مغامرات دحنون وريحان صوره كاريكاتورية للباحثين عن الذهب .. الحلقة الاولى
روايتنا هذه ستكون على لسان دحنون ، كما هي على ذمته مع الإشعار أن ذمته أوسع من (خيشة التبن) ، ومع ذلك نروي عنه لطرافة حكاياته لمعلوماته القيمة ولما يعرف عن المغامرين وراء الأصفر الرنان...!!!
قال دحنون : سأحدثكم عن مجموعتنا ، حينما ذهبنا نبحث عن الذهب ، إذ أن العم ريحان يحب الثروة ، وهاجسه الدائم الذهب ، وأن يجد إحدى الدفائن كما يجد الأخرون .....!!!
لذلك هو يعرف كل المشعوذين وأصحاب هذه الأوهام على امتداد البلد ،وبعض المعارف في ما حولها...!!!
أخبره أحدهم أن في منطقة ما في القرية الفلانية فيها كنز روماني كبير يضمن لهم الحياة الراغدة الآمنة من عثرات الزمن القلاب، وإن اٍستطاعوا إخراجها ، سيؤمن العم ريحان شيخوخة مريحة آمنة مثل سلاطين ألف ليله وليلة ، أو مثل ذلك الزعيم الفلاني حيث كانت في كل صباح تنطلق طائرة خاصة من عاصمة حكمه السعيد إلى لندن لإحضار علبة لبن ، ألف صحة وعافية على قلبه ، وهنيئا مريئا..!!!
وإذا حصل العم ريحان على ذلك الكنز فسيصبح يشير للناس بأصبع قدمه ، والناس ينحنون له بكل الإحترام الذليل...!!
ولأن الغالي سعره غالي ، وتحتاج تلك الدفينة إلى مصاريف كثيرة ، وهو لا يقدر عليها لوحده ، فهو بحاجة إلى شركاء ، مقابل فتافيت من مائدة الكنز يقدمها لهم ...!!!
ثم أن البحث بحاجة إلى حركة سريعة ، وبحاجة إلى سيارة وتنقلات ، وهو لا يملك شيئا من هذه المتطلبات الكثيرة ...!!!
وقد كان العم ريحان وقتها موظفا صغيرا وبحاجة إلى إجازات ومغادرات كثيرة ، وإلى دعم كبير من رئيسه المباشر...!!!
وبما أن الذهب حلم مجنون ، فقد استطاع بزمن قياسي خيالي إقناع رئيسه المباشر وإدخاله شريكا معه بالكنز النصف بالنصف ، بعد حسم المصاريف...!!
وأعد سليمان مسؤول دحنون والعم ريحان في العمل سائق الحكومة الذي يعمل تحت إمرته تحت تصرفهما ، هو وسيارة المصلحة ، مع إجازات مفتوحة ، حتى يتمكنوا من إنجاز فرصة العمر وتحقيق الحلم الوردي الجميل..!!
جميع من مضى ذكرهم الحميد ، ما عدا دحنون ، لا يتمتعون بأدني حد من اللياقة البدنية ، إذ أنهم على غرار الجرافات المجنزرة ، ولا نقصد بالطبع (داني لانش) المصارع الأمريكي صاحب هذه الكنية ، بل الجرافة الحقيقية ، وعليه فهم بحاجة إلى شاب (سمباتيك) خفيف الحركة ، يتميز بالرشاقة ، ولا كلب السلق ..وذلك لتطلب دوره في العملية ، هذه المواصفات...!!!
وعليه أن يكون أحد الشركاء ، ليكتم السر ويفهم العملية ...لذلك (يقول دحنون) وقع الاختيار عليّ ، لأكون من المجموعة ، علما أنها ليست أول عملية يشارك دحنون عمه ريحان والمجموعة بها ، ولكن هذه صفقة العمر كما قال له الساحر الذي يستحضر الجان والرصد ، وكان دحنون يرى أمنيات الفريق ، ويقول ساخرا بينه وبين نفسه ( موت يا قديش تيجيك الحشيش) ، وأحيطكم علما ، يقول دحنون أني لا أقل طموحا عنهم ، فإذا كان العم ريحان الذي إحدى رجليه بالقبر ، والأخرى تنتظر النزول ، ولديه الطموح ، فماذا أفعل أنا الشاب الغندور الأمور وكل المستقبل أمامي ؟؟؟
ذهبت معهم إلى الشيخ (وهذا اللقب الذي سنطلقه على المشعوذ الكذاب الذي يلبس لبوس الدين ، ويدّعي التدين وبإمرته أنجس الشياطين) ، وهنا أخبرنا أن الرصد لا يفك إلا بديك عشراوي ،أبيض اللون لا يخالط ريشه الأبيض ريشة أخرى ، و له خمسة أصابع في كل رجل ، وهذا أمر نادر الحدوث ، حيث للدجاج أربعة أصابع في كل قدم ، أي ثمانية أصابع ، وفك الرصد يحتاج إلى عشرة أصابع ، فمن أين نأتي بهذا الديك المعجزة يا تري ؟؟!!
أخذنا نبحث في كل مكان ، فنحن في إجازة مفتوحة ، ومعنا سيارة المصلحة بسائقها ، ووقودها على حساب الدولة ، وهذه (جمعة مشمشية) ، حتى لو لم نجد الذهب هي فرصة للتنزه ، وإعرف يا دحنون بلدك في هذه السياحة الداخلية المجانية ...!!!
بدأنا بمسح ميداني عن الديك ابتدأ من الشمال البلد وما حولها ، قرية قرية ، وكَفرا كَفرا ، في محلات بيع الدجاج ، ومزارع الدجاج ، وعند الخالات ، ولكن عبثا ...!!!
فانتقلنا الى وسط البلد والجنوب قرية قرية ومدينة مدينة ، وأنا في غاية السعادة متمنيا أن تطول الرحلة أكتر وأكثر ، مستمتعا بهذه السياحة الرائعة في ربوع الوطن الغالي ، حيث لفقري وضيق ذات يدي لم تتهيأ ولم أهنأ برحلة مجانية مثلها من قبل في حياتي هاي البرطعة ولا بلاش ..!
كل هذا البحث الدؤوب والعشراوي المحروس لم يظهر ، والشيخ يحاول مع الرصد والجن قبول شيء آخر يمكن احضاره ، ولكن للؤمهم لم يقبلوا عن الديك العشراوي الأبيض الناصع كالثلج بديلا ، وعلى قول المثل العربي (من طلب الكنوز عليه البحث عن العشراوي) ...!!!
وبعد أن زرنا البلد شبرا وفترا ، واستمعنا بسياحته الرائعة ، عدنا لمسح جديد للقرية ، فعلينا إحضاره ولو من جزر الواق الواق ، فبدونه لن يكون هناك أي أمل بخروج الكنز ...!!!
وأخيرا: وفي قرية نائية حدثت المعجزة إذ وجدناه عند سيدة بدوية ، (حوشها عامر بالخير) والدجاج والديوك بكل الألوان والأشكال لديها بالعشرات ، لا بل بالمئات ، وبعد التأكد من أن هذا هو الديك المطلوب بالكمال والتمام ...!!
وبالمناسبة ولأمانة النقل وجدنا أثناء المسح ديوكا عشراوية وتسعاوية ، واحدى واثنا عشراوية ، ولكن اللون كان ينقض فرحتنا ، لعدم توافق المواصفات والمقاييس ، ووجدنا مرة العشراوي الأبيض ، ولكن بسبب نون النسوة ، تركناها عندما تبين إنها دجاجة أنثى ،ومرة وجدنا ديكا مرقطا فقمنا بمعط الريش الملون واستبقينا الأبيض ، غير أن الجن رفضوه وكشفا مؤامرتنا الدنيئة ، واحتيالنا الكاذب...!!! بس ونا اخوك تراني صاحي فكل الديوك العشراوية التي مررنا عليها واصحابها قمنا بتثبيت مواقعها قصدي عناوينها مع تثبيت المالكين لا يطلع بكرة صاحبنا بدوا ديك احدعشي ولا واحد مزركش هيه هاي الدنيا ..
ولكن الآن الديك بين أيدينا ولم يبق إلا أن ننقد السيدة الثمن ، ونحمل الديك ونعود بالنصر المبين المؤزر...!!
وعندما صرت أتخيل الذهب في جيوبي صدمتني الحقيقة وهي أن الديك ليس للبيع ..!!
وأخذنا نفاوض السيدة ونراوغها ، ونزيد بثمن الديك لعلها تقبل ولكن عبثا ، فالديك منذور للذبح في ذكرى عاشوراء...!!
عرضنا أن تذبح خاروفا أو جِدي أو كبش بعشرة كباش بدل الديك فذلك أثوب للنذر، ولكن اعتقادها بالديك كان أكبر من مفاوضاتنا ، حيث نذرت لأسيادها الجن ديكا عشراويا أبيض ، وهم لا يقبلون عنه بديلا ،وكأن بينهم وبين الديك العشراوية ثارات مبيتة، أو ان الديوك نقرت أمهاتهم...!!
وابتدأ حلم الذهب يتراجع ، لا بد أن لي مع الفقر أخوة لن تنفصم عراها،والسبب الآن عدم حصولنا على ديك،وهو موجود..!! آه يادنيا كلما استقبلت وجهها تدير لي قفاها ، وكأن فقري يسرها ويفرحها ، وغناي يؤرقها ويحزنها ...!!!
وقلنا نحاول من جديد لعل في القرية نجد ضالتنا ، فالقرية خصوصية ، وأسواقها عامرة دائما ، فلماذا لا نجدد المسح ..؟؟
وهكذا كان حتى هبط علينا الليل وأسدل الظلام ستاره ، حيث ينشط اللصوص ، وأصحاب الحاجات الملحة في عتمته ..!!
وراودت السائق حسين فكرة جهنمية ، لماذا لا يسرق الديك منها ما دامت أغلقت كل الأبواب..؟؟
وطلب مني أن أرافقه ، ولكنني للأمانة رفضت لأنني جبان ، والحياة أهم لدي من ذهب ، لا أدري هل سيظهر أم لا ، ومبدأي .... أعيش على ظهر الأرض كلب ولا أسد تحتها ، وأنا راض بدور وحياة الكلب ، وقد اعتدت عليه طوال عمري ، ومن الخيانة أن أفصل تلك العرى بسبب ديك ، وكأن شياطين الرصد ما طلبته إلا لتقتلني ...لذلك رفضت مرافقته ..!!
ولكن السائق حسين رفض النصيحة ليقلع عن تلك الفكرة ، وأوقف السيارة وتسلل إلى سقيفة الدجاج ، حيث كان الهدوء مطبقا ، وما أن خطا إلى الداخل حتى أحدث هيجانا بين الدجاج ، فقامت ثورة وتصفيق بالأجنحة ، ومقاقاة ، أيقظت اصحاب القن وما حولهم من الجيران ، لأن تلك الحماقة لا يقوم بها إلا حصيني أو دبعي أو جرذ جائع ، من الجرذان الهصورة التي تملأ حياتنا ..
وقبل أن يستدل على ريشة دجاج ، كان إطلاق النار والطخ يملأ المكان ، وبالكاد استطاع السائق حسين الوصول إلى السيارة مبللة ملابسه من الرعب ، فقد كان بينه وبين الرصاص قاب قوسين أو أدنى ، لولا بقية عمر لا زالت له في الحياة ...!! لكان هالمسكين دفناه بأرضه ...!!
وهكذا (شمعّنا الخيط) ، وإذا كانت الهريبة ثلثين المراجل ، فقد أصبحت في تلك اللحظة كل المراجل ..!! ياروح ما بعدك روح قال كنز .. قال..
وما عدنا إلى جماعتنا الذين ينتظرون قدومنا بفارغ الصبر حتى أنفذ حسين فكرة كانت تراود بخلد حسين منذ وجدنا الديك الأمل ومنعتنا تلك المرأة إياه ، إذ اشترى من عند جماعة آخرين ديكا عشراويا يخالط ألوانه بعض الألوان ، واشترى علبة دهان رشاش (اسبريه) ، ورش الديك ليخدع الرصد ووسيطهم والشيخ مع محاولات سابقة فاشلة ،ولكن الذي حدث أن ريش الديك تساقط ، فخسرنا الديك وعلبة الدهان ...!! والأهم أننا خسرنا الأمل الواهن الذي علقناه ، حيث نحن صنعنا كذبة ، وكنا أول من صدقها أن الديك المزيف مثل الحقيقي..!!
وعندما وصلنا إلى هذا الحد قررنا الاعتراف بالهزيمة حتى لا يجرّنا خداع النفس إلى خسائر أخرى ...!!!
وهكذا عدنا للفريق بالهزيمة ترفرف فوق رؤوسنا راية الاستسلام البيضاء ، متخذين مقولة طيب الذكر رومل (إن خسران المعركة ليس عارا) مع أننا غير مهتمين من الناحية الأخلاقية بالهزيمة أو سواها..!!!
في اليوم التالي كان العم ريحان عند السيدة البدوية في تلك القرية ، وهو يحدثها عن ابنه المريض ، الذي لم ينفع معه الطب ولا الدواء ، وأنه سيموت وتكون خطيئته في رقبتها إلى يوم الدين ، يسألها عنها بين يدي الجبار العظيم ، إذا لم تبعه الديك العشراوي الأبيض الفداء الوحيد لأبنه من الداء العضال المصاب به ...!!!
وصار يذرف لها الدمع المدرار ، وكلما تذكر أن الكنز في خطر وأن شيخوخته مهددة بالبهدلة والشقاء بسبب هذا الديك أزاد تذللا وبكاء ، وكلما رأى في عينيها ترددا بعد لين نقطت الدموع الساخنة من ذقنه مثل القطارة ، وسال مخاطا من أرنبة أنفه ،وكانت السيدة في دوامة بين النذر المنذور لأسيادها الجن والحالة الإنسانية ، وتهديدها بشكواها للمنتقم الجبار ، فرجحت المسألة لصالح العم ريحان ، وطغت فطرتها ونزعة الكرم البدوية على طباعها ، ووعدت أسيادها بديك آخر ، وهتفت للعم ريحان : كفكف دموعك أيا الرجل ، فدموع الرجال غالية ، ولا يذرفوها إلا لأمر عظيم ، وأنا أعطيك الديك لوجه الله تعالى ، ولكن أطلب منك ومن ابنك المريض الدعاء لي ولأهل بيتي بالخير والبركة والثواب ...!!!
وهكذا التقف الديك وهو لا يكاد يصدق هذه المعجزة نادرة الحدوث ، إلا لمن لا زال عندهم باقي فطرة سليمة...!!!
الأن بدأنا المراحل التنفيذية لإستخراج الكنز الموعود لنا منذ بدء الخليقة ، ونحن والثراء قاب قوسين أو أدنى ( وزغرتيلي يا أم دحنون)...!!!
الشيخ ونحن ننتظر على جمر النار ، والمسؤول كذلك حيث في المصلحة كَثر اللغط ، إذ كثرت إجازات دحنون وريحان ، واستعمالهما مع سائقه حسين سيارة المصلحة الحكومية ، والعلاقة الودية الغريبة مع ريحان التي نبتت كالطحالب فجأة ورائحة عفنها تزكم الأنوف ، وأقل شكوى لمكافحة الفساد قد تؤدي لضياع الكنز أو دخول شركاء جدد غير مرغوب بهم ...!!!
وانطلقنا ، يتابع دحنون رواية حكايته الذهبية إلى الموقع ، في أول رحلة استكشافية ، وجلس شيخنا متربعا والديك يعبطه بحضنه وصار يتمتم ويأتي بحركات غريبة ويوهمنا أنه على اتصال متواصل مع جماعته من الجن ، أو أسياده كما كان يزعم لنا ،مع أنني لم أكن أعرف لنا أسياد لأننا ننتمي ل(دول عدم الانحياز)...!!!!
كانت المنطقة شديدة الوعورة ، حيث أخبرنا أنها منطقة الكنز ، وكان مسؤولنا معنا ..!!
اليوم نباشر العمل وليس بيننا وبين الكنز سوى فركة كعب ، والكنز إن لم يظهر اليوم سيظهر غدا وليس بين اليوم وغدا ذاك الفرق المؤدي للقلق وانشغال البال يا جماعة ..!!
كان يتحدث بثقة بالغة ، ليبدد القلق من عيني العم ريحان الذي ذرف سطلا من الدموع بين يدي السيدة البدوية ...!!! من اجل الديك .
وعندما سأله معلمنا المسؤول عن آلية العمل ، قال : المسألة في غاية البساطة ، فالعمل اليوم مسؤولية دحنون ، حيث سنطلق الديك وسيركض دحنون خلفه ، وأين ما يجلس الديك سيجلس على (دست) الذهب ، ومن هناك نبدأ الحفر ...!!!
وطارت عقولنا فرحا لذلك التصريح الخطير ، هي ساعات قليلة وننضم لأصحاب الثروات ...!!
وابتدأ العمل ، حيث أطلق الشيخ الديك البلدي ، الذي لو سابق الجن لسبقه ، وانطلقت وراءه أعدو بأقصى سرعة ، لو كنت في سباق رياضي لحصلت على إحدى الجوائز المهمة ، وكان الديك كلما اشتد بالركض وأحس بي أركض وراءه حتى يشتد أكثر ..!
وأخيرا ، وبعد ما لعنت الكنز ويومه الأغبر ، ونال الديك ما نالني سقطنا إعياء في نفس المكان ، فوق صخر يحتاج إلى آليات وزارة أشغال بحالها ... حيث استحضر الشيخ أسياده وأكدوا له أنه في المكان الصحيح تماما ...!!!
وبان الاستياء وعدم التصديق على وجوه الجميع ، باستثنائي لأن دوري انتهى مع جلوس الديك ..!!
وعندما سأل مسؤولنا في المصلحة الشيخ، إن كان الديك واهما ، آلا يجوز أن يكون في حالة ضبابية ..؟؟!!
ولكن الشيخ رفض الكلام ، فكلام الأسياد ثقة ، والديك مأمورا وليس مخفورا ، وآن أوان العمل الجدّي...!!!
واستسلموا للأمر الواقع ، وبدأ العمل ، واحتضنت الديك في علبة كرتون أؤنسه ويؤنسني ، وهو الثروة ، والعناية به لا تقل عن الذين يحفرون ، وكلما زادت الألفة بيننا زاد الأمل بالثقة والعمل ، والمستقبل المشرق المضيء...!!
وعندما تهالك القوم وكادوا يسقطون إعياء ، سمح لنا الشيخ بالانتهاء على أمل المعاودة حقا وليختلي بجماعته ويعرف سبب التأخير ، والمعاودة بعد الراحة للانطلاق نحو الهدف من جديد...!!!
صراع خفي بدأ يطفو على السطح ، وهو نتيجة لعسر هضم بين السائق حسين والعم ريحان الذي أراد الاحتيال على الأسياد بتزوير الديكة العشراوية ، والذي قد يسيء للأسياد ويظهرهم أغبياء فيقومون بتضليل الديك ، وإبعاده عن الهدف ، والمسألة ، والسائق حسين كان يحفر للإيقاع بين ريحان والمسؤول ، ولكن العم ريحان لو أراد أن يوقع بالشيطان نفسه لفعل ...!!!
ولم يكن أسهل من نسف حسين ، حيث أعلن الشيخ عن وجود سوء نية من طرف أحدهم ، وكل الخوف أن ينعكس سوء النية هذا عن اختفاء الكنز أو نقله ، والجن يفعلون ذلك كثيرا ، والأسلم إخراج العنصر الفاسد وبتره ، حيث أن العم ريحان والشيخ هما أصحاب الكنز والرزقة معقودة لهما ، ودحنون (مثل العضرط لا بحل ولا بربط ) والمسؤول فوق الشبهات ، وقد قدم خدمات جليلة هائلة ...!!
وهكذا لم يبق عضو فاسد سوى السائق حسين ، والمسألة ليست بحاجة إلى فهلوة ، وقرر المسؤول باستبداله فورا مجرد العودة إلى مقر العمل ، وهكذا تم بتر حسين الذي كاد يموت قتلا في قن الدجاج ، والذي حاول تزوير الديكة أكثر من مرة ، وربما ذلك الفعل القشة التي قصفت ظهر البعير ...!!!
طردنا وبترنا العضو الفاسد ، وبقينا نحن النخبة الأبرار الأطهار ، على أمل معاودة البحث من جديد ن وبين اليوم والغد فركة كعب على رأي شيخنا الخبير...!!!
وبعد تذكير الشيخ ببتر العضو الفاسد وسؤاله عن متابعة العمل ، هز رأسه وهو ينقل حبات سبحته برشاقة بين أصابعه : بلى بلى ، وبإمكاننا الاحتفال من اللحظة ، وفيما كانت السيارة تنهب الأرض بنا ، وكان حسين قد سمع قرار مسؤوله بتسليم مهماته لسائق آخر ، كان يحقد على ريحان الذي هزمه وأطاح به ، ولكنني وعدته بجزء من حصتي ، إن طلع لي حصة ، وأن أتجسس عليهم لصالحه ، وذلك دعما معنويا له ، فقد أكلنا ملحا وعيشا معا ، والخيانة ليست من طبعي ..!!!
وعند استماعي لقرار إطلاق الديك مرة أخرى ولحاقي إياه أصابني إحباط شديد ، وتهالكت ولم أعد استطع الوقوف ، أمر مسؤولنا حسين بالتوقف ليذهب ويشتري لنا كنافة حلوان الكنز الذي سيظهر غدا ، ونزل بنفسه في القرية ، والديك بالعلبة الكرتونية لا يكف عن الحركة والصخب والصياح ...!!!
ومثل لمح البصر استغل الديك فتح الكرتونة ليطمئن العم ريحان إلى الديك ، فر من الشباك المفتوح ، وعدا بسرعة هائلة إلى سوق الخضار...!!!
وفيما كنت أردد بسرعة مستحثا الشيخ والعم ريحان : الديك الديك الديك ...!!
وبلا وعي من العم ريحان فتح الباب بسرعة بلا (إحم) ولا (دستور) وانطلق بسرعة جنونية وراء الديك ليستعيده ، وعلا صوت كوابح السيارات وهي تحاول عدم الاصطدام به مع بصاق وشتائم مقذعة تم صبها علينا بلا حساب ...!!!
ولكنه لم نأبه لكل الخير الذي انهال علينا ، واقتحم الحسبة ولم ير أمامه أكثر من مائة سحارة خشبية مرتبة بشكل عامودي ، فاقتحمها كما يقتحم بعض السواقين بيوت الناس ..!!!
وكان اقتحامه عاصفا مثل الصاعقة ، وأغلقنا ونحن في السيارة آذاننا من صوت السحاحير المدوي حينما سقطت فوق العم ريحان ، وعلى من حوله من رواد الحِسبة ...!!!
وتدافع أهل الشهامة والمروءة يرفعون السحاحير عنه حتى سحبوه وهو يقبض على الديك العشراوي ...!!!
ولم يحدث للعم ريحان سوى بعض الخدوش في الجسم مع بعض النتاتيش في ملابسه ، وكان الناس يهنئونه بالسلامة ، وهو يزحف ماشيا نحو السيارة بمشيته الأشبه بمشية الدب المستيقظ من النوم ، وهو يرفع الديك أمام عينيه ويخاطبه قائلا :
- إلى أين ستذهب ؟؟؟ هل نسيت يا ابن الحلال انك سبب ثروتنا وسعادتنا ؟؟؟
أنسيت أن الذهب مرتبط بلونك الأبيض ، وأصابعك العشرة ؟؟؟
كم من حفنات الدموع ذرفتها ، ومن الكذبات كذبتها لأجل الحصول عليك...؟؟؟
هل تحسب أن الأمور بهذه السهولة ..؟؟؟
وأعاد الديك إلى حضني ، في كرتونته الذهبية ، فيما كنت أشعر بالقلق والخوف من الغد ، عندما يطلق الشيخ الديك ويطلقني خلفه ، من يدري ، فلعلي أموت هذه المرة ضحية لأفكار جهنمية ...!!!
سارت بنا السيارة تنهب الأرض ، وكان عقلي يعمل بسرعة ، ماذا أفعل في هذا الموقف الحرج لفصم علاقتي بالديك والانتهاء من هذه الكذبة السمجة ، والعذاب المقيم ...؟؟؟
كانوا يتحدثون عن محاولة هرب الديك البائسة ، وكيف أعاده العم ريحان بواسطة عملية بطولية مجلجلة ، بخطة عسكرية محكمة ، باقتحام السحاحير برجولة فائقة ، وعليه كان على العم ريحان أن يكون قائدا عسكريا ، فشجاعة القائد هي صناعة النصر للأمة ، وأثبت العم ريحان شجاعة استثنائية فائقة ...!!!
كان عليّ العمل السريع ، فيما كنا نقضم الحلوى التي أهدانا إياها المسؤول بمناسبة ظهور الكنز يوم غد...!!!
كانت جوانحي وقلبي تخاطب الديك بحزن ...!!!
كم أنا آسف بالنسبة لك أيها الديك العزيز ، فلو ليس بنا وبينك إلا رحلة البحث الموجعة لكفى ، ولكن الصراع الآن صراع حياة ، واحدنا سيموت لا محالة ، ولن أسمح أن أكون أنا الضحية لتحيى أنت ...!!!
وهكذا امتدت يدي متراخية ، مترددة ، ثم بجرأة ، واثقة إلى عنق الديك الذي كان يثير صخبا بحركته الدائبة ، وشددت على عنقه ، فخرج صوتا متحشرجا يقول : (قيييييييييييييييق) ، وخمدت أنفاسه مرة واحدة ..!!!
وهنا ارتخت أعصابي المشدودة المتوترة ، وتنفست الصعداء ، فقد ضمنت عدم وجود شوط جديد من الركض المميت ..!
السيارة لا زالت تنهب الأرض ، ولكن ومع أكل الحلوى والضحك والصخب لم تنسِ العم ريحان متابعة صوت الديك ، ويبدو أنه افتقد صخب وخرفشة الديك ، فالتفت إلي باتهام وإدانة شديدتين ، وسألني بقوة صاحب الحق القوي :
- ما هي أخبار الديك يا دحنون ؟؟ أني لا أسمع له صوتا ؟؟؟
رددت عليه بتردد : البقية في حياتك يا عمي ، هذه سُنة الله في خلقه ، الديك مات ..!!!
وهنا جحظت عينا العم ريحان ، وقدح بهما شرار الغضب ,سألني : كيف .... قتلته ؟؟
قلت : وهل أنا قاتل حتى أقتله ..؟؟ ركضه اليوم ، ومحاولة هروبه في سوق الخضار ، وهمه من ركض يوم غد الذي تم ترتيبه له ، تقتل جملا ، وليس ديكا ..!!
وحاولت التبرير وإخراج نفسي الخاطئة ، ويدي القاتلة ، من دائرة التهمة ، والبراءة من الجريمة التي تكللني بالعار ، ولكن كل ذلك لم يجد ، وهنا أوقف المسؤول السيارة ، وأخذ مني كل ما أملك من نقود ، وقال : غدا صباحا ستكون في موقع العمل ووراء مكتبك ، وان تأخرت بشوف شغلي معك ...!!!
كانت أزمة محرجة وضعني بها، وهي بحاجة إلى حكاية أخرى
أما عن الكنز ، فلا زالوا يبحثون عن ديك عشراوي جديد ، ولكن بدوني والسائق حسين...
وطار الطير وتظلوا يا جماعة الخير بألف خير...b]
]
روايتنا هذه ستكون على لسان دحنون ، كما هي على ذمته مع الإشعار أن ذمته أوسع من (خيشة التبن) ، ومع ذلك نروي عنه لطرافة حكاياته لمعلوماته القيمة ولما يعرف عن المغامرين وراء الأصفر الرنان...!!!
قال دحنون : سأحدثكم عن مجموعتنا ، حينما ذهبنا نبحث عن الذهب ، إذ أن العم ريحان يحب الثروة ، وهاجسه الدائم الذهب ، وأن يجد إحدى الدفائن كما يجد الأخرون .....!!!
لذلك هو يعرف كل المشعوذين وأصحاب هذه الأوهام على امتداد البلد ،وبعض المعارف في ما حولها...!!!
أخبره أحدهم أن في منطقة ما في القرية الفلانية فيها كنز روماني كبير يضمن لهم الحياة الراغدة الآمنة من عثرات الزمن القلاب، وإن اٍستطاعوا إخراجها ، سيؤمن العم ريحان شيخوخة مريحة آمنة مثل سلاطين ألف ليله وليلة ، أو مثل ذلك الزعيم الفلاني حيث كانت في كل صباح تنطلق طائرة خاصة من عاصمة حكمه السعيد إلى لندن لإحضار علبة لبن ، ألف صحة وعافية على قلبه ، وهنيئا مريئا..!!!
وإذا حصل العم ريحان على ذلك الكنز فسيصبح يشير للناس بأصبع قدمه ، والناس ينحنون له بكل الإحترام الذليل...!!
ولأن الغالي سعره غالي ، وتحتاج تلك الدفينة إلى مصاريف كثيرة ، وهو لا يقدر عليها لوحده ، فهو بحاجة إلى شركاء ، مقابل فتافيت من مائدة الكنز يقدمها لهم ...!!!
ثم أن البحث بحاجة إلى حركة سريعة ، وبحاجة إلى سيارة وتنقلات ، وهو لا يملك شيئا من هذه المتطلبات الكثيرة ...!!!
وقد كان العم ريحان وقتها موظفا صغيرا وبحاجة إلى إجازات ومغادرات كثيرة ، وإلى دعم كبير من رئيسه المباشر...!!!
وبما أن الذهب حلم مجنون ، فقد استطاع بزمن قياسي خيالي إقناع رئيسه المباشر وإدخاله شريكا معه بالكنز النصف بالنصف ، بعد حسم المصاريف...!!
وأعد سليمان مسؤول دحنون والعم ريحان في العمل سائق الحكومة الذي يعمل تحت إمرته تحت تصرفهما ، هو وسيارة المصلحة ، مع إجازات مفتوحة ، حتى يتمكنوا من إنجاز فرصة العمر وتحقيق الحلم الوردي الجميل..!!
جميع من مضى ذكرهم الحميد ، ما عدا دحنون ، لا يتمتعون بأدني حد من اللياقة البدنية ، إذ أنهم على غرار الجرافات المجنزرة ، ولا نقصد بالطبع (داني لانش) المصارع الأمريكي صاحب هذه الكنية ، بل الجرافة الحقيقية ، وعليه فهم بحاجة إلى شاب (سمباتيك) خفيف الحركة ، يتميز بالرشاقة ، ولا كلب السلق ..وذلك لتطلب دوره في العملية ، هذه المواصفات...!!!
وعليه أن يكون أحد الشركاء ، ليكتم السر ويفهم العملية ...لذلك (يقول دحنون) وقع الاختيار عليّ ، لأكون من المجموعة ، علما أنها ليست أول عملية يشارك دحنون عمه ريحان والمجموعة بها ، ولكن هذه صفقة العمر كما قال له الساحر الذي يستحضر الجان والرصد ، وكان دحنون يرى أمنيات الفريق ، ويقول ساخرا بينه وبين نفسه ( موت يا قديش تيجيك الحشيش) ، وأحيطكم علما ، يقول دحنون أني لا أقل طموحا عنهم ، فإذا كان العم ريحان الذي إحدى رجليه بالقبر ، والأخرى تنتظر النزول ، ولديه الطموح ، فماذا أفعل أنا الشاب الغندور الأمور وكل المستقبل أمامي ؟؟؟
ذهبت معهم إلى الشيخ (وهذا اللقب الذي سنطلقه على المشعوذ الكذاب الذي يلبس لبوس الدين ، ويدّعي التدين وبإمرته أنجس الشياطين) ، وهنا أخبرنا أن الرصد لا يفك إلا بديك عشراوي ،أبيض اللون لا يخالط ريشه الأبيض ريشة أخرى ، و له خمسة أصابع في كل رجل ، وهذا أمر نادر الحدوث ، حيث للدجاج أربعة أصابع في كل قدم ، أي ثمانية أصابع ، وفك الرصد يحتاج إلى عشرة أصابع ، فمن أين نأتي بهذا الديك المعجزة يا تري ؟؟!!
أخذنا نبحث في كل مكان ، فنحن في إجازة مفتوحة ، ومعنا سيارة المصلحة بسائقها ، ووقودها على حساب الدولة ، وهذه (جمعة مشمشية) ، حتى لو لم نجد الذهب هي فرصة للتنزه ، وإعرف يا دحنون بلدك في هذه السياحة الداخلية المجانية ...!!!
بدأنا بمسح ميداني عن الديك ابتدأ من الشمال البلد وما حولها ، قرية قرية ، وكَفرا كَفرا ، في محلات بيع الدجاج ، ومزارع الدجاج ، وعند الخالات ، ولكن عبثا ...!!!
فانتقلنا الى وسط البلد والجنوب قرية قرية ومدينة مدينة ، وأنا في غاية السعادة متمنيا أن تطول الرحلة أكتر وأكثر ، مستمتعا بهذه السياحة الرائعة في ربوع الوطن الغالي ، حيث لفقري وضيق ذات يدي لم تتهيأ ولم أهنأ برحلة مجانية مثلها من قبل في حياتي هاي البرطعة ولا بلاش ..!
كل هذا البحث الدؤوب والعشراوي المحروس لم يظهر ، والشيخ يحاول مع الرصد والجن قبول شيء آخر يمكن احضاره ، ولكن للؤمهم لم يقبلوا عن الديك العشراوي الأبيض الناصع كالثلج بديلا ، وعلى قول المثل العربي (من طلب الكنوز عليه البحث عن العشراوي) ...!!!
وبعد أن زرنا البلد شبرا وفترا ، واستمعنا بسياحته الرائعة ، عدنا لمسح جديد للقرية ، فعلينا إحضاره ولو من جزر الواق الواق ، فبدونه لن يكون هناك أي أمل بخروج الكنز ...!!!
وأخيرا: وفي قرية نائية حدثت المعجزة إذ وجدناه عند سيدة بدوية ، (حوشها عامر بالخير) والدجاج والديوك بكل الألوان والأشكال لديها بالعشرات ، لا بل بالمئات ، وبعد التأكد من أن هذا هو الديك المطلوب بالكمال والتمام ...!!
وبالمناسبة ولأمانة النقل وجدنا أثناء المسح ديوكا عشراوية وتسعاوية ، واحدى واثنا عشراوية ، ولكن اللون كان ينقض فرحتنا ، لعدم توافق المواصفات والمقاييس ، ووجدنا مرة العشراوي الأبيض ، ولكن بسبب نون النسوة ، تركناها عندما تبين إنها دجاجة أنثى ،ومرة وجدنا ديكا مرقطا فقمنا بمعط الريش الملون واستبقينا الأبيض ، غير أن الجن رفضوه وكشفا مؤامرتنا الدنيئة ، واحتيالنا الكاذب...!!! بس ونا اخوك تراني صاحي فكل الديوك العشراوية التي مررنا عليها واصحابها قمنا بتثبيت مواقعها قصدي عناوينها مع تثبيت المالكين لا يطلع بكرة صاحبنا بدوا ديك احدعشي ولا واحد مزركش هيه هاي الدنيا ..
ولكن الآن الديك بين أيدينا ولم يبق إلا أن ننقد السيدة الثمن ، ونحمل الديك ونعود بالنصر المبين المؤزر...!!
وعندما صرت أتخيل الذهب في جيوبي صدمتني الحقيقة وهي أن الديك ليس للبيع ..!!
وأخذنا نفاوض السيدة ونراوغها ، ونزيد بثمن الديك لعلها تقبل ولكن عبثا ، فالديك منذور للذبح في ذكرى عاشوراء...!!
عرضنا أن تذبح خاروفا أو جِدي أو كبش بعشرة كباش بدل الديك فذلك أثوب للنذر، ولكن اعتقادها بالديك كان أكبر من مفاوضاتنا ، حيث نذرت لأسيادها الجن ديكا عشراويا أبيض ، وهم لا يقبلون عنه بديلا ،وكأن بينهم وبين الديك العشراوية ثارات مبيتة، أو ان الديوك نقرت أمهاتهم...!!
وابتدأ حلم الذهب يتراجع ، لا بد أن لي مع الفقر أخوة لن تنفصم عراها،والسبب الآن عدم حصولنا على ديك،وهو موجود..!! آه يادنيا كلما استقبلت وجهها تدير لي قفاها ، وكأن فقري يسرها ويفرحها ، وغناي يؤرقها ويحزنها ...!!!
وقلنا نحاول من جديد لعل في القرية نجد ضالتنا ، فالقرية خصوصية ، وأسواقها عامرة دائما ، فلماذا لا نجدد المسح ..؟؟
وهكذا كان حتى هبط علينا الليل وأسدل الظلام ستاره ، حيث ينشط اللصوص ، وأصحاب الحاجات الملحة في عتمته ..!!
وراودت السائق حسين فكرة جهنمية ، لماذا لا يسرق الديك منها ما دامت أغلقت كل الأبواب..؟؟
وطلب مني أن أرافقه ، ولكنني للأمانة رفضت لأنني جبان ، والحياة أهم لدي من ذهب ، لا أدري هل سيظهر أم لا ، ومبدأي .... أعيش على ظهر الأرض كلب ولا أسد تحتها ، وأنا راض بدور وحياة الكلب ، وقد اعتدت عليه طوال عمري ، ومن الخيانة أن أفصل تلك العرى بسبب ديك ، وكأن شياطين الرصد ما طلبته إلا لتقتلني ...لذلك رفضت مرافقته ..!!
ولكن السائق حسين رفض النصيحة ليقلع عن تلك الفكرة ، وأوقف السيارة وتسلل إلى سقيفة الدجاج ، حيث كان الهدوء مطبقا ، وما أن خطا إلى الداخل حتى أحدث هيجانا بين الدجاج ، فقامت ثورة وتصفيق بالأجنحة ، ومقاقاة ، أيقظت اصحاب القن وما حولهم من الجيران ، لأن تلك الحماقة لا يقوم بها إلا حصيني أو دبعي أو جرذ جائع ، من الجرذان الهصورة التي تملأ حياتنا ..
وقبل أن يستدل على ريشة دجاج ، كان إطلاق النار والطخ يملأ المكان ، وبالكاد استطاع السائق حسين الوصول إلى السيارة مبللة ملابسه من الرعب ، فقد كان بينه وبين الرصاص قاب قوسين أو أدنى ، لولا بقية عمر لا زالت له في الحياة ...!! لكان هالمسكين دفناه بأرضه ...!!
وهكذا (شمعّنا الخيط) ، وإذا كانت الهريبة ثلثين المراجل ، فقد أصبحت في تلك اللحظة كل المراجل ..!! ياروح ما بعدك روح قال كنز .. قال..
وما عدنا إلى جماعتنا الذين ينتظرون قدومنا بفارغ الصبر حتى أنفذ حسين فكرة كانت تراود بخلد حسين منذ وجدنا الديك الأمل ومنعتنا تلك المرأة إياه ، إذ اشترى من عند جماعة آخرين ديكا عشراويا يخالط ألوانه بعض الألوان ، واشترى علبة دهان رشاش (اسبريه) ، ورش الديك ليخدع الرصد ووسيطهم والشيخ مع محاولات سابقة فاشلة ،ولكن الذي حدث أن ريش الديك تساقط ، فخسرنا الديك وعلبة الدهان ...!! والأهم أننا خسرنا الأمل الواهن الذي علقناه ، حيث نحن صنعنا كذبة ، وكنا أول من صدقها أن الديك المزيف مثل الحقيقي..!!
وعندما وصلنا إلى هذا الحد قررنا الاعتراف بالهزيمة حتى لا يجرّنا خداع النفس إلى خسائر أخرى ...!!!
وهكذا عدنا للفريق بالهزيمة ترفرف فوق رؤوسنا راية الاستسلام البيضاء ، متخذين مقولة طيب الذكر رومل (إن خسران المعركة ليس عارا) مع أننا غير مهتمين من الناحية الأخلاقية بالهزيمة أو سواها..!!!
في اليوم التالي كان العم ريحان عند السيدة البدوية في تلك القرية ، وهو يحدثها عن ابنه المريض ، الذي لم ينفع معه الطب ولا الدواء ، وأنه سيموت وتكون خطيئته في رقبتها إلى يوم الدين ، يسألها عنها بين يدي الجبار العظيم ، إذا لم تبعه الديك العشراوي الأبيض الفداء الوحيد لأبنه من الداء العضال المصاب به ...!!!
وصار يذرف لها الدمع المدرار ، وكلما تذكر أن الكنز في خطر وأن شيخوخته مهددة بالبهدلة والشقاء بسبب هذا الديك أزاد تذللا وبكاء ، وكلما رأى في عينيها ترددا بعد لين نقطت الدموع الساخنة من ذقنه مثل القطارة ، وسال مخاطا من أرنبة أنفه ،وكانت السيدة في دوامة بين النذر المنذور لأسيادها الجن والحالة الإنسانية ، وتهديدها بشكواها للمنتقم الجبار ، فرجحت المسألة لصالح العم ريحان ، وطغت فطرتها ونزعة الكرم البدوية على طباعها ، ووعدت أسيادها بديك آخر ، وهتفت للعم ريحان : كفكف دموعك أيا الرجل ، فدموع الرجال غالية ، ولا يذرفوها إلا لأمر عظيم ، وأنا أعطيك الديك لوجه الله تعالى ، ولكن أطلب منك ومن ابنك المريض الدعاء لي ولأهل بيتي بالخير والبركة والثواب ...!!!
وهكذا التقف الديك وهو لا يكاد يصدق هذه المعجزة نادرة الحدوث ، إلا لمن لا زال عندهم باقي فطرة سليمة...!!!
الأن بدأنا المراحل التنفيذية لإستخراج الكنز الموعود لنا منذ بدء الخليقة ، ونحن والثراء قاب قوسين أو أدنى ( وزغرتيلي يا أم دحنون)...!!!
الشيخ ونحن ننتظر على جمر النار ، والمسؤول كذلك حيث في المصلحة كَثر اللغط ، إذ كثرت إجازات دحنون وريحان ، واستعمالهما مع سائقه حسين سيارة المصلحة الحكومية ، والعلاقة الودية الغريبة مع ريحان التي نبتت كالطحالب فجأة ورائحة عفنها تزكم الأنوف ، وأقل شكوى لمكافحة الفساد قد تؤدي لضياع الكنز أو دخول شركاء جدد غير مرغوب بهم ...!!!
وانطلقنا ، يتابع دحنون رواية حكايته الذهبية إلى الموقع ، في أول رحلة استكشافية ، وجلس شيخنا متربعا والديك يعبطه بحضنه وصار يتمتم ويأتي بحركات غريبة ويوهمنا أنه على اتصال متواصل مع جماعته من الجن ، أو أسياده كما كان يزعم لنا ،مع أنني لم أكن أعرف لنا أسياد لأننا ننتمي ل(دول عدم الانحياز)...!!!!
كانت المنطقة شديدة الوعورة ، حيث أخبرنا أنها منطقة الكنز ، وكان مسؤولنا معنا ..!!
اليوم نباشر العمل وليس بيننا وبين الكنز سوى فركة كعب ، والكنز إن لم يظهر اليوم سيظهر غدا وليس بين اليوم وغدا ذاك الفرق المؤدي للقلق وانشغال البال يا جماعة ..!!
كان يتحدث بثقة بالغة ، ليبدد القلق من عيني العم ريحان الذي ذرف سطلا من الدموع بين يدي السيدة البدوية ...!!! من اجل الديك .
وعندما سأله معلمنا المسؤول عن آلية العمل ، قال : المسألة في غاية البساطة ، فالعمل اليوم مسؤولية دحنون ، حيث سنطلق الديك وسيركض دحنون خلفه ، وأين ما يجلس الديك سيجلس على (دست) الذهب ، ومن هناك نبدأ الحفر ...!!!
وطارت عقولنا فرحا لذلك التصريح الخطير ، هي ساعات قليلة وننضم لأصحاب الثروات ...!!
وابتدأ العمل ، حيث أطلق الشيخ الديك البلدي ، الذي لو سابق الجن لسبقه ، وانطلقت وراءه أعدو بأقصى سرعة ، لو كنت في سباق رياضي لحصلت على إحدى الجوائز المهمة ، وكان الديك كلما اشتد بالركض وأحس بي أركض وراءه حتى يشتد أكثر ..!
وأخيرا ، وبعد ما لعنت الكنز ويومه الأغبر ، ونال الديك ما نالني سقطنا إعياء في نفس المكان ، فوق صخر يحتاج إلى آليات وزارة أشغال بحالها ... حيث استحضر الشيخ أسياده وأكدوا له أنه في المكان الصحيح تماما ...!!!
وبان الاستياء وعدم التصديق على وجوه الجميع ، باستثنائي لأن دوري انتهى مع جلوس الديك ..!!
وعندما سأل مسؤولنا في المصلحة الشيخ، إن كان الديك واهما ، آلا يجوز أن يكون في حالة ضبابية ..؟؟!!
ولكن الشيخ رفض الكلام ، فكلام الأسياد ثقة ، والديك مأمورا وليس مخفورا ، وآن أوان العمل الجدّي...!!!
واستسلموا للأمر الواقع ، وبدأ العمل ، واحتضنت الديك في علبة كرتون أؤنسه ويؤنسني ، وهو الثروة ، والعناية به لا تقل عن الذين يحفرون ، وكلما زادت الألفة بيننا زاد الأمل بالثقة والعمل ، والمستقبل المشرق المضيء...!!
وعندما تهالك القوم وكادوا يسقطون إعياء ، سمح لنا الشيخ بالانتهاء على أمل المعاودة حقا وليختلي بجماعته ويعرف سبب التأخير ، والمعاودة بعد الراحة للانطلاق نحو الهدف من جديد...!!!
صراع خفي بدأ يطفو على السطح ، وهو نتيجة لعسر هضم بين السائق حسين والعم ريحان الذي أراد الاحتيال على الأسياد بتزوير الديكة العشراوية ، والذي قد يسيء للأسياد ويظهرهم أغبياء فيقومون بتضليل الديك ، وإبعاده عن الهدف ، والمسألة ، والسائق حسين كان يحفر للإيقاع بين ريحان والمسؤول ، ولكن العم ريحان لو أراد أن يوقع بالشيطان نفسه لفعل ...!!!
ولم يكن أسهل من نسف حسين ، حيث أعلن الشيخ عن وجود سوء نية من طرف أحدهم ، وكل الخوف أن ينعكس سوء النية هذا عن اختفاء الكنز أو نقله ، والجن يفعلون ذلك كثيرا ، والأسلم إخراج العنصر الفاسد وبتره ، حيث أن العم ريحان والشيخ هما أصحاب الكنز والرزقة معقودة لهما ، ودحنون (مثل العضرط لا بحل ولا بربط ) والمسؤول فوق الشبهات ، وقد قدم خدمات جليلة هائلة ...!!
وهكذا لم يبق عضو فاسد سوى السائق حسين ، والمسألة ليست بحاجة إلى فهلوة ، وقرر المسؤول باستبداله فورا مجرد العودة إلى مقر العمل ، وهكذا تم بتر حسين الذي كاد يموت قتلا في قن الدجاج ، والذي حاول تزوير الديكة أكثر من مرة ، وربما ذلك الفعل القشة التي قصفت ظهر البعير ...!!!
طردنا وبترنا العضو الفاسد ، وبقينا نحن النخبة الأبرار الأطهار ، على أمل معاودة البحث من جديد ن وبين اليوم والغد فركة كعب على رأي شيخنا الخبير...!!!
وبعد تذكير الشيخ ببتر العضو الفاسد وسؤاله عن متابعة العمل ، هز رأسه وهو ينقل حبات سبحته برشاقة بين أصابعه : بلى بلى ، وبإمكاننا الاحتفال من اللحظة ، وفيما كانت السيارة تنهب الأرض بنا ، وكان حسين قد سمع قرار مسؤوله بتسليم مهماته لسائق آخر ، كان يحقد على ريحان الذي هزمه وأطاح به ، ولكنني وعدته بجزء من حصتي ، إن طلع لي حصة ، وأن أتجسس عليهم لصالحه ، وذلك دعما معنويا له ، فقد أكلنا ملحا وعيشا معا ، والخيانة ليست من طبعي ..!!!
وعند استماعي لقرار إطلاق الديك مرة أخرى ولحاقي إياه أصابني إحباط شديد ، وتهالكت ولم أعد استطع الوقوف ، أمر مسؤولنا حسين بالتوقف ليذهب ويشتري لنا كنافة حلوان الكنز الذي سيظهر غدا ، ونزل بنفسه في القرية ، والديك بالعلبة الكرتونية لا يكف عن الحركة والصخب والصياح ...!!!
ومثل لمح البصر استغل الديك فتح الكرتونة ليطمئن العم ريحان إلى الديك ، فر من الشباك المفتوح ، وعدا بسرعة هائلة إلى سوق الخضار...!!!
وفيما كنت أردد بسرعة مستحثا الشيخ والعم ريحان : الديك الديك الديك ...!!
وبلا وعي من العم ريحان فتح الباب بسرعة بلا (إحم) ولا (دستور) وانطلق بسرعة جنونية وراء الديك ليستعيده ، وعلا صوت كوابح السيارات وهي تحاول عدم الاصطدام به مع بصاق وشتائم مقذعة تم صبها علينا بلا حساب ...!!!
ولكنه لم نأبه لكل الخير الذي انهال علينا ، واقتحم الحسبة ولم ير أمامه أكثر من مائة سحارة خشبية مرتبة بشكل عامودي ، فاقتحمها كما يقتحم بعض السواقين بيوت الناس ..!!!
وكان اقتحامه عاصفا مثل الصاعقة ، وأغلقنا ونحن في السيارة آذاننا من صوت السحاحير المدوي حينما سقطت فوق العم ريحان ، وعلى من حوله من رواد الحِسبة ...!!!
وتدافع أهل الشهامة والمروءة يرفعون السحاحير عنه حتى سحبوه وهو يقبض على الديك العشراوي ...!!!
ولم يحدث للعم ريحان سوى بعض الخدوش في الجسم مع بعض النتاتيش في ملابسه ، وكان الناس يهنئونه بالسلامة ، وهو يزحف ماشيا نحو السيارة بمشيته الأشبه بمشية الدب المستيقظ من النوم ، وهو يرفع الديك أمام عينيه ويخاطبه قائلا :
- إلى أين ستذهب ؟؟؟ هل نسيت يا ابن الحلال انك سبب ثروتنا وسعادتنا ؟؟؟
أنسيت أن الذهب مرتبط بلونك الأبيض ، وأصابعك العشرة ؟؟؟
كم من حفنات الدموع ذرفتها ، ومن الكذبات كذبتها لأجل الحصول عليك...؟؟؟
هل تحسب أن الأمور بهذه السهولة ..؟؟؟
وأعاد الديك إلى حضني ، في كرتونته الذهبية ، فيما كنت أشعر بالقلق والخوف من الغد ، عندما يطلق الشيخ الديك ويطلقني خلفه ، من يدري ، فلعلي أموت هذه المرة ضحية لأفكار جهنمية ...!!!
سارت بنا السيارة تنهب الأرض ، وكان عقلي يعمل بسرعة ، ماذا أفعل في هذا الموقف الحرج لفصم علاقتي بالديك والانتهاء من هذه الكذبة السمجة ، والعذاب المقيم ...؟؟؟
كانوا يتحدثون عن محاولة هرب الديك البائسة ، وكيف أعاده العم ريحان بواسطة عملية بطولية مجلجلة ، بخطة عسكرية محكمة ، باقتحام السحاحير برجولة فائقة ، وعليه كان على العم ريحان أن يكون قائدا عسكريا ، فشجاعة القائد هي صناعة النصر للأمة ، وأثبت العم ريحان شجاعة استثنائية فائقة ...!!!
كان عليّ العمل السريع ، فيما كنا نقضم الحلوى التي أهدانا إياها المسؤول بمناسبة ظهور الكنز يوم غد...!!!
كانت جوانحي وقلبي تخاطب الديك بحزن ...!!!
كم أنا آسف بالنسبة لك أيها الديك العزيز ، فلو ليس بنا وبينك إلا رحلة البحث الموجعة لكفى ، ولكن الصراع الآن صراع حياة ، واحدنا سيموت لا محالة ، ولن أسمح أن أكون أنا الضحية لتحيى أنت ...!!!
وهكذا امتدت يدي متراخية ، مترددة ، ثم بجرأة ، واثقة إلى عنق الديك الذي كان يثير صخبا بحركته الدائبة ، وشددت على عنقه ، فخرج صوتا متحشرجا يقول : (قيييييييييييييييق) ، وخمدت أنفاسه مرة واحدة ..!!!
وهنا ارتخت أعصابي المشدودة المتوترة ، وتنفست الصعداء ، فقد ضمنت عدم وجود شوط جديد من الركض المميت ..!
السيارة لا زالت تنهب الأرض ، ولكن ومع أكل الحلوى والضحك والصخب لم تنسِ العم ريحان متابعة صوت الديك ، ويبدو أنه افتقد صخب وخرفشة الديك ، فالتفت إلي باتهام وإدانة شديدتين ، وسألني بقوة صاحب الحق القوي :
- ما هي أخبار الديك يا دحنون ؟؟ أني لا أسمع له صوتا ؟؟؟
رددت عليه بتردد : البقية في حياتك يا عمي ، هذه سُنة الله في خلقه ، الديك مات ..!!!
وهنا جحظت عينا العم ريحان ، وقدح بهما شرار الغضب ,سألني : كيف .... قتلته ؟؟
قلت : وهل أنا قاتل حتى أقتله ..؟؟ ركضه اليوم ، ومحاولة هروبه في سوق الخضار ، وهمه من ركض يوم غد الذي تم ترتيبه له ، تقتل جملا ، وليس ديكا ..!!
وحاولت التبرير وإخراج نفسي الخاطئة ، ويدي القاتلة ، من دائرة التهمة ، والبراءة من الجريمة التي تكللني بالعار ، ولكن كل ذلك لم يجد ، وهنا أوقف المسؤول السيارة ، وأخذ مني كل ما أملك من نقود ، وقال : غدا صباحا ستكون في موقع العمل ووراء مكتبك ، وان تأخرت بشوف شغلي معك ...!!!
كانت أزمة محرجة وضعني بها، وهي بحاجة إلى حكاية أخرى
أما عن الكنز ، فلا زالوا يبحثون عن ديك عشراوي جديد ، ولكن بدوني والسائق حسين...
وطار الطير وتظلوا يا جماعة الخير بألف خير...b]
تعليق