المقابر المصرية في الأقاليم.
العصر الاغريقى ..
لقد شاعت في هذا العصر، كما شاعت في العصور السابقة ولاسيما في العصر الصاوي، سنة إعادة استخدام المقابر القديمة كلما أمكن شراء مقابر قديمة هجرها أهلها وسط اللصوص عليها. ويشير انعدام وجود مقابر صخرية جديدة في منطقة طيبة من هذا العصر إلى أن فخامة مقابر طيبة القديمة قد جرت عليها ويلات كثيرة من جراء هذه العادة. لكن هذا البلاء لم تنكب به طيبة وحدها، فإن القرائن تدل على أنه قد شاركها في ذلك المصير مقابر مدن كثيرة يرجع عهدها إلى عصر الأسرة الثانية عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين والحادية والعشرين والثانية والعشرين.
ويمكن تقسيم المعابر المصرية التي ترجع إلى عصر البطالمة قسمين رئيسيين، وهما الآبار الجنازية والغرف الجنازية، أما القسم الأول فيتألف من نوعين، ومقابر النوع الأول بسيط جدًا وتتكون عادة من بئر تنشأ في قاعها فتحة يدفن فيها الميت، وتقفل بألواح من الصخر المحلي يحكم وضع بعضها إلى جانب بعض. وقد كان هذا النوع المتواضع من المقابر شائعًا جدًا في عصر البطالمة، ونستدل على تاريخ هذه المقابر مما وجد فيها من الآنية الفخارية والتوابيت والفائف التي كان الموتى يلفون بها. ولما كانت هذه الآبار الجنازية تشتبه الآبار الجنازية التي ترجع إلى الدولتين الوسطى والحديثة وعثر عليها في الرقة وهوارة وهو (Hu) وغيرها من الأماكن، فإنه يتضح لنا أن هذه المقابر البطلمية مقابر مصرية صميمة.
أما مقابر النوع الثاني فهي أغنى من مقابر النوع الأول، ولعل هذا الغنى يفسر قلة عدد مقابره في عصر يمتاز بفقر أهالي البلاد المدقع بوجه عام، كما يتبين من مقارنة مقابر المصريين بمقابر الإغريق، وكانت مقابر هذا النوع تتألف من هيكل جنازي صغير تنزل من أرضيته بئر كان الميت يدفن في قاعها، على نحو ما نرى في مقبرة بأطفيح، شيدت كلها من الحجر الجيري وغطيت جدران الهيكل بطبقة من الجبس طليت بالألوان. وكانت كل الجدران تنقسم إلى ثلاث لوحات زينت جميعها بمناظر ونقوش دينية. ويلاحظ أنه يتعذر فهم أسماء الآلهة في أغلب الأحيان، وأنه تكثر في النقوش عبارات مبهمة غامضة لم توجد في العصور السابقة، إلا أن المسافات بين الكلمات متوازنة والحروف أكثر اتقانًا من المألوف في العصور المتأخرة. وإذا كان مستوى طراز الرسم يقل عما كان عليه في العصور القديمة، فإن الأشكال لا تزال تحتفظ بما تمتاز به العصور القديمة من الدقة والجمال. إن وجه الشبه واضح بين هذه المقبرة والمقابر الفرعونية، ولذلك نعتبرها مصرية في تصميمها وعمارتها وزخرفتها. وتدل نقوشها وطراز زخرفتها على أنها تنتمي إلى هذا العصر.
وليس في الحقيقة لمقبرة بنوسيرس مكان هنا، لأنها بنيت في الأصل قبل الفتح المقدوني، ولأن لاموتى لم يدفنوا في هذه المقبرة في بئر جنازية، لكنها مقبرة هامة لا يمكن إغفالها، ويوجد ما يبرر الكلام عنا في هذا المجال، وذلك بسبب إكمال زخرفة هيكلها في عصر البطالمة، وإضافة قاعة خارجية أمام الهيكل في هذا العصر، وهنا المكان الوحيد الذي نتحدث فيه عن الهياكل البطلمية الجنازية.
يؤدي طريق منحدر ممهد إلى هذه المقبرة، التي تتألف من غرفة أمامية (Pronaos) مستطيلة الشكل، لها واجهة أنيقة تتكون من أربعة أعمدة ذات رؤوس من الطراز الشائع في عهد البطالمة المعروف باسم رءوس الأعمدة المركبة، وتقوم بين هذه الأعمدة أربعة جدران قصيرة كالتسائر. ووراء هذه الغرفة يوجد الهيكل، وهو أيضًا غرفة متسعة مستطيلة تقسمها إلى ثلاثة أقسام أربعة أعمدة مربعة مقامة في صفين. وتنزيل من وسط الهيكل بئر تؤدي إلى عدة غرف كانت تضم عدة توابيت من بينها توابيت بتوسيرس وزوجه وابنه.
وتزين واجهة المقبرةنقوش ومناظر دينية منحوتة ومطلية بالألوان، وهي مصرية في موضوعها وصنعتها وطرازها. وقد قسمت الجدران الداخلية في الغرفة الأمامية إلى لوحات، وضعت بعضها فوق بعض وزينت مثل المقابر الفرعونية بمناظر تمثل صناعة الآنية المعدنية والعطور والأدوات الخشبية وكذلك بعض الأعمال الزراعية. ويوجد على الجدار الجنوبي تحت اللوحات أفريز يمثل مناظر تقديم القرابين. و مناظر مصرية في موضوعها وصنعتها، لكن طرازها يرينا محاولة غير ناجحة لمزج الطرازين المصري والإغريقي. أما مناظر الجزء الغربي من الإفريز فهي تكاد تكون إغريقية في كل شيء.
أما زخرفة كل جدار في الهيكل فتتكون من ثلاثة أقسام: 1- أفريز مصري في الجزء العلوي، 2- لوحتان، أحداهما فوق الأخرى، بهما مناظر تمثل والد بتوسيريس أو أخاه في حضرة آلهة أو أفراد من الأسرة أو كليهما وكذلك مناظر جنازية، 3- أفريز سفلي تزينه مناظر ريفية ونساء ورجال يقدمون القرابين. وهنا أيضًا نجد أن أغلب الزخرفة مصرية صميمة في الموضوع والصنعة والطراز، لكن بعض المناظر ترينا محاولة لخلط الطرازين المصري والإفريقي.
ويدل مظهر الجدار الشمالي في الهيكل على أنه كان في الأصل واجمة المقبرة، أي أن الغرفة الأمامية أضيفت إلى البناء الأصلي فيما بعد. ويؤيد ذلك أيضًا النقوش والزخرفة، فإن نقوش الهيكل التي على الأعمادة وفي اللوحة العليا على الجدارين الجنوبي والغربي وفي الزاويتين الشرقية والغربية على الحائط الشمالي من الخارج دقيقة الصنع رقيقة الألوان، وطراز زخرفتها مصري بحت. أما لانقوش الأخرى التي في الهيكل والغرفة الأمامية، فإنها أقل دقة في الصنع ولم يبق شيء من ألوانها، ونرى في زخرفتها تأثيرات إغريقية ملموسة، مما يدل على أنه للمقبرة تاريخين: أقدمهما عندما أقيم الهيكل وترك غير كامل، وأحدثهما عندما أضيفت الغرفة الخارجية وزخرفت أكملت زخرفة الهيكل.
ويستخلص ليفقر (Lefebvre) من طابع النقوش ومحتوياتها والتأثيرات الإغريقية التي في الزخرفة أن بتوسيريس قد أكمل زخرفة الهيكل وإضافة الغرفة الأمامية حوالي عام 300 ق.م.، وهو تاريخ يتفق مع ما يقترحه فابل (Weil) لأسباب فنية أخرى. أما موتيه (Montet) فيعتقد أن التأثيرات الأجنبية التي في المقبرة تأثيرات فارسية، ويعطي للمقبرة تاريخًا حوالي بداية القرن الخامس قبل الميلاد. ويشارك كافنياك (Cavaignac) رأى مونتيه، لكنه يضع المقبرة حوالي بداية القرن الرابع. لكن بيكار (Picard) يؤيد رأي نيففر، وتعد المزاعم التي ترى في المقبرة تأثيرات فارسية، ويدلل على أن كل الظواهر التي تعتبر غريبة عن الفن المصري في زخرفة هذه المقبرة ظواهر إغريقية. وفي الواقع تذكرنا هذه الظواهر بخصائص الفن الإسكندري في عصر البطالمة.
ننتقل الآن إلى الكلام عن القسم الثاني من المقابر المصرية، ويتألف هذا القسم أيضًا من نوعين، وكانت مقابر النوع الأول تنحت في الصخر، وتتكون عادة من غرفة واحدة أو غرفتين وعدد من الدرج أو ممر منحدر. وقد كان هذا النوع كالآبار الجنازية من أكثر أنواع المقابر شيوعًا. ولعل أهم فارق بين النوعين أن الآبار الجنازية كانت تستخدم عادة لتدفن شخص واحد، أما الغرف فإنها كانت تضم رفات عدة أشخاص. وقد وجدت أمثلة كثيرة لهذا النوع من المقابر في دير البرشة وأسوان وكاو والبدارى والفيوم ، ولا يدع مجالاً للشك في تاريخها ما وجد فيها من التوابيت واللفائف.
وينهض وجه الشبه بين هذه المقابر البطلمية والمقابر الفرعونية التي وجدت في دير البرشة وأسوان وكاو البدارى ـ ينهض دليلاً جديدًا على استمساك المصريين في عصر البطالمة بوسائل دفنهم القديمة.
أما النوع الثاني فيتكون من غرف مبنية، لعلها كانت أكثر كلفة وتبعًا لذلك أقل انتشارًا من الأنواع الأخرى. وأحسن مثل لهذا النوع مقبرة إمراءة أفروديتوبوليس التي عثر عليها عند منشية سليمان. وتتألف هذه المقبرة من بئر مبنية من اللبن، يوجد عند قاعها باب يؤدي إلى ثلاثة أجزاء مبنية من الصخر، تتألف من دهليز وغرفتين صغيرتين أحداهما خلف الأخرى. وقد غطيت الجدران بنقوش ومناظر جنازية مصورة بالألوان الحمراء. أما السقف فإنه زين بمناظر فلكية تشبه ما نراه في مقابر وادي الملوك وعلى سقف الرمسيوم ومدينة ههابو والمعابد الكبرى في عصر البطالمة. ونستخلص من شكل النقوش وطراز الزخرفة وشكل التابوت أن هذه المقبرة ترجع إلى حوالي بداية القرن الثاني قبل الميلاد.
وقد عثر في سقارة إلى الجنوب الغربي من معبد أوناس (Unas) على مقبرة مشابهة للمقبرة سالفة الذكر إلا أنها أصغر منها، إذ أنها تتكون من بئر تؤدي إلى حجرة مستطيلة ذات سقف مدبب طلي باللون الأبيض عند قمته ونثرت أرجاؤه بالنجوم ليشبه السماء. وتغطي جراتها الأربعة نقوش جنازية نحتت ورتبت في لوحات عمودية، وطليت بألوان مختلفة أكسبت المنظر روعة وجمالاً. ونستدل من طراز نقوش هذه المقبرة على أنها ترجع إلى عصر البطالمة، لأنها نحتت بدقة وعناية لكن طرازها لم يحتفظ بنقاء الطراز الصاوي الجميل، كما أن دقة النحت لا تخفي ما في الرسم من القصور على نحو ما نألف في عصر البطالمة ويضاف إلى ذلك أن النصوص تحوي من الأخطاء أكثر مما نصادفه في العصور السابقة.
إن هذا النوع من المقابر، الذي يتألف من بثر وغرفة جنازية أو أكثر دون أن يوجد به هيكل، يرينا الفكرة نفسها التي نجدها في مقابر الدولة الوسطى والعصر الصاوي التي أستغنت عن الهيكل. إذ يلوح أن أنصاب الموتى التيكانت توضع على قمة المقابر أو في داخلها وتزين بمناظر ودعوات دينية كانت تؤدي مثل الوظيفة كالهيا كل الجنازية، بل لعلها كانت أفضل منها ولاسيما في وقت حل فيه الفقر بالأهالي ولم تعد تتوافر لديهم الموارد للإنفاق عن سعة على المقابر. ونجد إذن في هذا النوع أيضًا دليلاً على استمرار التقاليد المصرية القديمة في عصر البطالمة.
العصر الاغريقى ..
لقد شاعت في هذا العصر، كما شاعت في العصور السابقة ولاسيما في العصر الصاوي، سنة إعادة استخدام المقابر القديمة كلما أمكن شراء مقابر قديمة هجرها أهلها وسط اللصوص عليها. ويشير انعدام وجود مقابر صخرية جديدة في منطقة طيبة من هذا العصر إلى أن فخامة مقابر طيبة القديمة قد جرت عليها ويلات كثيرة من جراء هذه العادة. لكن هذا البلاء لم تنكب به طيبة وحدها، فإن القرائن تدل على أنه قد شاركها في ذلك المصير مقابر مدن كثيرة يرجع عهدها إلى عصر الأسرة الثانية عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين والحادية والعشرين والثانية والعشرين.
ويمكن تقسيم المعابر المصرية التي ترجع إلى عصر البطالمة قسمين رئيسيين، وهما الآبار الجنازية والغرف الجنازية، أما القسم الأول فيتألف من نوعين، ومقابر النوع الأول بسيط جدًا وتتكون عادة من بئر تنشأ في قاعها فتحة يدفن فيها الميت، وتقفل بألواح من الصخر المحلي يحكم وضع بعضها إلى جانب بعض. وقد كان هذا النوع المتواضع من المقابر شائعًا جدًا في عصر البطالمة، ونستدل على تاريخ هذه المقابر مما وجد فيها من الآنية الفخارية والتوابيت والفائف التي كان الموتى يلفون بها. ولما كانت هذه الآبار الجنازية تشتبه الآبار الجنازية التي ترجع إلى الدولتين الوسطى والحديثة وعثر عليها في الرقة وهوارة وهو (Hu) وغيرها من الأماكن، فإنه يتضح لنا أن هذه المقابر البطلمية مقابر مصرية صميمة.
أما مقابر النوع الثاني فهي أغنى من مقابر النوع الأول، ولعل هذا الغنى يفسر قلة عدد مقابره في عصر يمتاز بفقر أهالي البلاد المدقع بوجه عام، كما يتبين من مقارنة مقابر المصريين بمقابر الإغريق، وكانت مقابر هذا النوع تتألف من هيكل جنازي صغير تنزل من أرضيته بئر كان الميت يدفن في قاعها، على نحو ما نرى في مقبرة بأطفيح، شيدت كلها من الحجر الجيري وغطيت جدران الهيكل بطبقة من الجبس طليت بالألوان. وكانت كل الجدران تنقسم إلى ثلاث لوحات زينت جميعها بمناظر ونقوش دينية. ويلاحظ أنه يتعذر فهم أسماء الآلهة في أغلب الأحيان، وأنه تكثر في النقوش عبارات مبهمة غامضة لم توجد في العصور السابقة، إلا أن المسافات بين الكلمات متوازنة والحروف أكثر اتقانًا من المألوف في العصور المتأخرة. وإذا كان مستوى طراز الرسم يقل عما كان عليه في العصور القديمة، فإن الأشكال لا تزال تحتفظ بما تمتاز به العصور القديمة من الدقة والجمال. إن وجه الشبه واضح بين هذه المقبرة والمقابر الفرعونية، ولذلك نعتبرها مصرية في تصميمها وعمارتها وزخرفتها. وتدل نقوشها وطراز زخرفتها على أنها تنتمي إلى هذا العصر.
وليس في الحقيقة لمقبرة بنوسيرس مكان هنا، لأنها بنيت في الأصل قبل الفتح المقدوني، ولأن لاموتى لم يدفنوا في هذه المقبرة في بئر جنازية، لكنها مقبرة هامة لا يمكن إغفالها، ويوجد ما يبرر الكلام عنا في هذا المجال، وذلك بسبب إكمال زخرفة هيكلها في عصر البطالمة، وإضافة قاعة خارجية أمام الهيكل في هذا العصر، وهنا المكان الوحيد الذي نتحدث فيه عن الهياكل البطلمية الجنازية.
يؤدي طريق منحدر ممهد إلى هذه المقبرة، التي تتألف من غرفة أمامية (Pronaos) مستطيلة الشكل، لها واجهة أنيقة تتكون من أربعة أعمدة ذات رؤوس من الطراز الشائع في عهد البطالمة المعروف باسم رءوس الأعمدة المركبة، وتقوم بين هذه الأعمدة أربعة جدران قصيرة كالتسائر. ووراء هذه الغرفة يوجد الهيكل، وهو أيضًا غرفة متسعة مستطيلة تقسمها إلى ثلاثة أقسام أربعة أعمدة مربعة مقامة في صفين. وتنزيل من وسط الهيكل بئر تؤدي إلى عدة غرف كانت تضم عدة توابيت من بينها توابيت بتوسيرس وزوجه وابنه.
وتزين واجهة المقبرةنقوش ومناظر دينية منحوتة ومطلية بالألوان، وهي مصرية في موضوعها وصنعتها وطرازها. وقد قسمت الجدران الداخلية في الغرفة الأمامية إلى لوحات، وضعت بعضها فوق بعض وزينت مثل المقابر الفرعونية بمناظر تمثل صناعة الآنية المعدنية والعطور والأدوات الخشبية وكذلك بعض الأعمال الزراعية. ويوجد على الجدار الجنوبي تحت اللوحات أفريز يمثل مناظر تقديم القرابين. و مناظر مصرية في موضوعها وصنعتها، لكن طرازها يرينا محاولة غير ناجحة لمزج الطرازين المصري والإغريقي. أما مناظر الجزء الغربي من الإفريز فهي تكاد تكون إغريقية في كل شيء.
أما زخرفة كل جدار في الهيكل فتتكون من ثلاثة أقسام: 1- أفريز مصري في الجزء العلوي، 2- لوحتان، أحداهما فوق الأخرى، بهما مناظر تمثل والد بتوسيريس أو أخاه في حضرة آلهة أو أفراد من الأسرة أو كليهما وكذلك مناظر جنازية، 3- أفريز سفلي تزينه مناظر ريفية ونساء ورجال يقدمون القرابين. وهنا أيضًا نجد أن أغلب الزخرفة مصرية صميمة في الموضوع والصنعة والطراز، لكن بعض المناظر ترينا محاولة لخلط الطرازين المصري والإفريقي.
ويدل مظهر الجدار الشمالي في الهيكل على أنه كان في الأصل واجمة المقبرة، أي أن الغرفة الأمامية أضيفت إلى البناء الأصلي فيما بعد. ويؤيد ذلك أيضًا النقوش والزخرفة، فإن نقوش الهيكل التي على الأعمادة وفي اللوحة العليا على الجدارين الجنوبي والغربي وفي الزاويتين الشرقية والغربية على الحائط الشمالي من الخارج دقيقة الصنع رقيقة الألوان، وطراز زخرفتها مصري بحت. أما لانقوش الأخرى التي في الهيكل والغرفة الأمامية، فإنها أقل دقة في الصنع ولم يبق شيء من ألوانها، ونرى في زخرفتها تأثيرات إغريقية ملموسة، مما يدل على أنه للمقبرة تاريخين: أقدمهما عندما أقيم الهيكل وترك غير كامل، وأحدثهما عندما أضيفت الغرفة الخارجية وزخرفت أكملت زخرفة الهيكل.
ويستخلص ليفقر (Lefebvre) من طابع النقوش ومحتوياتها والتأثيرات الإغريقية التي في الزخرفة أن بتوسيريس قد أكمل زخرفة الهيكل وإضافة الغرفة الأمامية حوالي عام 300 ق.م.، وهو تاريخ يتفق مع ما يقترحه فابل (Weil) لأسباب فنية أخرى. أما موتيه (Montet) فيعتقد أن التأثيرات الأجنبية التي في المقبرة تأثيرات فارسية، ويعطي للمقبرة تاريخًا حوالي بداية القرن الخامس قبل الميلاد. ويشارك كافنياك (Cavaignac) رأى مونتيه، لكنه يضع المقبرة حوالي بداية القرن الرابع. لكن بيكار (Picard) يؤيد رأي نيففر، وتعد المزاعم التي ترى في المقبرة تأثيرات فارسية، ويدلل على أن كل الظواهر التي تعتبر غريبة عن الفن المصري في زخرفة هذه المقبرة ظواهر إغريقية. وفي الواقع تذكرنا هذه الظواهر بخصائص الفن الإسكندري في عصر البطالمة.
ننتقل الآن إلى الكلام عن القسم الثاني من المقابر المصرية، ويتألف هذا القسم أيضًا من نوعين، وكانت مقابر النوع الأول تنحت في الصخر، وتتكون عادة من غرفة واحدة أو غرفتين وعدد من الدرج أو ممر منحدر. وقد كان هذا النوع كالآبار الجنازية من أكثر أنواع المقابر شيوعًا. ولعل أهم فارق بين النوعين أن الآبار الجنازية كانت تستخدم عادة لتدفن شخص واحد، أما الغرف فإنها كانت تضم رفات عدة أشخاص. وقد وجدت أمثلة كثيرة لهذا النوع من المقابر في دير البرشة وأسوان وكاو والبدارى والفيوم ، ولا يدع مجالاً للشك في تاريخها ما وجد فيها من التوابيت واللفائف.
وينهض وجه الشبه بين هذه المقابر البطلمية والمقابر الفرعونية التي وجدت في دير البرشة وأسوان وكاو البدارى ـ ينهض دليلاً جديدًا على استمساك المصريين في عصر البطالمة بوسائل دفنهم القديمة.
أما النوع الثاني فيتكون من غرف مبنية، لعلها كانت أكثر كلفة وتبعًا لذلك أقل انتشارًا من الأنواع الأخرى. وأحسن مثل لهذا النوع مقبرة إمراءة أفروديتوبوليس التي عثر عليها عند منشية سليمان. وتتألف هذه المقبرة من بئر مبنية من اللبن، يوجد عند قاعها باب يؤدي إلى ثلاثة أجزاء مبنية من الصخر، تتألف من دهليز وغرفتين صغيرتين أحداهما خلف الأخرى. وقد غطيت الجدران بنقوش ومناظر جنازية مصورة بالألوان الحمراء. أما السقف فإنه زين بمناظر فلكية تشبه ما نراه في مقابر وادي الملوك وعلى سقف الرمسيوم ومدينة ههابو والمعابد الكبرى في عصر البطالمة. ونستخلص من شكل النقوش وطراز الزخرفة وشكل التابوت أن هذه المقبرة ترجع إلى حوالي بداية القرن الثاني قبل الميلاد.
وقد عثر في سقارة إلى الجنوب الغربي من معبد أوناس (Unas) على مقبرة مشابهة للمقبرة سالفة الذكر إلا أنها أصغر منها، إذ أنها تتكون من بئر تؤدي إلى حجرة مستطيلة ذات سقف مدبب طلي باللون الأبيض عند قمته ونثرت أرجاؤه بالنجوم ليشبه السماء. وتغطي جراتها الأربعة نقوش جنازية نحتت ورتبت في لوحات عمودية، وطليت بألوان مختلفة أكسبت المنظر روعة وجمالاً. ونستدل من طراز نقوش هذه المقبرة على أنها ترجع إلى عصر البطالمة، لأنها نحتت بدقة وعناية لكن طرازها لم يحتفظ بنقاء الطراز الصاوي الجميل، كما أن دقة النحت لا تخفي ما في الرسم من القصور على نحو ما نألف في عصر البطالمة ويضاف إلى ذلك أن النصوص تحوي من الأخطاء أكثر مما نصادفه في العصور السابقة.
إن هذا النوع من المقابر، الذي يتألف من بثر وغرفة جنازية أو أكثر دون أن يوجد به هيكل، يرينا الفكرة نفسها التي نجدها في مقابر الدولة الوسطى والعصر الصاوي التي أستغنت عن الهيكل. إذ يلوح أن أنصاب الموتى التيكانت توضع على قمة المقابر أو في داخلها وتزين بمناظر ودعوات دينية كانت تؤدي مثل الوظيفة كالهيا كل الجنازية، بل لعلها كانت أفضل منها ولاسيما في وقت حل فيه الفقر بالأهالي ولم تعد تتوافر لديهم الموارد للإنفاق عن سعة على المقابر. ونجد إذن في هذا النوع أيضًا دليلاً على استمرار التقاليد المصرية القديمة في عصر البطالمة.
تعليق