يبدو ان مخيلة عصابات الأحتيال النيجيرية قد اصبحت خصبة للغاية ، اذ بدؤا باستخدام الأنترنت وقدراتها الفائقة لتوصيل رسائل الأحتيال الى ملايين الضحايا باستخدام البريد الألكتروني .
وتتضمن تفاصيل هذا الاحتيال طلب مساعدة أحد الضحايا المحتملين للقيام بالمشاركة في نشاط معين تحوم حوله الشبهات ، وبالتالي فإن ذلك يوفر ضمانا كافيا للمحتال بأن الضحية لن يقوم بإبلاغ أجهزة الأمن بعد وقوعه ضحية لعملية الاحتيال. كذلك فإن الضحية سيكون خائفا وقلقا كونه قد ساعد في تنفيذ عملية غير قانونية ولن يعلن عن مشاركته تلك نهائيا ، وخصوصا عند احتمال وجود تغطية إعلامية لحادثة الاحتيال . ونتيجة لذلك فإن المحتال سيقوم بتكرار عملية الاحتيال مرات عديدة وأحيانا مع نفس الضحية . بينما الأجهزة الأمنية تواجه بصعوبات عديدة في العثور على الشهود والأدلة .
وفي وقتنا الحاضر فإن أحد أشهر مخططات احتيال" الدفعة المقدمة " قد أرتبط بمجموعة من عصابات الاحتيال النيجيرية والمرجح أنها تباشر نشاطها بواسطة خلايا تابعة لها في الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، كندا ، هونغ كونغ ، اليابان وبعض البلاد الأفريقية الواقعة ضمن دول اتحاد غرب أفريقيا.
إن عبارة احتيال" الدفعة المقدمة " النيجيري هو صحيح جزئيا نظرا لاتساع مدى وأبعاد هذا النوع من الاحتيال إذا أن الكثير من المحتالين والضحايا قد تم تحديد أماكنهم في دول مختلفة . ولعل أحد أهم أسباب نجاح هذا المخطط الاحتيالي في نيجيريا يمكن في الظروف الاجتماعية والسياسية فيها التي وفرت للمحتالين بيئة معقولة وقابلة للتصديق لإخفاء أنشطتهم الحقيقية عند اقترابهم من أهدافهم المحتملة ( الضحايا ).
* الخلفية الاجتماعية والسياسية لنيجيريا :-
نيجيريا عبارة عن اتحاد من ثلاثين ولاية يحكمها رئيس مدني أنتخب حديثا ، عدد سكانها 125 مليون نسمة تقريبآ وتغطي مساحتها 925000 كيلو متر مربع ، ولا غوس هي المركز الاقتصادي لنيجيريا وظلت كعاصمة لها حتى عام 1991 عندما اختيرت (Abuja) كعاصمة في وسط البلاد. وقد أصبحت نيجيريا مستعمرة بريطانية في العام 1861 بعد حظر تجارة الرقيق في العام 1833، وفي العام 1900 تولت الحكومة البريطانية مقاليد الأمور بشكل مباشر فيها ، وفي تشرين أول 1960 أصبحت نيجيريا دولة مستقلة وتوالى عليها العديد من الحكام العسكريين وتخللتها بعض فترات الديمقراطية . وفي العام 1993 تولى الجنرال ساني أباشا الحكم بعد مزاعم عن عمليات تزوير في الانتخابات أما مسعود أبيولا رجل الأعمال المليونير والذي أدعى أنه هو المنتخب ديمقراطيآ فقد تم اعتقاله بتهمة الخيانة العظمى وسجن عام 1994 وتوفي في السجن اثر سكتة قلبية في تموز عام 1998 بعد وفاة الجنرال أباشا في حزيران عام 1998. وفي 27 شباط 1999 تم انتخاب الرئيس أوبا سانجو عبر انتخابات ديمقراطية فقد أخذ الرئيس على عاتقه مهمة مكافحة الفساد المستشري والناتج عن حكم الجزالات الذي استمر 29 عاما من أصل 36 منذ استقلال البلاد . وخلال حكم الجنرال أباشا تم اختلاس البلايين من الخزينة العامة وقد قامت عائلة الرئيس الراحل مؤخرا بإعادة 750 مليون دولار أمريكي إلى الحكومة النيجيرية وتم إيداعها في البنك المركزي النيجيري.
وتتعدد ثروات نيجيريا من احتياطات النفط والغاز الطبيعي إلى الفحم والحديد وتشكل صادراتها من المنتجات النفطية الجزء الأكبر من عائدات التصدير فيها ، وفي وقتنا الحالي فإن مبيعات النفط الخام تشكل 90% من عائدات التصدير و 75% من الإيرادات الحكومية . وعندما انخفضت أسعار النفط بشكل حاد في منتصف الثمانينات فلقد تأثرت ثروات البلاد بشكل حاد مما أدى - مقرونا بالفساد في أوساط النخبة الحاكمة - ، إلى انخفاض عام وحاد في مستويات المعيشة ، ولجمع الأموال بدأ النيجيريون بابتكار أساليب احتيالية بمساعدة النيجيريين المقيمين في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبعض الدول المتقدمة .
وأدى الاضطراب السياسي والاجتماعي إلى خلق سيناريوهات يتم فيها إقناع الأفراد (ضحايا الاحتيال) بوجود أموال في نيجيريا بحاجة لنقلها للدول الغربية لمنع مصادرتها أو للحيلولة دون تخفيض قيمة العملة .
* مدى وطبيعة المشكلة :-
إن عمليات الاحتيال التي تم اكتشافها حديثا قد اتخذت العديد من الأشكال والسيناريوهات ولكنها كلها تشترك في آلية تنفيذ عملية الاحتيال حيث يتم الاتصال بالضحية بواسطة الرسائل البريدية أو حديثا باستخدام البريد الإلكتروني وذلك بدون أية اتصالات مسبقة مع الضحية . أما عناوين الضحايا فيتم الحصول عليها بوسائل عديدة : أدلة الهاتف وعناوين البريد اٌلإلكتروني ، والصحف المتخصصة بالتجارة ، المجلات . وغالبا تكون الرسائل مطبوعة أو مكتوبة بخط اليد وملصق عليها طوابع بريد مزورة مما يؤدي في معظم الأحيان إلى مصادرتها من قبل مكاتب البريد . وهذه الرسائل تشرح الحاجة إلى إخراج الأموال من نيجيريا وتطلب مساعدة ( الضحية ) في تزويد المحتالين بتفاصيل حسابه البنكي في بلد أخر إضافة لرسوم ومصاريف لتسهيل العملية ويتم عرض نسبة عمولة على الضحية تصل إلى 40% من المبالغ المطلوب إخراجها من نيجيريا . أما المبالغ موضوع العملية فإنها تتراوح بين 20-40 مليون دولار أمريكي مما يصل بالعمولة التي ستمنح للضحية إلى 16 مليون دولار تقريبا . وبعد ذلك يتم طلب نسبة مقدمة من الضحية يمكن أن تبلغ 50000 دولار أمريكي وهي غالبا المبلغ الذي سيتم الاحتيال به على الضحية .
تتنوع أساليب وآليات الاحتيال في أنواعها ولكنها جميعا تشترك في أنها لاقت نجاحا بدرجات مختلفة من ضحايا الاحتيال . ومن هذه الأساليب:-
• يتم إعلام الضحية بوجود حقيبة ممتلئة بأوراق نقدية ( غالبا من الدولار الأمريكي ) وهذه الأوراق مطلية بطبقة سوداء ( مكونة من الفازلين والايودين ) وذلك لإخفائها عن أعين السلطات ، ويتم عرض هذه الأوراق السوداء على الضحية مع إخباره بأن هذه الطبقة السوداء يمكن إزالتها عن طريق غسل الأوراق النقدية بمحلول خاص ويتم تنفيذ ذلك على عينة من هذه الأوراق السوداء أمام الضحية إمعانا في تضليله حيث يتم غسل بعض الأوراق بالمحلول الخاص لتظهر أوراق نقدية صحيحة من فئة المائة دولار أمريكي ومن الواضح أن العملية مدبلجة حيث أن باقي الأوراق في الحقيبة هي أوراق عادية كما أن المحلول الخاص ما هو إلا أحد مساحيق الغسيل بعد تلوينه ، وبعد ذلك يتم طلب مبلغ من الضحية يتراوح بين 000ر50 دولار أمريكي ولغاية 000ر100دولار حتى يمكن شراء كمية مناسبة من المحلول الخاص بغسل وتنظيف الأوراق السوداء علما بأن المحتال يعرض على الضحية مساعدته في الاتصال بالأشخاص المناسبين والذين يملكون مثل هذا المحلول السحري. وبعد قيام الضحية بدفع المبلغ المطلوب للمحتالين ، فإنه يكتشف بعد (فوات الأوان) أن الحقيبة الموجودة بحوزته تحتوي أوراق سوداء عادية بدون أية قيمة كما أنه لا يتسلم أية محاليل سرية من المحتالين وقد خسر أحد رجال الأعمال اليابانيين 5 ملايين دولار أمريكي بواسطة هذا النوع من الاحتيال .
الشكل (1) يظهر عدة حقائب مكدسة بالدولار الأسود
• تم إرسال رسائل إلى بعض الضحايا، تشير لوجود الملايين من الدولارات والتي تركها أحد النبلاء أو الأغنياء لهم في وصيته ويتم دعوة هؤلاء الضحايا للمطالبة لهذه الأموال . وإمعانا في التضليل يتم إرفاق وصايا مزورة مع هذه الرسائل ، مرسلة لأقارب الفقيد الراحل من مكاتب محاماة وهمية، بعد ذلك يطلب من الضحية دفع مبلغ مقدم حتى يمكنهم استلام الإرث الوارد في الوصية وبالطبع فإن مثل هذا الإرث غير موجود أصلا .
الشكل (2) وصية مزورة
• إرسال رسائل تبدو في ظاهرها صادرة عن هيئة رسمية أو شركات معروفة أو مكاتب محاماة مثل الحكومة النيجيرية، شركة البترول الوطنية، البنك المركزي النيجيري، وتوضح هذه الرسائل أن هناك مبالغ طائلة في نيجيريا ويجب نقلها إلى خارج البلاد حتى لا تتم مصادرتها. ويتم الطلب من الضحايا إرسال تفاصيل حساباتهم الصرفية لدعم عملية تحويل الأموال إلى خارج نيجيريا بصورة شرعية. ومع مرور الوقت يتم الطلب من الضحايا بدفع مبالغ مقدمة لتسهيل تنفيذ عملية التحويل ومن ذلك ضرائب حكومية، رسوم حكومية، تكاليف تدقيق ومراجعة، وتأمين وحتى رشاوى للمسؤولين. وغالبا ما يستمر الضحايا بدفع هذه المبالغ المقدمة لفترات طويلة على أمل الحصول على حصتهم من المبالغ الطائلة المزعومة والتي لن تصلهم أبدا .
• إرسال رسائل إلى بعض الضحايا حول وجود عقود حكومية مع بعض كبار المسؤولين الحكوميين أو رجال الأعمال وغالبا ما تتعلق هذه العقود بشحنات النفط الخام، أو استعادة المبالغ المتعاقد عليها أو مبالغ زائدة ناتجة عن فواتير مضخمة القيمة ولتسهيل عملية إخراج هذه الأموال من نيجيريا يتم الطلب من الضحية بأن يقوم بتزويد المحتالين بأرقام الحسابات البنكية الخاصة به ولاحقا بطلب منه دفع بعض الرسوم القانونية، مصاريف التلكس، عمولة التحويل من البنك ورشاوي للمسؤولين.
• قدر مكتب الخدمات السرية الأمريكي حجم المبالغ التي تم الاحتيال بواسطتها على الضحايا من جميع أنحاء العالم منذ العام 1989 بحوالي 5 بلايين دولار أمريكي .
• في استراليا (في مدينة سيدني لوحدها) قامت هيئة البريد الأسترالية بمصادرة (5ر4 طن) من الرسـئل الاحتيالية النيجيرية وعليها طوابـع بريدية مزورة تصل في مجموعها إلى 8ر1 مليون رسالة .
• في تموز 1998 قامت الجمارك الأسترالية بتفتيش طرد مرسل بواسطة البريد السريع من نيجيريا ، وعثرت بداخله على 302 رسالة احتيالية كانت معدة لإرسالها بريديا من استراليا إلى عناوين في نيوزلندا ، ومنطقة الباسيفيك وجنوب شرق آسيا .
• في آذار 1998 قامت شرطة هونغ كونغ باعتقال 54 شخصا ومصادرة 13350 رسالة احتيالية .
* التصعيد في المشكلة :
• مع مرور الوقت ، أصبحت عمليات الاحتيال معقدة وبوسائل مبتكرة بل تعدت ذلك إلى عمليات عنف جسدية وابتزاز ويحدث ذلك غالبا عندما يطلب من الضحايا السفر إلى نيجيريا لإنهاء المعاملات الخاصة بالأموال موضوع الاحتيال ، أو عند سفر بعض ضحايا الاحتيال إلى نيجيريا في محاولة منهم لاسترجاع الأموال التي اكتشفوا وقوعهم ضحية لٌلاحتيال وفي بعض الأحيان يتم منح هؤلاء الضحايا تأشيرات مزورة حيث يصبح وجودهم داخل نيجيريا غير قانوني مما يعرضهم لعمليات ابتزاز إضافية من المحتالين كما أن الضحايا والذين يتم اكتشاف الرسائل الاحتيالية بحوزتهم يصبحوا عرضة للمساءلة القانونية من السلطات هناك.
• وحديثا فقد تم تهديد الضحايا بالعنف الجسدي منذ البداية في حالة عدم تعاونهم مع المحتالين وفي حالة سفرهم إلى نيجيريا يتم اختطافهم كرهائن لحين دفع فدية للإفراج عنهم . ومنذ العام 1992 فقد قتل 17 شخصا خلال محاولتهم استعادة الأموال التي دفعوها للمحتالين وذلك خلال وجود هؤلاء الضحايا في نيجيريا ، كما أن وزارة الخارجية الأمريكية قامت بتوثيق أكثر من 100 حالة تم فيها إنقاذ مواطنين أمريكيين من نيجيريا ، وفي أحد المرات فلقد وجد أحد المستثمرين الأمريكيين مقتولا على درجات الفندق الذي يقيم فيه بعد سفره إلى نيجيريا لمحاولة استعادة أمواله.
• ولعل المفارقة والتصعيد الأكبر يظهر في عمليات الاحتيال المتكررة ولكن على نفس الضحية إذ أن بعض الضحايا وبعد وقوعهم ضحية لعمليات الاحتيال واكتشاف ذلك من قبلهم يقوموا باستلام رسائل بعد شهور من دفعهم للمبالغ المقدمة وهذه الرسائل تظهر وكأنها صادرة عن السلطات النيجيرية وتعلم الضحية فيها بأن أمواله قد تمت استعادتها من المحتالين وحتى يمكن إرسال هذه الأموال المستعادة للضحية فإنه يطلب من الضحية (مرة أخرى) إرسال بعض المبالغ المقدمة حتى يتسنى تحويل المبالغ المستفادة … وهكذا يستمر مسلسل الاحتيال على نفس الضحية .
• ولا تقتصر نشاطات عصابات الاحتيال النيجيرية على احتيال الدفعة المقدمة بل تمتد إلى الكثير من الأنشطة الإجرامية الأخرى مثل احتيال وتزوير بطاقات الائتمان ، تزوير وسرقة وثائق إثبات الشخصية التزييف، احتيال الهجرة بواسطة جوازات سفر وتأشيرات مزورة إضافة لعلاقات هؤلاء المحتالين مع عصابات الجريمة المنظمة بما فيها حلقات تهريب المخدرات الدولية .
• ويتم استخدام الأموال التي حصلت عليها عصابات الاحتيال من الضحايا في عمليات غسيل الأموال . وفي إحدى الحالات قام مكتب الخدمات السرية الأمريكي بإدانة أحد النيجيريين المقيم في ولاية نيوجيرسي حيث قام باستلام الأموال الناتجة عن عملية الاحتيال ومن ثم قام بغسل هذه الأموال عن طريق استخدامها في شراء سيارات فاخرة باهظة الثمن يتم تصديرها بعد ذلك إلى لاغوس/ نيجيريا .
• ولعل أحد مظاهر التصعيد في المشكلة قد ظهرت حديثا وذلك بقيام الضحايا بأنفسهم بعمليات احتيال للحصول على مزيد من الأموال لإرسالها إلى نيجيريا ويظهر ذلك واضحا في قضية أحد الضحايا الذي قام بالاحتيال على بعض المستثمرين بمبالغ تصل إلى 000ر700 دولار أمريكي وذلك حتى يمكن إرسالها إلى نيجيريا أملا في تعويض واستعادة الأموال التي خسرها . ولقد قام هذا المحتال باستخدام الأسلوب نفسه الذي استخدمه النيجيريين للاحتيال عليه .
* مكافحة احتيال الدفعة المقدمة :-
إن احتيال الدفعة المقدمة كأحد أشكال الجرائم الدولية المنتظمة تبدو صعبة في الكشف عنها وفي القبض على ومحاكمة أفراد عصابات الاحتيال. ولقد استخدم المحتالون استراتيجيات عديدة ٌلأعاقة وإحباط عمليات التحقيق الرسمية كما أن الضحايا أنفسهم يترددون في التعاون مع أجهزة الأمن لاعتقادهم بأنهم مشتركون في عمليات إجرامية وبالتالي إمكانية تعرضهم للمساءلة القانونية وذلك في بلادهم أو في نيجيريا عند سفرهم هناك كذلك فإن الضحايا يحجمون من التعاون مع سلطات الأمن خوفا من تعرضهم لعمليات تصفية جسدية من قبل عصابات الاحتيال ذات العلاقات الوثيقة بالجريمة المنظمة .
كما تظهر صعوبات قانونية متعلقة بتحديد مكان وقوع جريمة الاحتيال ولأية جهة قضائية تخضع وأين يمكن رفع الدعاوى المتعلقة بها . ويتواجد العديد من المحتالين في الولايات المتحدة ومع ذلك فإن العديد من الرسائل يتم إرسالها من نيجيريا وفي مرات عديد فإن يتم توصيل الرسائل إلى دول أخرى ليتم إرسالها بريديا من هناك إلى ضحاياها المحتملين . وحديثا بدأ إرسال هذه الرسائل باستخدام البريد اٌلإلكتروني ما يثيره ذلك من إمكانية إرسالها من أي مكان ذو اتصال بشبكة الإنترنت . وغالبا ما يستحيل الحصول على أية أدلة خاصة بالاحتيال إذ يستعيد المحتالون الرسائل من الضحايا لدى مقابلتهم لهم . كما تظهر بعض الصعوبات القانونية الخاصة بتسليم المجرمين بين الدول ، حتى لو تم تحديد مكان تواجد المحتالين .
ولقد بدأت العديد من الدول في اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية والتشريعية والأمنية تمهيدا لمكافحة هذا النوع من جرائم الاحتيال وتشمل هذه الإجراءات :-
- إنشاء آليات للتعاون بين الأجهزة الأمنية فيما يخص جمع الأدلة ، وتحديد أماكن الشهود والمحتالين المشتبه بهم وتنفيذ مذكرات القبض والتفتيش ، مصادرة الأموال واستعادة المبالغ المدفوعة من قبل الضحايا كذلك إمكانية تتبع هذه العصابات دوليا . ولقد قامت الحكومة النيجيرية نفسها بمجموعة من الإجراءات لمكافحة هذا الاحتيال ، والعديد من القوانين تعالج جرائم احتيال الدفعة المقدمة والتزوير وذلك في الفقرة (419) من القانون الجنائي النيجيري والتي استخدمت للادعاء على العديد من المجرمين في نيجيريا مما أدى لاشتهار وارتباط هذه الفقرة بهذا النوع من الاحتيال وأصبح يطلق عليه " 419-Fraud ". وتصل عقوبة هذا النوع من جرائم الاحتيال إلى السجن لعشر سنوات كما أن استلام أي من الضحايا لأحد الرسائل الاحتيالية النيجيرية هو دليل على المباشرة في تنفيذ الجريمة الاحتيالية كما أن القضايا المتعلقة بهذا الاحتيال تعرض أمام محكمة عسكرية خاصة . كما قامت الحكومة النيجيرية بمجموعة من الاجراءات الوقائية ومن ضمنها التوعية بمخاطر هذا النوع من الاحتيال على المستويين المحلي والدولي . كما قامت الحكومة بإلغاء خدمة الاتصال الدولي من المواطنين كما قامت بإغلاق مراكز الاتصال الخاصة والتي كان يستخدمها معظم المحتالين للاتصال وإرسال الفاكسات الى الضحايا . كما قام البنك المركزي النيجيري بتنفيذ حملة دعائية للجمهور لتوعيتهم لمخاطر هذا النوع من الاحتيال . كما قامت العديد من الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة وفي أيار 1995 ثم إدانة ثلاثة محتالين رجلان وامرأة في لندن بالاحتيال بمبالغ وصلت إلى 000ر750 جنيه إسترليني . وفي العام 1997 قام مكتب مكافحة الاحتيال بالادعاء على 111 شخصا في بريطانيا . كما تم زيادة صلاحيات هيئة البريد البريطانية لاعتراض وإتلاف رسائل احتيال الدفعة المقدمة .
أما الولايات المتحدة فإن مكتب الخدمات السرية الأمريكي يضطلع بمهمة مكافحة هذا النوع من الاحتيال وقام المكتب في عام 1997 بحملة التوعية على مستوى دولي للتحذير من مخاطر استلام مثل هذه الرسائل الاحتيالية . ويستقبل هذا المكتب أكثر من مائة مكالمة يوميا من ضحايا محتملين إضافة لحوالي 500 رسالة . وفي نيسان 1998 تمكن المكتب وبعملية مشتركة مع السلطات النيجيرية من القبض على 50 شخصا . كما قامت منظمتين أمريكيتين بإنشاء مواقع لها على شبكة الانترنت ، تحتوي على معلومات وإرشادات حول هذا النوع من الاحتيال إضافة لعينات من الرسائل الاحتيالية والوثائق المزورة المستخدمة وكذلك قائمة طويلة بأسماء المحتالين مع تفاصيل الحسابات البنكية التي تم استخدامها لتحويل الأموال من الضحايا إليها والخطوات التي يجب اتخاذها لكشف مثل هذا النوع من الاحتيال .
وتتضمن تفاصيل هذا الاحتيال طلب مساعدة أحد الضحايا المحتملين للقيام بالمشاركة في نشاط معين تحوم حوله الشبهات ، وبالتالي فإن ذلك يوفر ضمانا كافيا للمحتال بأن الضحية لن يقوم بإبلاغ أجهزة الأمن بعد وقوعه ضحية لعملية الاحتيال. كذلك فإن الضحية سيكون خائفا وقلقا كونه قد ساعد في تنفيذ عملية غير قانونية ولن يعلن عن مشاركته تلك نهائيا ، وخصوصا عند احتمال وجود تغطية إعلامية لحادثة الاحتيال . ونتيجة لذلك فإن المحتال سيقوم بتكرار عملية الاحتيال مرات عديدة وأحيانا مع نفس الضحية . بينما الأجهزة الأمنية تواجه بصعوبات عديدة في العثور على الشهود والأدلة .
وفي وقتنا الحاضر فإن أحد أشهر مخططات احتيال" الدفعة المقدمة " قد أرتبط بمجموعة من عصابات الاحتيال النيجيرية والمرجح أنها تباشر نشاطها بواسطة خلايا تابعة لها في الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، كندا ، هونغ كونغ ، اليابان وبعض البلاد الأفريقية الواقعة ضمن دول اتحاد غرب أفريقيا.
إن عبارة احتيال" الدفعة المقدمة " النيجيري هو صحيح جزئيا نظرا لاتساع مدى وأبعاد هذا النوع من الاحتيال إذا أن الكثير من المحتالين والضحايا قد تم تحديد أماكنهم في دول مختلفة . ولعل أحد أهم أسباب نجاح هذا المخطط الاحتيالي في نيجيريا يمكن في الظروف الاجتماعية والسياسية فيها التي وفرت للمحتالين بيئة معقولة وقابلة للتصديق لإخفاء أنشطتهم الحقيقية عند اقترابهم من أهدافهم المحتملة ( الضحايا ).
* الخلفية الاجتماعية والسياسية لنيجيريا :-
نيجيريا عبارة عن اتحاد من ثلاثين ولاية يحكمها رئيس مدني أنتخب حديثا ، عدد سكانها 125 مليون نسمة تقريبآ وتغطي مساحتها 925000 كيلو متر مربع ، ولا غوس هي المركز الاقتصادي لنيجيريا وظلت كعاصمة لها حتى عام 1991 عندما اختيرت (Abuja) كعاصمة في وسط البلاد. وقد أصبحت نيجيريا مستعمرة بريطانية في العام 1861 بعد حظر تجارة الرقيق في العام 1833، وفي العام 1900 تولت الحكومة البريطانية مقاليد الأمور بشكل مباشر فيها ، وفي تشرين أول 1960 أصبحت نيجيريا دولة مستقلة وتوالى عليها العديد من الحكام العسكريين وتخللتها بعض فترات الديمقراطية . وفي العام 1993 تولى الجنرال ساني أباشا الحكم بعد مزاعم عن عمليات تزوير في الانتخابات أما مسعود أبيولا رجل الأعمال المليونير والذي أدعى أنه هو المنتخب ديمقراطيآ فقد تم اعتقاله بتهمة الخيانة العظمى وسجن عام 1994 وتوفي في السجن اثر سكتة قلبية في تموز عام 1998 بعد وفاة الجنرال أباشا في حزيران عام 1998. وفي 27 شباط 1999 تم انتخاب الرئيس أوبا سانجو عبر انتخابات ديمقراطية فقد أخذ الرئيس على عاتقه مهمة مكافحة الفساد المستشري والناتج عن حكم الجزالات الذي استمر 29 عاما من أصل 36 منذ استقلال البلاد . وخلال حكم الجنرال أباشا تم اختلاس البلايين من الخزينة العامة وقد قامت عائلة الرئيس الراحل مؤخرا بإعادة 750 مليون دولار أمريكي إلى الحكومة النيجيرية وتم إيداعها في البنك المركزي النيجيري.
وتتعدد ثروات نيجيريا من احتياطات النفط والغاز الطبيعي إلى الفحم والحديد وتشكل صادراتها من المنتجات النفطية الجزء الأكبر من عائدات التصدير فيها ، وفي وقتنا الحالي فإن مبيعات النفط الخام تشكل 90% من عائدات التصدير و 75% من الإيرادات الحكومية . وعندما انخفضت أسعار النفط بشكل حاد في منتصف الثمانينات فلقد تأثرت ثروات البلاد بشكل حاد مما أدى - مقرونا بالفساد في أوساط النخبة الحاكمة - ، إلى انخفاض عام وحاد في مستويات المعيشة ، ولجمع الأموال بدأ النيجيريون بابتكار أساليب احتيالية بمساعدة النيجيريين المقيمين في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبعض الدول المتقدمة .
وأدى الاضطراب السياسي والاجتماعي إلى خلق سيناريوهات يتم فيها إقناع الأفراد (ضحايا الاحتيال) بوجود أموال في نيجيريا بحاجة لنقلها للدول الغربية لمنع مصادرتها أو للحيلولة دون تخفيض قيمة العملة .
* مدى وطبيعة المشكلة :-
إن عمليات الاحتيال التي تم اكتشافها حديثا قد اتخذت العديد من الأشكال والسيناريوهات ولكنها كلها تشترك في آلية تنفيذ عملية الاحتيال حيث يتم الاتصال بالضحية بواسطة الرسائل البريدية أو حديثا باستخدام البريد الإلكتروني وذلك بدون أية اتصالات مسبقة مع الضحية . أما عناوين الضحايا فيتم الحصول عليها بوسائل عديدة : أدلة الهاتف وعناوين البريد اٌلإلكتروني ، والصحف المتخصصة بالتجارة ، المجلات . وغالبا تكون الرسائل مطبوعة أو مكتوبة بخط اليد وملصق عليها طوابع بريد مزورة مما يؤدي في معظم الأحيان إلى مصادرتها من قبل مكاتب البريد . وهذه الرسائل تشرح الحاجة إلى إخراج الأموال من نيجيريا وتطلب مساعدة ( الضحية ) في تزويد المحتالين بتفاصيل حسابه البنكي في بلد أخر إضافة لرسوم ومصاريف لتسهيل العملية ويتم عرض نسبة عمولة على الضحية تصل إلى 40% من المبالغ المطلوب إخراجها من نيجيريا . أما المبالغ موضوع العملية فإنها تتراوح بين 20-40 مليون دولار أمريكي مما يصل بالعمولة التي ستمنح للضحية إلى 16 مليون دولار تقريبا . وبعد ذلك يتم طلب نسبة مقدمة من الضحية يمكن أن تبلغ 50000 دولار أمريكي وهي غالبا المبلغ الذي سيتم الاحتيال به على الضحية .
تتنوع أساليب وآليات الاحتيال في أنواعها ولكنها جميعا تشترك في أنها لاقت نجاحا بدرجات مختلفة من ضحايا الاحتيال . ومن هذه الأساليب:-
• يتم إعلام الضحية بوجود حقيبة ممتلئة بأوراق نقدية ( غالبا من الدولار الأمريكي ) وهذه الأوراق مطلية بطبقة سوداء ( مكونة من الفازلين والايودين ) وذلك لإخفائها عن أعين السلطات ، ويتم عرض هذه الأوراق السوداء على الضحية مع إخباره بأن هذه الطبقة السوداء يمكن إزالتها عن طريق غسل الأوراق النقدية بمحلول خاص ويتم تنفيذ ذلك على عينة من هذه الأوراق السوداء أمام الضحية إمعانا في تضليله حيث يتم غسل بعض الأوراق بالمحلول الخاص لتظهر أوراق نقدية صحيحة من فئة المائة دولار أمريكي ومن الواضح أن العملية مدبلجة حيث أن باقي الأوراق في الحقيبة هي أوراق عادية كما أن المحلول الخاص ما هو إلا أحد مساحيق الغسيل بعد تلوينه ، وبعد ذلك يتم طلب مبلغ من الضحية يتراوح بين 000ر50 دولار أمريكي ولغاية 000ر100دولار حتى يمكن شراء كمية مناسبة من المحلول الخاص بغسل وتنظيف الأوراق السوداء علما بأن المحتال يعرض على الضحية مساعدته في الاتصال بالأشخاص المناسبين والذين يملكون مثل هذا المحلول السحري. وبعد قيام الضحية بدفع المبلغ المطلوب للمحتالين ، فإنه يكتشف بعد (فوات الأوان) أن الحقيبة الموجودة بحوزته تحتوي أوراق سوداء عادية بدون أية قيمة كما أنه لا يتسلم أية محاليل سرية من المحتالين وقد خسر أحد رجال الأعمال اليابانيين 5 ملايين دولار أمريكي بواسطة هذا النوع من الاحتيال .
الشكل (1) يظهر عدة حقائب مكدسة بالدولار الأسود
• تم إرسال رسائل إلى بعض الضحايا، تشير لوجود الملايين من الدولارات والتي تركها أحد النبلاء أو الأغنياء لهم في وصيته ويتم دعوة هؤلاء الضحايا للمطالبة لهذه الأموال . وإمعانا في التضليل يتم إرفاق وصايا مزورة مع هذه الرسائل ، مرسلة لأقارب الفقيد الراحل من مكاتب محاماة وهمية، بعد ذلك يطلب من الضحية دفع مبلغ مقدم حتى يمكنهم استلام الإرث الوارد في الوصية وبالطبع فإن مثل هذا الإرث غير موجود أصلا .
الشكل (2) وصية مزورة
• إرسال رسائل تبدو في ظاهرها صادرة عن هيئة رسمية أو شركات معروفة أو مكاتب محاماة مثل الحكومة النيجيرية، شركة البترول الوطنية، البنك المركزي النيجيري، وتوضح هذه الرسائل أن هناك مبالغ طائلة في نيجيريا ويجب نقلها إلى خارج البلاد حتى لا تتم مصادرتها. ويتم الطلب من الضحايا إرسال تفاصيل حساباتهم الصرفية لدعم عملية تحويل الأموال إلى خارج نيجيريا بصورة شرعية. ومع مرور الوقت يتم الطلب من الضحايا بدفع مبالغ مقدمة لتسهيل تنفيذ عملية التحويل ومن ذلك ضرائب حكومية، رسوم حكومية، تكاليف تدقيق ومراجعة، وتأمين وحتى رشاوى للمسؤولين. وغالبا ما يستمر الضحايا بدفع هذه المبالغ المقدمة لفترات طويلة على أمل الحصول على حصتهم من المبالغ الطائلة المزعومة والتي لن تصلهم أبدا .
• إرسال رسائل إلى بعض الضحايا حول وجود عقود حكومية مع بعض كبار المسؤولين الحكوميين أو رجال الأعمال وغالبا ما تتعلق هذه العقود بشحنات النفط الخام، أو استعادة المبالغ المتعاقد عليها أو مبالغ زائدة ناتجة عن فواتير مضخمة القيمة ولتسهيل عملية إخراج هذه الأموال من نيجيريا يتم الطلب من الضحية بأن يقوم بتزويد المحتالين بأرقام الحسابات البنكية الخاصة به ولاحقا بطلب منه دفع بعض الرسوم القانونية، مصاريف التلكس، عمولة التحويل من البنك ورشاوي للمسؤولين.
• قدر مكتب الخدمات السرية الأمريكي حجم المبالغ التي تم الاحتيال بواسطتها على الضحايا من جميع أنحاء العالم منذ العام 1989 بحوالي 5 بلايين دولار أمريكي .
• في استراليا (في مدينة سيدني لوحدها) قامت هيئة البريد الأسترالية بمصادرة (5ر4 طن) من الرسـئل الاحتيالية النيجيرية وعليها طوابـع بريدية مزورة تصل في مجموعها إلى 8ر1 مليون رسالة .
• في تموز 1998 قامت الجمارك الأسترالية بتفتيش طرد مرسل بواسطة البريد السريع من نيجيريا ، وعثرت بداخله على 302 رسالة احتيالية كانت معدة لإرسالها بريديا من استراليا إلى عناوين في نيوزلندا ، ومنطقة الباسيفيك وجنوب شرق آسيا .
• في آذار 1998 قامت شرطة هونغ كونغ باعتقال 54 شخصا ومصادرة 13350 رسالة احتيالية .
* التصعيد في المشكلة :
• مع مرور الوقت ، أصبحت عمليات الاحتيال معقدة وبوسائل مبتكرة بل تعدت ذلك إلى عمليات عنف جسدية وابتزاز ويحدث ذلك غالبا عندما يطلب من الضحايا السفر إلى نيجيريا لإنهاء المعاملات الخاصة بالأموال موضوع الاحتيال ، أو عند سفر بعض ضحايا الاحتيال إلى نيجيريا في محاولة منهم لاسترجاع الأموال التي اكتشفوا وقوعهم ضحية لٌلاحتيال وفي بعض الأحيان يتم منح هؤلاء الضحايا تأشيرات مزورة حيث يصبح وجودهم داخل نيجيريا غير قانوني مما يعرضهم لعمليات ابتزاز إضافية من المحتالين كما أن الضحايا والذين يتم اكتشاف الرسائل الاحتيالية بحوزتهم يصبحوا عرضة للمساءلة القانونية من السلطات هناك.
• وحديثا فقد تم تهديد الضحايا بالعنف الجسدي منذ البداية في حالة عدم تعاونهم مع المحتالين وفي حالة سفرهم إلى نيجيريا يتم اختطافهم كرهائن لحين دفع فدية للإفراج عنهم . ومنذ العام 1992 فقد قتل 17 شخصا خلال محاولتهم استعادة الأموال التي دفعوها للمحتالين وذلك خلال وجود هؤلاء الضحايا في نيجيريا ، كما أن وزارة الخارجية الأمريكية قامت بتوثيق أكثر من 100 حالة تم فيها إنقاذ مواطنين أمريكيين من نيجيريا ، وفي أحد المرات فلقد وجد أحد المستثمرين الأمريكيين مقتولا على درجات الفندق الذي يقيم فيه بعد سفره إلى نيجيريا لمحاولة استعادة أمواله.
• ولعل المفارقة والتصعيد الأكبر يظهر في عمليات الاحتيال المتكررة ولكن على نفس الضحية إذ أن بعض الضحايا وبعد وقوعهم ضحية لعمليات الاحتيال واكتشاف ذلك من قبلهم يقوموا باستلام رسائل بعد شهور من دفعهم للمبالغ المقدمة وهذه الرسائل تظهر وكأنها صادرة عن السلطات النيجيرية وتعلم الضحية فيها بأن أمواله قد تمت استعادتها من المحتالين وحتى يمكن إرسال هذه الأموال المستعادة للضحية فإنه يطلب من الضحية (مرة أخرى) إرسال بعض المبالغ المقدمة حتى يتسنى تحويل المبالغ المستفادة … وهكذا يستمر مسلسل الاحتيال على نفس الضحية .
• ولا تقتصر نشاطات عصابات الاحتيال النيجيرية على احتيال الدفعة المقدمة بل تمتد إلى الكثير من الأنشطة الإجرامية الأخرى مثل احتيال وتزوير بطاقات الائتمان ، تزوير وسرقة وثائق إثبات الشخصية التزييف، احتيال الهجرة بواسطة جوازات سفر وتأشيرات مزورة إضافة لعلاقات هؤلاء المحتالين مع عصابات الجريمة المنظمة بما فيها حلقات تهريب المخدرات الدولية .
• ويتم استخدام الأموال التي حصلت عليها عصابات الاحتيال من الضحايا في عمليات غسيل الأموال . وفي إحدى الحالات قام مكتب الخدمات السرية الأمريكي بإدانة أحد النيجيريين المقيم في ولاية نيوجيرسي حيث قام باستلام الأموال الناتجة عن عملية الاحتيال ومن ثم قام بغسل هذه الأموال عن طريق استخدامها في شراء سيارات فاخرة باهظة الثمن يتم تصديرها بعد ذلك إلى لاغوس/ نيجيريا .
• ولعل أحد مظاهر التصعيد في المشكلة قد ظهرت حديثا وذلك بقيام الضحايا بأنفسهم بعمليات احتيال للحصول على مزيد من الأموال لإرسالها إلى نيجيريا ويظهر ذلك واضحا في قضية أحد الضحايا الذي قام بالاحتيال على بعض المستثمرين بمبالغ تصل إلى 000ر700 دولار أمريكي وذلك حتى يمكن إرسالها إلى نيجيريا أملا في تعويض واستعادة الأموال التي خسرها . ولقد قام هذا المحتال باستخدام الأسلوب نفسه الذي استخدمه النيجيريين للاحتيال عليه .
* مكافحة احتيال الدفعة المقدمة :-
إن احتيال الدفعة المقدمة كأحد أشكال الجرائم الدولية المنتظمة تبدو صعبة في الكشف عنها وفي القبض على ومحاكمة أفراد عصابات الاحتيال. ولقد استخدم المحتالون استراتيجيات عديدة ٌلأعاقة وإحباط عمليات التحقيق الرسمية كما أن الضحايا أنفسهم يترددون في التعاون مع أجهزة الأمن لاعتقادهم بأنهم مشتركون في عمليات إجرامية وبالتالي إمكانية تعرضهم للمساءلة القانونية وذلك في بلادهم أو في نيجيريا عند سفرهم هناك كذلك فإن الضحايا يحجمون من التعاون مع سلطات الأمن خوفا من تعرضهم لعمليات تصفية جسدية من قبل عصابات الاحتيال ذات العلاقات الوثيقة بالجريمة المنظمة .
كما تظهر صعوبات قانونية متعلقة بتحديد مكان وقوع جريمة الاحتيال ولأية جهة قضائية تخضع وأين يمكن رفع الدعاوى المتعلقة بها . ويتواجد العديد من المحتالين في الولايات المتحدة ومع ذلك فإن العديد من الرسائل يتم إرسالها من نيجيريا وفي مرات عديد فإن يتم توصيل الرسائل إلى دول أخرى ليتم إرسالها بريديا من هناك إلى ضحاياها المحتملين . وحديثا بدأ إرسال هذه الرسائل باستخدام البريد اٌلإلكتروني ما يثيره ذلك من إمكانية إرسالها من أي مكان ذو اتصال بشبكة الإنترنت . وغالبا ما يستحيل الحصول على أية أدلة خاصة بالاحتيال إذ يستعيد المحتالون الرسائل من الضحايا لدى مقابلتهم لهم . كما تظهر بعض الصعوبات القانونية الخاصة بتسليم المجرمين بين الدول ، حتى لو تم تحديد مكان تواجد المحتالين .
ولقد بدأت العديد من الدول في اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية والتشريعية والأمنية تمهيدا لمكافحة هذا النوع من جرائم الاحتيال وتشمل هذه الإجراءات :-
- إنشاء آليات للتعاون بين الأجهزة الأمنية فيما يخص جمع الأدلة ، وتحديد أماكن الشهود والمحتالين المشتبه بهم وتنفيذ مذكرات القبض والتفتيش ، مصادرة الأموال واستعادة المبالغ المدفوعة من قبل الضحايا كذلك إمكانية تتبع هذه العصابات دوليا . ولقد قامت الحكومة النيجيرية نفسها بمجموعة من الإجراءات لمكافحة هذا الاحتيال ، والعديد من القوانين تعالج جرائم احتيال الدفعة المقدمة والتزوير وذلك في الفقرة (419) من القانون الجنائي النيجيري والتي استخدمت للادعاء على العديد من المجرمين في نيجيريا مما أدى لاشتهار وارتباط هذه الفقرة بهذا النوع من الاحتيال وأصبح يطلق عليه " 419-Fraud ". وتصل عقوبة هذا النوع من جرائم الاحتيال إلى السجن لعشر سنوات كما أن استلام أي من الضحايا لأحد الرسائل الاحتيالية النيجيرية هو دليل على المباشرة في تنفيذ الجريمة الاحتيالية كما أن القضايا المتعلقة بهذا الاحتيال تعرض أمام محكمة عسكرية خاصة . كما قامت الحكومة النيجيرية بمجموعة من الاجراءات الوقائية ومن ضمنها التوعية بمخاطر هذا النوع من الاحتيال على المستويين المحلي والدولي . كما قامت الحكومة بإلغاء خدمة الاتصال الدولي من المواطنين كما قامت بإغلاق مراكز الاتصال الخاصة والتي كان يستخدمها معظم المحتالين للاتصال وإرسال الفاكسات الى الضحايا . كما قام البنك المركزي النيجيري بتنفيذ حملة دعائية للجمهور لتوعيتهم لمخاطر هذا النوع من الاحتيال . كما قامت العديد من الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة وفي أيار 1995 ثم إدانة ثلاثة محتالين رجلان وامرأة في لندن بالاحتيال بمبالغ وصلت إلى 000ر750 جنيه إسترليني . وفي العام 1997 قام مكتب مكافحة الاحتيال بالادعاء على 111 شخصا في بريطانيا . كما تم زيادة صلاحيات هيئة البريد البريطانية لاعتراض وإتلاف رسائل احتيال الدفعة المقدمة .
أما الولايات المتحدة فإن مكتب الخدمات السرية الأمريكي يضطلع بمهمة مكافحة هذا النوع من الاحتيال وقام المكتب في عام 1997 بحملة التوعية على مستوى دولي للتحذير من مخاطر استلام مثل هذه الرسائل الاحتيالية . ويستقبل هذا المكتب أكثر من مائة مكالمة يوميا من ضحايا محتملين إضافة لحوالي 500 رسالة . وفي نيسان 1998 تمكن المكتب وبعملية مشتركة مع السلطات النيجيرية من القبض على 50 شخصا . كما قامت منظمتين أمريكيتين بإنشاء مواقع لها على شبكة الانترنت ، تحتوي على معلومات وإرشادات حول هذا النوع من الاحتيال إضافة لعينات من الرسائل الاحتيالية والوثائق المزورة المستخدمة وكذلك قائمة طويلة بأسماء المحتالين مع تفاصيل الحسابات البنكية التي تم استخدامها لتحويل الأموال من الضحايا إليها والخطوات التي يجب اتخاذها لكشف مثل هذا النوع من الاحتيال .
* الخلاصة :-
على الرغم من حملات التوعية المتعلقة وبمختلف الوسائل الإعلامية حول هذا النوع من الاحتيال ، إلا أن العديد من الضحايا ما زالوا يقعون في شرك عصابات الاحتيال طمعا في الحصول على الملايين المزعومة من الدولارات . ومع العديد من المعوقات التي تعترض مكافحة عمليات الاحتيال إلا أن أجهزة الأمن بدأت بالتعاون على المستوى الدولي في تبادل المعلومات .
وفي وقتنا الحاضر فإن عمليات المكافحة التي تقوم بها أجهزة الأمن المختلفة قد أدت بعصابات الاحتيال إلى النزوح من نيجيريا إلى الدول المجاورة مثل: جمهورية بنين ، بوركينافاسو ، سيراليون ، غانا ، الكاميرون وحتى جنوب أفريقيا . وإذا كان سبب ذلك هو الملاحقة المستمرة لأجهزة الأمن لهذه العصابات فإن شيئا أخر يتضح في عدم انتشار مثل هذا النوع من الاحتيال في هذه الدول وبالتالي تصبح إمكانية النجاح في الاحتيال أكبر بكثير . وتوضح أحد الرسائل الاحتيالية التي استلمها أحد الضحايا والمرسلة إليه من أحد المواطنين الزائريين ، والذي يقيم في بنين بأن هذا الزائيري يدعى ملكيته لحقيبتين تحتويان على عشرة ملايين دولار أمريكي والتي قام بأخذها معه عند سقوط الرئيس موبوتو . كما توضح رسالة أخرى مرسلة من أشخاص يدعون بأنهم عملاء لحركة يونيتا وبأنهم يملكون أموالا كانت مخصصة لشراء أسلحة للحركة ولكن بدلا من ذلك تم استيراد مجموعة من الماس والأحجار الكريمة بهذه الأموال . كذلك فإن استخدام البريد الإلكتروني يتيح للمحتالين إمكانية إخفاء هويتهم وإمكانية إرسال الرسالة نفسها إلى عدد ضخم من الضحايا المحتملين بسهولة كبيرة .
وختاما فإن التغيير في الوضع السياسي في نيجيريا قد يقلل من عمليات الاحتيال والفساد المستشري كما أن إدخال بعض القوانين سيوفر رادعا لمثل هذه العصابات وتكمن المشكلة في أن هذه الجريمة أصبحت دولية بكل ما في الكلمة من معنى ولذلك يجب وبشكل مستمر توعية عامة الناس ورجال الأعمال والمستثمرين بمخاطر الاستجابة لمثل هذه الرسائل والبعد عن الطمع في مكاسب لا تتحقق أبدا جراء الانسياق في مثل عمليات الاحتيال هذه .
محفوظ --- منقول ---
وفي وقتنا الحاضر فإن عمليات المكافحة التي تقوم بها أجهزة الأمن المختلفة قد أدت بعصابات الاحتيال إلى النزوح من نيجيريا إلى الدول المجاورة مثل: جمهورية بنين ، بوركينافاسو ، سيراليون ، غانا ، الكاميرون وحتى جنوب أفريقيا . وإذا كان سبب ذلك هو الملاحقة المستمرة لأجهزة الأمن لهذه العصابات فإن شيئا أخر يتضح في عدم انتشار مثل هذا النوع من الاحتيال في هذه الدول وبالتالي تصبح إمكانية النجاح في الاحتيال أكبر بكثير . وتوضح أحد الرسائل الاحتيالية التي استلمها أحد الضحايا والمرسلة إليه من أحد المواطنين الزائريين ، والذي يقيم في بنين بأن هذا الزائيري يدعى ملكيته لحقيبتين تحتويان على عشرة ملايين دولار أمريكي والتي قام بأخذها معه عند سقوط الرئيس موبوتو . كما توضح رسالة أخرى مرسلة من أشخاص يدعون بأنهم عملاء لحركة يونيتا وبأنهم يملكون أموالا كانت مخصصة لشراء أسلحة للحركة ولكن بدلا من ذلك تم استيراد مجموعة من الماس والأحجار الكريمة بهذه الأموال . كذلك فإن استخدام البريد الإلكتروني يتيح للمحتالين إمكانية إخفاء هويتهم وإمكانية إرسال الرسالة نفسها إلى عدد ضخم من الضحايا المحتملين بسهولة كبيرة .
وختاما فإن التغيير في الوضع السياسي في نيجيريا قد يقلل من عمليات الاحتيال والفساد المستشري كما أن إدخال بعض القوانين سيوفر رادعا لمثل هذه العصابات وتكمن المشكلة في أن هذه الجريمة أصبحت دولية بكل ما في الكلمة من معنى ولذلك يجب وبشكل مستمر توعية عامة الناس ورجال الأعمال والمستثمرين بمخاطر الاستجابة لمثل هذه الرسائل والبعد عن الطمع في مكاسب لا تتحقق أبدا جراء الانسياق في مثل عمليات الاحتيال هذه .
محفوظ --- منقول ---
تعليق