلمين لما أرسل أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما يأمره أن يحسب لهم ما أعطوه للمسلمين من هاديا من مقدار الجزية المتفق عليه معهم ، في سابقة غير معروفة في تواريخ الأمم الأخرى .

    بل إن رسالة أبي بكر الصديق قد ذيلت بعبارة تدل على أن هذه الأموال التي أخذت منهم تحت بند ضريبة الجزية قد وظف أكثرها في مواصلة الفتوحات الإسلامية ، حيث كتب إليه : " وخذ بقية ما عليهم فقو بها أصحابك " .

    وقد حدث أثناء عقد الصلح أن شاهد خالد رضي الله عنه مع عمرو بن عبد المسيح كيسا به سمٌّ ، فتناوله خالد ، ونثر ما فيه في راحته، فقال: ما هذا يا عمرو ؟ قال : هذا ـ وأمانة الله ـ سم ساعة، خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، وقد أتيت على أجلي، والموت أحب إليّ من مكروه أدخله على قومي وأهل قريتي...

    إن الرجل بعزته آثر الموت على حياة الذل التي يتعرض لها العظماء إذا ما وقعوا في الأسر ، ولكن المسلمين كانوا كما سمع عنهم ، بل وأكثر سماحة وكرما ونبلا مما سمع عنهم ، فأخذ يردد : والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن ( يقصد جيل الصحابة ) ..

    وهذه شهادة من رجل عمّر أكثر من مائة سنة ، عاشر فيها الملوك والأمراء على اختلاف طبيعتهم ، ولم يلمس فيهم ما لمسه في خالد رضي الله عنه وأصحابه مما دفعه إلى أن يقول لقومه : "لم أر كاليوم أمراً أوضح إقبالاً " ..

    وأما عن وثيقة الصلح التي كتبت لأهل الحيرة فقد جاء فيها :

    " بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عدياً ، وعمراً ابني عدي ، وعمرو بن عبد المسيح ، وإياس بن قبيصة ، وحيري بن أكال ، وهم نقباء أهل الحيرة ؛ ورضي بذلك أهل الحيرة ، وأمروهم به - عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم ، تقبل في كل سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا ؛ رهبانهم وقسيسهم ؛ إلا من كان منهم على غير ذي يد، حبيساً عن الدنيا ، تاركاً لها ، أو سائحاً تاركاً للدنيا ، وعلى المنعة ، فإن لم يمنعهم فلا شيء عليهم حتى يمنعهم ، وإن غدروا بفعل أو بقول فالذمة منهم بريئة .

    وهذه الوثيقة وغيرها من عقود الصلح التي عقدها المسلمون مع أهل البلاد التي فتحوها خير شاهد على أن المسلمين عاملوهم معاملة الكرماء ، وأن النظام المالي الذي اتبعوه معهم في جباية الضرائب تعجز عن امتثاله الأمم الحديثة في عدله وسماحته .

    فهي لا تحصل إلا من القادر الغني أما العاجز أو المتفرغ للعبادة فلا يؤخذ منه شيء ، وفي مقابلها تتولى الدولة الإسلامية توفير الأمن والحاجات الضرورية لسكان البلاد جميعا ، ودرء الخطر الخارجي والداخلي عنهم ، وجعلهم يتفرغون لأرزاقهم وهم آمنون على كل شيء ؛ شريطة ألا يخونوا عهد المسلمين بقول أو فعل أو يتطاولوا على إيٍ من تعاليمه بسوء ، وإلا فذمة المسلمين منهم بريئة . ...

    وفي الختام أقول : إن فتح الحيرة وقصورها التي كانت مضرب المثل في عظمتها كانت تحقيقا لأول بشرى بشّر بها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم يوم حفر الخندق ، تلكم البشرى التي قال عنها المنافقون وقتها : إن محمدا ليقول لنا : إنه يبصر قصور الحيرة وهي تفتح وأحدنا لا يأمن على نفسه في الذهاب إلى الغائط ، فكذب المنافقون وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى في كل ما قال ؛ حتى إخباره للأعرابي ( شويل ) بأنه سيفوز بـ " كرامة "أخت عمرو بن عبد المسيح عظيم القوم ، إذ قُدر له أن يشهد مع المسلمين فتح القصور ويراها من بين الأسرى ، فأسرع إلى خالد يخبره بأن رسول الله قال له : إن فتحت الحيرة عنوة فهي له ، وأشهد الشهود على ذلك ، فأهداها خالد إليه ، وكانت قد تجاوزت الثمانين من عمرها ، فطلب من أهلها ألفا فداء لها ، فأعطوه إياها ، ولما لامه الناس على قلة ما طلب قال : ما كنت أعلم أن ثمة عددا أكثر من الألف !!.

    فلنتعلم من فتح الحيرة إذن الثقة في موعود الله وما بشرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولنعلم أن ما نراه اليوم مستحيلا سيكون في الغد القريب إن شاء الله ممكننا ، بل واقعا ملموسا ؛ شريطة أن نلزم هدي ربنا وسنتنا نبينا .

    وللحديث بقية إن شاء الله
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #17
      وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق ( 3)

      انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة عند فراغ خالد بن الوليد من فتح الحيرة ، واستيلائه على قصورها التي كانت مضرب المثل عند العرب في عظمتها ، ورأينا كيف تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها ، ونكمل حديثنا بعون من الله فنقول : إن خالدا بعد أن فرغ من الفتح أقبل على الله وصلى الصلاة التي تسمى بصلاة الفتح وهي ثماني ركعات بتسليمة واحدة ، وتلك كانت سنة الحفل المتبعة عند سائر الأمراء المسلمين ، فكل نصر عظيم كانوا يتبعونه بشكر لله سبحانه وتعالى ، وكل فتح كانوا يقابلونه بالسجود لله والخضوع له عكس الذين يستغلون تلك اللحظات في ارتكاب الموبقات ، وإحياء السهرات ، وما أكثرهم !..

      إن خالد رضي الله عنه طالما تعرض للأخطار الجسام التي لم تكن خبرته وحنكته العسكرية وحدها كفيلة بأن يخرج منها ، وإنما هو توفيق الله سبحانه وتعالى ، حتى قال :" لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف، وما لقيت قوماً كقوم لقيتهم من أهل فارس!" فليقابل ذلك إذن بحمد لله وشكره عقب كل حرب يخوض غمارها ...

      وانتشر نبأ فتح الحيرة بين البلدان المجاورة لها ، فسارع أمراؤها إلى مصالحة خالد رضي الله عنه ، والإذعان له وهم راضون بدلا من الإذعان كرها بعد أن تحُل عليهم الهزائم على يديه ، وقد كانوا من قبل يتربصون به ، وينتظرون ما يصنع أهل الحيرة ، فجاءه صلوبا بن نسطونا صاحب قس الناطف، فصالحه على مدينتي "بانقيا " و" بسما "، وضمن له ما عليهما وعلى أرضهما من شاطئ الفرات جميعاً، فكتب له خالد كتاباً جاء فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه ؛ إني عاهدتكم على الجزية والمنعة؛ على كل ذي يد؛ بانقيا وبسما جميعاً، على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة، القوي على قدر قوته، والمقل على قدر إقلاله، في كل سنة ، وأنْ قد نقبت على قومك ( أي صرت عليهم نقيبا أو أميرا ) وإن قومك قد رضوا بك ، وقد قبلت ومن معي من المسلمين، ورضيت ورضي قومك؛ فلك الذمة والمنعة ؛ فإن منعناكم ( أي دافعنا عنكم أي خطر يحدق بكم ) فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتى نمنعكم " ..

      وهذا يظهر أيضا من نص البراءة ( الإيصال أو القسيمة ) التي كانت تعطى لولاتهم بعد أن يدفعوا ما عليهم من ضريبة الجزية ، إذ جاء فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم . براءة لمن كان من كذا وكذا من الجزية التي صالحهم عليها الأمير خالد بن الوليد، وقد قبضت الذي صالحهم عليه خالد والمسلمون لكم يد على من بدل صلح خالد ؛ ما أقررتم بالجزية وكففتم ، أمانكم أمان، وصلحكم صلح ؛ نحن لكم على الوفاء .

      ونظرة عجلى في تلك الكتب تبين أن المسلمين كانوا يبقون على أوضاع البلاد التي يفتحونها ، فلا انقلاب ولا تخريب ولا إذلال لمن كان عليها من قبل ، وفي نفس الوقت كانوا يجعلون الشعب صاحب الشرعية في اختيار أميره ، وهو ما يظهر من قول خالد له : " وإن قومك قد رضوا بك " وما سَلط المسلمون على الشعوب التي فتحوها في قطر من الأقطار حاكما مخادعا لقومه ، وما فرضوا عليهم والياً لا يرغبونه ، وذلك لأن رسالتهم كانت تتمثل في تحرير تلك الشعوب وإعزازها لا استعبادها وإذلالها .
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #18
        وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق ( 3)

        كما نلحظ أن المسلمين كانوا يحرصون على توفير الأمن والاستقرار في كل بلد يحلون به ، وجعلوا ذلك عهدا عليهم وواجبا من واجباتهم مقابل الضريبة التي يحصّلونها ، وهذا ظاهر في قول خالد : " فإن منعناكم فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتى نمنعكم " ومن نص البراءة " أمانكم أمان، وصلحكم صلح ؛ نحن لكم على الوفاء "..

        وكان ذلك إيذانا بميلاد عصر جديد للبشرية تعرف فيه واجباتها وحقوقها لدى ولاة الأمر القائمين عليها .

        وبعد أن استقرت لخالد الأمور في الحيرة وما حولها وفرق فيها عماله ، واطمأن أنها قد سكنت له دعا رجلا من أهل الحيرة له خبرة بالسفارة ، وكتب معه كتابا إلى أهل فارس ، وقبل أن يخرج سأله عن اسمه فقال له الرجل : مُرّة ، فقال خالد متفائلا: خذ الكتاب فأت به أهل فارس، لعل الله أن يمر عليهم عيشهم، أو يسلموا ( وهو يقصد بالطبع الطغاة المتجبرين من ولاتها وليس عوام الشعب المستضعفين ).

        وقد جاء في نص هذا الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم . من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس ؛ أما بعد ؛ فالحمد لله الذي حل نظامكم، ووهن كيدكم، وفرق كلمتكم، ولو لم يفعل ذلك بكم كان شراً لكم ؛ فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم، ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب، على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة "

        وبعث بكتاب آخر خص به مرازبة فارس ، وقد جاء فيه " بسم الله الرحمن الرحيم . من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس ؛ أما بعد فأسلموا تسلموا ؛ وإلا فاعتقدوا مني الذمة، وأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت، كما تحبون شرب الخمر " .

        وصلت تلك الرسالة إلى أهل فارس فجاءتهم وهم مختلفون في الملك بعد موت أردشير ، يقاتل بعضهم بعضا ، كعادة الدول أو الممالك عندما تدبر أيامها ، فقد قتل شيري بن كسرى من أقربائه كل من يحس أنه من الممكن أن ينافسه أو ينافس أولاده من بعده في الملك ، وكذلك فعل من جاء من بعده حتى كادوا يبيدون أفراد الأسرة التي دام ملكها بفارس مئات السنين .

        وصلت إليهم رسالة خالد رضي الله عنه فزادتهم وهنا على وهنهم ، فتباحث النساء من آل كسرى في شأن مواجهته ، بعد أن خلت الأسرة من الرجال ذوي الشأن ، واتفقن على أن يولين رجلا يسمى " الفرخزاذين البندوان " إلى أن يجتمع آل كسرى على رجل إن وجدوه...

        وبعد مراسلة أهل فارس والإعذار إليهم سار خالد من الحيرة إلى الأنبار لفتحها ، وجعل على مقدمته الأقرع بن حابس ، فلما بلغها أطاف بها وأنشب القتال، ولم ينتظر وصول خالد إليه ، وتقدم إلى رماته وأوصاهم أن يقصدوا عيون أعدائهم عند الرمي فأصابوا ألف عين، حتى سُميت تلك الموقعة بذات العيون لذلك .

        فلما رأى شيرزاد أميرها من قبل فارس ذلك خاف من عاقبة الهزيمة ، وأرسل يطلب الصلح على أن يُسمح له بالخروج ويخليها لهم فصالحه المسلمون على ذلك ، ثم صالح خالد ما حول الأنبار وأهل كلواذى دون قتال ، ودخلت كلها في حوزة المسلمين كالحيرة تماما .

        ثم استخلف خالد عليها الزبرقان بن بدر وسار هو بجيوشه إلى عين التمر وبها مهران بن بهرام جوبين، في جمع عظيم من العجم، وعقة ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وإياد وغيرهم، فلما سمعوا بخالد قال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالدا ، فقال: صدقت فأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم لمثلنا في قتال العجم ، فخدعه واتقى به وقال: إن احتجتم إلينا أعناكم ، فلامه أصحابه من الفرس على هذا القول، فقال لهم: إنه قد جاءكم من قتل ملوككم أمر عظيم وفل حدكم فاتقيته بهم، فإن كانت لكم على خالد فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء ..
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #19
          وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق ( 3)

          ومن العجب أن تلك الخديعة التي خدع بها مهران عقة ما زال يستخدمها أعداء العرب والمسلمين على مر التاريخ وحتى الآن ، وأبرز مثال على ذلك ما نجده من قتال الأفغان والعراقيين لأهليهم وبني وطنهم نيابة عن أمريكا ومن حالفها ، ومثل ذلك حدث في بلدان كثيرة من بلدان العالم الإسلامي وإنما ذكرت أفغانستان والعراق نموذجا..

          وأعود إلى عقة هذا الأعرابي الذي غرره مهران فاغتر بنفسه فأقول : إنه سار بأتباعه إلى خالد فما أن التقى بخالد رضي الله عنه حتى حمل عليه بنفسه وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه خالد من بينهم وأخذه أسيراً فانهزم من معه من غير قتال وأسر أكثرهم ، فما أضعف كيد الخونة !! وما أوهنهم !!.

          ولما بلغ خبر هزيمتهم مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، وكانت مقولة عقة له : " نحن أعلم بقتال العرب منكم " أشد عليه من وقع الحسام ، لأن تفسيرها له أن من هم أعلم بقتال العرب منهم قد فروا أمام جند المسلمين ، فكيف به هو ..

          وشاء الله أن يعثر خالد في حصنهم بعد فرارهم على أربعين غلاماً كانوا يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء من المجاهدين فأتاحوا لهم الفرصة ليتعرفوا على الإسلام فصاروا وأولادهم من أهل العلم والفضل ، ومن هؤلاء : سيرين أبو محمد مفسر الأحلام الشهير ، وحمران مولى عثمان رضي الله عنه ، ويسار جد محمد بن إسحاق صاحب كتاب السيرة الشهير .

          وصفا الجو لخالد بعد ذلك في الحيرة وما حولها من بلاد العراق فلم يبق أمامه رضي الله عنه سوى بعض التجمعات العربية ، ومن سولت له نفسه بنقض العهد معهم ، وهؤلاء تتبعهم حتى فرغ منهم تماما قبل أن يأتيه كتاب أبي بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى بلاد الشام .

          ورغم ذلك يسمي خالد تلك السنة التي حقق فيها تلك الفتوحات بسنة النساء !! لأنه لم يتوجه إلى المدائن ويفتحها ، ولم يكن دونتها شيء كما قال غير أن أبا بكر رضي الله عنه لم يأذن له بالذهاب إليها .

          فكيف نسمي نحن ـ مسلمي العصر الحديث ـ سنينا إذن ، ونحن من عشرات السنين ونحن نتلقى الضربات من عدونا ، ولا نستطيع أن نحافظ على ما تبقى من بلداننا فضلا عن أن نسترجع ما أُخذ أو نفتح إليه المزيد ؟!!

          وللحديث بقية إن شاء الله .
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #20
            على مشارف فلسطين ( وقعة أجنادين )

            لم يمض على استخلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه أيام حتى وجد الجزيرة العربية تعج بالخارجين عليه ، يحركهم كل طامع في الدنيا أو حاقد على الإسلام ممن تظاهروا بالدخول في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعا في عطائه أو مجاراة لانتصاراته التي أبهرت الجميع ، ولكنه رضي الله عنه لم يضطرب لذلك ، بل لم تهتز له شعرة ـ إن صح التعبير ـ وأنى له ذلك وقد عايش الإسلام من بزوغ شمسه ، ورأى تأييد الله لكل من اعتنق ـ عن صدق ـ هذا الدين ؟!!..

            وإنما جمع من حوله من الثابتين على الدين يحطوهم ويرعاهم كما كان يحطوهم رسول الله من قبل ، فثبتوا بثباته ، واقتدوا به في يقينه وشجاعته ، فكون منهم السرايا والكتائب وبثها في كل مكان من جزيرة العرب ، فلم يمض سوى عام واحد حتى دان كل سكان الجزيرة العربية لطاعته ، لا يشذ عن أمره رجل واحد ...

            ووجد حكام وملوك الأمم المجاورة من روم وفرس أن العرب صارت على غير العادة تجمعهم دولة واحدة ، لم تفلح في هز أركانها تحريضاتهم ومساعداتهم للقبائل العربية المتاخمة لهم في الظاهر والباطن ، وأنه لا مناص من التدخل بقواتهم هم للقضاء على تلك الدولة الناشئة قبل أن تزاحمهم في بلدانهم ، خاصة بعد أن علموا من الرسائل التي أوصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن الدين الذي قامت تلك الدولة على أركانه تتلخص غايته في تحرير الناس من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى ، وهذا أشد ما يخافه الملوك ..

            وكان الروم أول من سارع إلى ذلك ، ولا عجب ، فقد كانت لهم جولات ثلاث مع المسلمين من قبل ( في مؤتة وتبوك وبعث أسامة ) لم يروا فيها من المسلمين غير البأس الشديد ، فشرعوا في تجييش الجيوش وتعبئة قواهم لهذا الأمر ، لكن خبر استعدادهم قد سبق تحركاتهم إلى أبي بكر الصديق بالمدينة ، وجاءه في الوقت الذي كانت الجيوش الإسلامية تهم بالرجوع إلى أوطانها بعد أن أخمدت نيران الردة ، وهمّ كل صاحب عمل بالعودة إلى عمله ...

            فلم يتمهل عند مجيء الخبر ، ولم يمهل من معه من أصحاب الرأي في حكومته ، إذ علمته الأيام أن يسابق الزمن ، فكتب إلى قادة جيوشه قبل أن يوافوه بالمدينة راجعين أن يتوجه كل منهم بجيشه ناحية الشام ، وأما من عاد منهم إلى عمله فأرسل إليه يتلطف به ليلحق بهؤلاء القادة ..

            فكتب إلى عمرو بن العاص أني قد كنت رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى ، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك ، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك ، فرد عليه عمرو أني سهم من سهام الإسلام ، وأنك بعد الله الرامي بها والجامع لها ، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئا إن جاءك من ناحية من النواحي ، وكتب إلى الوليد بن عقبة نحو ذلك ، فأجابه بإيثار الجهاد .

            وحدد رضي الله عنه لكل قائد الجهة التي يقصدها بالشام ، وفي نفس الوقت لم يترك جبهة العراق فارغة فيباغته الفرس من الشرق ، وإنما بعث إليها نفرا من القادة بجيوشهم ؛ ليشغلوهم عن التعاون عليه مع الروم ، وليبدءوا في فتح أقطارها ...

            ثم قام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال : ألا إن لكل أمر جوامع ، فمن بلغها فهى حسبه ، ومن عمل لله كفاه الله ، عليكم بالجد والقصد ، فإن القصد أبلغ ، ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له ، ولا أجر لمن لا حسبة له ، ولا عمل لمن لا نية له ، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به ، هي التجارة التي دل الله عليها ونجى بها من الخزي ، وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة ..

            ثم خرجت طلائع الجيوش الإسلامية إلى الشام بقيادة خالد بن سعيد بن العاص الذي أمره أبو بكر بأن ينزل تيماء ، وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه ، وأن لا يقبل المشاركة في الجهاد معه إلا ممن لم يقع في فتنة الردة ، ولا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره ، فأقام خالد كما أُمر حتى اجتمع إليه جموع كثيرة من الراغبين في ثواب الجهاد .؟.

            وبلغ الروم ذلك فضربوا على العرب الضاحية البعوث لينضموا إليهم ، فكتب خالد بن سعيد إلى أبى بكر يعلمه بذلك ، وبنزول من استنفرت الروم ونفر إليهم من عرب بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان ، فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله ، فسار إليهم خالد ، فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا ( خلوا ) منزلهم ، فنزله فاتحا ثم كتب إلى أبى بكر يعلمه بذلك ، فرد عليه أن أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك ..

            فسار حتى نزل فيما بين آبل وزيزاء والقسطل ، فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فهزمه خالد وكتب بالنصر إلى أبى بكر ، وطلب منه المزيد من القوات ليواصل فتوحاته ، وقد صادف مجيء كتابه وفود أوائل طلائع المجاهدين من اليمن ومكة وفيهم ذو الكلاع الذي اشتهر بين قبائل اليمن بجرأته القتالية ، كما قدم عليه عكرمة بن أبي جهل قافلا وغازيا فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو ، فسمح لمن أراد منهم الانصراف إلى أهله واستبدل به غيره ، وكاتب كل قواده ألا يكرهوا أحدا على السير معهم للجهاد ، فسمى ذلك الجيش بجيش البدال ، وبعد الإعداد أرسلهم على الفور ردءا لخالد بن سعيد ..
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #21
              على مشارف فلسطين ( وقعة أجنادين )

              وصلت مقدمة جيش البدال إلى خالد بن سعيد فازداد ثقة دفعته لأن يتوغل في بلاد الشام ، ناسيا نصيحة أمير المؤمنين له : " أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك " وأعرى ظهره ، وبادر بقتال الروم فتراجع باهان بجمعه فأرز هو ومن معه إلى دمشق ، مما شجع خالدا على الاقتحام بجيشه في أثره ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد بن عقبة حتى إذا نزل مرح الصفر من بين الواقوصة ودمشق انطوت عليه مسالح باهان ، وأخذوا عليه الطرق وهو لا يشعر ، وزحف له باهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطره في الناس فقتلوهم ، وأتى الخبر خالدا فارتبك وخرج هاربا في مجموعة من الجنود ، وأفلت من أفلت من أصحابه على ظهور الخيل والإبل ، وكادت تحل على الجيش الهلكة لولا أن عكرمة قام في الناس ردءا ورد عنهم باهان وجنوده ..

              وصلت أنباء هزيمة خالد بن سعيد إلى أبي بكر الصديق فكتب إليه يؤنبه على تسرعه في الاقتحام وعدم الاستماع لنصيحته ، وعلى فراره من ساحة القتال ، وأمره ألا يعود بمن معه إلى المدينة فيفت ذلك في عضد المسلمين ، وينشر الفزع في قلوب المستعدين للخروج إلى الجهاد بالشام ، وكانت سياسته رضي الله عنه تقوم على إبعاد كل ما من شأنه إضعاف الروح المعنوية لديهم ..

              وبعد مشاورات عاجلة مع أصحاب الرأي في مجلس حكومته بدأ يغير من تكتيكاته العسكرية التي سبق أن أعدها لردع الروم بالشام ، فكتب إلى قواده أن يجتمعوا للروم في زحف واحد بدلا من أن يقاتلوهم في ساحات عدة ..

              وكان من قبل قد انتدب عمر بن العاص لفلسطين وأمده ببعض من انتدب إلى من اجتمع إليه ، وأمره بطريق سماها له ، وأوصاه قائلا ".. اسلك طريق إيلياء حتى تنتهي إلى أرض فلسطين، وإياك أن تكون وانيًا عما ندبتك إليه، وإياك والوهن، وإياك أن تقول: جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به، واعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر، فأكرمهم واعرف حقهم، ولا تتطاول عليهم بسلطانك.. وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك، والصلاة ثم الصلاة، أذن بها إذا دخل وقتها، واحذر عدوك، وأمر أصحابك بالحرس، ولتكن أنت بعد ذلك مطلعًا عليهم..".

              وكتب إلى الوليد وأمره بالأردن ، وأمده ببعض من حضر لديه أيضا من المتطوعين للجهاد ، ودعا يزيد بن أبى سفيان فأمره على جند عظيم ، وجعل فيهم سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة ، وشيعهم ماشيا ، فقال يزيد : يا خليفة رسول الله !! أتمشي وأنا راكب ؟؟ فأبى عليه وقال : إني أحتسب خطاي في سبيل الله ، واستعمل أبا عبيدة بن الجراح على بعض من اجتمع لديه أيضا ، وأمره على حمص ، وأوصاهم قبل الزحف بقوله : "وإني موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن: لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا صبيًا صغيرًا ولا امرأة، ولا تهدموا بيتًا ولا بيعة، ولا تقطعوا شجرًا مثمرًا، ولا تعقروا بهيمة إلا لأكل، ولا تحرقوا نخلاً ولا تُغرقوه، ولا تعصوا، ولا تجبنوا…"

              أقول : اتفق رأي أهل المشورة على أن تجتمع الجيوش المتفرقة بالشام لمجابهة الروم في ساحة واحدة بعد الهزيمة التي ألحقوها بجيش خالد بن سعيد ، خاصة بعد أن جاءتهم الأنباء أن هرقل قد خرج إليهم بنفسه ، و نزل بحمص وأعد لهم الجنود ، وعبأ لهم العساكر ، وأراد إشغال بعضهم عن بعض بكثرة جنده وفضول رجاله ، حيث أرسل إلى عمرو أخاه تذارق في تسعين ألفا ، وبعث قائدا يسمى جرجة بن توذرا إلى يزيد بن أبى سفيان بما يقارب ذلك العدد، وبعث ثالثا يسمى الدراقص إلى شرحبيل بن حسنة ، وبعث رابعا يسمى الفيقار أبي عبيدة في ستين ألفا ، في حين أن جميع فرق المسلمين واحد وعشرون ألفا و ستة آلاف مع عكرمة ..

              ووصلت رسالة أمير المؤمنين إلى سائر القادة بعد هذا الرأي " أن اجتمعوا فتكونوا عسكرا واحدا ، والقوا زحوف المشركين بزحف المسلمين ، فإنكم أعوان الله ، والله ناصر من نصره ، وخاذل من كفره ، ولن يؤتى مثلكم من قلة ، وإنما يؤتى العشرة آلاف والزيادة على العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب ، فاحترسوا من الذنوب ..

              وبلغ شأن اجتماعهم هرقل فكتب إلى قاداته أن اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن ، واسع المطرد ، ضيق المهرب ، و ليكن على الناس التذارق وعلى المقدمة جرجة وعلى مجنبتيه باهان والدراقص وعلى الحرب الفيقار ، وأبشروا فإن باهان في الأثر مددا لكم ..

              وفي منطقة أجناد ين بين الرملة وبيت جبرين سنة ثلاث عشرة من الهجرة كانت أول وقعة عظيمة بين المسلمين والروم بالشام* حيث التقت الفئتان ودام القتال بينهم شهرين تقريبا ، حتى إذا أحس المسلمون أنهم لا يقدرون من الروم على شيء ، ولا يخلصون إليهم لكثرة عددهم كاتبوا أبا بكر رضي الله عنه بالأمر ، وطلبوا منه المدد ، فكتب إلى خالد بن الوليد بالعراق ليلحق بهم ، وأمره أن يخلف على المجاهدين بالعراق المثنى **، فجد في الرحيل حتى التقى بهم ، وبوصوله ارتفعت الروح المعنوية للمسلمين فازدادت جرأتهم على الروم الذين لم ينفعهم قدوم باهان صاحب النصر السابق على خالد بن سعيد ، فقد هزمهم الله شر هزيمة ، ومزقهم كل ممزق، وقُتل منهم خلق كثير ، وتحقق للمسلمين النصر المؤزر ..

              وشاء الله أن يكون أول قتيل من الروم هو باهان الذي أوقع الهزيمة من قبل بخالد بن سعيد ، حيث خرج بكبريائه مبارزا فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب فقتله ، ولم يتعرض لسلبه ، ثم برز إليه آخر فاقتتلا بالرمحين، ثم صارا إلى السيفين، فحمل عليه عبد الله بن الزبير فضربه وهو دارعٌ على عاتقه، وقال: خذها وأنا ابن عبد المطلب فقطع بسيفه الدرع وأسرع في منكبه، ثم ولّى الرومي منهزماً ، فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز خشية وشفقة عليه من القتل ، إذ لم يمكن قد تجاوز الثلاثين من عمره ، فقال عبد الله : إني والله ما أجدني أصبر.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #22
                على مشارف فلسطين ( وقعة أجنادين )

                وانتهى خبر الوقعة إلى هرقل وهو بحمص فمُلئ رعباً وهرب منها إلى إنطاكية ، حيث لم تفلح جيوشه مجتمعة أو متفرقة في التصدي لجيش من المسلمين لا يصل تعداده 30 ألفا ..

                وأما من نجا من جنوده ففروا إلى إيليا وقيسارية ودمشق وحمص فتحصنوا فيها..

                وفور انتهاء القتال كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر رضي الله عنهما يقول: أخبرك أيها الصديق أنا لقينا المشركين وقد جمعوا لنا جموعاً جمة بأجنادين ، وقد رفعوا صلبهم، ونشروا كتبهم ، وتقاسموا بالله لا يفرون حتى يفنونا أو يخرجونا من بلادهم ، فخرجنا إليهم واثقين بالله متوكلين عليه، فطاعناهم بالرماح شيئاً ، ثم صرنا إلى السيوف فقارعناهم بها ، ثم إن الله أنزل نصره وأنجز وعده ، وهزم الكافرين ، فقاتلناهم في كل فج وشعب وغائط ، فالحمد لله على إعزاز دينه وإذلال عدوه ، وحسن الصنع لأوليائه والسلام ( ونص الرسالة في الروض المعطار في خبر الأقطار - ج 1 / ص 12)..

                وقد يعجب القارئ لهذا النصر الذي تحقق للمسلمين يوم أجنادين رغم عدم تكافئ كفتي المسلمين والروم في العدد أو العدة ، ولا حتى في الإلمام بطبيعة المنطقة التي جرى فيها القتال ، إذ كان الروم وحلفاؤهم ملمين بتداريسها ووهادها ووديانها ، ولكن هذا العجب يزول عندما نتعرف على صفات من خاض غمارها من المسلمين ، يقول عروة بن الزبير : لما تدانى العسكران بعث القبقلا ( أحد قادة الروم ) رجلاً عربياً من قضاعة، يقال له ابن هزارف فقال: ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة، ثم ائتني بخبرهم. قال: فدخل في الناس كرجل عربي لا ينكر ؛ فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم أتاه فقال له: ما وراءك؟ قال: بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده ؛ لإقامة الحق فيهم ، فقال له القبقلار: لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ، ولوددت أن حظي من الله أن يخلى بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم علي.

                وهذا العجب يزول أيضا عندما يقرأ وصية أبي بكر الصديق لهؤلاء المجاهدين قبل تحركاتهم ، حيث قال لهم : " أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، لا تعصوا ولا تغلوا ، ولا تجبنوا ، ولا تهدموا بيعة ، ولا تعزقوا نخلا ، ولا تحرقوا زرعا ، ولا تعقروا بهيمة ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تقتلوا شيخا كبيرا ، ولا صبيا صغيرا ، وستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم للذي حبسوها فذروهم وما حبسوا أنفسهم له ، وستجدون أقواما قد اتخذت الشياطين أوساط رؤوسهم أفحاصا ( كشعار على معصيتهم كما تفعل بعض الطوائف في العصر الحديث ) فاضربوا على أعناقهم ، وستردون بلدا يغدو ويروح عليكم فيه ألوان الطعام ، فلا يأتيكم لون إلا ذكرتم اسم الله عليه ، ولا ترفعوا لونا حمدتم الله عز وجل عليه "..

                وإن هذا العجب ليزول عندما يعرف القارئ أن أبا بكر رضي الله كان يودع تلك الجيوش الغازية ماشيا على رجليه ساعات وهو يقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من اغبرت قدماه في سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار " ..

                وإن هذا العجب ليزول عندما يعرف القارئ أن الرجل الواحد من المسلمين كان يتصدى بمفرده لزحوف الروم متترسا أمامهم بجسده كما حصل مع هشام بن العاص ، إذ ذكر عنه أحد الصحابة أنه : لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهَوا إلى موضعٍ لا يعبره إلاّ إنسانٌ إنسانٌ، فجعلت الروم تقاتل عليه ، وقد تقدموه وعبروه ، فتقدم هشام بن العاص وصار يقاتلهم ويقول : يا معشر المسلمين إن هؤلاء القلفان لا صبر لهم على السيف فاصنعوا كما أصنع ، وجعل يدخل وسطهم ويقاتلهم حتى قُتِل، فوقع على تلك الثلمة فسدّها..

                فلما انتهى المسلمون إليها واحتاجوا للعبور مسرعين لم يجدوا فرصة لانتشاله ، وهابوه أن يُوطِئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس إن الله قد استشَهَدَه ورفع درجتَه وإنما هو جُثّة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو وتابعه الناس حتى قطعوه، فلمّا انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى العسكر كرّ عليه عمرٌو، فجعل يجمع لحمه وعظامه وأعضاءه وحمله في نطعٍ وواراه (الوافي بالوفيات :ج 7 / ص 416)..

                وفي رواية أخرى أنه رأى من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم ألقى المغفر عن وجهه ، وجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح: يا معشر المسلمين إلي إلي، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ ..

                وهذا العجب يزول عندما يعرف القارئ أن المرأة المسلمة كانت تنشغل بأمر الغزو انشغالا لا يقل عن شأن الرجال ؛ لدرجة أن أم حكيم زوج عكرمة بن أبي جهل لما استشهد زوجها وتقدم آخر للزواج بها بعد اكتمال عدتها أبت أن يدخل بها إلا بعد تحقق النصر للمسلمين في تلك الغزوة ، فلما استشهد ولحق بعكرمة لم تجد سوى عمود خيمتها لتحمله وتدق به رءوس المشركين من الروم ، حتى قتلت منهم سبعة بمكان ما زال يعرف إلى اليوم بِقَنْطَرَةِ أُمّ حَكِيمٍ ..
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #23
                  الخليفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه

                  قصة هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهراً إلى المدينة النبوية






                  قصة مشهورة على الألسن وفي الكتب والقصص و في الخطب والمحاضرات و بين العامة والخاصة وقد تجد من طلبة العلم من يستشهد بها ، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهراً إلى المدينة النبوية.

                  أخرج ابن عساكر في تاريخه (44/51-52) وابن السمان في الموافقة ، انظر : شرح المواهب (1/319) و سيرة الصالحي (3/315) وابن الأثير في أسد الغابة (4/152) ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لم هم بالهجرة تقلد سيفه و تنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً واختصر عَنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس – الأنوف – ، من أراد أن تثكله أمه و يوتم ولده و يرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي ، قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين ، علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه ) . قلت : هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها – و سيأتي - ، فهي لا تسلم من الكلام على سندها ، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها ، فكيف و فيها ثلاثة مجاهيل ؟! قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في رده على البوطي في سيرته : ( جزمه بأن عمر رضي الله عنه هاجر علانية اعتماداً منه على رواية علي المذكورة ، و جزمه بأن علياً رواها ليس صواباً ؛ لأن السند بها لا يصح و صاحب أسد الغابة لم يجزم أولاً بنسبتها إليه رضي الله عنه ، و هو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته ، و لينظر فيه من كان من أهل العلم ، و قد وجدت مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني : حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي ( كذا الأصل ولعله الأيلي ) عن أبيه ، بإسناده إلى علي ، و هؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ( ص 42- 43) . قلت : و نحن لا ننكر شجاعة عمر و هيبته رضي الله عنه ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : ( ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ) ، و لكن العبرة بما صح و حسن سنده . و القصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق قال حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبدا لله عن أبيه عمر رضي الله عنهما قال : ( اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا و عياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب – موضع فوق سرف على مرحلة من مكة – من أضاة بني غفار – أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين – فوق سَرِف ، و قلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه ، فأصبحت أنا و عياش عند التناضب ، و حبس عنا هشام ، و فتن فافتتن .. .. وعندما نزلت الآية { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً .. الآية } كتبها عمر و أرسل بها إلى هشام بن العاصي بمكة ، فوجد صعوبة في فهمها ، فدعا الله أن يفهمه إياها ، فألقى الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله ، فلحث برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) . انظر : ابن هشام (2/129-131) بإسناد حسن ، و صححه ابن حجر في الإصابة (3/602) ، و قد أشار إلى صحتها الهيثمي في المجمع (6/61 ) . قلت : و دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية ، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة ، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار – وهي على عشرة أميال من مكة – ليؤكد إسرارهم بهجرتهم . و فوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب سراً ، حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق – السابقة – وزاد فيها قول عمر : ( و كنا نخرج سراً فقلنا .. ) .
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #24
                    وسطية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع غير المسلمين

                    لقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه مثالا فريدا من بين كل الذين وصلوا لسدة الحكم ليس في عصره فقط ، وإنما في كل العصور والأزمان التي مرت بها البشرية ، وقد تنبأ له النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بتلك المنزلة التي سيصل إليها بقوله : " فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " ( رواه مسلم في صحيحه)..



                    وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .



                    ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..



                    وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .



                    ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..



                    وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .



                    ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .

                    ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #25
                      وسطية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع غير المسلمين

                      ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .

                      وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .

                      ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .

                      فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..

                      ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..

                      وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..



                      وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...



                      واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...



                      فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.



                      هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #26
                        فتح دمشق

                        قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

                        والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

                        وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

                        وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

                        قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

                        و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #27
                          فتح مصر

                          كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية ، استولى عليها الروم سنة 40 قبل الميلاد ، فجعلوها تمدهم بما يحتاجون إليه من الغلال ، وأغلقت أمام سكان مصر الأصليين أبواب المناصب العالية ، وزادت عليهم الضرائب زيادة كبيرة شملت كل إنسان في مصر حتى وصل الظلم إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود الروم المارين والمستقرين بمصر كلهم ، حتى تمنى المصريون الخلاص من الروم .

                          ولما وصل عمربن الخطاب إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ قال له عمرو بن العاص : ائذن لي في المسير إلى مصر ؛ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .

                          وتردد عمر في الأمر خوفاً على المسلمين أن يصيبهم الإرهاق من كثرة الحروب المتواصلة وقد فرغوا قريباً من فتوحات الشام ، وخشية من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وينشروا دينهم في البلاد المفتوحة ، لكن عَمراً هون الأمر على الخليفة ، فقال له عمر حينذ : إني مرسل إليك كتاباً وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر ، فإن أدركك قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره .

                          وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها ، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين ، فلم يتسلمه من حامله ، حتى شارف العريش ، فأخذ الكتاب ، وقرأه على أصحابه ، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر ، ولكن عَمْراً الآن في أرض مصر ، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله .

                          اخترق الجيش سيناء سنة : 18هـ ، ففتح العريش من غير مقاومة تذكر ؛ لأن حصونها لم تكن من المتانة لتصمد في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً، ولعدم وجود حامية رومية بها . ثم غادر عمرو العريش ، سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته الى مصر .

                          ولم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر المحرم 19للهجرة ، وسار عمرو بعد ذلك حتى وصل بلبيس فوجدها محصنة ، وفيها أرطبون الروم ، وقد فرّ من فلسطين قبيل تسليم بيت المقدس ، وخلال شهر من الحصار والاشتباكات فتحت المدينة ، وكان بها ابنة المقوقس أرمانوسة ، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة .

                          وطلب عمرو المدد من أمير المؤمنين ، فأرسل أربعة آلآف مجاهد ، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلآف ، على كل ألف رجل منهم مقام الألف .. ) .

                          وصل هذا المدد بقيادة الزبير إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ، ولكن تيودور قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد ، ولكن عمراً تنبه للأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل الأحمر وانقض على الروم ، فاختل نظامهم ، واضطرب تيودور فتراجع لينظم قواته ، فقابله الكمين الذي كان بقرب النيل ، فأصبح تيودور وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات ، فحلت به الهزيمة ، فركب بعضهم في النيل وفر إلى حيث لايرى ، وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن .

                          لم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون ،فإن فتح فتحت مصركلها ، ولكن الحصار طال وتأخر الفتح سنتين ، وما ذاك إلا بسبب : قلة عدد المسلمين (8004 رجل ) ، ومتانة أسوار حصن بابليون ، وتجمع الآلآف من جند الروم به ، وقلة معدات الحصار مع الجند المسلمين ، مع فيضان النيل .

                          وطلب المقوقس من عمرو رجالاً يتحادث معهم من المسلمين فأرسل إليه وفداً بقيادة عبادة بن الصامت ، وأبقى عمرو رسل المقوقس عنده يومين وليلتين حتى يطلعوا على أحوال جند المسلمين فيخبروا بذلك من وراءهم ، ثم ردهم عارضاً عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال .

                          أما الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى ، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين . فوضع سلما ً إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ، ومعه السيف ، وقد عصب رأسه بعمامة صفراء علامة حب الموت أوالنصر .

                          وقفز الزبير داخل الحصن ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم ، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة ، وأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد ، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا ، واستطاع الزبير أن يفتح الباب ، واقتحم المسلمون الحصن ، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر .

                          ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، فأجابه عمرو إلى ذلك .

                          وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة ؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا .
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #28
                            من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

                            الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالهداية والرحمة للعالمين ..



                            وبعد .. فسعيا من إدارة الموقع إلى تعريف الزوار الكرام بفضل سلفنا الصالح نقدم هذه المجموعة من الأحاديث والمأثورات في فضل عمر بن الخطاب رضي الله ، وقد سبق وأن قدمنا مجموعة مماثلة في فضائل أبي بكر الصديق وعثمان رضي الله عنهما ، وسنتبعها إن شاء الله بسلسة أخرى في فضائل الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم ، وأمرنا بالاقتداء والتأسي بهم ، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم يوم القيامة .
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #29
                              من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

                              أولا : أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه وفضائله :

                              ـ أخرج أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".

                              ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبو بكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين" .

                              ـ أخرج الترمذي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك ، بعمر بن الخطاب ، أو بأبي جهل بن هشام ".

                              ـ أخرج الحاكم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة " وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر الصديق وفي الكبير من حديث ثوبان.

                              ـ أخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " وأخرجه الطبراني عن بلال بن رباح ومعاوية بن أبي سفيان .

                              ـ أخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " .

                              ـ أخرج مسلم عن عائشة ، أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنه كان في الأمم محدثون (ملهمون يوافق قولهم مراد الله تعالى ) فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب » .

                              ـ عن سعد بن أبي وقاص قال : أستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، ما لقيت الشيطان سالكا فجا إلا سلك غير فجك » .

                              ـ أخرج ابن ماجة عن ابن عباس ، قال : لما أسلم عمر أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر » .

                              ـ أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره » قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ، ؟ قال : « الدين ».

                              ـ أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت: لمن هذا القصر قالوا: لعمر فذكرت غيرتك فوليت مدبراً ، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله .

                              ـ أخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر الري يجري في أظفاري ، ثم ناولته عمر ، قالوا: فما أولته يا رسول الله ؟ قال العلم.

                              ـ أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك " .

                              ـ أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".

                              ـ أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر " .

                              ـ أخرج البزار عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا غلق الفتنة ، وأشار بيده إلى عمر ، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم " .

                              ـ أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن الشيطان يفرق ( يخاف ) من عمر " .

                              ـ أخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحق بعدي مع عمر حيث كان " .

                              ـ أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحب عمر فقد أحبني . .. " إسناده حسن.

                              ـ أخرج مسلم عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أباه سعدا قال :.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك ( يقصد عمر ) الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك .

                              ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".

                              ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر وعمر خير أهل السموات والأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة ".

                              ـ أخرج البزّار عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص أبيض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر أجديد قميصك هذا أم غسيل "؟ فقال: غسيل، فقال: "البس جديداً ، وعش حميداً ، ومت شهيداً ، يعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة ".

                              ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم وقال: " اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وداء، وأبدله إيمانا - ثلاثا – ".
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #30
                                من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

                                ثانيا : من أقوال الصحابة المأثورة في فضل عمر :

                                ـ أخرج ابن منيع في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: "كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر " .

                                ـ أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.

                                ـ أخرج مسلم عن ابن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس يقول : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت إليه فإذا هو علي ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذاك أني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَإِنْ كُنْتُ لأرْجُو أَوْ لأظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا" .

                                ـ أخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحاً ، وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمامته رحمة ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.

                                ـ عن محمد بن إسحاق قال : جاء طلحة حتى دخل على أبي بكر وقال : استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف إذا خلا بهم ، وأنت ملاق ربك فسائلك عن رعيتك فقال أبو بكر : أجلسوني فأجلسوه فقال : أبالموت تفرقوني أم بالله تخوفونني ، إذا لقيت الله فسألني قلت : استخلفت عليهم خير أهلك

                                ـ عن جابر بن عبد الله أن عليا قال لعمر وهو مسجى : ما من الناس أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجّى .

                                ـ أخرج ابن سعد عن ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم.

                                ـ أخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر قال المشركون: قد انتصف القوم اليوم منا ، وأنزل الله " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ".

                                ـ أخرج ابن سعد والحاكم عن حذيفة قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قرباً.

                                ـ أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب إسناده صحيح حسن ".

                                ـ أخرج ابن سعد عن صهيب قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه أظهر الإسلام ودعا إليه علانية ، وجلسنا حول البيت حلقاً ، وطفنا بالبيت ، وانتصفنا ممن غلظ علينا ، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.

                                ـ قال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.

                                ـ قالت عائشة رضي الله عنها وذكرت عمر كان والله أحوذياً نسيج وحده.

                                ـ قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده ، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها ، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن .

                                ـ سئل ابن عباس عن أبي بكر فقال: كان كالخير كله ، وسئل عن عمر فقال: كان كالطير الحذر الذي يرى أن له بكل طريق شركاً يأخذه وسئل عن علي فقال: ملئ عزماً وحزماً وعلماً ونجدة.
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X