صفة أكله و طعامه - صلى الله عليه وسلم -(1)
• عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاوياً، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)(1).
• عن مسروق قال دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فدعت لي بطعام وقالت: ما أشبع من طعام، فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قال قلت: لم؟ قالت: (أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الدنيا والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم)(2).
عندما نلقي الضوء على مائدة خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم- خير هذه الأمة وأزكاهم عند ربه تبارك وتعالى فلن تطول القائمة بأصناف الطعام الفاخرة، وألوان الشراب الشهية، لا ولا الآنية الثمينة والسفر العامرة!.
لم تكن هذه اللذائذ حاضرة في ذهنه المشغول بالدعوة إلى الله تعالى، وتعليم شرعه، وبيان فرائض دينه، ولم تسيطر تلك الشهوة على قلبه المتعلق بالله تبارك وتعالى، وابتغاء مرضاته ، ولم تشغل من وقته إلا حيزًا يسيرًا بقدر ما يشبع رمقه، ويدفع جوعه، وربما بات ليالي طاوياً لا يجد ما يطعمه!
نعم لقد آثر أن يشبع يوماً ويجوع يوماً ليتقلب بين نعمتي الشكر والصبر، ذاق طعم الجوع، و لو شاء لسأل الله سبحانه كنوز الأرض ورغدها وطيب عيشها، ولكن ما له وللدنيا!!
فكم أنفق مما أفاء الله عليه من خيل، وركاب، وأموال على أصحابه، ومضى لبيته خليّاً، راجيا نعيم الآخرة، داعياً ربه: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)(3).
إن طلب القوت من الرزق و الإعراض عن المباهج ليس ازدراء لنعمة الله تعالى، أو تعاظما على فضله، كلّا وحاشا.
و لا يعني أبداً حبس النفس و مضّارتها بصدّها عن تحصيل حاجاتها الضرورية ، فقد أحل الله لنا الطّيبات من الرزق ، كما أنزل سبحانه في كتابه على رسوله - صلى الله عليه وسلم-: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقْكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيـِّباً و اتَّقُوْا اللهَ الَّذِيْ أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُوْنَ )(4)، وقال تعالى: (كُلُوْا وَاْشْرَبُوْا وَلاَ تُسْرِفُوْا )(5) ، وقد طعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اللحم و الثريد ، وأعجبه الدّباء والعسل، والشراب الحلو، ونحوها من المأكولات المعروفة في عصره ، لكنه لم يداوم على الأصناف الشهية المفضّلة عند عامة الناس ، بل أحب الزهد فيها، وطلب القوت من الرزق؛ تأصيلاً لمنهج التقوى والقناعة بما قسم الله تعالى، والارتباط القوي بالدار الآخرة، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وأن النعيم الآجل لا يدرك بالنعيم العاجل .
إن اقتصاده في العيش، و تعرّضه للجوع أياماً ، لم يحبطه و يحرمه الشعور بالسعادة، و لم يقعده عن النجاح في تحقيق أهدافه ، فقد نال أشرف المعالي بتبليغ الرسالة، وتعليم القرآن، وهداية الأمة إلى دين الله تعالى ، وبناء مجتمع صالح، والكثير الكثير من المنجزات الخالدة الفريدة ، بل هو السابق إلى كل خير ، والمؤسس لكل صلاح ديني !
ألا فلنتدبر هديه - صلى الله عليه وسلم- في تربية النفس على الكفاف في كل ما يتّصل بأمر الدنيا، و صيانتها عن الترفّه والإسراف ، والتعفف عن مذلّة السؤال، والحاجة إلى الناس، والرضى بما قدّر الله تعالى من الأرزاق والنعم .
و في هذا المعنى قال الشاعر:
دع الحرص على الـدنيا
فـإن الرزق مـقـسوم
فقيـر كـل ذي حرص
وفي العيش فلا تطمع
وسوء الـظن لا ينفع
غنيٌّ كـل مـن يقنع
(1) سنن الترمذي (2360) و سنن ابن ماجه (3347)، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(2) سنن الترمذي (2356) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(3) صحيح مسلم (1055).
(4) سورة المائدة آية: ( 88 ).
(5) سورة الأعراف آية : ( 31 ).
(2) سنن الترمذي (2356) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(3) صحيح مسلم (1055).
(4) سورة المائدة آية: ( 88 ).
(5) سورة الأعراف آية : ( 31 ).
تعليق