ما رأي القبيسيات في رؤية الدكتور محمد بهجت قبيسي والتي رد عليها الأستاذ الدكتور محمد محفل عضو مجمع اللغة العربية بدمشق في الدراسة التالية
تراثنا اللفوي -الأبجدي
بين العلم والشبهات
اللبس العبري (نموذجاً)
رابعاً- في تعقيبه على كلامي حول وجود الحرف الآرامي المربع قبل المسيح بعدّة قرون، جاء في الصفحة الرابعة من سيريانيوز ما يلي: "فيما نفى قبيسي الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل... حول الحرف العبري [الآرامي المرّبع م. م.] وقِدَمِه... وهنا أطرح على الدكتور قبيسي: "كيف علّمتُك قراءة بعض فقرات التعرفة التدمرية، أليس بالحرف الآرامي المربع؟! ولم تحسن القراءة في ندوة تدمر!! وتحملتُ وزر أخطائك أمام زملائي.. أتتذكر أسلوب ردّهم عليك... ونصحني حينئذ أحدهم، وأخمن أنك تعرفه، فهو زميلي ومسؤول عن الحفريات الأثرية في بلادنا... أكرّر الآن ما قاله: "أتركه وشأنه يا محمد، سيتعبك.. إنه لجوج، وتكوينه العلمي محدود... ولا يؤهله لمرافقتك ... كان ذلك منذ تسع عشرة سنة...
خامساً- أمّا ما جاء في جهينة (صفحة 16) فهو الآتي: "يؤكد الدكتور بهجت القبيسي أستاذ الكنعانية والآرامية في عدّة جامعات أن الحرف المربع سُمِّي بالآرامي زوراً كي يجد اليهود صلة بالآرامية حيث لا يوجد أي نقش لما يسمونه زوراً الآرامي المربع: فالحرف الذي يُدَرَّس في معهد معلولا لتعليم اللغة الآرامية هو حرف عبري بالتأكيد ومن المعروف أن الدكتور محمد المحفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع؟ الحرف العبري الذي وُجدَ في القرن الثالث الميلادي وليس له أي علاقة بالآرامية والبدائل لآرامية الحقيقة موجودة فلماذا لا يتم استخدامها وإحياؤها كما هو مفترض؟" انتهى
تراثنا اللغوي - الأبجدي
بين العلم والشُبُهات
اللُبس العبري (نموذجاً)
الأستاذ الدكتور محمد محفل
أمين سرّ لجنة كتابة تاريخ العرب (سابقاً)
ورئيس تحرير مجلة دراسات تاريخية
جامعة دمشق
عضو مجمع اللغة العربية (بدمشق)
استهلال
هذه دراسة علمية منهجية، بذلنا ما بوسعنا – على الرغم من صفتها الاختصاصية – لتكون قريبة المنال من القارئ الكريم... وكان بالأحرى أن ننشرها في مجلةٍ علمية أكاديمية... ولأسبابٍ موضوعية ولفائدة العدد الأكبر من مواطنينا، جعلناها في صحيفة يومية، (تشرين)، ومنذ سنوات تفتح لنا إدارتها الكريمة، مشكورة، صفحات الجريدة، لما نحن عليه اليوم. نلفت الانتباه إلى ما يلي:
أ- ( ) ما بين هلالين لشرح إضافي جغرافي تاريخي
ب- [ ] قوسان معقوفتان لتوضيح من قبلنا.
ونضع حرفين م.م. (محمد محفل) في النهاية
حـ الأرقام فوق نهاية جملة تشير إلى مصدر أو مرجعٍ مذكورة بالترتيب في نهاية الدراسة.
د_ يأتي ذكر المرجع أو المصدر بحرف داكنٍ أسود أو تحته خطّ.
هـ- ما تحته خط أسود في المتن لاسترعاء انتباه القارئ.
(1)
أُثِيْرَ لَغَطٌٌ في الآونة الأخيرة حول برنامج تعليم لهجة معلولا الآرامية، واختلط الحابل بالنابل... منهم يهرف بما لا يعرف، والآخر يقدّم نفسه عرّاب الدراسات الآرامية، وثالثهم داعياً بالويل والثبور وعظائم الأمور... وملخص الموضوع أن المسؤولين في (معهد معلولا) الخاضع لإشراف جامعة دمشق، قد اختاروا "حرفاً عبرياً" مما يهدّد "كيان الوطن"... (هكذا) ...
كنا نسمع ونقرأ، ونحن الذين دَرَّسْنا مادة "اللغة الآرامية"، لمدة تنوف على عشرين سنة في جامعة دمشق، إضافة لبضع سنوات في جامعة عمّان، في النصف الثاني من القرن الماضي، وخرّجنا آلاف الطلاب الذين درّسوا في ثانويات القطر العربي السوري والأقطار العربية الأخرى، وبعضهم أصبح أستاذاً جامعياً... نقول كنّا نسمع ونقرأ وقد استولت علينا الدهشة من طريقة سلوك بعضهم وعنجهيتهم، إضافة لتخبطهم العلمي والمعرفي.. وهم الذين أرهقونا فيما مضى بالسؤال والجواب... نقول لا بأس، ولكن نحن نظلْ أساتذة رحيبـي الصدر... وعسى أن يمعنوا النظر بفحوى هذه الدراسة، علّهم يعودون إلى الاجتهاد الحقّ والتواضع، كغيرهم من آلاف طلابنا الأبرار، لم يجحدوا معروفنا... أما ذلك الطرف الذي نصّب نفسه ديّاناً ومرشداً لبرامجنا الجامعية، فإليه هذه الدراسة، ونقول له "من يزرع الريح يحصد العاصفة" ... ﴿ وقل ربّ زدني علماً... فأما الزبدُ فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناسَ فيمكث في الأرض﴾.
(2)
يُصرّ البعض على القول "لغة عبرية" و"حرف عبري"... نحن نسألهم: ما هو قصدكم؟!
وهل ذكرت كتاباتهم في العصر التناخي اسم أو تعبير "لغة عبرية"؟! ...أو "قلم عبري، كما تزعمون...ونقصد بالعصر التناخي، تلك الحقبة المنطلقة من الأصول وحتى تدمير الهيكل (70 ميلادي) على يد القائد الروماني تيطوس، ابن وسباسيانوس، قبل أن يتولى أمور الإمبراطورية الرومانية بعد موت والده (79 ميلادي) وحتى (81م.)؛ والتسمية مكوّنة من ثلاثة حروفٍ [ت/توراة + ن/نبييم = أنبياء + خ/ك، كتوبيم، كُتُب] ولذلك، ما جاء على لسان د. بهجت القبيسي في (مجلة "جهينة" ، عدد تشرين الأول 2009، صفحة 16) : <<ومن المعروف أن الدكتور محمد محفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع>> . نقول، هنا يخطئ د. بهجت فبيسي مرتين، الأولى عدم إدراكه الفرق بين التوراة وسائر أسفار العهد القديم فالتوراة هي الأسفار الخمسة فقط المنسوبة إلى موسى، وهي "التكوين، الخروج، اللاويون/الأحبار، العدد، تثنية الاشتراع"ويغلب على هذه الأسفار اللهجة الكنعانية، بينما ما جاء في كتابي (المدخل إلى اللغة الآرامية)، هو سفر دانيال حيث كانت الآرامية قد طغت لغوياً منذ (القرن الخامس ق.م).. أما الحرف فهو الحرف الآرامي المرّبع، السوري الأصيل. ولنا عودة إلى ذلك. تتنطعّون في الكلام وتجهلون تراثكم ذا العلاقة بالموضوع... ألم تقرؤوا (ابن خلدون)، فإليكم ما قاله مفنداً زعمكم: ((فمن شريعة اليهود القديمة التوراة، وهي خمسة أسفار... وكتاب يوشع [وهو السادس م.م ] وكتاب القضاة إلخ...(1))..
نقول لكم، القضية هي منطقية وفحواها بسيط: لا لغة بدون قوم ومجتمع ولا مجتمع بدون لغة. وهي من المنطق الصوري... وكما يقول العالم الفرنسي "رُنِهْ دِكارت": أنا أُفَكِّر ، فأنا إذا موجود". هذه بديهية... فهل وُجدَ العبرانيون، ليكون لهم "لغة عبرية" و"قلم عبري"؟!... ولماذا لم يأتِ كتبة العهد القديم، وهو [مجموعة أسفار التوراة وأسفار الأنبياء الكبار والصغار وسائر الأسفار التاريخية إلخ... (م.م.)] على ذكر لغة "عبرية" أو خط عبري"؟! ... وتسهيلاً للموضوع نبدأ بإشكالية عبرانيين/ خَبِرُو/ خبيرو/ عفيرو/ آﭙيرو... كما جاء ذكرهم في العهد القديم وفي الوثائق المسمارية والهيروغليفية وغيرها..
تنسب أسفار العهد القديم اسم عبرانيين إلى (عَاْبِر) أحد أجداد ابراهيم (سفر التكوين) (17/5 إلخ ... أبْرَم / أبرهم(2).. وقد زعم بعضهم أن اسم "عبرانيين" أُطْلِق على من جاء مع إبراهيم، بعد أن عبروا "نهر الفرات" وقال آخرون بل "نهر الأردن"... وعلى كلٍ، ما نجده في أسفار التوراة وغيرها من أسفار العهد القديم بمعنى (عَبَرَ) ليس سوى لهجة كنعانية أو آرامية إلخ...) ولا علاقة لهذا الفعل ومشتقاته (عِبري/عبيربم إلخ) لا من قريب ولا من بعيد باسم (خَبْرو/ خبيرو/ إلخ...) كما جاء أعلاه، والواردة في الوثائق المسمارية القديمة في بلاد الرافدين والشام وكذلك في رُقم (تل العمارنة) في وادي النيل . وظنّ البعض أن لعبرانيي التوراة وسائر أسفار العهد القديم صلة بـ (خبرو/ خبيرو إلخ) الذين جاء ذكرهم في مختلف الدراسات المقارنة للوثائق المسمارية المكتشفة في بلاد الرافدين والشام وتل العمارنة [ يقع تل العمارنة /آخيت آتون على النيل، في محافظة اسيوط، على الضفة اليسرى من النهر، على بعد 342كم ، جنوبي القاهرةم.م.]... وفي عام 1955، صدرت بعض وثائق اللقاء الرابع للدراسات الآشورية RAI الذي عُقِد في باريس في العام السابق (1954)، وقد حضرتُ جلساته بناءً على طلب أستاذي العالم الفرنسي (دوبون سُومِّر أندِرِه A.DUPONT SOMMER) أستاذ الدراسات الآرامية المعروف، وكان عنوان المجموعة "إشكالية الخبيرو(3)".... بالفرنسية... وتتالت الدراسات حول نفس الموضوع منها بالإنكليزية(4) وأخرى بالألمانية(5)... وَوُجِدت إشارات إلى الخبيرو، بألفاظها المختلفة، منذ أواخر الألف الثالث (ق.م) وحتى القرن الثاني عشر (ق.م) في وثائق : أور الثالثة، وفي ماري [تل الحريري على الفرات م.م.] وفي السوس / الشوش [ وهي عاصمة العيلاميين والأخمينين لاحقاً وتقع في خوزستان م.م.] ونوزي [يورغان تيه، بالقرب من كركوك م.م.] وفي بوغازكوي [حتوشش العاصمة الحثيّة م.م.] وفي تل العمارنة... وقد وجدنا في النصوص الأكدية/ الاكادية صيغة (إبيار/ خبيار وتعني الهارب) وهي تقابل كلمة "Sa-Gaz" السومرية وخبيرو الأكدية وتعني: "رجل غزو، نهّاب، سلاّب" ولا يأتي الاسم عادةً إشارةً إلى شخص فردٍ بذاته بل يشير إلى مجموعة من البشر أو عصابة أو ما شابه ذلك من الأشقياء... ولم تحدّد النصوص وطناً أو أرضاً أو بقعة جغرافية باسم "بلاد الخبيرو" إذ نجدهم في مختلف أنحاء بلاد الرافدين وفي بادية الشام وأحياناً في آسية الصغرى وفي فلسطين إلخ... وبتعبير آخرٍ، لم يشكل هؤلاء الخبيرو كياناً جغرافياً سياسياً، بل يظهرون دائماً في حالة تنقل من مكان إلى آخر، ويشاركون في أعمال شبه عسكرية، كجنود مرتزقة (عَسْكَر) لصالحهم أو لحساب الغير، ولذلك فصيغة خبيرو لا تدلّ على نسبٍ عرقي أو قبلي أو مدلول سياسي، بل تعني دائماً وأبداً حالة / حياة اجتماعية، ترتبط بالغزو والسطو من قبل جماعات بدوية من أجناسٍ مختلفة، ومتعدّدة اللغات واللهجات والمذاهب والطقوس الدينية البدائية، وذلك منذ نهاية الألف الثالث (ق.م.) وحتى القرن الثاني عشر (ق.م.)، كما ذكرنا سابقاً. وقلنا أيضاً أن مراسلات (تل العمارنة) التي جرت في أيام (أمنحوتب الثالث 1402- 1364 ق.م.)وابنه (امنحوتب الرابع 1364-1347 ق. م.) [ اخناتون صاحب الإصلاح الديني م.م.] ، بين البلاط المصري، حيث كانت الغلبة في بلاد الشام لفراعنته، وبين أمراء بلاد كنعان وغيرهم من ملوك بابل وآشور والحثيين والميتانيين إلخ...، نقول ورد اسم الخبيرو هؤلاء، وغاراتهم على بعض المدن الكنعانية الجنوبية، حليفة مصر(6) وما زال أنصار المدرسة الصهيونية يحاولون تحريف اسم (خبرو/ خبيرو) في بعض حروفه ليتآلف مع (عبيرو/ عبيرانيي) العهد القديم، ليزعموا لاحقاً أن "العبرية" هي لغة هؤلاء العبرانيين مخالفين بذلك – كما سنرى - نصوص أسفار التوراة وسائر أسفار العهد القديم، التي أشارت إلى "عبرانيين" بشكل غامض، ومُشوّش ومضطرب، ولكنها لم تذكر أبداً "لغة عبرية" أو خط عبري. وهنا نأتي إلى بيت القصيد، لنرى مواطنين عرب سوريين (د.بهجت قبيسي ود. إبراهيم خلايلي ) يروّجان مزاعم "التوراتيين العبريين".لم يتجرأ حتى كتبة أسفار العهد القديم والتوراة على ذكرها، ولا نجدها في وثائقنا القديمة منذ الألف الثالث ق.م. [ أكدية / بابلية/ آشورية/ كنعانية/ آرامية إلخ... م.م.] وحتى البعثة النبوية، فلا نجد إشارة لا في التنـزيل الحكيم ولا في السيرة النبوية إلى "عبرانيين" أو "لغة عبرية" أو "قلم عبري"، لم تظهر التسميات إلا لاحقاً عن طريق الشبهات / الاسرائيليات بعد عدة قرون لدى بعض المؤرخين العرب المسلمين والسريان، ولقد لعب يهود الأندلس الدور الأكبر في هذا المجال....
وخطابنا هذا مُوَجّه ليس فقط إلى من تاهوا وحادوا عن النهج القويم في قطرنا العربي السوري، بل هذا الخطاب موجّه إلى مختلف الباحثين في وطننا العربي الكبير. وسنتابع دراسة هذه المسألة في مجلة مجمعنا العربي... وكما قلت لفائدة الجميع عملتُ على نشر هذه الدراسة في صحيفة يومية وسأضيف عليها لنشرها في مجلة المجمع العربي في دمشق. والآن نأتي إلى بدعتهم: "لغة عبرية" "حرف عبري" لا ندري، فهم ملكيون أكثر من الملك، وإليكم بعض التفاصيل على مرّ العصور...
(3)
أننا لا نجد أيّ ذكر للعبرانيين [جذر "ع ب ر" هو واحد في أغلب لغاتنا القديمة بمعناه العام، بمعنى عبر نهراً انتقل من مكانٍ إلى آخر إلخ... م.م.] وكذلك بالنسبة إلى "لغة عبرية" أو "قلم عبري" فلا وجود لها في تلك الوثائق ولا في أسفار التوراة وسائر أسفار العهد القديم، التي ذكرت العبرانيين بشكل مبهم / غامض... فإن كان العبرانيون قد وُجدوا فعلا، كما جاء في بعض أسفارهم، فلماذا لم يطلقوا على لسانهم اسم "اللسان العبري/ اللغة العبرية" "الحرف العبري" إلخ...
عندما نأتي على ذكر الأسفار، فلا نعتبرها وثيقة أصيلة. وبما أنهم جعلوا التوراة وغيرها من الأسفار سجلاً تاريخياً، لا كتاباً دينياً فقط من الوحي الإلهي، فمن حقنا أن نعتبر أخبار وروايات تلك الأسفار مادة تاريخية، خاضعة لأصول النقد التاريخي الداخلي والخارجي... ولا مجال لزيادة في التفاصيل، في عجالتنا هذه.
في الإشارة إلى لغة أقوام موسى وأخلافه – في رواياتهم – لا نجد ذكر "لغة عبرية" بل "شفة كنعان" و "يهودية [نسبة إلى سبط يهوذا م.م.]، كما يلي: بالنسبة للغة كنعان، في (سفر أشعيا 19/48): "في ذلك اليوم تكون خمس مدن في أرض مِصْرَ، تتكلم بلغة كنعان، وتحلف بربّ القوات، يُقال لإحداها مدينة الشمس".
وبالنسبة للغة "يهودية": (سفر الملوك الثاني، 18/26: "...كلم عبيدك باللغة الآرامية، فإننا نفهمها، ولا تكلمنا باليهودية على مسامع الشعب القائم على السور.". كان ذلك في عام 701 ق.م.، عندما حاصر الملك الآشوري سنحريب مدينة أورشليم / القدس... نقول أورشليم لأن بعضهم لا يعرف أن هذا الاسم كان موجودا قبل دواد وغيره من ملوك إسرائيل ويهوذا المزعومين.. وكذلك في (سفر نحميا 13824): "وكان نصف أولادهم يتكلمون بلغة أشدود، ولم يكونوا يحسنون التكلم باليهودية...".
ونجد ذكر "لغة يهودية" في أماكن أخرى من الأسفار (أشعيا 36/11) و(أخبار ثان 23/18). إلخ...
ونلخص هذه الفقرة كالتالي:
العربي يتكلم العربية، واللاتيني اللاتينية، إلخ... نقول: هل وُجِدَ "عبرانيون" كما جاء في الأسفار؟ أي قوم دخلوا فلسطين ومعهم لغتهم: وإن كان الأمر كذلك لقال كتبة الأسفار"لغة عبرية" وهذا مالا نجده في التوراة وأسفار العهد القديم الأخرى... ومن هنا، علينا أن نحدّد التاريخ الذي ظهرت فيه التسمية "العبرية" وكيف كان ذلك، ولماذا ؟ ها هنا نقول: لم تبدأ التسمية "العبرية" تشق طريقها إلا في الفترة المسيحية الأولى، لتتطور تدريجيا... فمن اعتنق المسيحية راحوا يطلقون على لهجته الآرامية وكتاباتها اسم "السريانية" ومن ظلّ على يهوديته قالوا عن لهجته الآرامية وحروفها "عبرية"... إذاً نحن أمام لهجتين آراميتين. واللهجة /اللغة أداة حيّة ومع الأيام تشكلت لهجات آرامية متعددة، منذ القرن الأول (ق.م)... نحن نعلم أن رسالة بُولس الرسول إلى العبرانيين قد أثارت جدلاً كبيراً منذ العصور الأولى للمسيحية وحتى عهد الإصلاح الديني اللوثري. فمن هم هؤلاء العبرانيون ؟! [ لمزيد من التفاصيل انظر هامش(7)].
ولو جئنا إلى التراث العربي الإسلامي، ففي التنـزيل الحكيم، لا نجد أيّ أثر لاسم "عبرانيين" أو "لغة عبرية" أو خط عبري بل أشير إلى القوم كالتالي:
44 مرة بنو إسرائيل.
8 مرات يهود.
وأحياناً نجد اسم (هوداً 7 مرات) وهو غير اسم (قوم هود)، والبعض رأى فيهم "قدامى اليهود" والآخر قال "يهود المدينة".
وكذلك لا نجد اسم "عبراينين" أو "لغة عبرية" في (سيرة ابن هشام) بل يهودا وبني إسرائيل إلخ...
ونحن نرى أن العلماء اليهود في الأندلس قد لعبوا الدور الأكبر في إشاعة هذه التسمية "العبرية" في اللغة والكتابة وهي من الشُبُهات، التي أطلق عليها أسلافنا اسم "الإسرائيليات" ... وأغلب هؤلاء اليهود خضعوا لأسباب "الثقافة العربية الإسلامية"، منهم أحسن دوره والبعض الآخر حاول الإساءة... وما علينا إلا مطالعة كتاب فضل الأندلس على ثقافة الغرب(8) لنرى أسماء المئات منهم في فهرس الأعلام، ومن مساوئ بعضهم إيهام العرب المسلمين بِقِدَم لغة وكتابة أجدادهم "العبرانيين"؟! ... وبعضهم أوغل في الدسّ، فأوصلها إلى آدم وزعم أنها لغة أهل الجنّة، ومن ضحايا هذا الإسفاف العالم الجليل ابن حزم، إذ يقول في كتابه الشهير، الفصل في الملل والأهواء والنحل "إن إنجيل متّى هو بالعبرانية، أما الأناجيل الثلاثة الباقية فهي باليونانية(9)" [والصحيح هو بالآرامية م. م. ] ويأتينا العلاّمة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته بعد ذلك بحوالي ثلاثة قرون، مكرراً نفس الخطأ: "كتب متى إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية(10)" ومن ينكر فضل ابن خلدون في علم الاجتماع وفلسفة العمران؟! .. ومهما يكن، فلكل من ابن حزم وابن خلدون ولغيرهما من المؤرخين العرب والمسلمين عذرهم... فبعد سقوط بابل في سنة (538 ق.م)، اندثر وهج حضارات وطننا العربي حتى فجر الإسلام ... أحاط الغموض عظمة بابل ونينوى وخورسباد وماري وغيرها من مدن بلاد الرافدين والشام، باستثناء العديد من صروح وآثار وادي النيل التي تشير إلى بديع حضارة وادي النيل في القرون السالفة... ونحن لا نُدْهَش عندما نلاحظ سقوط الطبري صاحب (تاريخ الأمم والملوك) وابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) وغيرهما من المؤرخين العرب المسلمين في حماة "الإسرائيليات".. ولكن أن يأتينا البعض في قرننا الواحد والعشرين، وبعد الدراسات التاريخية / اللغوية/ الآثارية المستفيضة التي دحضت مزاعم "الإسرائيليات". والتي وقع في فخها بعض علمائنا العرب المسلمين كالطبري وابن الأثير وابن حزم وابن خلدون وغيرهم.... نقول بعد كل ذلك، يأتينا بعض المتحذلقين/ مُدّعي المعرفة ببدعة "لغة عبرية" و"حرف عبري"، رافعين عقيرتهم بالشكوى... من معهد معلولا الذي يدرس "بالحرف العبري" ومن أستاذ اللغات القديمة في جامعة دمشق الذي درّس بالحرف العبري في كتابه الصادر في طبعته الأولى منذ أربعين سنة تقريباً والذي أساء بذلك إلى تاريخنا القومي (هكذا) [ وسنأتي على سفاهاتهم بعد قليل م.م.] ونقول لهؤلاء ما يلي وعليكم الإجابة:
(1) قولكم بوجود "لغة عبرية" و "حرف عبري" هو باطل الأباطيل ... إذ لا نجد هذه التسميات لا في توراتهم ولا في سائر أسفارهم، كما لا نجده في وثائقنا القديمة منذ الألف الثالث (ق.م) وحتى مطلع الميلاد المسيحي، كما لا نجد ذكر العبرانيين أو لغة عبرية أو حرف عبري لا في التنـزيل الحكيم ولا في السيرة النبوية لابن هشام... نسألكم إلى من تنسبون هذه التسميات "العبرية؟! هل لعابر التوراتي جد إبراهيم السابع، كما جاء في سفر التكوين؟! ألا يعني ذلك تأييد أو تأكيد مزاعم الصهانية الخزريين، مغتصبي أرض فلسطين؟! هلاّ ثُبْتُم إلى رشدكم لتدركوا قبيح لغوكم؟! .. إن رفضنا التسمية "العبرية" ليس ابن اليوم... ففي حلقاتي الأسبوعية التي كنت أعدّها للقسم "العبري" في الإذاعة العربية السورية في دمشق، والتي استمرّت حوالي خمس عشرة سنة، منذ عام 1970 وحتى 1985، انطلقت من عدّة مسلمات: "أصالة الحضارة الكنعانية/ رفض التسمية العبرية في اللغة والكتابة/ وحدة بلاد الشام /وفلسطين ليست هي كنعان التوراة والأسفار وكنعان هي كل بقاع سورية الطبيعية الواقعة غربي الأنهر الثلاثة من الشمال إلى الجنوب: العاصي/ الليطاني/ فالأردن / بل أحياناً شرقي تلك الأنهر إلخ...
وفي تعقيبـي على كتاب الأستاذ زياد منى "جغرافية التوراة(11)" جاء في ردّي على التسمية العبرية، في دراسة بعنوان "جغرافية باطلة وتاريخ صحيح(12)" "جاء في الصفحة 18 [جغرافية التوراة م.م.]، حيث يقول زياد منى إشارة لمن دخلوا فلسطين مع يشوع [ بحسب سفر يشوع م.م.] ما يلي "... كان عبارة عن تخالف أو تجمع قبائل أو عشائر ناطقة بلهجةٍ كنعانية تسمى بالعبرية، رغم أن المصطلح الأخير لا يرد في التوراة لتعريف لغة بني إسرائيل، لكن بغياب بديل علمي مقبول رأيت عدم إمكانية تجنب توظيفه"(13).
وفي تعقيبـي على كلام زياد منى قلت:" هذا غير صحيح البتة، وكم من باحث يعمل في هذا الميدان يقول دون أيِّ تردّد "اللغة التوراتية(14)" [نسبة إلى أسفار موسى الخمسة م.م.] وهي الأساس بالنسبة لبعضهم كالسامريين مثلاً...
(2) والآن أتوجّه إلى الدكتور بهجت قبيسي، لأقول له، عندما قرأت ما جاء في "سيريانيوز" ظننت أن الصحفية الناشئة السيدة (لارا علي) قد نسبت إليكم بدون تمحيص أقوالاً لم أصدقها للوهلة الأولى، ثم جاءت "جهينة بالخبر اليقين، فكانت قاصمة الظهر... وعلى الرغم من الثمانين من عمري، لم أسأم تكاليف الحياة ومازال قلمي أكثر مضاءً من سيف الحجاج، ويقول زهير بن أبي سلمى في قصيدته أيضاً:
ومن لا يَزُد عن حوضه بسلاحه
يُهَدّم ومن لا يظلمُ الناس يُظْلَمِ
من واجبي أن أعترض سبيلكم دفاعاً عن المعهد (معلولا) وعن الجامعة التي تطاول عليها شريككم... ولن أنسب إليكم إلا ما جاء على لسانكم، في (سوريانيوز) وفي (جهينة).
ثم يأتي تعقيبـي... وأترك الأمر بعدئذٍ لذوي الحل والربط في قطرنا... ولحكمة القارئ وحصافته.
أولاً – قدّمتك الصحفية الناشئة (لارا علي) في سيريانيوز على أنك أستاذ الكنعانية والآرامية واللهجات العروبيات في عددٍ من الجامعات!!... فما هو رأيكم؟!!.. أقول لكم أيها الأخ... أن تكون أستاذاً... هذا أمرٌ لا يناله المرء عندما يقدِّم دراسة أو ما شابه ذلك، فتمنحه لجنة جامعية رتبة ماجستر أو دكتوراه... أما شرف "الأستاذية" فهذا موضوع آخر، وهو لأمر جليل والله... لبضع سنوات، ومنذ عودتي من أوروبة في عام 1967 وحتى عام 1975، كنت أدرّس عدة لغات قديمة في قسم التاريخ: الآرامية/ اللاتينية/ اليونانية إضافة لعدّة مواد تاريخ الرومان / تاريخ اليونان، وكذلك "تاريخ العمارة" في كلية هندسة العمارة و"تاريخ الحضارات" في كلية الفنون الجميلة... وعلى الرغم من ذلك، لم أَدَّعِ هذا اللقب... انظر إلى كتاب "المدخل إلى اللغة اللاتينية" و"كذلك" إلى المدخل إلى اللغة الآرامية، وإلى تاريخ الرومان وإلى تاريخ العمارة، فماذا تجدون (محمد محفل، مدرّس التاريخ القديم واللغات القديمة، جامعة دمشق) فلا: دكتور ولا أستاذ بل مدرّس.. فقط... ومرت الأيام والسنون، وكنت مدرساً في جامعة عمّان ولكنني اكتفيت بالإشارة إلى جامعتي التي تخرجت منها في عام 1953 (وكان اسمها الجامعة السورية). وأنا انتمي إليها أولاً وأخيراً، وما زلت حتى اليوم على ما كنت عليه، على الرغم من دراساتي لاحقاً في عدة جامعات غربية: باريس، بون، جنيف...ودعوتي من قبل أساتذتها في السنوات الأخيرة، المشاركين في مؤتمراتنا الدولية التي أشرفت على أعمالها بصفتي (أمين سر لجنة كتابة تاريخ العرب) فما زلت حتى اليوم أوقع (جامعة دمشق)، فهي جامعتي وأفخر بها: طالباً ومدرساً وأستاذاً... هذه الجامعة التي يهاجمها شريككم في حملتكم الإعلامية الضّالة المضلّلة... (الأستاذية" أيها الدكتور قبيسي ليست رتبة علمية تنالها بعد اجتياز فحص ما، لتحصل على رتبة علمية "إجازة، ماجستر، دكتوراه، كلا !!. ليست هذه بل هي شرف المهنة، هي العطاء اليومي، هي أن تحب طلابك وتحترمهم وترشدهم، ولا تبخل عليهم بمعلوماتك، وأن تكون عادلاً، كلهم لديك سواء، فهم أمانة في عنقك... الأستاذ الحق هو الذي يسمع هذه الكلمة من طلابه القدامى... عندما جاؤوا إليّ منذ شهور ليبّلغوني قرار قسم التاريخ بتكريمي، قلت لهم – وهم من قدامى طلابي- قلت لهم يكفيني القرار وأنا سعيدٌ بكم... وأضفت أجِّلوا ذلك يا أبنائي...وعاودوا قائلين... أنت أستاذنا وفخرنا , ولا ننسى فضلك... فقاطعتهم قائلاً كفى... لكم ما تشاؤون... وكان حفل تكريمي من قبل زملائي في قسم التاريخ وأغلبهم من طلابي الذين درستهم في العقود الأخيرة من القرن الماضي... هذه هي الأستاذية الحقة... أما لقب دكتور، أستاذ (هكذا)، فهذا هراء وكلام فارغ... لقد كرّمني أعلى المسؤولين في وطني عندما أوكلوا إليّ تنفيذ بعض المهمات العلمية... فلهم الشكر الجزيل... أما أن يلتف حولك في خريف عمرك طلابك القدامى، وليسوا بحاجةٍ إليك اليوم وقد اشتدّ عودهم... فها هي سعادة ما بعدها سعادة... فلهم شكر الزميل والأب والمعلم...
فرحنا عندما قبلكم زملاؤنا وأوكلوا إليكم بعض الساعات في قسم التاريخ في جامعة حلب... ويشهد الله أني أوصيتهم بكم خيراً... ولكن ما العمل... ها قد مضى على الأمر عشر سنوات تقريباً بعد استغنائهم عن مساهمتكم ... ولا أدري أين تدرسّون حالياً، وما معنى "عدة جامعات"؟!! وهل بشكلٍ موسمي، أم ماذا؟!!
ثانياً- بالنسبة للحرف العبري (هكذا) لا نعلم ما هو ؟! على كلٍ ستطلّعون على ملخص رأي أساتذة اللغة الآرامية الذين حضروا الاجتماع الأخير وقرارهم ومفاده أن الحرف الذي درّسوه في معهد معلولاً هو "الحرف الآرامي المرّبع" وهو سوري أصيل... ونحن عندما نُدَرس أبجديات بلاد الشام من أبجدية جبيل وحتى التدمرية وكتابات قمران وغيرها ، ندرسها في حدود سورية الطبيعية، ولا معنى هنا لسورية في حدود سايكس – بيكو.
ثالثاً- في العلم أيها الدكتور قبيسي، لا يوجد تحدٍ... هذا علمناكم إياه ولكن ما الفائدة؟! وما هو المقصود: "أتحدى أن نجد الحرف العبري قبل القرن الثالث الميلادي... إنها أحجية والله... لا شك أن الأمر التبس على الصحفية الناشئة، لا شك أنكم تقصدون (ق.م)
رابعاً- في تعقيبه على كلامي حول وجود الحرف الآرامي المربع قبل المسيح بعدّة قرون، جاء في الصفحة الرابعة من سيريانيوز ما يلي: "فيما نفى قبيسي الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل... حول الحرف العبري [الآرامي المرّبع م. م.] وقِدَمِه... وهنا أطرح على الدكتور قبيسي: "كيف علّمتُك قراءة بعض فقرات التعرفة التدمرية، أليس بالحرف الآرامي المربع؟! ولم تحسن القراءة في ندوة تدمر!! وتحملتُ وزر أخطائك أمام زملائي.. أتتذكر أسلوب ردّهم عليك... ونصحني حينئذ أحدهم، وأخمن أنك تعرفه، فهو زميلي ومسؤول عن الحفريات الأثرية في بلادنا... أكرّر الآن ما قاله: "أتركه وشأنه يا محمد، سيتعبك.. إنه لجوج، وتكوينه العلمي محدود... ولا يؤهله لمرافقتك ... كان ذلك منذ تسع عشرة سنة...
خامساً- أمّا ما جاء في جهينة (صفحة 16) فهو الآتي: "يؤكد الدكتور بهجت القبيسي أستاذ الكنعانية والآرامية في عدّة جامعات أن الحرف المربع سُمِّي بالآرامي زوراً كي يجد اليهود صلة بالآرامية حيث لا يوجد أي نقش لما يسمونه زوراً الآرامي المربع: فالحرف الذي يُدَرَّس في معهد معلولا لتعليم اللغة الآرامية هو حرف عبري بالتأكيد ومن المعروف أن الدكتور محمد المحفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع؟ الحرف العبري الذي وُجدَ في القرن الثالث الميلادي وليس له أي علاقة بالآرامية والبدائل الآرامية الحقيقة موجودة فلماذا لا يتم استخدامها وإحياؤها كما هو مفترض؟" انتهى
أوردنا النص كما جاء في (صفحة 16)، على علاّته بالتنقيط والصياغة... وهو ملئ بالألغاز أو بالأحرى بالشطحات. وها هو تعقيبنا: قلنا سابقاً إن د. قبيسي [بعكس ابن خلدون م.م.] لا يدرك الفرق بين التوراة وسائر أسفار العهد القديم... أما أن أكون [أنا محمد محفل] قد علمتُ طلابي اللغة الآرامية بالحرف
المرّبع فقط – كما زعم... عالم اللغات القديمة ... القبيسي – فهذا عارٍ عن الصحة. فمنذ عام 1967 وحتى استلامي رئاسة تحرير مجلة دراسات تاريخية عام 1994، علّمت طلابي في جامعتي دمشق وعمّان، اللغة الآرامية بالخطوط الآرامية الثلاثة: المربع والقديم واليدوي، وكان الفحص أو بالأحرى أسئلة الامتحان بالخطوط الثلاثة.انطلق من الخط المرّبع، بعد ضبط اللفظ بالحركات، إلى الخط القديم فاليدوي... [انظر جداول الخطوط في الشكل رقم (1) م.م.]... ونماذج أسئلة الامتحان بالخطوط الثلاثة تتجاوز الخمسين نموذجا وهي بين أيدينا ومحفوظة في السجلات الجامعية... فكيف تطلقون الأحكام يا... أستاذ؟!!، قبل أن تتحروا، بحثاً عن حقيقة الأمور؟!...
إن كنت لا تدري فتلك مُصيبةٌ أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
سيأتي حساب شريكك لاحقاً. لم يكن صادقاً عندما زعم أنه درس الآرامية وصُعِقتُ عندما بان جهله الصارخ بإرجاعه النقوش الآرامية إلى الألفين الثالث والثاني (ق.م)، وهنا رميتُ بالكتاب على الطاولة متوجها إليه... لا أعتقد أنك تدرك أو تعلم ما هي الآرامية، وإلا لما وقعت في هذه المتاهات... وكان ذلك في البرنامج التلفزيوني منذ بضعة شهور... قد نعذرك على عجلتك يا دكتور قبيسي، إذ لم تكن طالباً مواظباً على دروس اللغة الآرامية، لتعرف بأنني امتحن طلابي بالخطوط الثلاثة: القديم/ اليدوي/ المربع الآرامية... ولا أدري هل درسّوكم اللغة الآرامية وكتاباتها في جامعة بيروت العربية، التي أجازتكم في المرحلة الجامعية الأولى... وكيف كان ذلك؟!.حقاً؟!.. واعجباه!!..
أما قصة الحركات فلنا عودة إليها مع تعقيبنا على ما جاء به الدكتور إبراهيم الخلايلي... وهي من صلب اللغة الآرامية ونجد جذورها وأصولها في معاجمنا العربية.
لقد ارتقيتَ مرتقى صعباً... وإلا فما مغزى هذه الألفاظ: " أتحدى /زور/ بهتان/!!... وأسفاه!!.
... رحم الله امرأٌ عرف حدّه فوقف عنده
إن كتابي المدخل إلى اللغة الآرامية الذي تنتقدونه هو فخرٌ لي، وبه افتتحت منذ حوالي نصف قرن تدريسي "الآراميات" في قطرنا العربي السوري وسائر الأقطار العربية. وفي مدخله التاريخي، أعلنت المبادئ الأربعة التالية، والتي أصبحت من المسلمات اليوم لدى أغلبية الباحثين وأساتذة التاريخ واللغات القديمة لوطننا العربي الكبير، ولم أتوقف عن التبشير بها في الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية، وما أضعه اليوم بين أيدي القرّاء هو من هذا القبيل، وها هي تسلسلاً:
أ- في الصفحة 5/6: "نقد نظرية اللغات السامية" كما جاء بها شلوتسر النمساوي، لأنها غير علمية، والهدف منها إلحاق "لغة عبرية" لا وجود لها، كما رأينا سابقاً، بتراثنا اللغوي ... وتوجهنا لاحقاً إلى العلماء والباحثين العرب لإيجاد صيغةٍ علمية عوضاً عن "السامية".. أما نحن، فقد اقترحنا في دراستنا الشاملة بعنوان "العربية لغة وكتابةً " والمنشورة في مجلة التراث العربي(15) صيغة (العربيات العتيقة فالقديمة فالعربية الفصحى) واقترح علينا زميل أردني الاقتصار على كلمة "العربيات".
ب- ليست العبرية كلغة سوى إحدى لهجات الكنعانية (ص 13) هذا هو موقفنا منذ أربعين سنة وما زلنا عليه حتى يومنا هذا.
ج- رفض التسمية الفينيقية (الإغريقية)، الدخيلة فالإغريق هم الذين أطلقوا هذه التسمية في إشارتهم إلى الساحل اللبناني، وأطلقت أسفار العهد القديم والتوراة اسم كنعان على فلسطين ... وهذا أيضاً رفضناه منذ عام 1972، عندما بدأنا ننشر سلسلة دراستنا (بلاد كنعان والإسرائيليون القدماء). ففي الحلقة الأولى،(16) (صفحة 18) نقول: "... ولذلك فنحن نرفض المحاولات التي تجعل من فلسطين بقعة منعزلة، خضعت لتأثيرات حضارية فريدة في نوعها... قائمة بذاتها ... إذ لا يمكننا دراسة تاريخ فلسطين – على مرّ العصور – إلا بعلاقته مع تاريخ سورية بوجه الخصوص ومع تاريخ المنطقة بالإجمال... وفي (صفحة 19) جاء ما يلي: "... ثم انتقلنا إلى دراسة جغرافية – تاريخية لسورية الطبيعية في القديم... ماذا تعني تسمية سورية؟!... هل صحيح أن كنعان تقتصر على فلسطين فقط؟! ما معنى فينيقية؟!.. وهل وُجِد حقاً شعب فينيقي يختلف عن باقي الكنعانيين في سورية الشمالية وفي فلسطين؟!
د- في (الصفحات 16 وحتى 37) أوضحنا دور الآرامية لغة وكتابة (الحرف القديم الكنعاني/ الآرامي المربع/ اليدوي) ومنذ أربعين عاماً ونحن ندرس بالحروف الثلاثة كما ذكرنا) [انظر المدخل إلى اللغة الآرامية]
وفي دراستنا الأخيرة في عام 2008 (احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية) صدر كتابنا باسم اللجنة وعنوانه: (دمشق... الأسطورة والتاريخ... من ذاكرة الحجر... إلى ذكرى البشر"، وفيه فصلان للعالم الآرامي وميراثه العظيم (ص.ص 35-67) وفيه دراسة لعدة نقوش آرامية بالحرف القديم الوارد في كتابنا (المدخل إلى اللغة الآرامية) (ص40).
لدراستنا هذه، حلقة ثانية، لتفنيد مزاعم الدكتور إبراهيم خلايلي... إرفع يدك أنت ومن يساندك عن جامعة دمشق... حيث دَرَسْنا فيها في الأعوام 1949/1953، ثم علّمنا فيها بعد عودتنا من الغرب وأشرفنا على تخريج دفعاتٍ من الطلاب الذين أفادوا الوطن ... وهم الذين كرّموني وأصبحوا أساتذة في قسم التاريخ والآثار وذلك منذ شهور فقط... لقد تحاشيناكم فسكتنا وترفعنا عن عبثكم وطيشكم... فظننتموه ضعفاً ... قلتُ في كلمة حفل تكريمي، مخاطباً زملائي في قسم التاريخ وطلابي/ الأساتذة الأبرار: "التاريخ علم خطرٌ" وله المقام الأكبر في الأيام الآتية الصعبة... فأحسنوا استعمال سلاح الثقافة التاريخية... في وطن هو مهد الحضارات والديانات... لا تخشوا مزوري التاريخ... ولا تهابوهم... وموروث أسلافنا الحضاري هو سلاحكم... تقدّموا ولا تنكثوا... وأنتم الأعلون والمنتصرون"... طاش سهمهم وعربدوا ... فراحوا يكيلون التهم ذات اليمين وذات اليسار... تارة ينتقدون البرامج الجامعية... وأخرى يهاجمون رموزاً علمية، ولكن من منحكم هذا التفويض... تقدم أحدهم بطلب للتدريس في جامعتنا، فدُرِسَ الإنتاج العلمي وأجمعت اللجنة على رفض الطلب لعدم توفر الشروط المؤهلة لهذا المنصب...أكرر تحذيري للعابثين... للكلمة قدسيتها ومسؤوليتها... نحن مع حرية الكلمة الصادقة... وهنا أتوجه إلى أهل الصحافة وقد ساهمت في تخريج دورتين للصحافة والإذاعة في الثمانينات من القرن الماضي... أقول لكم.... السبق الصحفي شيء، ونشر غير مدروس لأخبار ما، شيُ آخر. أما الأمور العلمية ولاسيما ماله علاقة بتاريخ الأمة وتراثها ومعتقداتها وبأخبارٍ لها علاقة بالدراسات اللغوية والأثرية إلخ... فهنا بعض الاختصاص ضروري، لكي لا نقع بما جرى نشره إن كان في (سيرياينوز) إو في (مجلة جهينة). من قال لكم بأننا سَلَّمْنا بما جرى في نشر الحرف الآرامي المربع على الجدران والأماكن العامة والمقدسة إلخ. فما عليكم إلا الذهاب إلى أصحاب هذه الأماكن وتسألونهم... من حرّضهم على ذلك...لإلحاق الأذى بمشروع ثقافي تعليمي... إن وراء الأكمة ما وراءها... فالمنافسة الخيرّة حقُ... أما النميمة فقبحٌ ولا تُطع كلَّ حلاّف مَهين، هَمّازٍ مَشّاءٍ بنميم.
يقولون: إذا زلّ العالِمُ زل معه عَالَمُ... عندما حدّدْتُ مهمة المعهد بتعليم لهجة معلولا ولهجة عصر السيد المسيح، فكان الهدف الأول وطنياً وقومياً.ثم جاء القدّاس في أربعة عواصم عالمية، في كنائسها... بالآرامية.. كان ذلك نصراً لنا، لسورية؛ فالآرامية هي لغة السيد المسيح، وبالحرف الآرامي المربع كتبوا إنجيل متى (واختلط الأمر على ابن حزم وابن خلدون فقالا بالعبرية). شكّك بعضهم في كتابة متى بالآرامية... ولا داعي لتسميته .. وهو يعرف من أقصد ... كنت على علم بذلك منذ أكثر من خمسين عاماًً؛ وكنت في روما بصفتي طالب دراسات عليا رومانية (المعهد السويسري/ الإيطالي والسويسري/ الفرنسي)... أما أين هو وكيف علمت بذلك، فهذا ليس للنشر في الصحف)!!..
وسؤال آخر والأخير في دراسة اليوم: ألم تسمعوا بـ "الترجوم" بنسخه المختلفة... ألم يكتبونه بالآرامية وبالحرف الآرامي المرّبع [العبري على زعمكم] ذلك الحرف الذي أطلق عليه البعض "الحرف الآشوري المربع"...كان ذلك ما بين القرن الخامس والقرن الثاني (ق.م) [وليس القرن الثالث الميلادي، كما جاء لدى الدكتور قبيسي.م.م.]، أتعلمون لماذا أطلق عليه البعض "القلم الآشوري المربع" عوضاً عن "القلم الآرامي" [السوري م.م.] المربع، فإليكم ما جاء لدى شاهد ذلك العصر، وسميناه (هرودوتس 484- 420ق.م)... ففي كتابه السابع/63) يشير إلى الجنود السوريين الذين شاركوا في "الحرب المادية الثانية 481-479 ق.م) مع الفرس الأخمينيين ضد آثينة وحلفائها، فيقول: "...وكان اليونانيون يسمونهم سوريين والبرابرة آشوريين..." ويقصد هرودوتُس بالآشوريين، سكان المناطق الغربية للإمبراطورية الآشورية الحديثة، أي سكان (سورية الطبيعية)، وكان الآشوريون قد زالوا من الوجود في أيام هرودوتُس، كدولةٍ وتجمّع سكاني، بعد سقوط عاصمتهم (نينوى عام 612ق.م) ونلخص ما جاء في الدراسة بما يلي:
أولاً- لا نجد أيّ ذكر في التوراة وسائر أسفار العهد القديم لكلمة "عبرية: لغة أو كتابةً" .
ثانياً- لا نجد كذلك في وثائقنا القديمة التسمية العبرية، (لغةً أو كتابةً).
ثالثاً- نجد في التنـزيل الحكيم كلمة "بني إسرائيل/ يهود/هود. ولا نجد التسمية "عبرية" في سيرة ابن هشام.
رابعاً- اسم "اسرائيل/ يسر/ ال/ ايل اسم مركب واختلفوا في معناه، ما يهمنا هنا الجزء الثاني من الاسم، الذي يشير إلى (إيل) الإله الكنعاني الأكبر، ومنه أسماء (إسماعيل / جبرائيل/ ميكائيل/ عزرائيل إلخ...)
خامساً- منذ القرن الخامس (ق.م) نغلبت الآرامية (لغة وكتابة) على سائر لغات المشرق العربي القديم، وعن الكنعانية والآرامية نقل أهل التوراة والعهد القديم اللهجة "الكنعانية" والقلمين الكنعاني (الفينيقي كما قال الإغريق) وكذلك القلم الآرامي المربع السوري (الآشوري لدى البعض).
سادساً- أقدم ما نعرفه عن التوراة وسائر أسفار العهد القديم هو ما نجده في نسخ "الترجوم" المختلفة، ولا ندري لماذا لم يأت الدكتور قبيسي /خلايلي على ذكره؟! أليست لهجته هي الآرامية وكذلك الكتابة؟!
سابعاً- ليس صحيحاً ما زعمه الدكتور قبيسي، ففي كتابي المدخل إلى اللغة الآرامية نجد في الجدول (ص40) الأقلام الثلاثة: القديم/ اليدوي/ المربع وبها كنت امتحن طلابي.
ثامناً- الخط القديم (الكنعاني) يفتقر إلى الحروف الصوتية والحركات، فحروف (أ/و/ي) هي موجودة ولكنها لا تساعدنا على ضبط اللفظ، أي لعبت دور الحروف الساكنة فقط. فمثلاً اسم ملك حماه الذي جاء في (نقش آفس) بحروف ساكنة ثلاث (ز-ك-ر) اختلف حتى العلماء على قراءته ( زكور/ زكّور /ذكير / زكير) [انظر كتابنا :دمشق : الأسطورة والتاريخ، من ذاكرة الحجر... إلى ذكرى البشر" صفحة 51].
لا مجال للمزيد اليوم... والسلام على من اتبّع الهدى
المصادر والمراجع
1- ابن خلدون، المقدمة، دار الشرق العربي، حلب 1425هـ/2004م، ص 213 ما بعدها
2- لمزيد من التفاصيل، انظر (التكوين10/24-25، 11/14-17؛ (أخبار الأيام الأول، 1/19) والنسخة العربية المعتمدة في دراستنا هي، الكتاب المقدس، (العهد القديم)، جمعيات الكتاب المقدس في الشرق، بيروت، لبنان طبعة ثالثة 1994م.
3- J.Bottéro, LeProblème des Habiru, 4e RAI, Paris 1954.
4- M.Greenberg, The Hab piru , New- Haven 195:5.
5- O.Loretz, Habiru-Hebraër, Berlin New- York 1984, p.23g,Kupper,Sutéens Et Hapiru, In R.A.,55, 1961,p.p197-200.
6- C.F.R.de Vaux, o.p.t, Histoire Ancienne d' Israël, des Origines à L'installation en Canaan, Lib. Lecoffre, Paris1977, p.p.106-112,116,134,310 etc….
7- انظر، الكتاب المقدس (العهد الجديد) صفحة 684: "... مصدر هذا المؤلف [الرسالة إلى العبرانيين م.م.] موضع أسئلة متشعبة، أثارت منذ العصور الأولى، مجادلات وشكوكا أُوِْقِِظَت لاحقاً في عصر الإصلاح: من أين أتت هذه الرسالة أيمكن إناطتها باسم الرسول بولس أم لا ؟! لماذا لا تشبه إلا قليلاً رسائل بولس الكبيرة؟ إلى من وجهت وما الذي دعا إليها؟
أتُراها رسالة حقاً؟" وفي الصفحة 693: "فإن الرسالة إلى العبرانيين تخاطب مسيحيين حائرين مُعِرَّضين لخور العزيمة، وهي تصف الدواء الناجع لهذا النوع من الداء.." كما ترى، لا علاقة لعبرانيي الرسالة بعبرانيي التوراة.
8- الاسم الأصلي الاسباني للكتاب هو:
Juan Vernet, La Cultura Hispanoárabe en Oriente y Occidente
نقله إلى العربية نهاد رضا وقدّم له ووضع حواشية فاضل السباعي، بالعنوان المذكور في المتن. أما الترجمة الحرفية فهي "الثقافة الاسبانية العربية في الشرق والغرب، دار اشبيلية، دمشق 1997
9- ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر والدكتور عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت 1405/1985م . صفحة 13وما بعدها.
10- ابن خلدون المقدمة صفحة 214.
11- جغرافية التوراة، دار رياض الرّيس للكتب والنشر، لندن 1994.
12- مجلة دراسات تاريخية، لجنة كتابة تاريخ العرب، جامعة دمشق، السنة السابعة عشرة، العددان 55-56، آذار حزيران 1996.
13- مجلة دراسات تاريخية ص 218.
14- نفس المكان.
15- مجلة التراث العربي، عدد خاص مزدوج "اللغة العربية واللغات الأخرى، العددان 71-72 ربيع الأول 1418هـ/ تموز (يوليو) 1998 السنة الثامنة عشرة، ص.ص 22-63.
16- مجلة صوت فلسطين، مجلة شهرية تصدرها إدارة الشؤون العامة والتوجيه المعنوي لجيش التحرير الفلسطيني، العدد 50، آذار (مارس 1972)، السنة الرابعة، ص ص 17-33.
المصدر :http://www.syriane.com/forum/showthread.php?t=6214
تراثنا اللفوي -الأبجدي
بين العلم والشبهات
اللبس العبري (نموذجاً)
رابعاً- في تعقيبه على كلامي حول وجود الحرف الآرامي المربع قبل المسيح بعدّة قرون، جاء في الصفحة الرابعة من سيريانيوز ما يلي: "فيما نفى قبيسي الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل... حول الحرف العبري [الآرامي المرّبع م. م.] وقِدَمِه... وهنا أطرح على الدكتور قبيسي: "كيف علّمتُك قراءة بعض فقرات التعرفة التدمرية، أليس بالحرف الآرامي المربع؟! ولم تحسن القراءة في ندوة تدمر!! وتحملتُ وزر أخطائك أمام زملائي.. أتتذكر أسلوب ردّهم عليك... ونصحني حينئذ أحدهم، وأخمن أنك تعرفه، فهو زميلي ومسؤول عن الحفريات الأثرية في بلادنا... أكرّر الآن ما قاله: "أتركه وشأنه يا محمد، سيتعبك.. إنه لجوج، وتكوينه العلمي محدود... ولا يؤهله لمرافقتك ... كان ذلك منذ تسع عشرة سنة...
خامساً- أمّا ما جاء في جهينة (صفحة 16) فهو الآتي: "يؤكد الدكتور بهجت القبيسي أستاذ الكنعانية والآرامية في عدّة جامعات أن الحرف المربع سُمِّي بالآرامي زوراً كي يجد اليهود صلة بالآرامية حيث لا يوجد أي نقش لما يسمونه زوراً الآرامي المربع: فالحرف الذي يُدَرَّس في معهد معلولا لتعليم اللغة الآرامية هو حرف عبري بالتأكيد ومن المعروف أن الدكتور محمد المحفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع؟ الحرف العبري الذي وُجدَ في القرن الثالث الميلادي وليس له أي علاقة بالآرامية والبدائل لآرامية الحقيقة موجودة فلماذا لا يتم استخدامها وإحياؤها كما هو مفترض؟" انتهى
تراثنا اللغوي - الأبجدي
بين العلم والشُبُهات
اللُبس العبري (نموذجاً)
الأستاذ الدكتور محمد محفل
أمين سرّ لجنة كتابة تاريخ العرب (سابقاً)
ورئيس تحرير مجلة دراسات تاريخية
جامعة دمشق
عضو مجمع اللغة العربية (بدمشق)
استهلال
هذه دراسة علمية منهجية، بذلنا ما بوسعنا – على الرغم من صفتها الاختصاصية – لتكون قريبة المنال من القارئ الكريم... وكان بالأحرى أن ننشرها في مجلةٍ علمية أكاديمية... ولأسبابٍ موضوعية ولفائدة العدد الأكبر من مواطنينا، جعلناها في صحيفة يومية، (تشرين)، ومنذ سنوات تفتح لنا إدارتها الكريمة، مشكورة، صفحات الجريدة، لما نحن عليه اليوم. نلفت الانتباه إلى ما يلي:
أ- ( ) ما بين هلالين لشرح إضافي جغرافي تاريخي
ب- [ ] قوسان معقوفتان لتوضيح من قبلنا.
ونضع حرفين م.م. (محمد محفل) في النهاية
حـ الأرقام فوق نهاية جملة تشير إلى مصدر أو مرجعٍ مذكورة بالترتيب في نهاية الدراسة.
د_ يأتي ذكر المرجع أو المصدر بحرف داكنٍ أسود أو تحته خطّ.
هـ- ما تحته خط أسود في المتن لاسترعاء انتباه القارئ.
(1)
أُثِيْرَ لَغَطٌٌ في الآونة الأخيرة حول برنامج تعليم لهجة معلولا الآرامية، واختلط الحابل بالنابل... منهم يهرف بما لا يعرف، والآخر يقدّم نفسه عرّاب الدراسات الآرامية، وثالثهم داعياً بالويل والثبور وعظائم الأمور... وملخص الموضوع أن المسؤولين في (معهد معلولا) الخاضع لإشراف جامعة دمشق، قد اختاروا "حرفاً عبرياً" مما يهدّد "كيان الوطن"... (هكذا) ...
كنا نسمع ونقرأ، ونحن الذين دَرَّسْنا مادة "اللغة الآرامية"، لمدة تنوف على عشرين سنة في جامعة دمشق، إضافة لبضع سنوات في جامعة عمّان، في النصف الثاني من القرن الماضي، وخرّجنا آلاف الطلاب الذين درّسوا في ثانويات القطر العربي السوري والأقطار العربية الأخرى، وبعضهم أصبح أستاذاً جامعياً... نقول كنّا نسمع ونقرأ وقد استولت علينا الدهشة من طريقة سلوك بعضهم وعنجهيتهم، إضافة لتخبطهم العلمي والمعرفي.. وهم الذين أرهقونا فيما مضى بالسؤال والجواب... نقول لا بأس، ولكن نحن نظلْ أساتذة رحيبـي الصدر... وعسى أن يمعنوا النظر بفحوى هذه الدراسة، علّهم يعودون إلى الاجتهاد الحقّ والتواضع، كغيرهم من آلاف طلابنا الأبرار، لم يجحدوا معروفنا... أما ذلك الطرف الذي نصّب نفسه ديّاناً ومرشداً لبرامجنا الجامعية، فإليه هذه الدراسة، ونقول له "من يزرع الريح يحصد العاصفة" ... ﴿ وقل ربّ زدني علماً... فأما الزبدُ فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناسَ فيمكث في الأرض﴾.
(2)
يُصرّ البعض على القول "لغة عبرية" و"حرف عبري"... نحن نسألهم: ما هو قصدكم؟!
وهل ذكرت كتاباتهم في العصر التناخي اسم أو تعبير "لغة عبرية"؟! ...أو "قلم عبري، كما تزعمون...ونقصد بالعصر التناخي، تلك الحقبة المنطلقة من الأصول وحتى تدمير الهيكل (70 ميلادي) على يد القائد الروماني تيطوس، ابن وسباسيانوس، قبل أن يتولى أمور الإمبراطورية الرومانية بعد موت والده (79 ميلادي) وحتى (81م.)؛ والتسمية مكوّنة من ثلاثة حروفٍ [ت/توراة + ن/نبييم = أنبياء + خ/ك، كتوبيم، كُتُب] ولذلك، ما جاء على لسان د. بهجت القبيسي في (مجلة "جهينة" ، عدد تشرين الأول 2009، صفحة 16) : <<ومن المعروف أن الدكتور محمد محفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع>> . نقول، هنا يخطئ د. بهجت فبيسي مرتين، الأولى عدم إدراكه الفرق بين التوراة وسائر أسفار العهد القديم فالتوراة هي الأسفار الخمسة فقط المنسوبة إلى موسى، وهي "التكوين، الخروج، اللاويون/الأحبار، العدد، تثنية الاشتراع"ويغلب على هذه الأسفار اللهجة الكنعانية، بينما ما جاء في كتابي (المدخل إلى اللغة الآرامية)، هو سفر دانيال حيث كانت الآرامية قد طغت لغوياً منذ (القرن الخامس ق.م).. أما الحرف فهو الحرف الآرامي المرّبع، السوري الأصيل. ولنا عودة إلى ذلك. تتنطعّون في الكلام وتجهلون تراثكم ذا العلاقة بالموضوع... ألم تقرؤوا (ابن خلدون)، فإليكم ما قاله مفنداً زعمكم: ((فمن شريعة اليهود القديمة التوراة، وهي خمسة أسفار... وكتاب يوشع [وهو السادس م.م ] وكتاب القضاة إلخ...(1))..
نقول لكم، القضية هي منطقية وفحواها بسيط: لا لغة بدون قوم ومجتمع ولا مجتمع بدون لغة. وهي من المنطق الصوري... وكما يقول العالم الفرنسي "رُنِهْ دِكارت": أنا أُفَكِّر ، فأنا إذا موجود". هذه بديهية... فهل وُجدَ العبرانيون، ليكون لهم "لغة عبرية" و"قلم عبري"؟!... ولماذا لم يأتِ كتبة العهد القديم، وهو [مجموعة أسفار التوراة وأسفار الأنبياء الكبار والصغار وسائر الأسفار التاريخية إلخ... (م.م.)] على ذكر لغة "عبرية" أو خط عبري"؟! ... وتسهيلاً للموضوع نبدأ بإشكالية عبرانيين/ خَبِرُو/ خبيرو/ عفيرو/ آﭙيرو... كما جاء ذكرهم في العهد القديم وفي الوثائق المسمارية والهيروغليفية وغيرها..
تنسب أسفار العهد القديم اسم عبرانيين إلى (عَاْبِر) أحد أجداد ابراهيم (سفر التكوين) (17/5 إلخ ... أبْرَم / أبرهم(2).. وقد زعم بعضهم أن اسم "عبرانيين" أُطْلِق على من جاء مع إبراهيم، بعد أن عبروا "نهر الفرات" وقال آخرون بل "نهر الأردن"... وعلى كلٍ، ما نجده في أسفار التوراة وغيرها من أسفار العهد القديم بمعنى (عَبَرَ) ليس سوى لهجة كنعانية أو آرامية إلخ...) ولا علاقة لهذا الفعل ومشتقاته (عِبري/عبيربم إلخ) لا من قريب ولا من بعيد باسم (خَبْرو/ خبيرو/ إلخ...) كما جاء أعلاه، والواردة في الوثائق المسمارية القديمة في بلاد الرافدين والشام وكذلك في رُقم (تل العمارنة) في وادي النيل . وظنّ البعض أن لعبرانيي التوراة وسائر أسفار العهد القديم صلة بـ (خبرو/ خبيرو إلخ) الذين جاء ذكرهم في مختلف الدراسات المقارنة للوثائق المسمارية المكتشفة في بلاد الرافدين والشام وتل العمارنة [ يقع تل العمارنة /آخيت آتون على النيل، في محافظة اسيوط، على الضفة اليسرى من النهر، على بعد 342كم ، جنوبي القاهرةم.م.]... وفي عام 1955، صدرت بعض وثائق اللقاء الرابع للدراسات الآشورية RAI الذي عُقِد في باريس في العام السابق (1954)، وقد حضرتُ جلساته بناءً على طلب أستاذي العالم الفرنسي (دوبون سُومِّر أندِرِه A.DUPONT SOMMER) أستاذ الدراسات الآرامية المعروف، وكان عنوان المجموعة "إشكالية الخبيرو(3)".... بالفرنسية... وتتالت الدراسات حول نفس الموضوع منها بالإنكليزية(4) وأخرى بالألمانية(5)... وَوُجِدت إشارات إلى الخبيرو، بألفاظها المختلفة، منذ أواخر الألف الثالث (ق.م) وحتى القرن الثاني عشر (ق.م) في وثائق : أور الثالثة، وفي ماري [تل الحريري على الفرات م.م.] وفي السوس / الشوش [ وهي عاصمة العيلاميين والأخمينين لاحقاً وتقع في خوزستان م.م.] ونوزي [يورغان تيه، بالقرب من كركوك م.م.] وفي بوغازكوي [حتوشش العاصمة الحثيّة م.م.] وفي تل العمارنة... وقد وجدنا في النصوص الأكدية/ الاكادية صيغة (إبيار/ خبيار وتعني الهارب) وهي تقابل كلمة "Sa-Gaz" السومرية وخبيرو الأكدية وتعني: "رجل غزو، نهّاب، سلاّب" ولا يأتي الاسم عادةً إشارةً إلى شخص فردٍ بذاته بل يشير إلى مجموعة من البشر أو عصابة أو ما شابه ذلك من الأشقياء... ولم تحدّد النصوص وطناً أو أرضاً أو بقعة جغرافية باسم "بلاد الخبيرو" إذ نجدهم في مختلف أنحاء بلاد الرافدين وفي بادية الشام وأحياناً في آسية الصغرى وفي فلسطين إلخ... وبتعبير آخرٍ، لم يشكل هؤلاء الخبيرو كياناً جغرافياً سياسياً، بل يظهرون دائماً في حالة تنقل من مكان إلى آخر، ويشاركون في أعمال شبه عسكرية، كجنود مرتزقة (عَسْكَر) لصالحهم أو لحساب الغير، ولذلك فصيغة خبيرو لا تدلّ على نسبٍ عرقي أو قبلي أو مدلول سياسي، بل تعني دائماً وأبداً حالة / حياة اجتماعية، ترتبط بالغزو والسطو من قبل جماعات بدوية من أجناسٍ مختلفة، ومتعدّدة اللغات واللهجات والمذاهب والطقوس الدينية البدائية، وذلك منذ نهاية الألف الثالث (ق.م.) وحتى القرن الثاني عشر (ق.م.)، كما ذكرنا سابقاً. وقلنا أيضاً أن مراسلات (تل العمارنة) التي جرت في أيام (أمنحوتب الثالث 1402- 1364 ق.م.)وابنه (امنحوتب الرابع 1364-1347 ق. م.) [ اخناتون صاحب الإصلاح الديني م.م.] ، بين البلاط المصري، حيث كانت الغلبة في بلاد الشام لفراعنته، وبين أمراء بلاد كنعان وغيرهم من ملوك بابل وآشور والحثيين والميتانيين إلخ...، نقول ورد اسم الخبيرو هؤلاء، وغاراتهم على بعض المدن الكنعانية الجنوبية، حليفة مصر(6) وما زال أنصار المدرسة الصهيونية يحاولون تحريف اسم (خبرو/ خبيرو) في بعض حروفه ليتآلف مع (عبيرو/ عبيرانيي) العهد القديم، ليزعموا لاحقاً أن "العبرية" هي لغة هؤلاء العبرانيين مخالفين بذلك – كما سنرى - نصوص أسفار التوراة وسائر أسفار العهد القديم، التي أشارت إلى "عبرانيين" بشكل غامض، ومُشوّش ومضطرب، ولكنها لم تذكر أبداً "لغة عبرية" أو خط عبري. وهنا نأتي إلى بيت القصيد، لنرى مواطنين عرب سوريين (د.بهجت قبيسي ود. إبراهيم خلايلي ) يروّجان مزاعم "التوراتيين العبريين".لم يتجرأ حتى كتبة أسفار العهد القديم والتوراة على ذكرها، ولا نجدها في وثائقنا القديمة منذ الألف الثالث ق.م. [ أكدية / بابلية/ آشورية/ كنعانية/ آرامية إلخ... م.م.] وحتى البعثة النبوية، فلا نجد إشارة لا في التنـزيل الحكيم ولا في السيرة النبوية إلى "عبرانيين" أو "لغة عبرية" أو "قلم عبري"، لم تظهر التسميات إلا لاحقاً عن طريق الشبهات / الاسرائيليات بعد عدة قرون لدى بعض المؤرخين العرب المسلمين والسريان، ولقد لعب يهود الأندلس الدور الأكبر في هذا المجال....
وخطابنا هذا مُوَجّه ليس فقط إلى من تاهوا وحادوا عن النهج القويم في قطرنا العربي السوري، بل هذا الخطاب موجّه إلى مختلف الباحثين في وطننا العربي الكبير. وسنتابع دراسة هذه المسألة في مجلة مجمعنا العربي... وكما قلت لفائدة الجميع عملتُ على نشر هذه الدراسة في صحيفة يومية وسأضيف عليها لنشرها في مجلة المجمع العربي في دمشق. والآن نأتي إلى بدعتهم: "لغة عبرية" "حرف عبري" لا ندري، فهم ملكيون أكثر من الملك، وإليكم بعض التفاصيل على مرّ العصور...
(3)
أننا لا نجد أيّ ذكر للعبرانيين [جذر "ع ب ر" هو واحد في أغلب لغاتنا القديمة بمعناه العام، بمعنى عبر نهراً انتقل من مكانٍ إلى آخر إلخ... م.م.] وكذلك بالنسبة إلى "لغة عبرية" أو "قلم عبري" فلا وجود لها في تلك الوثائق ولا في أسفار التوراة وسائر أسفار العهد القديم، التي ذكرت العبرانيين بشكل مبهم / غامض... فإن كان العبرانيون قد وُجدوا فعلا، كما جاء في بعض أسفارهم، فلماذا لم يطلقوا على لسانهم اسم "اللسان العبري/ اللغة العبرية" "الحرف العبري" إلخ...
عندما نأتي على ذكر الأسفار، فلا نعتبرها وثيقة أصيلة. وبما أنهم جعلوا التوراة وغيرها من الأسفار سجلاً تاريخياً، لا كتاباً دينياً فقط من الوحي الإلهي، فمن حقنا أن نعتبر أخبار وروايات تلك الأسفار مادة تاريخية، خاضعة لأصول النقد التاريخي الداخلي والخارجي... ولا مجال لزيادة في التفاصيل، في عجالتنا هذه.
في الإشارة إلى لغة أقوام موسى وأخلافه – في رواياتهم – لا نجد ذكر "لغة عبرية" بل "شفة كنعان" و "يهودية [نسبة إلى سبط يهوذا م.م.]، كما يلي: بالنسبة للغة كنعان، في (سفر أشعيا 19/48): "في ذلك اليوم تكون خمس مدن في أرض مِصْرَ، تتكلم بلغة كنعان، وتحلف بربّ القوات، يُقال لإحداها مدينة الشمس".
وبالنسبة للغة "يهودية": (سفر الملوك الثاني، 18/26: "...كلم عبيدك باللغة الآرامية، فإننا نفهمها، ولا تكلمنا باليهودية على مسامع الشعب القائم على السور.". كان ذلك في عام 701 ق.م.، عندما حاصر الملك الآشوري سنحريب مدينة أورشليم / القدس... نقول أورشليم لأن بعضهم لا يعرف أن هذا الاسم كان موجودا قبل دواد وغيره من ملوك إسرائيل ويهوذا المزعومين.. وكذلك في (سفر نحميا 13824): "وكان نصف أولادهم يتكلمون بلغة أشدود، ولم يكونوا يحسنون التكلم باليهودية...".
ونجد ذكر "لغة يهودية" في أماكن أخرى من الأسفار (أشعيا 36/11) و(أخبار ثان 23/18). إلخ...
ونلخص هذه الفقرة كالتالي:
العربي يتكلم العربية، واللاتيني اللاتينية، إلخ... نقول: هل وُجِدَ "عبرانيون" كما جاء في الأسفار؟ أي قوم دخلوا فلسطين ومعهم لغتهم: وإن كان الأمر كذلك لقال كتبة الأسفار"لغة عبرية" وهذا مالا نجده في التوراة وأسفار العهد القديم الأخرى... ومن هنا، علينا أن نحدّد التاريخ الذي ظهرت فيه التسمية "العبرية" وكيف كان ذلك، ولماذا ؟ ها هنا نقول: لم تبدأ التسمية "العبرية" تشق طريقها إلا في الفترة المسيحية الأولى، لتتطور تدريجيا... فمن اعتنق المسيحية راحوا يطلقون على لهجته الآرامية وكتاباتها اسم "السريانية" ومن ظلّ على يهوديته قالوا عن لهجته الآرامية وحروفها "عبرية"... إذاً نحن أمام لهجتين آراميتين. واللهجة /اللغة أداة حيّة ومع الأيام تشكلت لهجات آرامية متعددة، منذ القرن الأول (ق.م)... نحن نعلم أن رسالة بُولس الرسول إلى العبرانيين قد أثارت جدلاً كبيراً منذ العصور الأولى للمسيحية وحتى عهد الإصلاح الديني اللوثري. فمن هم هؤلاء العبرانيون ؟! [ لمزيد من التفاصيل انظر هامش(7)].
ولو جئنا إلى التراث العربي الإسلامي، ففي التنـزيل الحكيم، لا نجد أيّ أثر لاسم "عبرانيين" أو "لغة عبرية" أو خط عبري بل أشير إلى القوم كالتالي:
44 مرة بنو إسرائيل.
8 مرات يهود.
وأحياناً نجد اسم (هوداً 7 مرات) وهو غير اسم (قوم هود)، والبعض رأى فيهم "قدامى اليهود" والآخر قال "يهود المدينة".
وكذلك لا نجد اسم "عبراينين" أو "لغة عبرية" في (سيرة ابن هشام) بل يهودا وبني إسرائيل إلخ...
ونحن نرى أن العلماء اليهود في الأندلس قد لعبوا الدور الأكبر في إشاعة هذه التسمية "العبرية" في اللغة والكتابة وهي من الشُبُهات، التي أطلق عليها أسلافنا اسم "الإسرائيليات" ... وأغلب هؤلاء اليهود خضعوا لأسباب "الثقافة العربية الإسلامية"، منهم أحسن دوره والبعض الآخر حاول الإساءة... وما علينا إلا مطالعة كتاب فضل الأندلس على ثقافة الغرب(8) لنرى أسماء المئات منهم في فهرس الأعلام، ومن مساوئ بعضهم إيهام العرب المسلمين بِقِدَم لغة وكتابة أجدادهم "العبرانيين"؟! ... وبعضهم أوغل في الدسّ، فأوصلها إلى آدم وزعم أنها لغة أهل الجنّة، ومن ضحايا هذا الإسفاف العالم الجليل ابن حزم، إذ يقول في كتابه الشهير، الفصل في الملل والأهواء والنحل "إن إنجيل متّى هو بالعبرانية، أما الأناجيل الثلاثة الباقية فهي باليونانية(9)" [والصحيح هو بالآرامية م. م. ] ويأتينا العلاّمة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته بعد ذلك بحوالي ثلاثة قرون، مكرراً نفس الخطأ: "كتب متى إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية(10)" ومن ينكر فضل ابن خلدون في علم الاجتماع وفلسفة العمران؟! .. ومهما يكن، فلكل من ابن حزم وابن خلدون ولغيرهما من المؤرخين العرب والمسلمين عذرهم... فبعد سقوط بابل في سنة (538 ق.م)، اندثر وهج حضارات وطننا العربي حتى فجر الإسلام ... أحاط الغموض عظمة بابل ونينوى وخورسباد وماري وغيرها من مدن بلاد الرافدين والشام، باستثناء العديد من صروح وآثار وادي النيل التي تشير إلى بديع حضارة وادي النيل في القرون السالفة... ونحن لا نُدْهَش عندما نلاحظ سقوط الطبري صاحب (تاريخ الأمم والملوك) وابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) وغيرهما من المؤرخين العرب المسلمين في حماة "الإسرائيليات".. ولكن أن يأتينا البعض في قرننا الواحد والعشرين، وبعد الدراسات التاريخية / اللغوية/ الآثارية المستفيضة التي دحضت مزاعم "الإسرائيليات". والتي وقع في فخها بعض علمائنا العرب المسلمين كالطبري وابن الأثير وابن حزم وابن خلدون وغيرهم.... نقول بعد كل ذلك، يأتينا بعض المتحذلقين/ مُدّعي المعرفة ببدعة "لغة عبرية" و"حرف عبري"، رافعين عقيرتهم بالشكوى... من معهد معلولا الذي يدرس "بالحرف العبري" ومن أستاذ اللغات القديمة في جامعة دمشق الذي درّس بالحرف العبري في كتابه الصادر في طبعته الأولى منذ أربعين سنة تقريباً والذي أساء بذلك إلى تاريخنا القومي (هكذا) [ وسنأتي على سفاهاتهم بعد قليل م.م.] ونقول لهؤلاء ما يلي وعليكم الإجابة:
(1) قولكم بوجود "لغة عبرية" و "حرف عبري" هو باطل الأباطيل ... إذ لا نجد هذه التسميات لا في توراتهم ولا في سائر أسفارهم، كما لا نجده في وثائقنا القديمة منذ الألف الثالث (ق.م) وحتى مطلع الميلاد المسيحي، كما لا نجد ذكر العبرانيين أو لغة عبرية أو حرف عبري لا في التنـزيل الحكيم ولا في السيرة النبوية لابن هشام... نسألكم إلى من تنسبون هذه التسميات "العبرية؟! هل لعابر التوراتي جد إبراهيم السابع، كما جاء في سفر التكوين؟! ألا يعني ذلك تأييد أو تأكيد مزاعم الصهانية الخزريين، مغتصبي أرض فلسطين؟! هلاّ ثُبْتُم إلى رشدكم لتدركوا قبيح لغوكم؟! .. إن رفضنا التسمية "العبرية" ليس ابن اليوم... ففي حلقاتي الأسبوعية التي كنت أعدّها للقسم "العبري" في الإذاعة العربية السورية في دمشق، والتي استمرّت حوالي خمس عشرة سنة، منذ عام 1970 وحتى 1985، انطلقت من عدّة مسلمات: "أصالة الحضارة الكنعانية/ رفض التسمية العبرية في اللغة والكتابة/ وحدة بلاد الشام /وفلسطين ليست هي كنعان التوراة والأسفار وكنعان هي كل بقاع سورية الطبيعية الواقعة غربي الأنهر الثلاثة من الشمال إلى الجنوب: العاصي/ الليطاني/ فالأردن / بل أحياناً شرقي تلك الأنهر إلخ...
وفي تعقيبـي على كتاب الأستاذ زياد منى "جغرافية التوراة(11)" جاء في ردّي على التسمية العبرية، في دراسة بعنوان "جغرافية باطلة وتاريخ صحيح(12)" "جاء في الصفحة 18 [جغرافية التوراة م.م.]، حيث يقول زياد منى إشارة لمن دخلوا فلسطين مع يشوع [ بحسب سفر يشوع م.م.] ما يلي "... كان عبارة عن تخالف أو تجمع قبائل أو عشائر ناطقة بلهجةٍ كنعانية تسمى بالعبرية، رغم أن المصطلح الأخير لا يرد في التوراة لتعريف لغة بني إسرائيل، لكن بغياب بديل علمي مقبول رأيت عدم إمكانية تجنب توظيفه"(13).
وفي تعقيبـي على كلام زياد منى قلت:" هذا غير صحيح البتة، وكم من باحث يعمل في هذا الميدان يقول دون أيِّ تردّد "اللغة التوراتية(14)" [نسبة إلى أسفار موسى الخمسة م.م.] وهي الأساس بالنسبة لبعضهم كالسامريين مثلاً...
(2) والآن أتوجّه إلى الدكتور بهجت قبيسي، لأقول له، عندما قرأت ما جاء في "سيريانيوز" ظننت أن الصحفية الناشئة السيدة (لارا علي) قد نسبت إليكم بدون تمحيص أقوالاً لم أصدقها للوهلة الأولى، ثم جاءت "جهينة بالخبر اليقين، فكانت قاصمة الظهر... وعلى الرغم من الثمانين من عمري، لم أسأم تكاليف الحياة ومازال قلمي أكثر مضاءً من سيف الحجاج، ويقول زهير بن أبي سلمى في قصيدته أيضاً:
ومن لا يَزُد عن حوضه بسلاحه
يُهَدّم ومن لا يظلمُ الناس يُظْلَمِ
من واجبي أن أعترض سبيلكم دفاعاً عن المعهد (معلولا) وعن الجامعة التي تطاول عليها شريككم... ولن أنسب إليكم إلا ما جاء على لسانكم، في (سوريانيوز) وفي (جهينة).
ثم يأتي تعقيبـي... وأترك الأمر بعدئذٍ لذوي الحل والربط في قطرنا... ولحكمة القارئ وحصافته.
أولاً – قدّمتك الصحفية الناشئة (لارا علي) في سيريانيوز على أنك أستاذ الكنعانية والآرامية واللهجات العروبيات في عددٍ من الجامعات!!... فما هو رأيكم؟!!.. أقول لكم أيها الأخ... أن تكون أستاذاً... هذا أمرٌ لا يناله المرء عندما يقدِّم دراسة أو ما شابه ذلك، فتمنحه لجنة جامعية رتبة ماجستر أو دكتوراه... أما شرف "الأستاذية" فهذا موضوع آخر، وهو لأمر جليل والله... لبضع سنوات، ومنذ عودتي من أوروبة في عام 1967 وحتى عام 1975، كنت أدرّس عدة لغات قديمة في قسم التاريخ: الآرامية/ اللاتينية/ اليونانية إضافة لعدّة مواد تاريخ الرومان / تاريخ اليونان، وكذلك "تاريخ العمارة" في كلية هندسة العمارة و"تاريخ الحضارات" في كلية الفنون الجميلة... وعلى الرغم من ذلك، لم أَدَّعِ هذا اللقب... انظر إلى كتاب "المدخل إلى اللغة اللاتينية" و"كذلك" إلى المدخل إلى اللغة الآرامية، وإلى تاريخ الرومان وإلى تاريخ العمارة، فماذا تجدون (محمد محفل، مدرّس التاريخ القديم واللغات القديمة، جامعة دمشق) فلا: دكتور ولا أستاذ بل مدرّس.. فقط... ومرت الأيام والسنون، وكنت مدرساً في جامعة عمّان ولكنني اكتفيت بالإشارة إلى جامعتي التي تخرجت منها في عام 1953 (وكان اسمها الجامعة السورية). وأنا انتمي إليها أولاً وأخيراً، وما زلت حتى اليوم على ما كنت عليه، على الرغم من دراساتي لاحقاً في عدة جامعات غربية: باريس، بون، جنيف...ودعوتي من قبل أساتذتها في السنوات الأخيرة، المشاركين في مؤتمراتنا الدولية التي أشرفت على أعمالها بصفتي (أمين سر لجنة كتابة تاريخ العرب) فما زلت حتى اليوم أوقع (جامعة دمشق)، فهي جامعتي وأفخر بها: طالباً ومدرساً وأستاذاً... هذه الجامعة التي يهاجمها شريككم في حملتكم الإعلامية الضّالة المضلّلة... (الأستاذية" أيها الدكتور قبيسي ليست رتبة علمية تنالها بعد اجتياز فحص ما، لتحصل على رتبة علمية "إجازة، ماجستر، دكتوراه، كلا !!. ليست هذه بل هي شرف المهنة، هي العطاء اليومي، هي أن تحب طلابك وتحترمهم وترشدهم، ولا تبخل عليهم بمعلوماتك، وأن تكون عادلاً، كلهم لديك سواء، فهم أمانة في عنقك... الأستاذ الحق هو الذي يسمع هذه الكلمة من طلابه القدامى... عندما جاؤوا إليّ منذ شهور ليبّلغوني قرار قسم التاريخ بتكريمي، قلت لهم – وهم من قدامى طلابي- قلت لهم يكفيني القرار وأنا سعيدٌ بكم... وأضفت أجِّلوا ذلك يا أبنائي...وعاودوا قائلين... أنت أستاذنا وفخرنا , ولا ننسى فضلك... فقاطعتهم قائلاً كفى... لكم ما تشاؤون... وكان حفل تكريمي من قبل زملائي في قسم التاريخ وأغلبهم من طلابي الذين درستهم في العقود الأخيرة من القرن الماضي... هذه هي الأستاذية الحقة... أما لقب دكتور، أستاذ (هكذا)، فهذا هراء وكلام فارغ... لقد كرّمني أعلى المسؤولين في وطني عندما أوكلوا إليّ تنفيذ بعض المهمات العلمية... فلهم الشكر الجزيل... أما أن يلتف حولك في خريف عمرك طلابك القدامى، وليسوا بحاجةٍ إليك اليوم وقد اشتدّ عودهم... فها هي سعادة ما بعدها سعادة... فلهم شكر الزميل والأب والمعلم...
فرحنا عندما قبلكم زملاؤنا وأوكلوا إليكم بعض الساعات في قسم التاريخ في جامعة حلب... ويشهد الله أني أوصيتهم بكم خيراً... ولكن ما العمل... ها قد مضى على الأمر عشر سنوات تقريباً بعد استغنائهم عن مساهمتكم ... ولا أدري أين تدرسّون حالياً، وما معنى "عدة جامعات"؟!! وهل بشكلٍ موسمي، أم ماذا؟!!
ثانياً- بالنسبة للحرف العبري (هكذا) لا نعلم ما هو ؟! على كلٍ ستطلّعون على ملخص رأي أساتذة اللغة الآرامية الذين حضروا الاجتماع الأخير وقرارهم ومفاده أن الحرف الذي درّسوه في معهد معلولاً هو "الحرف الآرامي المرّبع" وهو سوري أصيل... ونحن عندما نُدَرس أبجديات بلاد الشام من أبجدية جبيل وحتى التدمرية وكتابات قمران وغيرها ، ندرسها في حدود سورية الطبيعية، ولا معنى هنا لسورية في حدود سايكس – بيكو.
ثالثاً- في العلم أيها الدكتور قبيسي، لا يوجد تحدٍ... هذا علمناكم إياه ولكن ما الفائدة؟! وما هو المقصود: "أتحدى أن نجد الحرف العبري قبل القرن الثالث الميلادي... إنها أحجية والله... لا شك أن الأمر التبس على الصحفية الناشئة، لا شك أنكم تقصدون (ق.م)
رابعاً- في تعقيبه على كلامي حول وجود الحرف الآرامي المربع قبل المسيح بعدّة قرون، جاء في الصفحة الرابعة من سيريانيوز ما يلي: "فيما نفى قبيسي الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل... حول الحرف العبري [الآرامي المرّبع م. م.] وقِدَمِه... وهنا أطرح على الدكتور قبيسي: "كيف علّمتُك قراءة بعض فقرات التعرفة التدمرية، أليس بالحرف الآرامي المربع؟! ولم تحسن القراءة في ندوة تدمر!! وتحملتُ وزر أخطائك أمام زملائي.. أتتذكر أسلوب ردّهم عليك... ونصحني حينئذ أحدهم، وأخمن أنك تعرفه، فهو زميلي ومسؤول عن الحفريات الأثرية في بلادنا... أكرّر الآن ما قاله: "أتركه وشأنه يا محمد، سيتعبك.. إنه لجوج، وتكوينه العلمي محدود... ولا يؤهله لمرافقتك ... كان ذلك منذ تسع عشرة سنة...
خامساً- أمّا ما جاء في جهينة (صفحة 16) فهو الآتي: "يؤكد الدكتور بهجت القبيسي أستاذ الكنعانية والآرامية في عدّة جامعات أن الحرف المربع سُمِّي بالآرامي زوراً كي يجد اليهود صلة بالآرامية حيث لا يوجد أي نقش لما يسمونه زوراً الآرامي المربع: فالحرف الذي يُدَرَّس في معهد معلولا لتعليم اللغة الآرامية هو حرف عبري بالتأكيد ومن المعروف أن الدكتور محمد المحفل درّس آرامية التوراة بالحرف العبري، فلماذا يستخدم المعهد هذا الحرف المرّبع؟ الحرف العبري الذي وُجدَ في القرن الثالث الميلادي وليس له أي علاقة بالآرامية والبدائل الآرامية الحقيقة موجودة فلماذا لا يتم استخدامها وإحياؤها كما هو مفترض؟" انتهى
أوردنا النص كما جاء في (صفحة 16)، على علاّته بالتنقيط والصياغة... وهو ملئ بالألغاز أو بالأحرى بالشطحات. وها هو تعقيبنا: قلنا سابقاً إن د. قبيسي [بعكس ابن خلدون م.م.] لا يدرك الفرق بين التوراة وسائر أسفار العهد القديم... أما أن أكون [أنا محمد محفل] قد علمتُ طلابي اللغة الآرامية بالحرف
المرّبع فقط – كما زعم... عالم اللغات القديمة ... القبيسي – فهذا عارٍ عن الصحة. فمنذ عام 1967 وحتى استلامي رئاسة تحرير مجلة دراسات تاريخية عام 1994، علّمت طلابي في جامعتي دمشق وعمّان، اللغة الآرامية بالخطوط الآرامية الثلاثة: المربع والقديم واليدوي، وكان الفحص أو بالأحرى أسئلة الامتحان بالخطوط الثلاثة.انطلق من الخط المرّبع، بعد ضبط اللفظ بالحركات، إلى الخط القديم فاليدوي... [انظر جداول الخطوط في الشكل رقم (1) م.م.]... ونماذج أسئلة الامتحان بالخطوط الثلاثة تتجاوز الخمسين نموذجا وهي بين أيدينا ومحفوظة في السجلات الجامعية... فكيف تطلقون الأحكام يا... أستاذ؟!!، قبل أن تتحروا، بحثاً عن حقيقة الأمور؟!...
إن كنت لا تدري فتلك مُصيبةٌ أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
سيأتي حساب شريكك لاحقاً. لم يكن صادقاً عندما زعم أنه درس الآرامية وصُعِقتُ عندما بان جهله الصارخ بإرجاعه النقوش الآرامية إلى الألفين الثالث والثاني (ق.م)، وهنا رميتُ بالكتاب على الطاولة متوجها إليه... لا أعتقد أنك تدرك أو تعلم ما هي الآرامية، وإلا لما وقعت في هذه المتاهات... وكان ذلك في البرنامج التلفزيوني منذ بضعة شهور... قد نعذرك على عجلتك يا دكتور قبيسي، إذ لم تكن طالباً مواظباً على دروس اللغة الآرامية، لتعرف بأنني امتحن طلابي بالخطوط الثلاثة: القديم/ اليدوي/ المربع الآرامية... ولا أدري هل درسّوكم اللغة الآرامية وكتاباتها في جامعة بيروت العربية، التي أجازتكم في المرحلة الجامعية الأولى... وكيف كان ذلك؟!.حقاً؟!.. واعجباه!!..
أما قصة الحركات فلنا عودة إليها مع تعقيبنا على ما جاء به الدكتور إبراهيم الخلايلي... وهي من صلب اللغة الآرامية ونجد جذورها وأصولها في معاجمنا العربية.
لقد ارتقيتَ مرتقى صعباً... وإلا فما مغزى هذه الألفاظ: " أتحدى /زور/ بهتان/!!... وأسفاه!!.
... رحم الله امرأٌ عرف حدّه فوقف عنده
إن كتابي المدخل إلى اللغة الآرامية الذي تنتقدونه هو فخرٌ لي، وبه افتتحت منذ حوالي نصف قرن تدريسي "الآراميات" في قطرنا العربي السوري وسائر الأقطار العربية. وفي مدخله التاريخي، أعلنت المبادئ الأربعة التالية، والتي أصبحت من المسلمات اليوم لدى أغلبية الباحثين وأساتذة التاريخ واللغات القديمة لوطننا العربي الكبير، ولم أتوقف عن التبشير بها في الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية، وما أضعه اليوم بين أيدي القرّاء هو من هذا القبيل، وها هي تسلسلاً:
أ- في الصفحة 5/6: "نقد نظرية اللغات السامية" كما جاء بها شلوتسر النمساوي، لأنها غير علمية، والهدف منها إلحاق "لغة عبرية" لا وجود لها، كما رأينا سابقاً، بتراثنا اللغوي ... وتوجهنا لاحقاً إلى العلماء والباحثين العرب لإيجاد صيغةٍ علمية عوضاً عن "السامية".. أما نحن، فقد اقترحنا في دراستنا الشاملة بعنوان "العربية لغة وكتابةً " والمنشورة في مجلة التراث العربي(15) صيغة (العربيات العتيقة فالقديمة فالعربية الفصحى) واقترح علينا زميل أردني الاقتصار على كلمة "العربيات".
ب- ليست العبرية كلغة سوى إحدى لهجات الكنعانية (ص 13) هذا هو موقفنا منذ أربعين سنة وما زلنا عليه حتى يومنا هذا.
ج- رفض التسمية الفينيقية (الإغريقية)، الدخيلة فالإغريق هم الذين أطلقوا هذه التسمية في إشارتهم إلى الساحل اللبناني، وأطلقت أسفار العهد القديم والتوراة اسم كنعان على فلسطين ... وهذا أيضاً رفضناه منذ عام 1972، عندما بدأنا ننشر سلسلة دراستنا (بلاد كنعان والإسرائيليون القدماء). ففي الحلقة الأولى،(16) (صفحة 18) نقول: "... ولذلك فنحن نرفض المحاولات التي تجعل من فلسطين بقعة منعزلة، خضعت لتأثيرات حضارية فريدة في نوعها... قائمة بذاتها ... إذ لا يمكننا دراسة تاريخ فلسطين – على مرّ العصور – إلا بعلاقته مع تاريخ سورية بوجه الخصوص ومع تاريخ المنطقة بالإجمال... وفي (صفحة 19) جاء ما يلي: "... ثم انتقلنا إلى دراسة جغرافية – تاريخية لسورية الطبيعية في القديم... ماذا تعني تسمية سورية؟!... هل صحيح أن كنعان تقتصر على فلسطين فقط؟! ما معنى فينيقية؟!.. وهل وُجِد حقاً شعب فينيقي يختلف عن باقي الكنعانيين في سورية الشمالية وفي فلسطين؟!
د- في (الصفحات 16 وحتى 37) أوضحنا دور الآرامية لغة وكتابة (الحرف القديم الكنعاني/ الآرامي المربع/ اليدوي) ومنذ أربعين عاماً ونحن ندرس بالحروف الثلاثة كما ذكرنا) [انظر المدخل إلى اللغة الآرامية]
وفي دراستنا الأخيرة في عام 2008 (احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية) صدر كتابنا باسم اللجنة وعنوانه: (دمشق... الأسطورة والتاريخ... من ذاكرة الحجر... إلى ذكرى البشر"، وفيه فصلان للعالم الآرامي وميراثه العظيم (ص.ص 35-67) وفيه دراسة لعدة نقوش آرامية بالحرف القديم الوارد في كتابنا (المدخل إلى اللغة الآرامية) (ص40).
لدراستنا هذه، حلقة ثانية، لتفنيد مزاعم الدكتور إبراهيم خلايلي... إرفع يدك أنت ومن يساندك عن جامعة دمشق... حيث دَرَسْنا فيها في الأعوام 1949/1953، ثم علّمنا فيها بعد عودتنا من الغرب وأشرفنا على تخريج دفعاتٍ من الطلاب الذين أفادوا الوطن ... وهم الذين كرّموني وأصبحوا أساتذة في قسم التاريخ والآثار وذلك منذ شهور فقط... لقد تحاشيناكم فسكتنا وترفعنا عن عبثكم وطيشكم... فظننتموه ضعفاً ... قلتُ في كلمة حفل تكريمي، مخاطباً زملائي في قسم التاريخ وطلابي/ الأساتذة الأبرار: "التاريخ علم خطرٌ" وله المقام الأكبر في الأيام الآتية الصعبة... فأحسنوا استعمال سلاح الثقافة التاريخية... في وطن هو مهد الحضارات والديانات... لا تخشوا مزوري التاريخ... ولا تهابوهم... وموروث أسلافنا الحضاري هو سلاحكم... تقدّموا ولا تنكثوا... وأنتم الأعلون والمنتصرون"... طاش سهمهم وعربدوا ... فراحوا يكيلون التهم ذات اليمين وذات اليسار... تارة ينتقدون البرامج الجامعية... وأخرى يهاجمون رموزاً علمية، ولكن من منحكم هذا التفويض... تقدم أحدهم بطلب للتدريس في جامعتنا، فدُرِسَ الإنتاج العلمي وأجمعت اللجنة على رفض الطلب لعدم توفر الشروط المؤهلة لهذا المنصب...أكرر تحذيري للعابثين... للكلمة قدسيتها ومسؤوليتها... نحن مع حرية الكلمة الصادقة... وهنا أتوجه إلى أهل الصحافة وقد ساهمت في تخريج دورتين للصحافة والإذاعة في الثمانينات من القرن الماضي... أقول لكم.... السبق الصحفي شيء، ونشر غير مدروس لأخبار ما، شيُ آخر. أما الأمور العلمية ولاسيما ماله علاقة بتاريخ الأمة وتراثها ومعتقداتها وبأخبارٍ لها علاقة بالدراسات اللغوية والأثرية إلخ... فهنا بعض الاختصاص ضروري، لكي لا نقع بما جرى نشره إن كان في (سيرياينوز) إو في (مجلة جهينة). من قال لكم بأننا سَلَّمْنا بما جرى في نشر الحرف الآرامي المربع على الجدران والأماكن العامة والمقدسة إلخ. فما عليكم إلا الذهاب إلى أصحاب هذه الأماكن وتسألونهم... من حرّضهم على ذلك...لإلحاق الأذى بمشروع ثقافي تعليمي... إن وراء الأكمة ما وراءها... فالمنافسة الخيرّة حقُ... أما النميمة فقبحٌ ولا تُطع كلَّ حلاّف مَهين، هَمّازٍ مَشّاءٍ بنميم.
يقولون: إذا زلّ العالِمُ زل معه عَالَمُ... عندما حدّدْتُ مهمة المعهد بتعليم لهجة معلولا ولهجة عصر السيد المسيح، فكان الهدف الأول وطنياً وقومياً.ثم جاء القدّاس في أربعة عواصم عالمية، في كنائسها... بالآرامية.. كان ذلك نصراً لنا، لسورية؛ فالآرامية هي لغة السيد المسيح، وبالحرف الآرامي المربع كتبوا إنجيل متى (واختلط الأمر على ابن حزم وابن خلدون فقالا بالعبرية). شكّك بعضهم في كتابة متى بالآرامية... ولا داعي لتسميته .. وهو يعرف من أقصد ... كنت على علم بذلك منذ أكثر من خمسين عاماًً؛ وكنت في روما بصفتي طالب دراسات عليا رومانية (المعهد السويسري/ الإيطالي والسويسري/ الفرنسي)... أما أين هو وكيف علمت بذلك، فهذا ليس للنشر في الصحف)!!..
وسؤال آخر والأخير في دراسة اليوم: ألم تسمعوا بـ "الترجوم" بنسخه المختلفة... ألم يكتبونه بالآرامية وبالحرف الآرامي المرّبع [العبري على زعمكم] ذلك الحرف الذي أطلق عليه البعض "الحرف الآشوري المربع"...كان ذلك ما بين القرن الخامس والقرن الثاني (ق.م) [وليس القرن الثالث الميلادي، كما جاء لدى الدكتور قبيسي.م.م.]، أتعلمون لماذا أطلق عليه البعض "القلم الآشوري المربع" عوضاً عن "القلم الآرامي" [السوري م.م.] المربع، فإليكم ما جاء لدى شاهد ذلك العصر، وسميناه (هرودوتس 484- 420ق.م)... ففي كتابه السابع/63) يشير إلى الجنود السوريين الذين شاركوا في "الحرب المادية الثانية 481-479 ق.م) مع الفرس الأخمينيين ضد آثينة وحلفائها، فيقول: "...وكان اليونانيون يسمونهم سوريين والبرابرة آشوريين..." ويقصد هرودوتُس بالآشوريين، سكان المناطق الغربية للإمبراطورية الآشورية الحديثة، أي سكان (سورية الطبيعية)، وكان الآشوريون قد زالوا من الوجود في أيام هرودوتُس، كدولةٍ وتجمّع سكاني، بعد سقوط عاصمتهم (نينوى عام 612ق.م) ونلخص ما جاء في الدراسة بما يلي:
أولاً- لا نجد أيّ ذكر في التوراة وسائر أسفار العهد القديم لكلمة "عبرية: لغة أو كتابةً" .
ثانياً- لا نجد كذلك في وثائقنا القديمة التسمية العبرية، (لغةً أو كتابةً).
ثالثاً- نجد في التنـزيل الحكيم كلمة "بني إسرائيل/ يهود/هود. ولا نجد التسمية "عبرية" في سيرة ابن هشام.
رابعاً- اسم "اسرائيل/ يسر/ ال/ ايل اسم مركب واختلفوا في معناه، ما يهمنا هنا الجزء الثاني من الاسم، الذي يشير إلى (إيل) الإله الكنعاني الأكبر، ومنه أسماء (إسماعيل / جبرائيل/ ميكائيل/ عزرائيل إلخ...)
خامساً- منذ القرن الخامس (ق.م) نغلبت الآرامية (لغة وكتابة) على سائر لغات المشرق العربي القديم، وعن الكنعانية والآرامية نقل أهل التوراة والعهد القديم اللهجة "الكنعانية" والقلمين الكنعاني (الفينيقي كما قال الإغريق) وكذلك القلم الآرامي المربع السوري (الآشوري لدى البعض).
سادساً- أقدم ما نعرفه عن التوراة وسائر أسفار العهد القديم هو ما نجده في نسخ "الترجوم" المختلفة، ولا ندري لماذا لم يأت الدكتور قبيسي /خلايلي على ذكره؟! أليست لهجته هي الآرامية وكذلك الكتابة؟!
سابعاً- ليس صحيحاً ما زعمه الدكتور قبيسي، ففي كتابي المدخل إلى اللغة الآرامية نجد في الجدول (ص40) الأقلام الثلاثة: القديم/ اليدوي/ المربع وبها كنت امتحن طلابي.
ثامناً- الخط القديم (الكنعاني) يفتقر إلى الحروف الصوتية والحركات، فحروف (أ/و/ي) هي موجودة ولكنها لا تساعدنا على ضبط اللفظ، أي لعبت دور الحروف الساكنة فقط. فمثلاً اسم ملك حماه الذي جاء في (نقش آفس) بحروف ساكنة ثلاث (ز-ك-ر) اختلف حتى العلماء على قراءته ( زكور/ زكّور /ذكير / زكير) [انظر كتابنا :دمشق : الأسطورة والتاريخ، من ذاكرة الحجر... إلى ذكرى البشر" صفحة 51].
لا مجال للمزيد اليوم... والسلام على من اتبّع الهدى
المصادر والمراجع
1- ابن خلدون، المقدمة، دار الشرق العربي، حلب 1425هـ/2004م، ص 213 ما بعدها
2- لمزيد من التفاصيل، انظر (التكوين10/24-25، 11/14-17؛ (أخبار الأيام الأول، 1/19) والنسخة العربية المعتمدة في دراستنا هي، الكتاب المقدس، (العهد القديم)، جمعيات الكتاب المقدس في الشرق، بيروت، لبنان طبعة ثالثة 1994م.
3- J.Bottéro, LeProblème des Habiru, 4e RAI, Paris 1954.
4- M.Greenberg, The Hab piru , New- Haven 195:5.
5- O.Loretz, Habiru-Hebraër, Berlin New- York 1984, p.23g,Kupper,Sutéens Et Hapiru, In R.A.,55, 1961,p.p197-200.
6- C.F.R.de Vaux, o.p.t, Histoire Ancienne d' Israël, des Origines à L'installation en Canaan, Lib. Lecoffre, Paris1977, p.p.106-112,116,134,310 etc….
7- انظر، الكتاب المقدس (العهد الجديد) صفحة 684: "... مصدر هذا المؤلف [الرسالة إلى العبرانيين م.م.] موضع أسئلة متشعبة، أثارت منذ العصور الأولى، مجادلات وشكوكا أُوِْقِِظَت لاحقاً في عصر الإصلاح: من أين أتت هذه الرسالة أيمكن إناطتها باسم الرسول بولس أم لا ؟! لماذا لا تشبه إلا قليلاً رسائل بولس الكبيرة؟ إلى من وجهت وما الذي دعا إليها؟
أتُراها رسالة حقاً؟" وفي الصفحة 693: "فإن الرسالة إلى العبرانيين تخاطب مسيحيين حائرين مُعِرَّضين لخور العزيمة، وهي تصف الدواء الناجع لهذا النوع من الداء.." كما ترى، لا علاقة لعبرانيي الرسالة بعبرانيي التوراة.
8- الاسم الأصلي الاسباني للكتاب هو:
Juan Vernet, La Cultura Hispanoárabe en Oriente y Occidente
نقله إلى العربية نهاد رضا وقدّم له ووضع حواشية فاضل السباعي، بالعنوان المذكور في المتن. أما الترجمة الحرفية فهي "الثقافة الاسبانية العربية في الشرق والغرب، دار اشبيلية، دمشق 1997
9- ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر والدكتور عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت 1405/1985م . صفحة 13وما بعدها.
10- ابن خلدون المقدمة صفحة 214.
11- جغرافية التوراة، دار رياض الرّيس للكتب والنشر، لندن 1994.
12- مجلة دراسات تاريخية، لجنة كتابة تاريخ العرب، جامعة دمشق، السنة السابعة عشرة، العددان 55-56، آذار حزيران 1996.
13- مجلة دراسات تاريخية ص 218.
14- نفس المكان.
15- مجلة التراث العربي، عدد خاص مزدوج "اللغة العربية واللغات الأخرى، العددان 71-72 ربيع الأول 1418هـ/ تموز (يوليو) 1998 السنة الثامنة عشرة، ص.ص 22-63.
16- مجلة صوت فلسطين، مجلة شهرية تصدرها إدارة الشؤون العامة والتوجيه المعنوي لجيش التحرير الفلسطيني، العدد 50، آذار (مارس 1972)، السنة الرابعة، ص ص 17-33.
المصدر :http://www.syriane.com/forum/showthread.php?t=6214
تعليق